و هو كذلك بالفعل .... و الجميع هنا متفق .... من حيث أن اللعبة كلعبة تبقى رياضة كغيرها من الرياضات ... ليس فيها عاملا ذاتيا يبرر تحريمها أو حتى مناقشة ما إذا كانت حلالا أو حراما .... أما ما يصاحبها من مظاهر و تصرفات غير سوية فذلك مبحث آخر .
نعرف أن تناول اللحم قد يصيب الإنسان بداء الكوليسترول ... و أن الملح قد يرفع الضغط الدموي ... و لكن اللحم و الملح يبقيان من الطيبات رغم ذلك.
كذلك لعبة كرة القدم ..ليس فيها كلعبة ما يتعارض مع ضوابط الشرع ... و الحرمة لا تنسحب عليها مهما رافقها من مظاهر ....
طبعا لا احد منا يفتي هنا .. و إنما نكتفي بتحليل الموضوع إلى عناصره الأساسية محاولين فصل مكوناته و تمييزها عن بعضها البعض حتى يتبين لنا الخيط الأسود من الخيط الأبيض.
صحيح أننا جميعا لا يتوفر لنا من العلم و الورع ما يؤهلنا للتصدي للفتوى التي هي قطعة من جهنم لا يتجرأ عليها إلا جاهل ... و لكن الله وهبنا عقلا و قليلا من العلم و المنطق يؤهلنا لأمر آخر هو التفكير ... فإذا كانت الفتوى متروكة لرجال الدين الضالعين في العلم فلا يجب أن يتحول ذلك إلى مبرر لتعطيل حقنا في التفكير و إبداء الرأي ... و حتى كلام العلماء و آرائهم ليست قرآنا منزلا أو حديثا صحيحا أو رأيا من آراء الصحابة حتى نسلم به تسليما أعمى ... لا يجب أن نعطل ملكة العقل عند أفراد الأمة ليصبح التفكير حكرا على فئة من الأمة سواء كانت رجال دين أو سياسة أو إقتصاد أو فن أو غير ذلك .... نحن نناقش الجميع حتى نقتنع أو نقنع .. نناقش الجميع إلا الفرآن و السنة و آراء صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
و أنتم تلاحظون أنني أستعمل كلمة " نقاش " و لا أستعمل مصطلح " فتوى " .. فالأول من حقي على المجتمع و الثاني من حق المجتمع على فئة محدودة من أفراده .. فإن إحتكروا الفتوى ( و هذا حق ) لن يلغوا حقي في مناقشة فتاويهم ليس إعتراضا أو شكا أو عدم قبول و إنما من باب " ليطمئن قلبي " و ليكون إيماني إيمان قلب و عقل.
و صدقوني في امور كثيرة من أمور حياتنا لا نحتاج إلى عالم دين ليقول لنا ما الصح و ما الخطأ .. لقد وضع الإسلام قاعدة من ذهب يكفي إعمالها للوقوف على السلوك الواجب إتباعه .. فالإسلام أحل الطيبات و حرم الخبائث ... و الأصل في الأشياء الإباحة .. و يكفي قليل من التفكير السليم لنعرف ما إن كان هذا الأمر طيبا أو خبيثا .. طبعا أنا لا أقول هذا الكلام معتبرا إياه حكما مطلقا .. فكثير من الأمور يصعب تمييزها و تصنيفها ... و لكنها لا تشكل شيئا مقارنة بما هو جلي و واضح منها.
و لقد لاحظت من خلال إحتكاكي بأخواني و اخواتي من المسلمين نوعا من الحساسية تجاه مناقشة أمور الدين و الدنيا .. فكلما أبدى الإنسان رأيا قيل له إباك و الفتوى فأنت لست أهلا لها ... و هو قول صحيح و لكنه لا يصح دوما و في كل مقام ... فأنا لن أزيد صلاة على ما هو مفروض و لن أزيد للإسلام ركنا و لن أحل الخمر و الزنا و الربا و الغيبة و الزواج بخامسة و لن أحرم زينة الله التي اخرج لعباده ... و لكن حين يقول لي أحدهم أن الذهب حرام على الرجل لا يسعني إلا أن أسأله لماذا ؟ .. سيقول لي أن هناك حديث للرسول صلعم .. و سأرد عليه قائلا .. آمنا بالرسول و برسالته .. و لكن لماذا حرم الرسول الذهب ؟ ... سيقول لي أن الحرمة ثابتة بالنص و ما علينا سوى الإيمان و الإمتثال .. و سأظل أردد نفس الكلمة .... لماذا ؟ ....
فأنا لست مطالبا بالإيمان عن عمي و جهل و عدم فهم ... من أراد من الإنسان أن يسلم و أن يؤمن فليخاطب عقله ... صحيح حين نتخاطب فيما بيننا نحن المسلمون يسهل علينا إقناع بعضنا البعض لأننا أصلا مسلمون .. و لكن كيف نقنع من هو من غير ملتنا ؟ هل نخاطب عقله أم قلبه ؟ فإذا كنا نخاطب فيه العقل فالأجدر و الأوى أن نعترف لبعضنا البعض بهذا العقل الذي لا يقبل إلا ما هو متفق مع المنطق السليم ...
الآن سيقول لي احدهم أن العلم قد إكتشف أن الذهب يسبب مضارا صحية للرجل .. و أن الذهب حرم على الرجل لما فيه من تفاخر و تباهي بين الناس يجعل الفروق الطبقية في المجتمع واضحة للعيان فيشعر الفقير بالمذلة و الهوان في حين أحل الذهب للمرأة لأن الأصل في المرأة أن تلزم بيتها فلا تكون تلك الفروق الطبقية واضحة بمثل هذا الشكل الفاضح ... و حينها سأقتنع لأنني أعلم أن الله لم يحرم علينا أمرا إلا و كان فيه ضرر و مفسدة ... إعمالا لقوله تعالى" قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق "
خلاصة ما أريد قوله .... يجب أن نفرق بين الفتوى كفتوى و نحن لسنا أهلا لها .. و بين التفكير كتفكير و هو حق من حقوقنا الطبيعية الأساسية التي لن نسلمها لا لرجل سياسية و لا لرجل دين.