الإيمان درجات ... و قمة الإيمان حب الله و عبادته عن قناعة أنه أهل للعبادة .... فتلك قمة الإيمان بالله سبحانه و تعالى ... و لا يتعارض ذلك مع الإيمان خوفا و طمعا ....
و قد قال الله تعالى واصفا المؤمنين " أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ريهم الوسيلةَ أيهم أقرب و يرجون رحمتَه ويخافون عذايه إن عذاب ربك كان محذورا)
و هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمر أمته أن يسألوا له في وقت الإجابة ـ عُقيب الأذان ـ أعلى منزلة في الجنة، وأخبر أن من سألها له حَلَّت عليه شفاعته.
وقال له سليم الأنصاري: " أما إني أسال الله الجنة، وأستَعيذ به من النار، لا أُحسِنُ دندنتك، ولا دندنة معاذ! فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أنا ومعاذ حولها ندندن"!.
وفي الصحيح، في حديث الملائكة السيارة: أن الله تعالى يسألهم عن عباده ـ وهو أعلم بهم ـ فيقولون: أَتيناك من عند عبادك يهللونك و يكبرونك و يحمدونك، و يمجدونك، فيقول ـ عز وجل ـ: وهل رأوني؟ فيقولون: لا يا رب، ما رأوك، فيقول ـ عز وجل ـ: كيف لو رأوني؟ فيقولون: لو رأوك لكانوا لك أشد تمجيدا، قالوا: يا رب، ويسألونك جنتك، فيقول: هل رأوها؟ فيقولون: لا، وعزتك ما رأوها، فيقول: فكيف لو رأوها؟! فيقولون: لو رأوها لكانوا لها أشد طلبا، قالوا: ويستغيثون بك من النار، فيقول ـ عز وجل ـ: وهل رأوها؟! فيقولون: لا، وعزتك ما رأوها! فيقول: فكيف لو رأوها؟! فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد منها هربا، فيقول: إني أشهدكم أني قد غفرت لهم، وأعطيتهم ما سألوا، وأعذتهم مما استعاذوا".
والقرآن والسنة ممليئان بالثناء على عباده ـ تعالى ـ وأوليائه بسؤال الجنة ودرجاتها، والاستعاذة من النار والخوف منها.
وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه: " استعيذوا بالله من النار" وقال لمن سأله مُرافقته في الجنة: "أ أعني على نفسك بكثرة السجود".
و هذه رابعة العدوية في أشهر دعائها تقول :
" إلهي .. أنا فقيرة إليك .. أتحمل كل ألم و لكن عذابا أشد من هذا العذاب يؤلم روحي ويفكك أوصال الصبر في نفسي .. منشورة ريب في خلدي ...هل أنت راض عني............تلك هي غايتي ... اللهم اجعل الجنة لأحبائك.....والنار لأعدائك ......أما أنا فحسبي أنت...
اللهم إن كنت أعبدك خوفا من نارك فاحرقني بنار جهنم وإذا كنت أعبدك طمعا في جنته فاصرمنيها ....أما إذا كنت أعبدك من أجل محبتك فلا تحرمني من رؤية وجهك الكريم
إلهي ...أنارت النجوم ونامت العيون و غفل الغافلون وغلقت الملوك أبوابها وخلا كل حبيب بحبيبه ،،و هذا مقامي بين يديك..
إلهي..ما أصغيت إلى صوت حيوان ولا حفبف شجر ولا خرير ماء ولا ترنيم طير و لا تنعم ظل و لا دوي ريح ولا قعقعة رعد إلا وجدتها شاهدة بوحدانيتك على أنه ليس كمثلك شيء
إلهي ....بك تقرب المتقربون في الخلوات ، ولعظمتك سبحت الحيتان في البحار الزاخرات و لجلال قدسك تصافقت الأمواج المتلاطمات .. أنت الذي سجد لك سواد الليل و ضوء النهار والفلك الدوار والبحر الزهار ، وكل شيء عندك بمقدار.....لأنك الله......العلي القهار
إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي
إلهي ..إن رزقي عندك وما ينقصني أحد شيئا ولا يسلبه مني إلا بقضائك ....والرزق منك....فاللهم أسألك الرضا بعد القضاء
إلهي ... هذا الليل قد أدبر .. والنهار قد أسفر ..فليت شعري .. هل قبلت مني ليلتي فأهنأ أم رددتها على فأعزى ، فوعزتك هذا دأبي ما أحييتني وأعنتني...
اللهم إني أعوذ بك من كل ما يشغلني عنك .. ومن كل حائل يحول بيني وبينك....إلهي إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ............................. إلى اخر الدعاء
و إن كان هناك من المحققين من ينكر نسبة هذا الدعاء لرابعة العدوية و يقولون أن فيه إستخفاف بالنار .. و يقولون أن عدم الخوف من النار بمثابة عدم خوف من الله ... و عدم سؤال الجنة تكبر على جزاء الله سبحانه و تعالي...
إنما ما أردناه بالقول أن نحسن الظن بالله أن نعبده لأنه جدير بالعبادة و أن نحبه أكثر مما نخاف منه...
و تمعن اخي الكريم هدانا الله و إياك إلى حبه و خشيته في هذه الآيات و الأحاديث :
قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم "
أنظر كيف رد الله سبحانه و تعالى على من يرتد عن دينه ... سيأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه .. و لم يقل يخافونه ... وهذه الآية تخاطب قوما فقدوا الخوف من عقاب الله فرد عليهم الله سبحانه و تعالى بأنه قادر على إستخلافهم بقوم فيهم ما هو أكثر من الخوف منه و هو حب الله ... و الله سبحانه و تعالى حين يحدثنا عن قدرته لا يكتفي ببيان قدرته على الإتيان بالمثل بل بالأفضل ... و حب الله بالتالي أفضل من مجرد الخوف منه....
و ختاما أخي الكريم ... أسأل الله أن يتحاوز عنا الخطأ و الزلل .. و أن يلهمنا حبه و خشيته ... و ان يجعل أجرنا النظر إلى وجهه الكريم يوم القيامة .... و والله إن عذابه أهون من الخزي و نحن يديه نسأل عن هذه المعصية و تلك .. حين يعدد الله نعمه علينا و حين يعدد مقابلها معاصينا ... أي خزي بعد أن يخاطبنا الله " يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم "