مدى مسؤولية الموظف العام على تنفيذ الأوامر الرئاسية غير المشروعة
مقــــدمة:
إن قانون الوظيفة العامة, قانون حديث النشأة, فلم تكن للموظف العام قبل بداية القرن العشرين حقوقا على النحو المتعارف عليه في يومنا هذا, وإنما كان يخضع لسلسلة من الواجبات, مستمدة من ضروريات سير المرفق العام بإنتظام وإضطراد, وما يقتضيه سلطان الدولة.
ولقد أدى إنتشار الأفكار الإشتراكية إلى إتساع مضمون الضمانات التأديبية وتغلغلها في كيان الجريمة التأديبية ذاتها, فأصبح المشرع يتدخل في تحديد شروط قيام المسؤولية التأديبية, ويضع ضوابط للعقاب التأديبي, وما يشابهه من سلطة أخرى مُنحت للإدارة من أجل المحافظة على الصالح العام, ولكن من شأنها أن تضر بمصالح وحقوق الموظف, إلى جانب تنظيم الإجراءات بطريقة لا تدعو إلى اللبس أو الشك, وعليه تنشأ علاقات وظيفية, من بينها القائمة بين الرئيس والمرؤوس حيث تعتبر أساس من أسس الإلتزام بالطاعة.
وهذه العلاقة تفرضها طبيعة الوظيفة أو العمل الإداري وتقوم على عنصرين أساسيين هما: وجود سلطة مختصة قانونا بإصدار الأوامر والتوجيهات, وكذلك بالمقابل وجود من يقوم قانونا بتنفيذ هذه الأوامر, إذن لضمان سير المرافق الإدارية بطريقة تضمن إستمرارها, كان لا بد من وجود سلوك العاملين المرؤوسين بإنتظام وإطراد وفقا لما تقتضيه مبادئ أو أهداف العمل الإداري, وطبقا لما يُحتّمه مبدأ سلامة وشرعية العمل الإداري من الناحية الإيديولوجية والقانونية والإجتماعية, ويمارس الرؤساء الإداريون سلطة الأمر والنهي على مرؤوسيهم بواسطة عملية إصدار الأوامر والتعليمات والمنشورات, وجميع إجراءات التنظيم الداخلي للمرفق, التي تبين للعاملين المرؤوسين, تفسير القوانين واللوائح المتعلقة بوظائفهم وإلتزاماتهم المنوط بهم تطبيقها, وسنتعرض في بحثنا هذا تعريف وإعطاء نظرة واضحة للأمر الرئاسي وكيفية تنفيذه, ويكون ذلك كالآتي:
الفصل التمهيدي: المبادئ العامة التي تحكم نظام الوظيفة العامة في التشريع الجزائري.
الفصل الأول: نتعرض فيه إلى السلطة الرئاسية وواجبات الموظف.
الفصل الثاني: نتعرض فيه إلى الطبيعة القانونية للأوامر الرئاسية ومدى مسؤولية الموظف.
والإشكال الذي يطرح بهذا الصدد:
- هل أن الأوامر الرئاسية الصادرة عن الرئيس, يخضع لها المرؤوس بشكل تام؟
الفصل التمهيدي: المبادئ العامة التي تحكم نظام الوظيفة العامة في التشريع الجزائري.
إن الموظف بإعتباره ممثلا عن الدولة ومتصرفا بإسمها ومستعملا لشعارها وختمها, ومن هذا المنطلق فقد حرص المشرع الجزائري من خلال التشريع, على أن تكون العلاقة الوظيفية بين الموظف والإدارة على أحسن حال, والمحافظة على إستمراريتها وديمومتها, فمثلا نجده قد حدد حقوق الموظف و واجباته تجاه الإدارة, كما منح مكافئات وحوافز لكل مجتهد في عمله, كما حدد كذلك شروط تولي الوظيفة العامة, ولهذا فسنتناول في هذا الفصل مبحثين:
المبحث الأول: ماهية الموظف العام.
المبحث الثاني: طبيعة العلاقة القانونية بين الموظف العام والإدارة.
المبحث الأول: ماهية الموظف العام.
لم يرد في غالبية التشريعات الحديثة تعريف محددا ودقيقا للموظف العام, بالرغم من المكانة التي حضى بها في ظل الدولة الحديثة " المتدخلة ", ونظرا لتزايد الإهتمام به أصبح أمرا واضحا وجليا, مقارنته بما كان في ظل الدولة القديمة " الحارسة ", فبتزايد المرافق وإتساع نشاطها, وتعدد مهامها, إستوجب ذلك الحاجة الملحة لغلاف بشري ليعمل على تسيير هذه المرافق, والحرص على دوام سيرورتها.
ومن هذا المنطلق, بدأ الإهتمام بنظرية الوظيفة العامة إلى حد يمكن معه القول أن: " الوظيفة هي وعاء السلطة العامة " (1).
ولذلك فإن عدم وضع تعريف محدد لا يعني قصورا في التشريع, أو تجاهلا أو إغفالا من المشرع, وإنما تجنبا منه للخوض في متاهات قد تشغل دوره الأساسي لذلك, فقد ترك مهمة ذلك لرجال الفقه والقضاء, وعليه فقد كان حسنا فعل عند تركه للتعاريف للفقه والقضاء, وهذا من أجل تحديد الأدوار في مجال القانون, وكي تبرز المفاهيم أكثر ولوضوح الخلفيات للوظيفة العامة, والموظف العام ولهذا سنحاول عرض أهم ما جاء في الفقه والقضاء, بخصوص تعريف الموظف العام فيما يلي:
المطلب الأول: تعريف الموظف العام فقها وقضاء.
أولا الفقه: إن من بين الفقهاء الذين حاولوا تعريف الموظف العام الفقيه: « Duguit » حيث يرى أن الموظفون العموميين هم عمال المرافق العامة, الذين يساهمون بطريقة دائمة, وعادية في تسييرها العميد.
إذ يعتبر هذا التعريف واسع وشامل, قد يشمل أشخاص لا يمكن إعتبارهم موظفين عموميين, كالأشخاص الذين يعملون في مرافق تجارية وصناعية.
كما يعرف محمد حامد الجمل الموظف العام بأنه: " كل فرد يلتحق بإدارة قانونية بصفة غير عرضية, في خدمة مرفق يديره شخص وطني من أشخاص القانون العام بالطريق المباشر.
ومن خلال هذا التعريف, يمكن إستخلاص النقاط التالية:
(1)- الدكتور محمد أنس قاسم, مذكرات في الوظيفة العامة, الطبعة الثانية, ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر, 1989, ص04.
1- صدور أداة قانونية بإلحاق شخص طبيعي.
2- أن يكون عمل الشخص دائما, أي بصفة غير عرضية.
3- أن يكون في خدمة مرفق عام.
4- يدير هذا المرفق أحد أشخاص القانون العام وبطريقة مباشرة.
وهناك أيضا تعاريف أخرى:
أ- المفهوم الموسع للموظف العام:
وهو كل شخص يتولى وظيفة أو مهمة تابعة للدولة, بصرف النظر عن العلاقة التي تربطه بالإدارة, وبصرف النظر على كون الوظيفة أو المهمة دائمة أو مؤقتة.
ومن أمثلة التعاريف التي تساير المفهوم الموسع للموظف العام:
- الموظفون العموميون هم عمال المرافق العامة.
- الموظف العام هو كل شخص يتقاضى مرتبا من ميزانية الدولة.
ب- المفهوم الضيق للموظف العام:
وفقا لهذا المفهوم, فالموظف العام ليس كل من يتولى وظيفة أو مهمة تابعة للدولة, وإنما هو شخص له صفات وميزات أخرى, تميزه عن بقية الأعوان الآخرين, من حيث صفته وطبيعة الجهة الإداري التي ينتمي إليها, وطبيعة العلاقة التي تربطه بها.
وفي ذلك يرى الدكتور محمد سليمان الطمّاوي: " أن صفة الموظف العام لا يمكن أن تطلق على الشخص ولا يمكن أن تسري عليه أحكام وقواعد ومبادئ الوظيفة العمومية, إلا إذا تم تعيينه في عمل مستمر ودائم, وفي خدمة مرفق عام تديره الدولة أو السلطة الإدارية, بشكل مباشر ".
ثانيا القضاء:
يعرف القضاء الإداري الفرنسي الموظف العام بأنه: الشخص الذي يُعهد إليه بوظيفة دائمة داخلة ضمن الوظائف الخاصة بمرفق عام (1).
وعرفت المحكمة الإدارية العليا في مصر الموظف العام على أنه: وهو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة, أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى, عن طريق شغله منصبا يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق (2).
(1)- الدكتور سيد محمد يوسف المعداوي, دراسة في الوظيفة العامة في النظم المقارنة والتشريع الجزائري, ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر 1984, ص32.
(2)- الدكتور أحمد بوضياف, الجريمة التأديبية للموظف العام في الجزائر, المؤسسة الوطنية للكتاب, الجزائر 1986, ص51.
وطبقا لهذا التعريف, فإنه يعتبر الشخص موظفا عاما, إذا قام بعمل دائم, أي أن يشغل وظيفة دائمة, وبذلك يُستثنى الأشخاص الذين يعملون مع الإدارة بصفة عارضة أي مؤقتة.
ويرى الدكتور محمد فؤاد مهنا, أنه لا يلزم لإعتبار الوظيفة دائمة, أن تكون لها درجة في الميزانية, وأن تكون بالتالي داخلة في التدرج الهرمي المقرر في الوزارة أو المصلحة, إذ يجوز أن يكون لبعض الوظائف في وزارة ما, نظام قانوني خاص يخرجها من نطاق البنيان الهرمي المقرر للوظائف بصفة عامة, ويُفردها بوضع خاص دون أن يفقدها كما هو الحال مثلا بالنسبة لوظائف المحلفين في مصلحة القطن في مصر(1).
وفي هذا الصدد يلاحظ أن الموظفين الذين يشغلون وظائف دائمة بمقتضى عقود محددة المدة, هم في نظر الفقه والقضاء الفرنسيين موظفون عموميون تتوافر فيهم الشروط التي أقرها في هذا الشأن (2).
كذلك يعتبر موظفا عاما, الشخص الذي هو في خدمة مرفق عام, وبالنسبة لمجلس الدولة الفرنسي, فإنه يشترط في المرفق العام أن يكون إداريا, لكي يعتبر عماله موظفين عموميين, أما المرافق العامة الصناعية والتجارية فقد فرق بين عمالها, وأصبحت صفة الموظف العام على من يشغل وظائف التوجيه والرئاسة والمحاسبة, أما باقي العمال فقد إعتبرهم أُجراء يخضعون للقانون الخاص, وتختص بمنازعتهم المحاكم المدنية.
إلا أن في الحقيقة لا وجود لمبرر لهذه التفرقة, وذلك للدواعي التالية:
فمن الناحية العملية, يصعب التمييز بين وظائف التوجيه والرئاسة والمحاسبة, وبين غيرها من الوظائف, وليس هناك معيار واضح يبين الحدود الفاصلة بينها (3).
ويتضح أن المشروع الفرنسي في قانون التوظيف الصادر في: 19/10/1946 لم يقضي على هذه التفرقة, وإنما يبدو أن المشرع قد أخرج هؤلاء من عد الأشخاص الذين ينطبق عليهم أحكامه, وقد فعل ذلك أيضا بالنسبة لبعض الفئات الأخرى كرجال الجيش والقضاء, إلا أنه ليس معنى ذلك أن هؤلاء لا يعتبرون موظفين عموميين, إذ مازال أمر هذه التفرقة متروكا للقضاء (4).
الرأي الراجح فقها وقضاءا:
وهو التعريف الذي يعرف الموظف العام بأنه: " كل شخص يساهم في خدمة مرفق عام, تسيره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام, وذلك عن طريق شغله بصفة دائمة منصبا يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق (5).
ومن هذا التعريف يمكن إستخلاص العناصر الأساسية الواجب توافرها في الشخص, حتى يتم وصفه بالموظف العام, ونلخصها فيما يلي:
1- أن يكون العمل بصفة دائمة: فالأصل في العلاقة الوظيفية هو " الدائمية " وبذلك يخرج من وصف الموظف العمومي الشخص الذي يعمل مع الإدارة بصفة مؤقتة وعارضة, بموجب عقد يبرم بين شخص من أشخاص القانون الخاص والإدارة, أو ما يسمى بـ " عقد الإمتياز ".
(1)- الدكتور محمد فؤاد مهنا, القانون الإداري في ظل النظام الإشتراكي الديمقراطي التعاوني, المجلد الثاني, طبعة 1967, ص759.
(2)- الدكتور أحمد بوضياف, المرجع السابق, ص 52.
(3)- الدكتور محمد أنس قاسم, المرجع السابق, ص10.
(4)- الدكتور توفيق شحاتة, مبادئ القانون الإداري, الطبعة الأولى, 1955, ص54.
(5)- الدكتور محمد أنس قاسم, المرجع نفسه, ص05.
2- خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام: إضافة إلى الشرط السابق, يشترط في الموظف, القيام بخدمة مرفق عام, تسيره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام, سواء كانت محلية كالولاية والبلدية أو مرفقية كالهيئات والمؤسسات العامة.
3- أن يكون معينا من السلطة المختصة: إضافة إلى الشرطين السابقين, فإنه يعتبر موظفا عاما, من تم إلحاقه بالعمل بطريقة قانونية إدارية, فلا يكفي صدور إسم المرشح في قائمة الناجحين بالمسابقة الوظيفية وإلا أعتبر مغتصبا, أو منتحلا لها, كذلك الأمر بالنسبة للموظف الفعلي, والذي لا يعتبر موظف (1).
المطلب الثاني: موقف التشريعات.
يختلف تعريف الموظف العام ومفهومه من دولة إلى أخرى, وذلك راجع لعدة عوامل منها: إختلاف الوظائف العمومية نفسها وما تتميز به كل وظيفة من أهمية: الموقع الجغرافي للدولة, النظام والمستوى الإقتصادي والإجتماعي, النظام السياسي المتبع, تطور ومرونة القانون الإداري, الأمر الذي يجعل من الإستقرار على تعريف واحد أمر مستحيل التسليم به لفترة زمنية طويلة جدا.
أ- في فرنسا:
ظهرت في هذا المجال مجموعة من القوانين أهمها:
قانون 11 جانفي 1984, المتعلق بالوظيفة العمومية للدولة, حيث إعتبرت المادة الأولى منه أنه: " متعلق بكل موظفي الإدارة والوحدات الإقليمية ".
وهم حسب المادة رقم: 02 منه: " كل الموظفين المعنيين في وظيفة دائمة والعاملين كل الوقت, والشاغلين لرتبة في السلم الإداري, بالإدارات المركزية للدولة والمصالح الخارجية المستقلة, والمنشآت العامة للدولة بإستثناء القضاة والعسكريين, كما جاء في المادة الثالثة من هذا الأخير.
ب- في مصر:
الملاحظ أن المشرع المصري لم يعطي للموظف العام أي تعرف دقيق وموحد, في مختلف القوانين الخاصة بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية, فنجد على سبيل المثال: القانون رقم: 47 لسنة 1978 في مادته الأولى الفقرة الأخيرة: " يعتبر عاملا في تطبيق أحكام هذا القانون كل من يعين في إحدى الوظائف المبيّنة لموازنة كل وحدة ".
هذا النص لم يعرف الموظف العام, وإنما أعاد صياغة ما كان منصوص عليه في قوانين مماثلة سابقة, في القانون رقم: 1951, قانون 1964, وقانون 1971.
ت- في الجزائر:
لم يرد في قانون الوظيفة العامة الجزائري تعريفا محددا للموظف العام, ولذلك نقول أنه قد سلك مسلك المشرع الفرنسي والمصري, وإكتفى في المادة الأولى من الأمر رقم: 66/133 المؤرخ في: 02 جوان 1966 بالنص على أنه:
(1)- الدكتور محمد أنس قاسم, المرجع السابق, ص07.
" يعتبر موظفين الأشخاص المعينين في وظيفة دائمة الذين رسموا في درجة التسلسل, وفي الإدارات المركزية التابعة للدولة والمصالح الخارجية التابعة لهذه الإدارات والجماعات المحلية, وكذا المؤسسات والهيئات العمومية, حسب كيفيات تحدد بمرسوم " (1).
أما المرسوم رقم: 85/59 المؤرخ في: 23 مارس 1985 المتضمن القانون الأساسي النموذجي لعمال المؤسسات والإدارات العمومية, فقد إكتفى هو الآخر بتحديد الفئة التي تخضع له, وكذلك الهيئات مجال تطبيقه, وهو ما نصت عليه المادتين رقم: 02 و 03 منه.
ونفس الشيء في الأمر رقم: 06/06 المؤرخ في: 15 جويلية 2006, المتضمن القانون الأساسي للوظيفة العامة.
حيث هو كذلك إكتفى بتحديد مجال تطبيقه في المادة رقم: 02 منه بقولها:" المؤسسات والإدارات العمومية ", كما إستثنى فئات معينة لا تخضع له وهي: القضاة, المستخدمون العسكريون, المدنيون للدفاع الوطني ومستخدمو البرلمان.
إلا أنه جاء في المادة رقم: 04 منه في الفقرة الأولى " يعتبر موظفا كل عون عُيّن في وظيفة عمومية دائمة, ورُسم في رتبة في السلم الإداري ".
وجاء في الفقرة الثانية منها " الترسيم هو الإجراء الذي يتم من خلاله تثبيت الموظف في رتبته ".
وإذا أردنا التحدث عن محاولات رجال الفقه في الجزائر حول إعطاء تعريف للموظف, ففي هذا الصدد, يرى الأستاذ مصطفى الشريف, أن الوضع في الجزائر ما يزال في بدايته, بحيث لا نكاد نجد أي تعريف محدد وحقيقي للموظف, بإستثناء بعض التعليقات والشروح الخفيفة (2).
وفيما يأتي عرض لأهم التعريفات لأقطاب الفقه في الجزائر:
حيث يرى الأستاذ: أحمد محيو أن الموظفين هم من يوجدون في وضع قانوني تنظيمي حسب المادة الساسة من قانون الوظيف العمومي, والذي يتميز بأنه قابل للتعديل بقانون جديد يطبق عليهم تلقائيا.
وما يلاحظ على هذا التعريف أنه ربط مفهوم الموظف العام بنص المادة رقم: 06 من القانون الأساسي للوظيف العمومي, أي أنه إعتبر كل شخص تربطه علاقة لائحية تنظيمية بالإدارة موظفا عاما, إلا أنه تعريف غامض وناقص, فهناك فئات يتم تعيينهم وفقا لقواعد لائحية تنظيمية, ولا يمكن وصفهم بوصف الموظف العام, كفئة القضاة مثلا, وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من نص المادة الأولى من القانون الأساسي للوظيفة العامة.
ويرى الأستاذ: عبد الرحمان الرميلي أن الأعوان العموميون هم: الأشخاص الذين إرتبطوا بالإدارة بموجب عمل قانوني وحيد الطرف أعدته الإدارة لأجلهم, وحددت فيه حقوقهم وواجباتهم, ودون أن يشاركوا مباشرة ولا بصفتهم الشخصية في إعداده.
وما يُعاب على هذا الرأي, أنه إعتبر أن مركز الموظف تتحكم فيه الإدارة, أي الحقوق والواجبات, وهذا غير صحيح لأن ذلك من مهمة التشريع, فهو الذي يتولى النص على كافة الحقوق التي يتمتع بها الموظف العام, وكذلك الواجبات الملقاة على عاتقه, وهذا ما لا نجده في قرار التعيين.
(1)- المادة الأولى من الأمر رقم: 66/133, الصادر في: 02/06/1966, المتضمن القانون الأساسي للوظيفة العامة.
(2)- مصطفى الشريف, أعوان الدولة, الشركة الوطنية للنشر والتوزيع, الجزائر سنة 1981, ص 36.
الفئات المستثناة من قانون الوظيفة العامة.
رجوعا إلى نص المادة الأولى من قانون الوظيفة الجزائري في فقرته الثانية, نص فيها المشرع على الفئات المستثناة من هذا القانون وهي: القضاة, الجيش الوطني الشعبي, القائمون بشعائر الدين.
1- القضاة: ويرجع ذلك للأسباب التالية:
أن القضاة يساهمون في ممارسة السلطة العمومية, ويستفيدون من نفس النظم التي يستفيد منها الموظفين, والمتعلقة بالمرتبات والضمان الإجتماعي, والتقاعد, ومع ذلك فإن رجال القضاء لا يمكن إخضاعهم لقانون الوظيفة العامة, ويعود ذلك لسببين رئيسيين:
الأول: يتعلق بإحترام حصانة رجال القضاء, وإستقلالهم في ممارسة وظائفهم, وهذه ميزة هامة ترتبط بممارسة الوظيفة (1).
الثاني: والذي له طابع نفساني محض, متمثل في إضفاء هيبة خاصة على وظيفة القاضي, لأن القاضي رمز للعدالة وهو الذي يشرف على تطبيقها, لهذا وجب أن يحضى بالتقدير والإحترام من جميع الأفراد والهيئات في الدولة.
2- الجيش الوطني الشعبي: هي الفئة الأخرى المستثناة من القانون الأساسي, بسبب الطابع الخاص للأحكام التي يجب أن تسري على الجنود (2).
فخلافا لما هو عليه في الحياة المدنية, فالجيش تحكمه إعتبارات ذات طابع خاص نظرا للطبيعة الخاصة للوظيفة العسكرية.
ونظرا لحساسية الدور الذي يلعبه أفراد الجيش, بإعتبارهم الدرع الواقي للبلاد, والحريصين على هيبتها ومكانتها, وجب تمييزهم عن الموظفين العاديين, وإخضاعهم لنظام صارم يوكل للإدارة العسكرية السلطة التقديرية الواسعة, خاصة فيما يتعلق بحالات الإنتقال والإحالة على الإستيداع.
3- القائمون بشعائر الدين: هي الأخرى فئة إستثناها المشرع من القانون الأساسي للوظيفة, ويرجع ذلك للشروط الخاصة المتعلقة بتكوينهم وترقييتهم ونظام أجورهم (3).
ونظرا لكون هذه الفئة تمارس وظيفة دينية, تختلف عن سائر الوظائف الأخرى, ولأن هذه الوظيفة تمس أمور الأفراد الدنيوية والأخروية, فإن المشرع رأى ضرورة إفرادها بنظام قانوني خاص, ينظم شؤونها ومهامها, بعيدا عن الوظيفة الإدارية, وإذا كان المشرع الجزائري في قانون الوظيفة العامة, لم ينص على تعريف محدد للموظف العام, إلا أنه حدد الشروط العامة الواجب توافرها في المتقدم للخدمة, حتى يمكن قبوله كموظف, وهي عادة ما تتعلق بولاء الموظف لدولته, وفيما يلي سنحاول عرض أهم الشروط الواجب توافرها في الموظف.
المطلب الثالث: شروط التوظيف.
أولا شرط الجنسية: تقصر الدول المختلفة وظائفها العامة على المواطنين, حرصا منها على سلامتها وأمنها, وهذا ما نصت عليه المادة رقم: 25 من قانون الوظيفة العامة, بقولها: " لا يمكن لأي شخص أن يغين في وظيفة عمومية:
(1)- الدكتور محمد أنس قاسم, المرجع السابق, ص12, 13.
(2)- الدكتور سيد محمد يوسف المعداوي, المرجع السابق, ص49.
(3)- الدكتور محمد أنس قاسم, المرجع نفسه, ص13.
1- إذا لم يكن له الجنسية الجزائرية, منذ عامين على الأقل مع الإحتفاظ بالأحكام المنصوص عليها في المادة رقم: 75 أدناه.
2- إذا لم يكن يتمتع بحقوقه الوطنية وحسن السيرة والأخلاق.
3- إذا لم تتوافر فيه شروط السن واللياقة البدنية المفروضة لممارسة الوظيفة.
ومن خلال هذه المادة يمكن إستنتاج أن الوظائف العامة تعد مظهرا لممارسة الحقوق السياسية التي لا يتمتع بها المواطنون, وفي هذا الصدد يجب التمييز بين الوطني والأصيل والمتجنس, فالأصل العام أن لا يتمتع المتجنس بنفس الحقوق التي يتمتع بها الوطني, إلا إذا أثبت ولاءه لوطنه الجديد.
ثانيا شرط السن: يجب أن يكون العامل قد بلغ من العمر حدا يسمح له بممارسة وظيفته إذ لا يتصور أن يتم إلحاق طفل مميز بوظيفة عامة, لم يبلغ سن الرشد بعد.
ثالث شرط اللياقة البدنية: حتى يكون العامل قادرا على القيام بأعباء منصبه, إذ تنص المادة الأولى من المرسوم رقم: 66/144 (1). على شروط اللياقة البدنية للقبول في الوظيفة العامة بقولها:
" لا يُعيّن في وظيفة عمومية من لا يقدم للإدارة:
1- شهادة طبية صادرة من طبيب محلف في الطب العام, تثبت خلو المعني من أي مرض أو عاهة لا تلائم مهام الوظائف, وتثبت علاوة على ذلك بعد الفحص الجاري الموجه بصورة خاصة نحو إكتشاف أمراض عقلية أو إصابات بالسرطان, " السل لم يكشف أي أعراض مرضية.
2- شهادة طبية صادرة من طبيب الأمراض الصدرية, تثبت خلو المترشح من إصابته بالسل أو شفائه النهائي منه.
رابعا شرط حسن السيرة والسلوك: حتى يكسب ثقة المواطنين ويؤتمن على السلطات العامة, التي يخولها له مركزه, والأمر لا يحتاج لإثبات سوء السمعة أو عدم طيب الخصال, وهذا ما نصت عليه المادة رقم: 25 من قانون الوظيفة العامة:
إذا لم يكن يتمتع بالحقوق الوطنية وحسن السيرة والأخلاق.
خامسا شرط التمتع بالحقوق السياسية: يقصد بالحقوق السياسية, تلك التي يقررها القانون لشخص ما, بإعتباره عضوا في جماعة سياسية ما, ومن حقه المشاركة في تسيير شؤون الحكم داخل هذه الجماعة, وهو ما أكدته الفقرة الثانية من المادة رقم: 25 من قانون الوظيفة العامة.
وبالرغم من هذه الشروط المذكورة أعلاه إلا أنها أضيفت لها شروط أخرى بموجب الأمر رقم: 06/03 المؤرخ في: 15 جويلية 2006, المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العامة, حيث تنص المادة رقم: 75 منه على الشروط التالية:
1- شرط الجنسية: يقتصر حق التوظيف والترشح للوظائف العامة كمبدأ عام في الدول المعاصرة, على المواطنين الأصليين دون الأجانب, معنى ذلك أنه لا يمكن لشخص أجنبي ممارسة هاته الحقوق المعترف بها للمواطن الأصلي, ولكن قد تلجأ بعض الدول إلى التمييز بين المواطنين الأصليين والمواطنين بالتجنس ذوي الجنسية المكتسبة, حيث لا يمكن للمتجنسين مباشرة بعض الوظائف إلا بعد مرور مدة زمنية معينة على إكتســــابهم الجنسية, وذلك حتى يثبت ولائهم وحسن نيتهم للدولة التي منحتهم جنـــــسيتها (2).
(1)- المرسوم رقم: 66/144, المؤرخ في: 02 جوان 1966, المتضمن القانون الأساسي للوظيفة العامة.
(2)- أنظر المادة رقم: 75 من الأمر رقم: 06/03 ,المؤرخ في: 15/07/2006, المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العامة.
2- التمتع بالحقوق المدنية: ويقصد بها تلك الحقوق التي يقررها القانون للشخص بإعتباره عضو في جماعة سياسية حتى تُخوّل له الإشتراك في شؤون الحكم, ومثالها:
حق الإنتخاب, حق الترشح, حق تولي الوظائف العامة.
ولهذا الشرط علاقة بالشرط السابق, شرط الجنسية, لأن الحقوق المدنية لا تمنح للأجانب إلا بعد إكتسابهم للجنسية ومرور وقت معين ومحدد على ذلك.
كما أن لهذا الشرط علاقة بقانون العقوبات, حيث تنص بعض مواد هذا الأخير على حرمان الشخص من حقوقه الوطنية, من خلال ما يعرف : بالعقوبات التبعية " التكميلية ".
3- خلو شهادة السوابق العدلية " القضائية " من أية ملاحظة تتنافى وممارسة الوظيفة المراد الإلتحاق بها: يمكن القول أن المشرع الجزائري حسن فعل, لما إشترط وثيقة أو شهادة السوابق القضائية, عكس ما تضمنه المرسوم رقم: 85/59 حينما إشترط أن يكون المترشح ذا سيرة حسنة, مع أنه لم يحدد ضوابط حسن السيرة والسلوك, في حين نجده في نص المادة رقم: 75 من الأمر رقم: 06/03, قد إشترط صراحة وبصورة مسبقة أن يقدم الشخص شهادة السوابق القضائية, على أنه إشترط من خلالها أن لا تحمل هذه الأخيرة أية ملاحظة تتعارض والوظيفة المراد الإلتحاق بها, كأن يكون قد ثبت إدانته في جريمة إختلاس أموال عمومية, وتمت معاقبته على ذلك, والوظيفة المترشح إليها محاسب مثلا.
4- أن يكون في وضعية قانونية تجاه الخدمة الوطنية: توضيح وضعية المترشح تجاه الخدمة الوطنية, مسألة مهمة سواء بالنسبة للإدارة أو للمترشح, ذلك أن المترشح الذي يوظف ويرسم, ثم يذهب لآداء الخدمة الوطنية يوضع قانونا في حالة إنتداب وفقا للمرسوم رقم: 85/59 , أما حاليا, فوضعية الخدمة الوطنية وضعية مستقلة عن ذلك, غير أن الإشكال عمليا أن الأمر رقم: 06/03 تنص على أنه:" يحدد المترشح وضعيته تجاه هذا الأخير دون شرط أن يكون قد أدى أو أُعفي من هذا الواجب ", غير أنه وبالرجوع للواقع العملي نجد أن الأمر يختلف تماما, حيث جاءت التعليمة رقم: 02 المؤرخة في: 25/01/1997 المتعلقة بالإثبات المسبق, للوضعية تجاه الخدمة الوطنية عند التوظيف, وتسليم بعض الوثائق الإدارية, وزادت الأمر سوءا وتعقيدا, فبغض النظر عن مخالفتها الصريحة سواء للمرسوم رقم: 85/59, وبالتحديد المادة رقم: 31 من الأمر رقم: 06/03 التي قد قسمت فئة الشباب حسب السن:
- أقل من 18 سنة: لا يشترط بشأنهم أي إثبات, مع العلم أن السن الأدنى للترشح هو: 18 سنة.
- فوق 18 سنة وأقل من 20 سنة: يشترط بشأنهم تقديم شهادة الإحصاء (1).
- 20 سنة وأكثر: يشترط بشأنهم إثبات عدم الإلتزام, تجاه الخدمة الوطنية, ويكون ذلك من خلال, إما تقديم ما يثبت آداء الخدمة الوطنية أو شهادة الإعفاء أو شهادة عدم التأهيل أو شهادة القبول مع عدم التجنيد.
5- شرط السن والقدرة البدنية والذهنية: لقد حدد الأمر رقم: 06/03 السن الأدنى للإلتحاق بوظيفة معينة وهي: 18 سنة كاملة عكس المرسوم رقم: 85/59, حيث نص على شرط السن, إلا أنه لم يقم بتحديده, وعلى العموم يمكن إثبات هذا الأخير عن طريق تقديم شهادة الميلاد.
(1)- أنظر المادة رقم: 31 من الأمر رقم: 06/03, المذكور سابقا.
أما القدرة البدنية والذهنية, فيكون ذلك بتقديم شهادات طبية, تثبت خلو المترشح من أي مرض قد يعيق أداءه المهني, ويمكن للإدارة إجراء فحص طبي عند التوظيف في بعض الأسلاك.
أهمية الفحص الطبي:
التأكد من القيام بالأعباء الوظيفية.
الوقاية من إنتشار بعض الأمراض.
تأمين الدولة عامة والإدارة خاصة من الناحية المادية.
بل نجد الإدارة في بعض المناصب تشدد علا سلامة المترشح عن طريق إجراء بعض الفحوصات الطبية لا سيما منها ما يتعلق بالبصر والرؤية.
6- شرط المؤهل العلمي: وقد يتنوع هذا الشرط بين المؤهل العلمي والمؤهل الفني أو التقني, فما يصلح لوظيفة ما قد لا يصلح لوظيفة أخرى, وهذا أمر طبيعي جدا, كون المناصب تختلف ودرجات السلم الإداري متنوعة, ومختلفة, فما يجب أن يشترط لشغل درجة معينة من درجات السلم الإداري, لا يشترط في درجات أقل.
المبحث الثاني: طبيعة العلاقة القانونية بين الموظف العام والإدارة.
لقد قام خلاف في الفقه والقضاء الإداريين حول تحديد الطبيعة القانونية لعلاقة الموظف بالإدارة, غير أنه يمكن إجمال هذا الخلاف في إتجاهين رئيسيين:
الأول يقول بأن أساس العلاقة تعاقدي, والثاني يقول بأن أساسها لائحي تنظيمي, والسؤال المطروح: بأي إتجاه أخذ المشرع الجزائري؟ وما هي حجته في ذلك؟.
المطلب الأول: تكييف العلاقة الوظيفية على أنها علاقة تعاقدية.
يعد هذا الإتجاه هو السابق في الظهور, حيث إعتبر العلاقة التي تربط الموظف بالإدارة علاقة عقدية يحكمها عقد مبرم بين طرفين, يحتوي إيجاب من طرف الإدارة وقبول من طرف الموظف, إذ بإتحادهما يتم العقد, ومن جهة أخرى يرى بعض الفقهاء طبيعة العقد إلى إعتباره عقد من عقود القانون الخاص, وهناك من يعتبره عقد من عقود القانون العام, ولكل منهما حجج في ذلك وسنبينها فيما يلي:
أ- العلاقة من القانون العام: ظهرت هذه النظرية تحت تأثير النظريات الألمانية التي إعتبرت أن العقد المدني الذي يربط الإدارة بالموظف فكرة غامضة وقاصرة عن تحقيق أهدافها, خاصة مع تعارضها وسير الإدارة بإنتظام وإطراد.
وقد أرجعت العلاقة إلى كونها علاقة عقدية تدخل ضمن نطاق القانون العام, فيكون العقد بذلك عقدا إداريا وليس عقد مدنيا (1). يتناسب مع ما تتمتع به الإدارة من إمتيازات وسلطات تمكنها من تحقيق المصلحة العامة, يجوز فيه للإدارة أن تعدل العقد, ولا يجوز للموظف أن يطالب بفسخ العقد بمجرد مخالفة الإدارة لبعض الشروط, إلا أن هذا الرأي قد أنتقد على النحو التالي:
1- تكييف العلاقة على أساس العقد الإداري, يتعارض وسير الإدارة بإنتظام وإطراد وجوهر الوظيفة العامة, بإعتبار أن مركز الموظف منظم من خلال النصوص القانونية.
(1)- الدكتور محمد أنس قاسم, المرجع السابق, ص15.
2- إعتبار العقد الإداري يدخل ضمن عقود القانون العام, يجوز فيها للإدارة تعديل العقد, لأن هذا لا يتم إلا في ضوء قيود عديدة منها وجود ظروف تتطلب التعديل, وأن تقوم بتعويض المتعاقد, أيضا يشترط أن لا يكون التعديل مخالفا لشروط العقد (1).
ب- العلاقة من القانون الخاص: ومعنى ذلك أن العقد المبرم بين الإدارة والموظف عقد من نوع خاص, وبالتالي فالعلاقة تكون ذات طبيعة خاصة.
إذ ساد هذا الرأي فقها وقضاءا في أواخر القرن 19, وفي مصر حتى عام 1940 على إعتبار أن القانون المدني غلب باقي موضوعات القانون الإداري, فمركز الموظف هنا مماثل لمركز أي متعاقد آخر في نطاق القانون الخاص, فالموظف قبل الإلتحاق بالوظيفة بعد أن وافقت الإدارة على ذلك القبول, وقد كانوا يطلقون عليه عقد إجازة أشخاص عندما يقوم الموظف بعمل مادي, وعقد وكالة إذا كان العمل المنوط به هو عمل قانوني (2). فهناك مساواة بين الإرادتين:
1- تعيين الموظف يكون بقرار إداري يصدر من الإدارة بالإرادة المنفردة دون مفاوضات تجرى بين الطرفين.
2- الإدارة في ظل المفهوم التقليدي للعقد " العقد شريعة المتعاقدين ", لا تستطيع تعديل مركز الموظف إلا بموافقته وفي هذا تعطيل لسير الإدارة بإنتظام وإطراد, فلا يمكنها تفسير مركزه حتى ولو كان هذا يخدم الصالح العام.
3- المبدأ العام في العقد المدني " نسبية آثار العقد "’ أي عدم إمتدادها إلى غير المتعاقدين, بينما في إطار الوظيفة العامة تمتد آثار العمل الذي يقوم به الموظف في حال تقصيره تجاه الإدارة إلى الأفراد.
4- إعتبار قرار التعيين فيه تجاهل للقوانين واللوائح وغيرها من النصوص القانونية المتحكمة في مركز الموظف.
نقد: هذه النظرية لم تأتي بالجديد وإنما زادت العلاقة التي تحكم الموظف بالإدارة وضوحا, الأمر الذي جعلها عرضة لكافة الإنتقادات التي وردت على النظريات التعاقدية.
ت- نظرية العقد المدني لموظفي الإدارة المالية, وعقد القانون العام لموظفي السلطة العامة " نظرية نيزار " : تفرق هذه النظرية بين موظفي الدولة إلى موظفي السلطة العامة وموظفي الإدارة المالية.
موظفي السلطة العامة: وفقا لذلك فالموظف يدخل الخدمة في تصرف إداري, منفرد من الدولة ويختص بإصدار قرارات قانونية, بإسمها ولحسابها, ويعمل على تجسيد إرادتها فيعتبر في مركز لائحي تنظيمي.
موظفي الإدارة المالية: حيث يؤدي الموظف أعمالا مادية, وفقا لذلك فعلاقته بالإدارة تقوم على أساس عقد عمل فهو في وضعية تعاقدية.
النقد: من الناحية العملية لا يوجد معيار واضح, محدد للتمييز بين أعمال السلطة العامة وموظفي الإدارة المالية, فغالبية الموظفين تمارس العملين معا.
(1)- الدكتور سيد محمد يوسف المعداوي, المرجع السابق, ص36.
(2)- الدكتور محمد رفعت عبد الوهاب وحسين عثمان محمد عثمان, مبادئ القانون الإداري, ديوان المطبوعات الجامعية, الإسكندرية, سنة 2001, ص252.
كذلك أن التسليم بهذه النظرية يؤدي إلى إختصاص القانون المدني في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وموظفيها القائمين بوظائف الإدارة المالية.
إذ تعتبر علاقته علاقة قانون خاص, وهو أمر لم يسلم به إلى حد الآن.
ث- نظرية عقد القانون العام أو " عقد الوظيفة العامة ": هذه النظرية تعد تحول لنظريات العقد المدني, لا سيما بعد تطور القانون الإداري نتيجة وجود مجلس الدولة الفرنسي, بإعتبار أن العقد الذي تكون الدولة أحد أطرافه يتميز في بعض الخصائص عن العقد العادي, لأنه يستهدف تحقيق المصلحة العامة (1).
النقد: تعرضت هذه النظرية إلى نقد شهيد من الفقه الفرنسي, بصفة خاصة لموقف مجلس الدولة الفرنسي, الذي كان يتسم بالغموض تجاه تحديد وتكييف طبيعة العلاقة بين الموظف العام والدولة, وتم نقدها كذلك من خلال التشكيك في وجود عقد يسمى: بعقد القانون العام, وفي تقرير عدم توافر عناصر العقد المعروفة في هذا العقد.
يُستخلص من كل ما تقدم أن النظريات التعاقدية لا تصلح لتفسير العلاقة بين الموظف والإدارة, لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون, ومع ذلك فإنه لا يمكن إنكار دور النظام التعاقدي, بإعتباره يشكل نظاما إستثنائيا لجميع الدول, عدا الدول الأنجلوسكسونية, حيث يمكن اللجوء إليه في بعض الحالات.
المطلب الثاني: تكييف العلاقة بين الموظف والإدارة على أنها علاقة تنظيمية
طبقا للقوانين واللوائح.
حيث رأى الفقه الفرنسي أن أحكام الوظيفة مستمدة مباشرة من نصوص القوانين واللوائح المنظمة لها, فالعلاقة بين الموظف والإدارة ليست علاقة عقدية وإنما هي علاقة تنظيمية, وقرار تعيينه هو قرار شرطي, لأنه يسند للموظف المركز القانوني الذي سبق تنظيمه, وينتج على إعتبار العلاقة تنظيمية لا تعاقدية ما يلي:
1- الآثار الناجمة عن تولي الوظائف العامة تنشأ بمجرد صدور قرار التعيين, سواء برضاه أو دون رضاه.
2- يلزم الموظف على العمل ضمان حسن سير الإدارة بإنتظام وإطراد.
3- لا يجوز للإدارة أن تتفق مع الموظف على أوضاع تخالف أحكام القوانين واللوائح, ولا يجوز الإحتجاج بقبول الموظف, كمثل هذه الإتفاقات, لأنها باطلة بطلانا مطلقا.
4- لا يجوز للموظف التمسك بحقوق له إكتسبها وقت تعيينه, وكانت مستمدة من لوائح وتنظيمات تم إلغاؤها, إلا أن هناك من الفقهاء المصريين من يكيف العلاقة بين الموظف والإدارة على أنها عقد إداري (2).
حيث يرى الدكتور فؤاد العطار: أن قرار التعيين لا يتم من جانب واحد وإنما من جانبين, حيث أن صدور قرار التعيين يعد إيجابا, وإستلام الشخص للوظيفة يعد قبولا, كما لا يمكن تعيين الموظف في وظيفة دون رضاه.
(1)- الدكتور محمد رفعت عبد الوهاب وحسين عثمان محمد عثمان, المرجع السابق, ص253.
(2)- الدكتور فؤاد العطار, القانون الإداري, دار النهضة العربية, القاهرة, الطبعة الثالثة, الجزء الأول, ص446.
كذلك يرى أن قرار التعيين لا ينتج آثار من يوم قبول الشخص للوظيفة وإلا أصبح أمر تكليف لا تعيين.
كذلك أن النصوص واللوائح التنظيمية التي تحكم الوظيفة العامة تقيد سوى الإدارة, ولا يمتد أثرها للمترشح إلا من يوم قبوله التعيين (1).
بعد هذا التأصيل التاريخي والقانوني, لتحديد طبيعة العلاقة بين الموظف والإدارة, جلي بنا أن نتعرض إلى موقف المشرع الجزائري.
وقبل التعرض لموقف المشرع الجزائري, نستخلص نتائج النظريات التنظيمية وهي كالآتي:
1- إن القوانين واللوائح هي وحدها المحددة للنظام القانوني للوظيفة العامة, وليس بناء على عقد أيا كانت تسميته.
2- وجود نظام قانوني عام موضوع مسبقا للوظيفة العامة.
3- أي إتفاق فردي يأتي مخالف للنظام القانوني للوظيفة العامة يكون باطلا ولا أثر له.
4- للإدارة المتخصصة وحدها سلطة إصدار قرار التعيين.
5- تبعية الموظف وخضوعه للدولة.
6- المركز القانوني للموظف مركزا عاما, أي قانوني تنظيمي, حيث لا يخضع لأي إتفاقات أو عقود خاصة.
7- قابلية نظام الوظيفة العامة للتعديل في أي وقت.
8- خضوع العلاقة بين الموظف والإدارة لقضاء الإلغاء.
المطلب الثالث: الطبيعة القانونية لعلاقة الموظف بالإدارة في التشريع الجزائري.
لم يخرج المشرع الجزائري عن القاعدة التي أخذ بها المشرع الفرنسي من حيث أخذه بالنظرية القانونية التنظيمية في تكييف علاقة الموظف بالإدارة, بإعتباره المصدر العام لمبادئه, ويتضح ذلك من خلال نص المادة رقم: 06 من قانون الوظيفة العامة لسنة 1966 الصادر بمقتضى الأمر رقم: 66/133, حيث جاء فيها: " يكون الموظف تجاه الإدارة في وضعية قانونية تنظيمية " , فالعلاقة بذلك هي علاقة تنظيمية تستند إلى نصوص عامة ومجردة, فأساس العلاقة بين الموظف والإدارة هي علاقة لائحية تنظيمية, هذا لا يعني زوال الروابط العقدية, فالإدارة قد تلجأ إلى أسلوب التعاقد " الموظف المتعاقد " وهذا ما تضمنته المادة رقم: 47 من قانون الوظيفة العامة, وهذا كإستثناء من الأصل العام (2).
ويقول الأستاذ مصطفى الشريف: أنه إذا كان هذا النص يعد ترجمة للمادة الثالثة من القانون العام الفرنسي للوظيفة العامة, فإن المشرع الجزائري لم يفعل ذلك عن تقليد, وإنما بمجهود واع حين إستخلص الفكرة من الماضي, في التجربة الإستعمارية, والمرحلة الإنتقالية التي سبقت صدور القانون الأساسي العام, والتي تميزت بصدور مجموعة من القوانين إستهدفت ملأ الفراغ الذي خلفه رحيل المعمرين, غير أن حداثة عهد الأعوان العموميين بالمسؤوليات الضخمة التي ألقيت على عاتقهم, أدت إلى فوضى كبيرة تسببت في عرقلة بعض المرافق, وخلق وضعية صعبة بالنسبة لمسيرتها.
(1)- الدكتور فؤاد العطار, المرجع السابق, ص446.
(2)- بحيث جاء في قرار للمجلس الأعلى, الغرفة الإدارية, أن العون المتعاقد بسفارة هي مكتسية لصفة الموظف, حتى أقر القانون ذلك وقد ورد في المجلة القضائية لسنة 1989 العدد رقم: 01, ص231.
وقد وضح المشرع الجزائري الأسباب التي أدت إلى الأخذ بالمفهوم التنظيمي اللائحي بقوله: " إنما مفهوم الوظيفة العمومية المهنية التي وقع عليها الإختيار, تظهر قبل كل شيء كوسيلة لتثبيت إطارات الإدارة, وذلك بضمان إستمرارية الوظيفة, وهذه القاعدة أن تقدم للموظفين ضمانات إستقرار تشكل نظاما صالحا لفرض نظام صارم داخل الإدارة وإنشاء ظروف ملائمة لتنمية الإختصاصات والشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية وبهذا المجهود يمكن للإدارة الفعالة أن تتوصل إلى تكوين نفسها.
في حين أن المشرع الجزائري كذلك يلجأ إلى الأسلوب التعاقدي في نطاق ضيق وإستثنائي, وقد بدى ذلك واضحا من خلال المرسوم رقم: 85/59 في المادة رقم: 05/02 منه:" ويكون حين إذا في وضعية قانونية أساسية وتنظيمية, إزاء المؤسسة أو الإدارة ".
كما أكدت المادة رقم: 07 من الأمر رقم: 06/03 هذا الطرح: " يكون الموظف تجاه الإدارة في وضعية قانونية أساسية وتنظيمية ", على أن المشرع الجزائري لم يتجاهل النظرية العقدية, ويتضح ذلك من خلال المواد رقم: 19, 20, 21, 22 من الأمر رقم: 06/03.
الفصل الأول: السلطة الرئاسية وواجبات الموظف.
يعتبر الموظف هو الأساس في ممارسة النشاط الوظيفي, وعليه يكون بذلك ملزم بالحرص في وظيفته على السير الحسن وإحترام التعليمات التي تفرض عليه, مما يترتب عليه مسؤولية إذا خالفها, إذ ما يجب عليه أن يطبق هذه الأخيرة لكي يستمر في وظيفته, حيث أن المرؤوس عليه الخضوع لرئيسه, لحسن سير المرفق العام, إذ أن القانون يمنح الإختصاص للسلطة الرئاسية رعاية لذلك في حدود القوانين واللوائح, كما أنها ترتب على الرئيس مسؤولية في التسلسل الإداري, تبعا للمبادئ المقررة في التدرج الوظيفي, بما فيه مبدأ الطاعة وأسسها, من طرف المرؤوس تجاه الرئيس, وسنتناول هذا الفصل في ثلاثة مباحث:
حيث يتضمن المبحث الأول: مفهوم السلطة الرئاسية, والمبحث الثاني: يتضمن واجبات الموظف وواجبات الطاعة الرئاسية في العمل الوظيفي, ونتعرض في المبحث الثالث: إلى أسس الإلتزام بالطاعة.
المبحث الأول: مفهوم السلطة الرئاسية.
السلطة الرئاسية هي مجموعة من الإختصاصات يباشرها كل رئيس في مواجهة مرؤوسيه, وتجعل هؤلاء المرؤوسين يرتبطون به برابطة التبعية والخضوع, والسلطة الرئاسية توجد بقوة القانون ودون حاجة إلى نص يقررها, بمعنى أنها لصيقة بكل رئيس, فيمارسها الرئيس على إطلاقها ما لم يوجد نص يحد منها, كما أنها توجد على كافة مستويات التسلسل الإداري فيمارسها مثلا الوزير, على كافة الموظفين بالوزارة على إختلاف درجاتهم, ويراقب كل ما يصدر عن هؤلاء سواء كانت تصرفات قانونية أم أعمال مادية إيجابية أو سلبية (1).
إذا فالسلطة الرئاسية ليست إمتيازا أو حقا مطلقا للرئيس الإداري, وهي كما قلنا إختصاص يمنحه القانون رعاية للمصالح العمة وحسن سير المرفق العام, وترتيبا على ذلك:
- فإنه يتعين أن تمارس هذه السلطة في حدود القوانين واللوائح من أجل تحقيق المصلحة العامة.
- يكون الرئيس مسؤولا إداريا عن كيفية ممارستها أمام رؤسائهم إلى أن تصل إلى قمة الجهاز الإداري, هذا فضلا عن تقرير مسؤوليته قضائيا.
(1)- الدكتور صالح فؤاد, مبادئ القانون الإداري الجزائري, دار الكتاب اللبناني, مكتبة المدرسة, ص75.
المطلب الأول: مبدأ التدرج الوظيفي.
إذا أردنا أن نطبق مبدأ المشروعية بتحديد مسؤولية الموظف, وهو يطبق أوامر رئيسه المؤهل تسلسليا, لا بد من الرجوع إلى ما جاءت به المادة رقم: 07/03 من القانون رقم: 90/11, المؤرخ في: 21/04/1990, المتضمن العلاقات العامة, وإلى نص المادة رقم: 36/1 من القانون رقم: 78/12, سالف الذكر, حيث تنص المادة رقم: 07/3 ,على أن يخضع العامل في إطار العلاقات العامة للواجبات التالية:
أن ينفذوا التعليمات التي تصدرها السلطة السلمية التي يعينها المستخدم أثناء ممارسته العادية وسلطاته في الإدارة.
بينما تنص المادة رقم: 36/1 على أنه: " ينفذ العامل بكل ما لديه من إمكانيات مهنية جميع التعليمات المتعلقة بالعمل الذي يتسلمه من الأشخاص المؤهلين سلميا ".
وتقتضي ظاهرة التدرج الوظيفي أن تأخذ تصرفات الوحدة الإدارية أو الموظف الإداري مكانها في تدرج التصرفات القانونية في الدولة, بحيث يتعين على الموظف الذي يشغل وظيفة دنيا في السلم الإداري الإلتزام بقرارات الرؤساء الذين يشغلون الدرجات العليا وأوامرهم, وإلا أصبحت قراراتهم غير مشروعة.
ولفكرة التدرج أهمية كبيرة إذ أنها تخلق التمايز بين طبقتي الرؤساء والمرؤوسين, وتبرز علاقة التبعية والسلطة الرئاسية le pouvoir herarchique وهي ضمانة معترف بها للرؤساء الإداريين, ينظمها القانون, فيوفر وحدة العمل وفعاليته وإستمراريته, وتعتبر السلطة الرئاسية الوجه المقابل للتبعية الإدارية وهي تتقرر بدون نص وبشكل طبيعي, غير أنها من جانب آخر ترتب مسؤولية الرئيس عن أعمال مرؤوسيه, وبالتالي عدم إمكانية تهربه من هذه المسؤولية, إلا أن هذه السلطة لا يمكن أن تكون مطلقة وليست على درجة واحدة من القوة, فهي تتأثر بصاحب السلطة ومركزه في السلم الإداري, وبنوع الوظيفة التي يمارسها والسلطة الرئاسية تتحلل إلى مجموعة من الإختصاصات, منها ما يتعلق بشخص المرؤوس والآخر منها يتعلق بأعماله(1).
1- سلطة الرئيس على شخص مرؤوسيه:
تتضمن سلطة الرئيس على أشخاص مرؤوسيه الكثير من الإختصاصات, منها ما يتعلق بالحق في التعيين والإختيار, وحق الرئيس في تخصيص مرؤوسيه لأعمال معينة, كما تتضمن سلطة نقل الموظف وترقيته وإيقاع العقوبات التأديبية عليه, والتي قد تصل إلى حد عزله أو حرمانه من حقوقه الوظيفية في حدود ما يسمح به القانون.
2- سلطة الرئيس على أعمال مرؤوسيه:
تشمل هذه السلطة حق الرئيس في توجيه مرؤوسيه عن طريق إصدار الأوامر والتوجيهات إليهم, قبل ممارسة أعمالهم, وسلطة مراقبة تنفيذهم لهذه الأعمال والتعقيب عليها, وتشمل هذه السلطات:
أ- سلطة الأمر: يملك الرئيس إصدار الأوامر والتعليمات, ويعتبر إختصاصه هذا من أهم مميزات السلطة الرئاسية, ذلك أن إصدار الأوامر عمل قيادي, له أهمية كبرى في سير الأعمال الإدارية, وعلى وجه العموم نجد أن السلطة الرئاسية تتصف أساسا بأنها سلطة آمرة, لكونها تقوم على إصدار أوامر ملزمة للمرؤوسين.
ب- سلطة الرقابة والتعقيب: سلطة الرئيس في الرقابة على أعمال مرؤوسيه, تتمثل بحقه في إجازة أعمالهم أو تعديل قراراتهم أو إلغائها وسحبها, كما يملك أيضا الحلول محلهم إذا إقتضى العمل ذلك.
(1)- د/ مازن ليلو راضي,الطاعة وحدودها في الوظيفة العامة, طبعة 2003, ص37, 38
وتمتد رقابة الرئيس على أعمال مرؤوسيه لتشمل ملائمة هذا العمل أو التصرف ومقتضيات حسن سير المرفق العام.
ووسيلة الرئيس في رقابته على مرؤوسيه تتمثل بالتقارير التي يقدمها الموظفون عن أعمالهم بصورة دورية أو بواسطة التقارير التي يضعها المفتشون, ويطلعون السلطة الرئاسية عليها, وقد يمارسها الرئيس عن طريق الشكاوى التي يقدمها إليه الأفراد الذين أصابهم الضرر نتيجة تصرفات مرؤوسيه (1).
ومن هنا يمكن ملاحظة أن العلاقة التي تربط الموظف برئيسه هي علاقة تسلسلية أو تنظيمية, تعطي إمكانية للرئيس بأن يأمر مرؤوسه وإمكانية المرؤوس في طاعة وتنفيذ أوامر رئيسه.
والملاحظ أيضا أن الموظف الجزائري لا يعتبر عنصرا أساسيا في الوظيفة العامة, حيث يطبق كل الأوامر والتعليمات, حتى وإن كانت غير قانونية, مثل وقف العمل عن طريق " تليكس " الذي يأتيه من الرئيس, تعتبر بالنسبة له قابلة للتنفيذ, وكل خلاف حول هذا التنفيذ تتحمله الدولة بصفتها آمرة ومنفذة لما تصدره من تعليمات, وتقوم به من تصرفات.
إذن إذا خضع الموظف العام خضوعا رئاسيا تسلسليا للأوامر التي تأتيه, فلا عبرة من معرفة القوانين والتنظيمات, وفهمها حسب الأصول التي تحكم القاعدة القانونية, بل عليه الإئتمار بأوامر رئيسه, وهكذا يخضع الموظف العام في ممارسة وظيفته إلى الإجبار بالتنفيذ, وسلطة الرقابة والإشراف الإداري, وسلطة الطاعة التسلسلية, حيث هذه العناصر الثلاثة هي عوامل أساسية تنبثق منها إلتزامات الموظف العام.
فكل إدارة دون إجبار, وبدون القيام بالإلتزامات الدقيق