بمعنى:
هل يمكن لمن درس إدارة الأعمال أن يعمل بتخصصه في الإدارة العامة؟
الناظر للوهلة الأولى يجد أن الاسمين مختلفين والقاسم المشترك بينهما كلمة "إدارة"، والمتتبع أكثر يجد أن لكل تخصص من التخصصين السالفي الذكر معاهد وكليات، فتوجد المدرسة الوطنية للإدارة وهي موجهة لتخريج كوادر وإطارات لتسيير الإدارات العمومية في الجزائر
أما معاهد وكليات التسيير فهي متخصصة في تخريج إطارات يمكنه خلق مشاريع أو إدارة مشاريع خاصة.
بغض النظر عن سماح الحكومة الجزائرية لمتخرجي معاهد التسيير بمختلف التخصصات للمشاركة في مسابقات التوظيف للوظيف العمومي نريد إثبات أحقية وأولوية المتخرج من معاهد التسيير والاقتصاد عن المتخرج من المدرسة الوطنية للإدارة أو المعاهد الوطنية المتخصصة في تخريج إطارات موجهة خصيصا للعمل في القطاع العمومي
ويمكن إجمال ذلك في ما يلي :
أولا : اختلف علماء الإدارة في العلاقة بين إدارة الأعمال والإدارة العامة على ثلاث أقوال فمنهم من يرى أن إدارة الأعمال والإدارة العامة شيء واحد ولا اختلاف بينهما
والقول الثاني أن الخلاف في الشكل وليس في المضمون
وحسب رأيي أنه يرجع للقول الاول
والقول الثالث : هناك خلاف جوهري في المضمون والشكل وبالتالي حسب رأيي وحسب هذا القول الأخير لا يحق للمتخصص في إدارة الأعمال ان يعمل في القطاع العمومي الحكومي
نرجع إلى السؤال السابق في العلاقة بين الإدارتين
أقول يمكن إجمال عدم الفرق أو نتكبر أكثر على متخصصي الإدارة العامة فنقول أحقية المتخرج في تخصص إدارة الأعمال على المتخرج من الإدارة العامة فيما يلي:
أولا : نفس المهام والوظائف التي يقوم بها المتخرج من الإدارة العامة يقوم بمثلها المتخرج من إدارة الأعمال كالتخطيط والتنظيم والرقابة والتوجيه ..الخ من وظائف الإدارة بشكل عام.
ثانيا : قلت أولوية إدارة الأعمال على الإدارة العامة خاصة وأن التحول الآن إلى اقتصاد السوق يحتم على الدولة الاخذ بمعايير الربح والمنفعة الاقتصادية للمشاريع خاصة المؤسسات العمومية الإقتصادية وإلا ستعلن إفلاسها
ثالثا : إذا فرضنا أن الدولة متدخلة ولا يهمها المصلحة الاقتصادية بل تحقيق منافع اجتماعية ولو على حساب ربحية المؤسسات فهنا نقطة قوة للمتخرج من إدارة الأعمال لانه بطبعه يخطط للربح الاقتصادي فإذا أزلت عنه هذا الحاجز نقصت حدة الضغط عليه خاصة أثناء رسم الأهداف للمنظمات التي يديرها أو المصلحة التي يشرف علهيا .
رابعا : إذا فرضنا أن الدولة تعمل في احتكار مطلق كما هو ملاحظ في قطاعات كثيرة فخطر المنافسة قد زال وهذا ما يزيل ضغط كبير على المدير أو المسؤول لانه لا منافسة وبالتالي أي مستوى للخدمة أو المنتوج تقدمه الإدارة العمومية فهو مرضي - لان المواطن كالميت في يد مغسله-. وبالتالي لا يستطيع الحصول على تلك الخدمة أو المنتوج من مكان آخر.
خامسا : وأظنها من أقوى الحجج أن الإدارات العامة أو الحكومة بصفة عامة ممثلة في إدارتها المحلية تلجأ غلى التعاقد مع الخواص في تسيير بعض مرافقها العمومية لعلمها أن القطاع الخاص تحكمه معايير تعود بالفائدة عليها من حيث التسيير العقلاني للمرفق، والخبرة في التسيير وغيرها.
سادسا : الكثير من الدول ترجع إلى مسشارين تخرجوا من كليات إدارة الأعمال كالمكتب الاستشاري ماكنزي، ومايكل بورتر وغيرهم من رواد إدارة الأعمال .
سابعا : يقولون أن الاختلاف في معايير اتخاذ القرار ففي القطاع العمومي يكون نتيجة مدوالات ولاعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية بخلاف القطاع الخاص حيث ينظر للربح الاقتصادي
أقول أن هذا يمكن التحجج به سابقا قبل تطور المفاهيم حيث أصبحت المؤسسات بكافة أشكالها وأهدافها تسعى لخدمة المجتمع أو ما يسمى بالمسؤولية الاجتماعية للمنظمات فأصحبت تولي اهتماما بالبيئة وأعمال الخير زدعم الجمعيات والمشاركة في الحياة اليومية للممجتع ككل فأصبحت المؤسسات الخاصة أقرب للمجتمع من ذي قبل وغير في أهدافها ولم يبق الهدف الوحيد للمؤسسة هو تحقيق الربح.
ثامنا : يقولون أن الاختلاف في طرق التقييم أي ان المعيار الوحيد لتقييم القطاع الخاص هو الربح بينما القطاع العام هو تحقيق الخدمة للمجتمع مثلا جهاز الشرطة فلا يهم كم تصرف عليه ولا تحاسب على النفقات مادام هناك توفير لخدمة الامن في المجتمع والجواب ان القطاع الخاص قد غير في أهدافه ونظرته لسبب وجود المنظمة فليس الربح فقط هو سبب وجود المنظمة بل خدمة المجتمع والاقتراب منه أكثر ومشاركته همومه أكبر من ذي قبل
وكذلك لا يعقل أن نطلق الحبل على الغارب للنفقات بحجة توفير الخدمة ولا نقيم جهاز الشرطة مثلا على أساس الايرادات والنفقات ولا ننظر لإيراد جهاز الشرطة ولكن من حيث المبدأ لجهاز الشرطة إيراد ومداخيل وهو تحقيق الأمن وغيره من فوائد لهذا الجهاز
أو إدارة من الإدارات المحلية فلها مدخول وهو توفير خدمة للمواطن.
تاسعا : يقولون الاختلاف في المسؤولية فالقطاع العام مسؤول أمام جهات كثير منها الجهاز التنفيذي، أجهزة الرقابة، .. الخ اما القطاع الخاص فهو مسؤول أمام الإدارة العليا للمشروع
هذا قول غريب فالقطاع الخاص مسؤول أيضا أمام قوانين الدولة مثلا قانون الاستثمار وأجهزة رقابة الدولة
مسؤول أيضا أمام منظمات المجتمع المدني كالجمعيات الناشطة مثلا في حماية البيئة أو حماية الطفولة أو.... الخ.
مسؤول أمام التشريعات الدولية والقوانين الدولية
مسؤول أمام الجمهور بصفة عامة
وهذا ما تهتم به الإدارة الاستراتيجة أثناء دراستها للبيئة الخارجية للمنظمة
عاشرا : يقولون الاختلاف في الاساس المالي من حيث الايرادات فايرادات القطاع العام تتعدد وأوجه انفاقها تتعدد بينما القطاع الخاص ليس كذلك
اقول ان القطاع العام له بعض الايرادات السيادية كالضرائب والرسوم مثلا ولكن في المجمل يشترك مع القطاع الخاص في مصادر التمويل فقد يلجأ القطاع الخاص للاستدانة وكذلك بفعل القطاع العام
قد يلجأ للشراكة وكذلك الخاص
حتى ولو كان خلاف جوهري هنا فهو لا يؤثر بل هو في قوة حجة القطاع الخاص لان نجاح القطاع الخاص مع ضيق مصادر التمويل يؤهله لتسيير القطاع العام مع توسع في مصادر التمويل.
وكذلك في اعداد الميزانية للقطاعين تكون بنفس الشكل والمضمون
وعلى ذكر الميزانية فقد تكون نفقات أكبر من الايردات او ما يسمى التمويل بالعجز لاجل اهداف اقتصادية واجتماعية تراها الدولة فقد يوجد عجز في الميزانية وهذا العجز لا يمكن ان يبقى مستمرا والا سيصبح هيكلي وبالتالي الاصل في الميزانية هي التوازن
نفس الشيء للقطاع الخاص قد تمر عليه فترات يكون الانفاق اكبر من الايراد.
يبقى ما ذكرته وجهة نظر بعد فترة وجيزة من دراسة في حقل إدارة الأعمال فإن أصبت فهو توفيق من الله وإن أخطأت فهو من نفسي والشيطان
وتبقى هذه العموم الانسانية محل شد وجذب ووجهات نظر