في عالمٍ تطغى فيه التكنولوجيا، ويمثّل الكمبيوتر العقل المدبّر لمعظم الشركات، بات الموظّف رهينة شاشة تسرق منه بصره وصحته البدنيّة من خلال إحتجازه أمامها أقلّه 8 ساعات يومياً، يذهب بعدها إلى منزله منهكاً لا يعلم ما هي الأوجاع الجسديّة التي يشعر بها لكثرتها. ويأتي يوم العطلة، لنرى هذا الموظّف ممدداً طوال النهار على الكنبة يشاهد التلفاز، ظنّاً منه انه "يريح جسده ويعوّض شقاء كل الأسبوع". وهكذا، أصبحت قلّة الحركة الجسديّة أو "التمبلة" كما يسمّيها البعض، نمط حياة جديد يتسابق الموظّفون على تطبيقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قلة الحركة تؤدي إلى أمراض..
إن قلة الحركة البدنية تؤدي إلى أمراض وعوارض كثيرة، من أهمها البدانة والإرتفاع في معدل الكوليسترول العام، إضافة إلى أمراض القلب والشرايين والإرتفاع في ضغط الدم، بحسب ما أكد المعالج الفيزيائي إيلي طنّوس في حديث لـ"النشرة"، وهذا ما أشارت إليه الموظفة ستيفاني خليل التي إلتقتها "النشرة"، حيث لفتت إلى أن "الجلوس الطويل في المكتب أدى إلى شعورها بأوجاع في الظهر والرقبة"، لافتةً إلى انها "لا تتحرّك كثيراً في وقت الفراغ نظرا لضيق الوقت، إذ انها تبحث عن الراحة بعد دوام عملها".
أما طنّوس فأضاف أن "الطباعة المتواصلة تؤدي إلى أمراض "الروماتيزم" والتكلّس في الأصابع مما يؤدي إلى ورم وتشوّه في هذه المنطقة، إضافة إلى ألم في المعصم وتنميل في الأصابع، ودورة دموية غير منتظمة ينتج عنها ورم في الرجلين، وأمراض "الديسك" في الرقبة وأسفل الظهر مع أو من دون تنميل في اليدين والرجلين"، لافتاً إلى عوارض أخرى وهي التشنج في عضلات الرقبة والظهر مما ينتج عنه آلام في الرأس وشعور بالدوران ويؤدي على المدى البعيد إلى تكلّس في المفاصل وآلام مزمنة، إضافة إلى تشنّج في عضلات الفخذ الخلفية والرجلين ومرض ترقرق العظام جراء قلة الحركة وعدم التعرّض لأشعة الشمس

ــــــــــــــــــــــــــــــ
كيف يمكن معالجة الموضوع؟
لا شكّ ان الجلوس وراء المكتب لساعات طويلة يرهق الجسد ويعطّل مهامه الضرورية، إلا انه من الممكن معالجة هذا الموضوع من خلال إتخاذ خطوات من شأنها الحفاظ على الصحّة البدنية.
وفي هذا السياق، دعا طنّوس إلى "التوعية على أسس الجلوس بطريقة صحية من قبل المعالج الفيزيائي"، لافتاً إلى "وجوب القيام بتمارين رياضية بشكل منتظم، للتعويض قدر الإمكان عن قلة الحركة والجلوس الطويل في المكتب"، طالباً من الموظّف "تنظيم مركز العمل من خلال تعديل إرتفاع وعرض الكرسي والمكتب بحسب عرض وطول الموظف، والأخذ بعين الإعتبار وضعية الحاسوب والهاتف والأوراق والإنارة، وأخيرا حرارة الغرفة".
كما نصح بتمارين منتظمة للرقبة والظهر، مشدداً على ان "المعالج الفيزيائي في هذه الحالة هو الوحيد المخوّل ان يعلّم أو يدرّس هذه الحركات"، لافتاً إلى "ضرورة الخضوع لعلاج فيزيائي مرة أو مرتين في السنة للوقاية من أمراض "الديسك" وتشنج العضلات"، داعياً الموظّف إلى ان "يسند ظهره جيداً على الكرسي ويضع وسادة طبية على أسفل الظهر تحافظ على إنحناءاته، ينصح بها المعالج الفيزيائي، كما انه يجب ان يلقي رجليه على الأرض ويعدّل علو الكرسي بحسب علو المكتب، كما ان نظر الموظف يجب ان يكون على مستوى الحاسوب الموجود أمامه".
وفي الإطار عينه، إشتكت الموظفة ستيفاني خليل من المكاتب في عملها، معتبرةً انه "يجب تحسين الكراسي التي نجلس عليها للمحافظة على إستقامة الظهر ولتفادي الأوجاع".
وأضاف طنّوس: "مقابل كل ساعة عمل، يجب على الموظف ان يسير لمدة دقيقتين، وان يطبّق التمارين المعطاة له من قبل المعالج الفيزيائي، كما يجب ان يفحص نظره كل فترة لأن ضعف النظر يؤدي إلى أوجاع في الرقبة

ــــــــــــــــــــــــــــ
ما أهمية الرياضة في هذا الخصوص؟



للرياضة دور أساسي في الوقاية من كل الأمراض والعوارض التي ذكرناها، فمجرد اننا نركض، نمشي، نسبح، فإننا ننشط الدورة الدموية، ندرّب عضلة القلب، ونحرق الدهون ونشغّل العضلات ونحرّك المفاصل، كما أشار طنّوس.
ورأى ان "الموظف إذا كان كثير الحركة، فيجب ان تعتمد فترة راحته على النوم وقلة الحركة، أما الموظّف الذي يمضي يومه بالجلوس الطويل، حتى خارج المكتب، فعليه أن يكثر من الحركة في وقت فراغه".
الموظّفة ريمي سعد، التي تمضي 9 ساعات يومياً في العمل وراء المكتب، بدأت بإرتياد نادٍ رياضي 3 مرات في الأسبوع لتمارس رياضة منتظمة تقيها من أوجاع الظهر والجسد التي تشعر بها يومياً. وأشارت لـ"النشرة"، إلى ان "وقتها لا يسمح لها بممارسة هواياتها الرياضية، كالسباحة وكرة السلة وغيرها، لذلك وجدت ان النادي الرياضي القريب من منزلها هو المكان الأفضل لممارسة التمارين الرياضية"، لافتةً إلى ان "التسجيل في النادي الرياضي يجبرها على الإلتزام يومين أو 3 أيام في الأسبوع، ويبقى هذا الحل أفضل من النوم في وقت الفراغ أو "التمبلة".
أما بالنسبة للتمرين في النادي، فقال طنّوس: "ننصح فيه كحقل طبي، إنما من المهم التحمية الجيدة للجسد لمدة 10 دقائق مثلاً، وبعدها تحمية كل عضلة في الجسد قبل الشروع بالتمارين"، لافتاً إلى "وجوب الإنتباه لليونة، والتركيز على ليونة عضلات الفخذ الخلفية والرجلين وعضلات الصدر والرقبة"، مشدداً على "ضرورة توخّي الحذر والإنتباه لكل تمرين رياضي يقوم به الفرد، لأن أي حركة غير صحيحة تؤدي إلى عواقب وخيمة".


ــــــــــــــــــــــــــــ

النظام الغذائي..



التمارين الرياضية لا تكفي للحفاظ على صحّة الموظّف الذهنية ولياقته البدنية، إذ انه يجب إتباع بعض القواعد الأساسية التي تتعلق بالنظام الغذائي، كما أثبتت دراسة ألمانية حديثة. وأشارت الدراسة إلى ان "أولى هذه القواعد تتمثل في تناول كميات كبيرة من السوائل، لا سيما المياه، حيث يسهم ذلك في الحفاظ على اللياقة البدنية للجسد، ويجعله أكثر قدرة على تحمل أعباء العمل".
كما حذرت الموظفين من "تناول أطعمة خفيفة بصورة متكررة خلال فترات العمل، لا سيما الحلويات"، مشددةً على "ضرورة أن يحاول الموظفون الابتعاد عن الحلويات بصفة خاصة أثناء العمل، إلا في حالات استثنائية فقط وبكميات معتدلة"، ناصحةً بـ"ضرورة أن تتصدر منتجات الحبوب الكاملة قائمة هذه الأطعمة، حيث تعمل الكربوهيدرات المعقدة الموجودة بداخلها على إطلاق السكر في الجسم بشكل تدريجي، ومن ثم تقوم بإمداد الدماغ بالطاقة بصفة مستمرة".


 

لمكان العمل دور مهم في تحسين الانتاجية، لذا يعد توفير بيئة العمل الآمنة والصحية الخالية من الأمراض المهنية، التي قد تصيب الموظفين، من أهم التحديات التي تفرض نفسها على الشركات. وفي هذا الخصوص، صدرت الكثير من الاتفاقيات والتشريعات التي تهدف إلى تأمين البيئة الصحية الخالية من الأمراض في مكان العمل، كي لا تصبح أمراض المهنة ضريبة صحية يدفعها الموظفون

ـــــــــــــــــــــــــــــ

منقــــــــ للأهمية القصوى ــــــــول