ـ يعيش - المخلصون فقط - من مديري ومديرات المدارس على ثغرة من ثغور التربية والتعليم بل لا أبالغ إذا قلت أنهم سر نجاحها وفشلها فلا يمكن أن تحقق الوزارة أو إدارات التربية والتعليم أي هدف من أهدافها إلا بواسطة الناجحين منهم .
وهؤلاء الناجحين دفعوا ضريبة نجاحهم .. فالمدرسة تعيش على حسابهم المادي والمعنوي والنفسي والأسري والصحي, فلا يوجد مدراء - مخلصين - إلا وبذلوا لمدارسهم المال الكثير ومن جيوبهم الخاصة .. وقضوا فيها وقتاً طويلاً خارج دوامهم الرسمي , وكم تابعوا أعمالهم الإدارية وهم في منازلهم , بل وهم في إجازتهم وراحتهم وبين أسرهم , وكم تعرضوا للتحقيق والاستجواب والتأنيب والعقوبات الإدارية التي تهز من شخصياتهم وكرامتهم بسبب أن الجميع يطالبهم بأن يكونوا معصومين من الخطأ وأنه عليهم أن يقفوا أمام عدد من الطلاب والطالبات والذي تزيدين أعدادهم على المئات دون أدنى خطأ ومن أخطأ فسيكون عبرة لغيره .
الكثير من مديري ومديرات المدارس الذين يحترقون من أجل مدارسهم لم يسلموا من الأمراض المستعصية كالضغط والسكر والقولون العصبي والشيخوخة المبكرة ؟ كيف لا ؟
وهم يحمّلون أنفسهم أكثر من طاقتها لأجل الوصول بمدارسهم للنجاح والتميز .. وكم تعرض ويتعرض أولئك لحملات التشويه والافتراء من بعض الفئات البائسة والمتذمرة والموجودة في أغلب المدارس والذين يتفننون بالهروب من أعباء العمل والتملص من المسئولية ولا يجدون وسيلة للدفاع عن أنفسهم إلا بواسطة ذلك الأسلوب .
مما يجعل المدير أو المديرة فاكهة مجالسهم ومحور حديثهم كل ذلك لأنهم يطالبونهم بالعمل ويسعون للانضباط والجدية , وكم وقف أولئك المخلصون في مواقف محرجة أمام زملائهم المعلمين والمعلمات في بعض حاجاتهم وظروفهم الوجيهة والتي يقف النظام حاجزاً أمام تسهيلها بسبب ضعف الصلاحيات .
أيضا يرى هؤلاء المديرون والمديرات أنفسهم مكان الاتهام بالتعنت والنظام عندما يعيشون بين مديري ومديرات رسموا الفوضى في مدارسهم وتركوا الحبل على الغارب فلا انتظار ولا انتظام بالحصص ولا صلاة في المدرسة ... الخ ، كل هذا في جهة والجهة الأخرى المواقف السلبية من الإشراف التربوي تجاه المدير والمديرة خاصة في أوقات الحاجة والذي يعدل كل هذه المعاناة .
ولو وجهنا سؤالاً لمديري ومديرات المدارس .. ما المقابل لمثل هذه الأعباء والمسئوليات والهموم والمشاكل و ..... ؟
خاصة أنه لا فرق بينهم وبين المعلم الذي يؤدي درسه ويقضي نصف وقته خارج المدرسة, والمرشد الطلابي وأمين المصادر وباقي منسوبي المدرسة الذين ينسون المدرسة حال وضع أقدامهم عند بوابتها الخارجية بعد نهاية الدوام ؟ لوجدت الإجابة لا شيء سوى الهموم والمشاكل .
ولذا كان أفضل وسيلة للراحة والسلامة وحفظ الكرامة والعيش في الوسط الاجتماعي والتعليمي , هو ترك الإدارة والاستمتاع في أي مجال وهذا هو واقع الكثير من المؤهلين لقيادة المدارس ؟
ولو وجهنا سؤالاً أخر لهم ما الذي يمكنكم من التكيف مع هموم الإدارة والصبر عليها ؟
لسمعناهم يهتفون وبصوت واحد نحن بحاجة إلى من يقف معنا ويشاطرنا همومنا ويساندنا ويواسينا وينصرنا , حيث إننا نود أن نكون جميعاً في خندق واحد للنهوض بأبنائنا وأوطاننا .
يريد أولئك المخلصون أن يشعروا بالأمان وهم في مدارسهم ويريدون أن يكون من الدوافع للعمل والإبداع حسن التعامل واللطف والإشادة بكل عمل مميز من الإشراف التربوي .. يريدون خطة واضحة وطريقة لا تتغير وغير قابلة للاجتهاد .. يريدون وقفة صادقة وتمثيل قوي لهم عند الأقسام الأخرى لتسهيل أعمالهم وطلباتهم والدفاع عن حقوقهم والتماس الأعذار لهم وتسهيل معاملاتهم ... يريدون كلمة طيبة وصدراً ًواسعاً وابتسامة مشرقة .. يريدون يداً حانية رحيمة خاصة عندما يبلغ بهم الإحباط واليأس مبلغاً كبيراً بسبب عظم المسئولية وضخامة العمل .
كم يتمنون أن تصل لجولاتهم رسالة شكر وعرفان منكم يا مشرفي ومشرفات الإدارة المدرسية ترتفع بها معنوياتهم وتدفعهم للأمام .
يريدون مشرفاً إدارياً حليماً يمتص الغضب ويُحسن التصرف ويجيد الحوار وملم بالأنظمة والقوانين ويجيب على كل الأسئلة .. ويعتبر الملاذ والمعين بعد الله .. ويكون الأخ الذي من خلال أدبه وصبره وحسن أخلاقه يجعل المدير يسترخص كل شي يقدمه للمدرسة والطلاب ... فما يضر المشرف والمشرفة من فتح خط ساخن مع المدراء والمديرات للتواصل والمساندة ؟
كم هو جميل أن يكون من برامج الإشراف الإداري رسائل دورية عبر الجوال تكون تربوية وإدارية وتوجيهية وتثقيفية تساهم في توثيق الروابط وتُشعر بالقرب وترفع من المستوى وتساهم في التطوير .
لماذا لا تكون زيارات الإشراف الإداري للمديرين والمديرات المخلصين زيارات أخويه إذا رأى ما يعجبه شكر وأثنى، وإن كان غير ذلك نبه وذكّر بكل شفافية .
فمما يجعل الكثير من مديري ومديرات المدارس يزهدون بالإدارة حينما يسمعون شيئاً والواقع يجدونه شيئا آخر ؟
ويزهدون بالإدارة أيضاً حينما يكون مشرفو الإدارة يتقنون فن الهروب وتكرار كلمة لا نعرف ولسنا مسئولين .
ويزهدون بالإدارة أيضاً إذا شاهدوا الموازين في التقدير والنقل والشكر لمن هم لا يستحقون إنما لمعايير خارج دائرة التربية والتعليم .
ويزهدون بالإدارة أيضاً إذا كانوا لا يشعرون بالأمان فمرة يٌنقل المدير بدون سبب ومرة بسبب المصلحة ومرة للحاجة ؟
ويزهدون بالإدارة أيضاً إذا كان المشرف يقف موقف المتفرج أمام معاناة المدير وكأنه لا يعنيه .
ويزهدون بالإدارة أيضاً إذا كان المشرف يطلب من المدير المجتهد والمخلص أن يكون معصوماً من الخطأ .
ويزهدون بالإدارة أيضاً إذا كان المشرف يتعامل بفوقية ويُشعر المدير أن كرسي الإدارة هبة وهدية خاصة وإنه عليه أن يحمد الله أنه مازال يتربع على ذلك العرش وأن هذا العرش بفضل الله ثم بفضل المشرف وإدارة التربية ؟
ويزهدون بالإدارة أيضاً حينما يُفرض عليهم وكيلاً متسيباً أو غير مؤهلاً ؟

* ـ وأخيراً نقول يا مشرفي الإدارة المدرسية أنتم المسئولين والمباشرين للمديرين والمديرات ولكم نصيب من الأجر والثواب الذي يكون بسبب إخلاصهم لمدارسهم ؟
يكفي أن نرمي بالفشل الذي نعيشه في بعض المدارس على الآخرين ونهرب من بعض الحقائق ؟
يكفي تمسكاً بالموروث القديم والتوقيع على السجلات والزيارات الخاطفة ومحاولة تصيد الأخطاء وتسجيلها وتدوينها والفرح بها .
نريد خطة واضحة تهدف إلى تطوير الطالب علمياً وسلوكياً بحيث يكون التركيز على تقييم المديرين والمديرات بمقدار ما يبذلون للطالب وليس لأمور أخرى .
إن الميدان التربوي بحاجة إلى مديرين ومديرات يسعون لتطوير العملية التعليمية من جميع الجوانب فكل مدير ومديرة لابد أن يكون مستعد للإجابة الواقعية على الأسئلة الأولى للمشرف الإداري الواعي .
ماذا قدمت يا مدير المدرسة من برامج لعلاج الضعف الدراسي ؟
وما هي الأفكار التي نفذتها لمعالجة السلوكيات وما هي المشاريع التي تساهم في تطوير الطالب المتميز ؟
وما هي البرامج التي طبقتها للرفع من مستوى المعلمين وتدريبهم ؟
كل هذه الأسئلة سيكون لها إجابات عند مديري ومديرات المدارس إذا كان المشرف والمشرفة يحملون هم هذه القضايا وساهموا برفع مستوى المدير عبر علاقتهم الطيبة وعبر برامجهم الجميلة التي يقدمونها بكل وسيلة .
إن النجاح الحقيقي في الإشراف الإداري هو استقطاب الشخصيات المؤهلة للإدارة ومعرفة التعامل معها حتى تكون المدارس بهم آمنة وناجحة وليس سد الفراغ ثم الانشغال بمعالجة المشاكل الناتجة عن ذلك الفراغ .

* ـ أخيراً :
* ـ رسالة إلى المسئولين في إدارات التربية والتعليم .
إذا أردتم إيجاد مدارس ناجحة ومتميزة فالخطوة الأولى هي البحث عن مدير ناجح ؟
وإذا وجدنا مديراً ناجحاً فعلينا أن نُحسن التصرف معه بعدها سنقضي على اغلب المشاكل في المدارس وسننجح في بناء عملية تربوية تُعطي مخرجات عالية التميزوالجودة .


غازي محمد الجهني