الأساس القانوني لحق الاداره في السحب
من المسلم بــه إنالمشرع لم يمنح الجهة الاداريه الحق فــي سحب ما تصدره مــن قرارات, إلا من اجلمنحها فرصه لتصحيح الأوضاع المخالفة للقانون ورد تصرفاتها إلى نطاق المشروعيةوتحقيق الصالح العام. ولكن ما هو ذلك الأساس القانوني, الذي يعطي الحق للجهةالاداريه في ســـحب بعض ما تصدره من قرارات, هل هـــو تحقيق مبدأ المشروعية أمتحقيق الصالح العام أم الرغبة فـــي ضرورة استقرار الأوضاع والمراكز القانونيةللإفراد, اختلف الآراء الفقهية التي قيل بها لتبرير حــق الاداره في سحب قراراتهاالمعيبة فردوها إلى عــــده نظريات وذلك على النحو التالي:

النظرية الأولى : نظرية المصلحة الاجتماعيةإن المستقر في القضاء الإداري أن سحب القرارات, قــد شــرع لتمكين الجهة الإدارية مـــن تصحيح خطاء وقعت فيه, ويقتضي ذلك أن يكونالقرار المراد سحبه قد صدر مخالفا للقانون , أما إذا قام القرار الإداري على أسسصحيحةمستوفيا شروطه القانونية فانه يمتنع على جهة الاداره سحبه, لانتفاء العلةالتي مـــــن اجلها شرعه قواعد السحب وذلك احتراما للقرار واستقرارا للأوضاعوتحقيقا للصالح العـــــام , وقــــد اجمع الفقه المصري والفرنسي على أن القرارالمعيب يتحصن من السحب والإلغاء, بمرور مدد الطعن القضائي دون الطعن عليه بالإلغاءحيث يصبح القرار في هذه الحالة مشروعا. ويــري الدكتور عبد القادر خليل, أنالمصــلحة العامة هـــــي الأســاس القانوني لحق الاداره فــــــي سحب قراراتهاالاداريه, فالمصلحة العامة هدف عام يجب أن تسعي الاداره إلى تحقيقه أثناء مباشرهســـــلطتها وإدارتها للمرافق العامـــة, فان تجاوزته فان تصرفها يـوصم بـــعيببالانحراف . فأصحاب هذه النظرية, يذهبون إلى أن الأساس الذي من اجله منحت الادارهالحق فــي سحب قراراتها, هو ضرورة استقرار المراكز والأوضاع القانونية للإفراد لانفي ذلك وبلا شك تحقيقا للصالح العـــام (أو المصلحة الاجتماعية للإفراد) فهم يغلبونمبــــدأ اســتقرار الحقوق والمراكز القانونية على, مبدأ المشروعية واحترام القانونلان فـــــــي مراعاتها ضمان حسن سير المرافق العامة بانتظامواطراد.
النظرية الثانية : نظريه احترام مبدأالمشروعيةيتزعم هذا الاتجاه العميد ديجي فيذهب سيادته إلى أن الأساسالقانوني لحق الاداره في سحب قراراتها المعيبة هـــو مبدأ المشروعية . وعلي هـذاالمبدأ يجب على الاداره أن تلتزم فـــي إصدار قراراتها باحترام مبدأ المشروعية , وان يكون هــــذا المبدأ هو المهيمن على كافه تصرفاتها, فإذا هـــي خالفته بالخروجعليه وجب عليها الرجوع فـــــي قراراتها المخالفة للقانون , ولا تثريب عليها إن هيعادت إلى حظيرة القانون في أي وقت. ويقول العميد ديجي أن هذا المبدأ ليس له , ولايمكن أن يكون له , ولا يجب أن يكون له , أي استثناء وانطلاقا مــن هذا المبدأ , فلجهة الاداره حـــق الرجوع فــــي قراراتها أو تصحيح الأخطاء القانونية التي تقعفيها في كل وقت وانه ليس لأحد أن يشكو مـن سحبها لقراراتها الاداريه لان هذه السلطةإذا تقررت فـهي مقرره لمصلحه الأفراد , وانه إذا اضر هذا السحب بأحد فيكفي أن يقررله الحق في التعويض. وانتهي العميد ديجي إلى أن مبدأ المشروعية يجب أن يكون هـوالاعلي ومـن ثم له الاولويه والغلبة دائما, على مبدأ المساس بالمراكز الفرديةالمكتسبة كلما حدث تعارض بينهما وحجته فـــــي ذلك , إن القرار الباطل لا يولدحقوقا , وبناء على ذلك يري إمكان سحب القرار الباطل فـــــي كل وقت, تحقيقا لمبدأالمشروعية والقول بغير ذلك يعرض مبدأ المشروعية للخطر, وهو ما لا يمكن التسليم به. وفي رأيي, إن ما نادي به العميد ديجي لا يمكن التسليم بـه في كافه جوانبه, لأنهيغالي في الدفاع عن مبدأ المشروعية ويجعله على مـــــن اعتبارات ضرورة استقرارالأوضاع والمراكز القانونية للإفراد, فهو يري أن مــــن حق الجهة الاداريه الحق فيالسحب في أي وقت وغير مقيده بمده معينه مدام أن القرار معيب. فهذا أن كان من شانهأن يودي إلى احترام مبدأ المشروعية, إلا انـــــه سوف يودي إلى زعزعه استقرارالمراكز والأوضاع القانونية للإفراد, ويؤدي إلى الإضرار بالصالح العام فيالنهاية.



الأساس المقترحفي رأيي انه لا يمكن التسليم بأينظريه مــــن هذه النظريات السابقة منفردة, لان كل منها يدافع عن جانب دون الوضع فيالاعتبار الجانب الأخر, فالرأي الأول يدافع عــن مبدأ ضرورة اســتقرار الأوضاعوالمراكز القانونية, وتغليبه على مبدأ المشــــروعية واحتـرام القانون أما الرأيالثاني فيدافع بقوه عــــن مبدأ المشروعية واحترام القانون, وإهدار مبدأ استقرارالأوضاع إذا تعارض مع المشروعية. وانـــه يكون من الأفضل الجمع بين المعيارينالسابقين, ومحاولة التوفيق فيما بينهم كأســـــاس قانوني سليم لحق الجهة الاداريهفــــي سحب قراراتها المعيبة, فيكون الأساس كالأتي (( ضرورة استقرار المراكزوالحقوق القانونية للإفراد مــع الوضع فــــي الاعتبار ضرورة العمل على احترام مبدأالمشروعية)).

ومن أحكام قضائنا الإداري والذي يؤيد هذه الوجهة من النظر (( من المقرر في قضاء هـــذه المحكمة بان سحب القرارات الاداريه لا يجوز حصوله بعدانقضاء ستين يوما على صدورها , ولا اعتبار لما تدفع بـــــه الحكومة من أن المسالةلا تعدو أن تكون خطا وقعت فيه عند حساب مدة خدمه المدعي بسبب عدم دقه الموظفينالمختصين , فلما استبان لها هذا الخطأ أصلحته ورده الأمر إلى نصابه الصحيح أخذابالقاعدة الاصليه , إن الخطاء لا يجوز إغفاله والإبقاء عليه وهــــو لا يكسباحـــــد حقا ويضفي عليه مركزا قانونيا جدير بالاحترام , لأنه يقابل هذه القاعدةقاعدة أصليه أخري , هي أحق بالرعاية وأولي بالتقديم ومـــــن مقتضاها كفالهالاستقرار وتوفير الطمانينه لحفظ المراكز القانونية وجعلها بمناي عــــن الزعزعةوالاضطراب ولو كانت مشوبة بعد فوات الوقت الذي عينه القانون للطعن عليها من جانب ذيالشأن عن طريق دعوا الإلغاء........)).

وفـــــي حكم آخر لقضائنا الإداري "إذا تحقق بناء على القرار مــــراكز قانونية فردية تستلزم صالح العمل واستقرارانتظام العاملين وحســن ســير المرافق العامة التي تتولاها الإدارة , إن تستقر تلكالمراكز القانونية وتتحصن مـــا دامت قد فاتت على الاداره فرصه تصحيحها خلال مدهالطعن القضائي".

وفـــي حكم أخر " مـــــن المبادئ المقررة انه لا يجوز لجهةالاداره سحب قرار إداري أصدرته فـــي حدود اختصاصها أو العدول عنه متي ترتب على هذاالقرار حق للغير إذا مضـــت المواعيد المقررة للطعن فيــه بالإلغاء إذا بمضيهـــــذه المواعيد يكتســب القرار الإداري حصانه لا يجوز بعدها سحبة أو إلغاؤه لأيسبب كان ولـــــــو كان خطا أو مخالفا للقانون.

ومن استقراء الإحكامالسابقة, يتبين لنا بوضوح إن القضاء مستقر على مبدأ ضرورة اســتقرار الأوضاعوالمركز القانونية للإفراد, مع الوضع في الاعتبار ضرورة عدم إهمال مبدأ المشروعيةواحترام القانون , فوضع ميعاد للطعن فـــــي القرار المعيب أو التظلم منة يعتبر بلاشك توفيق بين الاعتبارات المختلفة.