عند تحذير الزملاء بوجوب الحذر من تأثير مسألة التفاوض على المنافسة، فلا يجب أن نأخذ المر بسطحية ... لأن من شأن التفاوض حقا أن يؤدي إلى نتائج تؤثر سلبا على شروط المنافسة.
لم يجب أحد منا حول حقيقة الدوافع التي تبرر لجوء المصلحة المتعاقدة إلى مثل هذا التفاوض أو لنسميه فقط طلب تخفيض العرض ... و لم يجب أحد منا عن الضوابط التي حددتها المصلحة المتعاقدة لإجراء عملية التفاوض هذه ... و لم يقل لنا أحد لماذا نحصر التفاوض في صاحب العرض الأقل و ما هو الأساس و السند القانوني الذي يبرر إستبعاد غيره من العارضين من الدخول في عملية التفاوض.
أكثر من ذلك لماذا يصر البعض منا على أن يعتبر مثل هذه الحالة بمثابة عملية تفاوض .. رغم أنه ليس فيها أي أثر للتفاوض .. بل هو مجرد طلب لتخفيض العرض حتى لا يتجاوز الإعتماد المالي المتوفر ... و لكن من منا فكر يوما في أن تخفيض العرض قد لا يكون هو الحل الأمثل لضمان حسن تسيير الطلب العمومي ... من منا وضع بعض الإحتمالات و الفرضيات التي من شأنها أن تلقي الضوء على الإنعكاسات السلبية لهذا التخفيض على حسن إنجاز المشروع في حد ذاته إذا كان هذا التخفيض سيرهق المتعامل المتعاقد ... من منا فكر و لو للحظة أن العيب ليس في العرض بل في سوء تقدير التكلفة التي تم على أساسها رصد الإعتمادات المالية.
نحن هنا في قسم الصفقات لا نناقش الأمور فقط من الزاوية المحاسبية ... لأننا نحصر دوما مسألة التفاوض في القيمة المالية للعرض ... أما التفاوض فهو أكبر من هذا و هو يشمل جميع مشتملات العرض المالية والتقنية و غيرها ... و مع ذلك ... لا نقول أن هذا ممنوع و ذاك مسموح ... نحن نناقش امرا لنلقي الضوء على جميع جوانبه المالية و الإدارية و القانونية و التقنية و غيرها من الجوانب التي ترتبط كلها بمسألة تسيير الطلب العمومي.
أما عن تساؤل الأخ ..... الذي قال فيه : " مادام ان القانون لم يحدد ضوابط لمثل هذا الاجراء، فقد ترك حرية مقيدة للتعامل به خارج الاوقات الممنوعة قانونا والمحددة بنص المادة.
ونحن نعرف ان ما لم يمنعه القانون صراحة فهو جائز.
فلما لا يأخذ به خاصة وانه من حميع النواحي يحقق فائدة ترجى للمصلحة المتعاقدة ، في ظل قبول الجهة الاخرى ( المتعامل المتعاقد ).
فالجواب يا أخي الكريم .. لا شيء يمنع ذلك ... و لكن هل تضمن دفتر الشروط ضوابط تبين حالات التفاوض و مشتملاته و الجهة التي تقوم به و كيف تقوم به و ما هي معاييره و كيفية التعامل مع نتائجه .. أم أن الآمر متروك لمسؤول لمصلحة المتعاقدة يفرض التخفيض على هذا و يعفي ذاك دونما ضابط و لا مرجع ... ثم إنني أطرح سؤالا .. لنفترض أن صاحب العرض الأقل قد رفض التخفيض ... هل تذعن المصلحة المتعاقدة لموقفه .. أم أنها ترفض عرضه .. و ما هي المبررات التي تستند إليها في رفض التعاقد مع عارض فائز ... ثم هل تعيد الإجراء في حالة الرفض أم أنها تتفاوض مع صاحب ثاني عرض ... و لكم أن تتصوروا عشرات الأسئلة التي لا يمكن افجابة عنها إلا من خلال بنود واضحة في دفتر الشروط .. و في غيابها سيكون من حق العرض الفائز أن يدخل المصلحة المتعاقدة في نزاعات لها اول و ليس لها آخر ... هل ستبرر المصلحة المتعاقدة موقفها بأن عرضه مفرط .. الواقع أن العرض ليس مفرطا .. بل الإعتماد المالي هو الذي لا يكفي ...
عموما يمكننا أن نناقش الموضوع إلى ما شاء الله ... و لكن حين يكون الخلل في الأمور المالية لا يجب أن نعمل على تطويع قانون الصفقات و لي مواده حتى تتفق مع الأمور المحاسبية ... بل على العكس من ذلك .. على التفكير المالي و المحاسبي أن يتأقلم مع قانون الصفقات ..
أعتذر عن طرح كل هذه التفاصيل .. ففي إعتقادي أن النقاشات التي تدور في المنتدى يجب أن تدفع إلى التفكير الذي يسمح لنا في كل مرة بأن نكتسب خبرة جديدة من خلال تبادل المعلومات ... و بطبيعة الحال النقاش في المنتدى لا يعني أن صاحب الرأي جهة رسمية رأيها ملزم ... فحبذا لو نميز بين النقاش و بين غيره.