إنّ ظهور و إنتشار مصطلح العولمة قد تزامن و سار بشكل متوازي مع إنتشار و توسع شبكة الإنترنت و وصولها إلى أكبر عدد من المستخدمين حول العالم ، و رغم أنّ المصطلح قد بدأ في الإنتشار بشكل ملحوظ و فعال في الربع الأخير من القرن الماضي ، إلا أنّ الخطوات العملية لسيادة مفهوم العولمة قد سبقته بما لا يقل عن ربع قرن . و لكي نفهم معنى العولمة يجب أن نرى ذلك المعنى في واقعه العملي ، حيث أن عولمة الشئ لغوياً هي جعل الشئ عالمياً . و تمثيل ذلك عملياً نراه في كل شئ حولنا تقريباً ، من حيث الطابع الإستهلاكي و سيادة الشركات متعددة الجنسيات و المؤسسات الماليّة و التجارية و الإعلامية الكبرى التي لا تعترف بالحدود بين الدول و لديها في كل دولة فرع او شركة صغيرة تعبر عنها و تسوق لمنتجاتها . و يلزم ذلك التسويق لمنتجات تلك الشركات الكبرى طبع جميع المستهلكين بالطابع ذاته من حيث طبيعة الإستهلاك ، و هنا يكون دور الإعلام و الغزو الثقافي و الفكري لجميع دول العالم خاصة النامية منها لجعل أكبر عدد ممكن من الناس مستهليكن للمنتجات التي تكون في أغلبها منتجات رفاهية في المقام الأوّل . و بالفعل نجحت تلك السياسات الإقتصادية و الثقافية التي صاحبها إرادة سياسية من حكومات الدول النامية و المتخلفة في جعل السكان مستهلكين من الدرجة الأولى دون تحديد أولويات الإستهلاك . فعلى سبيل المثال ستجد أنّ إعلانات و منتجات شركات المياه الغازية الكبرى في العالم موجودة في أفقر المناطق في آسيا و إفريقيا و أمريكا الجنوبية . و ستلاحظ على سكان تلك المناطق الطابع الغربي في الملابس و أنواع الموسيقى و ربّما السينما التي يشاهدونها ، في حين أنّهم قد يكونوا معرّضين في أي وقت لما يهدّد حياتهم من أخطار طبيعية أو بشرية بسبب نزاعات .
لقد جعلت العولمة من الأرض قرية صغيرة لا حدود فيها بين الدّول الكبرى و المتقدمة التي تعرف بدول المراكز و بين الدول النامية و الفقيرة التي تعرف بدول الأطراف ، و زاد من إنجاح تلك السياسات التقدم الكبير في المجال التكنولوجي الذي سمح بالغزو الثقافي من دول المراكز على دول الأطراف ، مما سبب ما يمكن أن يكون نمط واحد في الإستهلاك و الثقافة في العلم بأكمله ، لكن مع عدم وجود تقدم حقيقي في اقتصادات و ثقافة دول الأطراف مع تضخّم ثروات دول المراكز على حسابها .