مقال عن الأستاذ الموثق
المبروك جابر التبيـــني
الوثيقة الأرشيفيـــة :
من الصلصال إلى الرق إلى الورق إلى الإلكتروني ... وماذا بعد ؟


1 - مقدمة عامة :

نتحدث اليوم عن الوثائق والتوثيق والأرشيف، ولكن هل ندري ماذا تعني بالوثيقة؟؟؟
دعنا أولا نعرف بالمفهوم الدلالي لكلمة وثيقة حتى نقترب أكثر فأكثر من الإطار الذي نحن ندرسه ونعالجه.
تعرف الوثيقة في اللغة, والتي هي مؤنث " الوثيق "، على أنها ما يعتمد عليه, والوثيق يعني " الإحكام في الأمر ", وتوثق من الشخص أو استوثق فيه يعني أخذ منه الوثيقة.
فالوثيقة إذن هي ما يعتمد عليها وما يرجع إليها لإحكام أمر والتثبت منه.
وتتكون عناصر الوثيقة من ثلاثة هي:
1 – أن تكون مصدرا للمعرفة بما تتضمنه من معلومات source of information
2 – أن تمتلك قوة الإثبات Justifying
3 – أن تكون معلوماتها مصدرا لانتفاع الباحث مهما كانت صفته.

وتنقسم الوثيقة من حيث الشكل إلى أنواع ثلاثة هي :
- الوثيقة المكتوبة written documents
- الوثيقة المرئية visual documents
- الوثيقة المسموعة sound documents

وقد تتداخل هذه الأشكال, فتجد الوثيقة المكتوبة والمرئية والمسموعة في الآن نفسه, وهناك الرسومات والخرائط والوثائق المحوسبة أي الإلكترونية عبر الأجهزة والأنظمة, وهناك المايكروفوزميات ( المايكروفيلم / المايكروفيش ) وهناك الدعائم أو الوسائط الإلكترونية ( CD / DVD / DISQUETTE / FLASH-DISK ).

2 - تاريخية الأرشيف :

أكدت الأبحاث التاريخية أن بداية الأرشيف كانت عربية, وتحديدا في منطقتي سوريا والعراق, ذلك أن الأرشيف كمادة وثائقية تشهد على نشاط الإنسان وتاريخ الحضارات وكانت مهمة الأرشيف منذ الأول تسمية ترمز إلى وجود نشاط الإنسان ولم يتغير هذا المفهوم اليوم رغم تغير ظروف وشكل وأدوات الأرشيف.
فلقد بدأ الأرشيف في البداية من مادة الصلصال ثم تطور إلى الورق البردي إلى الرق ثم إلى الورق المخطوط ثم إلى الورق المطبوع ثم إلى المايكروفورميات أي الميكروفيلم والميكروفيش ثم إلى القرص المرن disquette ليصل اليوم إلى القرص الضوئي CD / DVD . وهو عاشر شكل من الأشكال الأرشيفية.
ولقد اكتشفت الأبحاث الأركيولوجية سنة 1933 بمنطقة تل الحريري بسوريا لوحات تضم 25 ألف لائحة في مخازن لحفظ الأرشيف في قصر ملوك " ماري " يعود تاريخها إلى القرن 31 ق.م, وفي سوريا أيضا أكتشف قرب منطقة اللاذقية أرشيف مملكة " أوقاريت " ( رأس شمرا) الذي يعود إلى القرنين 13 و14 ق.م, ويضم عقود و اتفاقيات وأوامر ملكية, وفي نفس المنطقة فقد أكتشف لوحات أرشيفية بقصر " آشور بانيبال " التي يعود تاريخها إلى القرن 7 ق.م.
أما في العراق فقد تم اكتشاف قانون حامورابي مؤسس دولة بابل ( 1792/1750 ق.م ) والذي يحفظ اليوم في متحف " اللوفر " بفرنسا، بحكم العوامل الاستعمارية القديمة

3 –الثورة الفرنسية و الأرشيفات الوطنية:

لما قامت الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر, ظهر لأول مرة مصطلح الأرشيف الوطني كان ذلك سنة 1790, قبل ذلك كان يسمى بأرشيف المجلس الفرنسي. وقد عين أول أرشيفي سنة 1793 ثم ظهر أول نظام للأرشيف الوطني الفرنسي سنة 1794, لينشر هذا النظام المتعلق بالأرشيفات الوطنية بأوربا ثم بروسيا مع لينين سنة 1918 وبأمريكا سنة 1934. أما بالدول العربية فقد كانت نظم أرشيفاتها متأخرة أي بعد استقلالها أو ما بعد. فتونس مثلا صدر أول قانون منظم للأرشيف سنة 1988.
ومع هذا التطور التشريعي للأرشيف, ظهرت أول هيئة دولية منظمة للقطاع هو المجلس الدولي للأرشيف سنة 1948 أي بعد الحرب العالمية الثانية التي تسببت في مشروع جديد للأرشيف بتدفق الوثائق والأرشيف خاصة العسكري.

4 – الانفجار الوثائقي الأول:

شهدت أعقاب الحرب العالمية الأولى انفجارا وثائقيا تمثل في الأرشيف العسكري خاصة لما أحدثته الحرب من نشاطات وتطورات شملت المجالات الجغراسياسية والعسكرية. وقد انتهت الدول الفاعلة في الحرب وخاصة منها أمريكا لذلك, وتفطنت لأهمية أرشيفها العسكري وضرورة حفظه, فأنشأت أول مركز لحفظ " الأرشيف الوسيط " .

5 – نظرية الأعمار الثلاثة:

مع ظهور الأرشيف الوسيط بأمريكا, أصدر العالم " تشالينبيرغ Tchelingbirg" أول كتاب أظهر فيه فلسفة لحفظ الأرشيف سماها نظرية الأعمار الثلاثة... فقد قسم عمر الأرشيف إلى ثلاثة:
- العمر الأول : ويتضمن الأرشيف الذي يقل فيه عمر الأرشيف عن 5 سنوات, ويحفظ فيه الأرشيف في الإدارات للاستعمال الدائم كأرشيف جاري.
- العمر الثاني : وهو الذي يكون فيه عمر الأرشيف بين 5 سنوات و15 سنة ويحفظ في مركز للحفظ المؤقت كأرشيف وسيط للاستعمال المناسباتي.
- العمر الثالث : وهو الأرشيف الذي يفوق الـ15 سنة وفيه يفرز الأرشيف.

وقد ظل العمل بهذه الفلسفة منذ منتصف القرن العشرين إلى اليوم, رغم أن نموذجا كنديا يطرح عمرا رابعا للوثيقة سنراه لاحقا. وحسبهم فقد أجبرت التكنولوجيا الحديثة وأثرها اليوم هذا العمر الرابع.

6 – سياسة الأرشفة في العمرين الأول والثاني :

بعد أن ظهرت نظرية الأعمار الثلاثة للأرشيف, كان لا بد من تحديد سياسة أرشيفية لبلورة هذه النظرية, تعالج الوثيقة منذ خلقها إلى أن يحدد مآلها النهائي إما بحفظها كأرشيف نهائي أو تاريخي وذلك بمركز الأرشيف الوطني, أو بإتلافها نظرا لانعدام قيمتها التاريخية أو العلمية أو البحثية أو الحجية.
واتضح للبلدان التي طبقت هذا المفهوم الأرشيفي الفوائد المنجرة عن ذلك وما عرفته من نهوض بالوثائق التي هي ستمد للشعبية الشاملة ودعم للمسار الديمقراطي ونشر للطمأنينة في المجتمعات.

7- المستندات النظرية والقانونية :

إن تحديد سياسة للأرشيف لا بد أن يعتمد بالأساس على مستندات نظرية ومفاهيم ورؤى, ذلك أن المعتقدات الإنسانية بدأت تدرك مع مرور الوقت أهمية الأرشيف لتنزع منها المفاهيم التقليدية الكلاسيكية للأرشيف على أنه وثائق متقادمة عديمة القيمة, ولا تحضي باهتمام كاف ويكلف من المغضوبين عليهم إداريا بالتصرف فيها، أو أن يحفظ بالأماكن الأقل قيمة...
هذا المفهوم القديم للأرشيف بدأت العقليات تتخلص منه عدى لدى البعض بالدول النامية. ذلك أن مشاكل معقدة لم يقو على فتحها سوى الوثائق الأرشيفية, وإن لم تكن فلا حل لها , من ذلك قضية مزارع شبعا التي حولت خرائطها فرنسا التي كانت تحتل المنطقة ( الشام ). وعندما أضاعت الخارجية الفرنسية هذه الخرائط. وأتلفت جراء الفيضانات التي اجتاحت أماكن حفظها, لم تعترف إسرائيل اليوم بملكية هذه المزارع للبنان وظل المشكل قائما إلى اليوم... فالأرشيف هو الذاكرة الخالدة للمؤسسة والأوطان حيث تقصر ذاكرة الإنسان.
فالمستندات القانونية في سياسة الأرشيف يجب أن تكون الرامية وليست اختيارية, كأن يجبر الموظف على التقيد بتراتيب الحفظ والتحويل والترتيب والإتلاف... إلخ وتوفر هذه التراتيب القانونية والنظرية القاعدة الأساسية لإرساء نظام للأرشفة, وهذه الترتيبات يجب أن تكون هي الأخرى مطابقة ومسايرة للواقع وللتحولات والتطورات.

8 – صعوبات التصرف اليدوي في الوثائق والأرشيف والمعالجة الآلية لها :

يميز عصرنا الحديث بتواتر سريع لكميات الوثائق مما ساهم في ظهور مشاكل تراكم الأرصدة الوثائقية والأرشيفية, وبدأت محلات الحفظ تتضايق يوما بعد يوم, وباتت السيطرة على هذه الأرصدة ومعالجتها واسترجاعها عند الحاجة أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا في حالات عدة... ذلك أن الدراسات أظهرت أن نصف الوقت يقضيه الموظف في مكتبه بين الحفظ والبحث عن الوثائق. ومع تزايد الطلبات وتشعب الأنشطة وارتباطاتها ببعضها، وتكدس الملفات الإدارية بالمكاتب تصبح الذاكرة البشرية غير قادرة على معالجة هذه الأرصدة الوثائقية ، كما ان أدوات البحث الوثائقية هي الأخرى بات من الصعب إنشائها وتحيينها يدويا، لذلك كانت عمليات البحث بطيئة، وبالتالي تتعطل المصالح المرتبطة بالمعلومة، واستحال أيضا فرز الوثائق المكدسة لحفظ ما لزم منها وإتلاف الغير مجدية نفعا، و تعطلت حركتي الترحيل والإتلاف الوثائقي واختلطت الوثائق القيمة بغيرها العديمة الفائدة، وتهمشت الذاكرة الوطنية بتهميش وثائق المؤسسات، وهنا تحرك العقل البشري لإيجاد حلا لهذه المعضلة الوثائقية، إلى أن أفرز الاجتهاد "الحوسبة" أو الإعلامية الوثائقية، والذي عمل على حوسبة الإجراءات الأرشيفية من تحويل وتسجيل وفرز وإعداد وتحيين أدوات البحث الأرشيفية وبالتالي أصبح استرجاع الوثائق سريعا، وتوفرت البيانات والمعلومات وبدأ التعامل بها عن قرب أولا ثم عن بعد عبر الشبكات في وقت لاحق ليصبح الاستغلال الوثائقي جماعيا وفي الوقت نفسه وهو أقصى ما طمح إليه الموظف في مكتبه. وبظهور النظام المرجعي للوثائق، ظهرت التسجيلات للبيانات الأرشيفية وقواعد البيانات، وظهرت التقنيات المرجعية والمواصفات كالتقنينات الأرشيفية الموحدة ISAD (G) = General International Stadard Archival Description من قبل المجلس الدولي للأرشيف سنة 1994، وظهرت قواميس أرشيفية لا سيما منها قاموس المصطلحات الأرشيفية الذي ظهر في سبع لغات سنة 1990، وظهرت المنظومات الوثائقية المختصة ك: CDSISIS الذي تحولت من بعد إلى WINISIS، وكانت المواصفات الأرشيفية الرئيسية: ISO 15489 سنة 2001 والمتعلقة بتنظيف الأرشيف بمختلف مراحله الثلاثة

9- الأرشيف والعولمة:

طرأت على مختلف المجالات منذ العقد الخير من القرن المنصرم تطورات جذرية بسبب ظهور التقنيات الحديثة والتكنولوجيا الشبكية التي وحدت العالم وربطت أجزاء المؤسسات والبلدان مهما تباعدت. ولم يكن قطاع الأرشيف بمنأى عن هذا التحول وهذا التطور بل كان الأكثر استفادة باعتباره قطاع معلومات محور التكتولوجيا الحديثة، فعرف القطاع ثورة جديدة بعد ثورتي الحرب العالمية الثانية والثورة التقنية الأولى بظهور النظام الأرشيفي المرجعي.
لقد ظهرت اليوم تقنية "الأرشفة الإلكترونية"، وبات العالم يحلم بمجتمع خال من أي ورقة Unless Paper Society وذلك برقمنة الوثائق وخلق الوثيقة الإلكترونية بدل من الوثيقة الورقية فما الحكاية ؟؟؟

10- الأرشفة الإلكترونية والتقنينات الأرشيفية الإلكترونية:

بظهور التقنيات الحديثة اليوم المتمثلة في الشبكية كالإنترنت والإكسترانات ، وبظهور النظم الرقمية، سارعت الهيئات والجمعيات الأرشيفية باستغلال الموقف وإحداث تقنينات حديثة للميدان، فواصلت تحديث التقنينات الأرشيفية لمجال الأرشفة الإلكترونية، وطورت تقنينات ISAD-G لتنبثق عنها مواصفات EAD=Encoded Archival Description او المواصفات المتعلقة بالأرشيف الإلكتروني المشفر ، او تحويل الأرشيف من الورقي إلى الإلكتروني.
ولقد ظهرت المنظومات الأرشيفية الإلكترونية التي تتتستجيب للحدث والتي تتعلق بمعالجة الأرشيف إلكترونيا بدل من آليا، وظهرت اللغات الإعلامية المنظمة من ذلك اللغة المتطورة XML، ثم ظهرت تقنيات الميتاداتا الحديثة ومواصفاتها "كالدوبلن كور" بحقولها الخمسة عشر والتي صممت على أساسها مواصفات ال EAD من بعد، وظهرت بذلك مناهج ومرجعيات أرشيفية جديدة بلغت اليوم أقصى مراحلها بما يسمى بالأرشيفات المفتوحة Open Archives

11 - لماذا الأرشفة الإلكترونية ؟؟؟

على إثر التحولات العميقة التي شهدها قطاع الأرشيف والمعلومات والوثائق، ومع ظهور الشبكات المعلوماتية والمتمثلة خاصة في الأنترنات والإكسترانات والشبكات الداخلية للموسسة، التي ربطت مختلف أجزاء المؤسسة، ظهرت السجلات الإلكترونية للمعلومات والملفات الإلكترونية وهي وثائق إلكترونية تعوض الوثائق الإلكترونية، والتي يتم تبادلها وحفظها عبر التقنية الحديثة للمعلومات، والتي يتم تبادلها بسرعة خيالية تتوقف على الضغط على الزر، وبالتالي أنشأت البيئة الوثائقية الإلكترونية البحتة.
من جهة أخرى عرف العالم اليوم وبتشعب العلاقات والمصالح ، وتوع المجالات ثورة معلوماتية ووثائقية، و التي هي من ميزات هذا القرن الجديد، وأصبح من الصعب السيطرة على هذه الثورة بالطرق التقليدية اليدوية منها وحتى المرجعية الآلية، وبدأت المصالح التي أوجبتها العولمة تقتضي التعامل بين مختلف أجزاء العالم في الوقت نفسه وبنفس الوثائق أحيانا، وهذه التقنية لا يمكن أن يوفرها النظام المرجعي. ذلك أن الوثيقة الورقية لا يمكن أن يتعامل بها غير طرفين اثنين في الوقت الواحد، كما أن الوثيقة الورقية قابلة للإتلاف وهي الأصل وبالتالي تضيع المعلومة الأساس، كل هذه العوامل وغيرها ومع التطورات التكنولوجية السريعة، ظهرت تقنية رقمنة للوثائق والأرشيف الإلكتروني ليحل كل المشاكل المذكورة.
والأرشيف الإلكتروني هو نوعان:
- الأرشيف المنتج إلكترونيا من الأصل أي المحدث عبر المنظومات والتجهيزات Born digital أي التسجيلات الإلكترونية والتطبيقات المنشئة بالحاسوب بمختلف أشكالها doc/xls/xml/...etc. وهذه الوثائق الإلكترونية هي الأخرى حدد لها طرق معالجة إلكترونية من حفظ وبحث واسترجاع كغيرها من الوثائق
- الأرشيف الورقي المرقمن: وهي الوثائق الورقية التي تم تصويرها عبر الماسح الضوئي scanner ، وهذا يتعلق بالوثائق القيمة الإستراتيجية التي وجب حفظها للمدى الطويل وذلك ربحا للفضاء إضافة إلى الإيجابيات التي تم ذكرها.





12- تاريخية الأرشفة الإلكترونية:

على مر التاريخ، مرت الأرشفة الإلكترونية بثلاث مراحل.
فقبل الثمانينات من القرن الماضي ظهرت تقنية الأرشفة الإلكترونية وكان الأمر يتعلق بأرشفة الوثائق شبه النشطة فقط والتي وجب حفظها لأهميتها وحفظها من الإتلاف وخاصة منها الوثائق العسكرية.
ثم تطور هذا المفهوم ولم تعد الرقمنة تقتصر على الوثائق شبه النشطة أو الوسيطة فقط، بل أيضا الوثائق النشطة ( الجارية ) والنهائية أو التاريخية وتحولت التسمية من الأرشفة الإلكترونية إلى التصرف الإلكتروني في الوثائق.
ومنذ سنة 1994 ومع ظهور الملفات الوثائقية الإعلامية والتسجيلات الإلكترونية أصبحت هذه التسجيلات وهذه الملفات الإعلامية الإلكترونية تعالج كغيرها من الوثائق، وبالتالي تحولت التسمية إلى "التصرف الإلكتروني في الوثائق والمعلومات" حيث ظهرت تقنيات تحويل الملفات الإعلانية ( doc/xls/xlm/…( إلى وثائق مصورة أو مرقمنة عبر الطابعة الافتراضية virtual print لتتحول الوثيقة من تنسيقها الأصلي إلى التنسيق القياسي PDF، إضافة إلى ظهور تقنية التعرف الضوئي على الحروف OCR = optical character recognising وهذه التقنية من شأنها أن تحول الوثيقة من صورة مرقمنة إلى نصوص يمكن تغييرها والتعامل مع محتواها وشكلها.

13- أهداف الأرشفة الإلكترونية:

للأرشفة الإلكترونية هددن رئيسيان: الإستراتيجي والثاني آني.
فالهدف الإستراتيجي للأرشفة الإلكترونية هو بلوغ محيط بلا ورق وحكومة إلكترونية بلا تنقل ولا طوابير ولا وثائق ورقية. اما الهدف الآني للمؤسسة من الأرشفة الإلكترونية فهو مواجهة التدفق الهائل للوثائق والسيطرة على الأرصدة الأرشيفية المكدسة بمعالجتها وحفظها واسترجاعها في أسرع الأوقات التي تستجيب وسرعة العصر. ذلك ان الأرشفة الإلكترونية من شانها أن تساعد على سرعة معالجة الوثائق بفهرستها وتكشيفها آليا وحفظها في أكثر من نسخة أصلية وتوزيع هذه "الأصليات" على مختلف الأطراف المعنية بها، وبالتالي لم يعد الموظف يحترز من بطئ وصول الوثيقة إليه من غيره. كما أن استرجاع الوثيقة أصبح بأكثر سرعة وبطرق أكثر تنوع، فالوثيقة غير المرتية تعتبر في علم التوثيق بالمعلومة الضائعة وكيف للإنسان أن يتحكم في ترتيب وحفظ ملايين الوثائق اليوم بغير نظام كالنظام اّلأرشيفي الإلكتروني ؟؟؟

14- مراحل الأرشفة الإلكترونية:

تنقسم مراحل الأرشفة الإلكترونية إلى مرحلتين أساسيتين: الأولى تخطيطية والثانية تنفيذية.

* مرحل التخطيط للأرشفة الإلكترونية:

- مرحلة الدراسة والمسح : وتتمثل في حصر الوثائق المزمع رقمنتها، وتحديد كميتها وأشكالها وأنواعها التي تختلف حسب اللون / الحجم / الجودة الورقية / ..الخ

- مرحلة التحليل: وتتمثل في تحديدي الأولويات لتحويل الوثائق من الورقية إلى الإلكترونية، وإعداد قوائم تتضمن البيانات الأساسية للوثائق كتحديد أماكنها وعناوين تواجدها وحفظها، ودرجة نشاطها..الخ وهو بمثابة الجرد الشامل للوثائق

* مرحلة بناء الخطة:
وتتمثل في وضع خطة لحفظ الوثائق أي قواعد لمدد استبقائها أي مدة حفظها وتاريخ وتقرير مصيرها النهائي وتحديد تاريخ إتلافها أو ترحيلها ...الخ، وكذلك تحديد نظام لتصنيف الوثائق أي بإسناد رموز تصنيفية لها ومكنز يحتوي على مصطلحات موحدة ككلمات مفاتيحية لاستعمالها عند البحث واسترجاع الوثيقة

* مرحلة اختيار البرمجيات:

وتشمل التجهيزات الآلية والبرمجيات المختصة في التصرف الإلكتروني في الوثائق والمنظومات وقواعد البيانات اللازمة ووضع الحقول المناسبة واختيار أدوات البحث و إعداد التقارير المطلوبة...الخ

* مرحلة إعداد قواعد البيانات:
وتتمثل في إعداد قواعد للبيانات التي ستتضمنها حفظ ومعالجة الوثائقية الإلكترونية

- المراحل التنفيذية للأرشفة الإلكترونية:

- مرحلة تحضير الوثائق الورقية من أماكن حفظها أو تواجدها إلى المكان المخصص لتنفيذ المشروع، وتجميعها حسب تصنيف محدد ( الشكل / اللون / الحجم / ...الخ ) بمختلف بياناتها التوثيقية ومستنداتها، واستبعاد الوثائق المكررة منها والتي لا يصلح تكرار رقمنها،
- تصوير أو نسخ الوثائق القديمة التي يصعب رقمنتها مباشرة أو التي لا تتضمن وضوح في جوانب منها لمعالجتها وتوضيحها عبر منظومات مختصة ( Photoshop / … (
- إزالة الدبابيس التي تتضمنها الوثائق المراد رقمنتها
- فصل الوثائق إلى مجموعات حسب الحجم / اللون / الوجه..الخ
- وضع علامات على الوثائق لتمييزها وتسهيل إرجاعها بعد نهاية المشروع
- ترميز الوثائق المعدة للرقمنة حسب نظام تصنيف لها معد مسبقا

• مرحلة التصوير الضوئي ( الرقمنة )

تتم مرحلة الرقمنة عبر ماسح ضوئي Scanner وعبر منظومة مختصة حيث يتم تحديد تقنيات مثل الضوء واللون والجودة ..الخ وذلك لتحويل الوثيقة من ورقة على صورة مرقمنة ، وتخزن الصورة لمرقمنة على أجهزة آلية ونظام تصرف إلكتروني متكامل ومندمج ليتم معالجتها.

• مرحلة مراقبة الجودة

هي مرحلة تتم بالتوازي مع التصوير الضوئي حيث يتم تدقيق الجودة للوثائق المرقمنة ومقارنتها بالوثيقة الأصلية لتحديد النقائص سواء في المحتوى أو في جودة التصوير. وإذا ما تم ملاحظة نقص يتم إعادة التصوير

• مرحلة الفهرسة والتكشيف

هي مرحلة تتعلق بإدخال البيانات للوثائق المرقمنة عبر قاعدة البيانات المنجزة وهي عملية فهرسة مادية ووصفية وتكشيف للوثائق. ويتم الاعتماد على مواصفات محددة للغرض، أو بالاعتماد على منظومات مختصة ( برمجيات ) ويمكن أن تكون عبر الرمز المشفر Bar codes وبالتالي ربط الوثيقة مع البيانات المتعلقة بها. كما يتم اتخاذ تقنية الربط الفائق Lien Hypertext لربط الوثائق بغيرها من الملفات الأخرى وتوزيعها للعمل والبحث

• مرحلة إعادة الوثائق إلى أصولها:

وتتمثل هذه العملية في إعادة الملفات والوثائق التي كانت في طور التصوير الضوئي إلى بعضها وإلى أصولها التي كانت عليها قبل الرقمنة، وذلك بإعادة تدبيسها بعد فكها من بعضها

• مرحلة الحفظ والخزن:

تتم مرحلة حفظ وخزن الوثائق في وسائط ودعائم مختلفة منها ذاكرة الحاسوب نفسه، ومنها الأقراص الممغنطة والمدمجة وكذلك في النظم المركزية وهي طريقة الحفظ الاحتياطي.

15- مشاكل الأرشفة الإلكترونية:

* مشكلة تطور الأجهزة والنظم الإلكترونية:
يحترز الأرشيفيون اليوم من الأرشفة الإلكترونية بحكم التطور السريع الذي تشهده الأنظمة البرمجيات الإلكترونية ، ذلك أن الأرشيف الإلكتروني كسجلات وجب الحفاظ عليها ويجب أن تدخل حيز النظام الأرشيفي المعمول به خلال الطرق الأرشيفية التقليدية وذلك بمعالجته وحفظه حتى يحافظ الميدان على خصائصه وقيمته العلمية والبحثية والتاريخية، وفي هذا الإطار يقول مسؤول الأرشيف الرقمي بولاية واشنطن الأمريكية " آدام جونسون" " إن المحتويات هي التي تدفع للاحتفاظ وليس الوسيط الذي كتب عليه"، غير أن أهمية المحتويات توازي هي الأخرى الأوعية لأنه بضياع الوعاء تضيع المعلومات التي يتضمنها.
وبالتطور الذي تشهده التقنية الحديثة اليوم، يجعل من الصعب على الأجهزة الحديثة قراءة المنظومات القديمة التي من خلالها تم حفظ الوثائق الإلكترونية، ووثيقة الأمس لا يمكن قراءتها بأنظمة وأجهزة اليوم والغد فما الحل بالنسبة للأرشيف الإلكتروني الذي ينبغي حفظه لعقود من الزمن وربما للبد لأهميته ؟؟؟
كما أن الوثيقة الإلكترونية قابلة للانعدام والهلاك سواء كان المتعمد أو التقني أو حتى الطبيعي، وقد حدد الافتراضات اليوم عمر الوثيقة الإلكترونية بثلاثين عاما، وإن لم نصل إلى هذه المدة منذ أن خلقت الوثيقة الإلكترونية نظرا لحداثتها، إلا أننا نعتبر أن هذه المدة غير كافية للحفظ الدائم للأرشيف الإلكتروني ، لذلك يقترح الفنيون المختصون في مجال التقنية ضرورة تهجير الوثيقة الإلكترونية بصفة دورية Periodical Migrartion Continuim وذلك طوال عمر الوثيقة الأرشيفية الإلكترونية حتى تتمكن من مواكبة التطورات التي تحصل للأجهزة والأنظمة الإلكترونية المستمرة، ولكن هذا في حد ذاته يمثل خطرا على محتوى الوثيقة الأصلي الذي يمكن أن يتغير أو يتلف منه جزءا وكذلك من شأنه أن يغير المعطيات المحيطة بالوثيقة أو ما يسمى باتلميتاداتا التي هي في حد ذاتها معطيات أرشيفية يتم الأخذ بها خلال المرحلة النهائية للوثيقة.
من جهة أخرى يقترح بعض الفنيين تخزين المعلومات في شكل نصوص عادية مثل unicode / ASCII وهي التي يمكن قراءتها من مختلف الأجهزة والأنظمة مهما تطورت، ولكن هذه الطريقة أيضا يمكن أن تعبث بمحتوى الوثيقة وإضاعة أجزاء منها خاصة الصور والجرافيك. كما أن التخزين في شكل PDF ( portable document format ) يمكن أن يؤدي إلى مشاكل تطبيقية وإن رأت شركة "أدوب" المالكة لهذا التنسيق حلا لهذا المشكل من خلال PDF/A.
ومهما يكن فإن الملفات المخزنة في شكل XML والذي هو نظام ملفات مستقل عن كل الأنظمة والأجهزة يستعمل اليوم لعدم تأثره بالتغيرات التي تحصل.
أما بالنسبة للدعائم أو الوسائط التي تتأثر بتطور الأنظمة والتجهيزات، فترى جمعية قطاع شبكات التخزين أن هذا هو المشكل الحقيقي للأرشفة الإلكترونية وتسمي ذلك ب "ورطة أرشيف مائة عام" أي الورطة التي وقعت فيها التقنية اليوم حول أرشيف المائة عام والتي تمكنت طرق الأرشفة التقليدية من حفظها طوال هذه المدة و أكثر

• مشكلة أمن الوثيقة الإلكترونية والحفاظ على هويتها:

يحترز الأرشيفيون اليوم من أمن الوثيقة الإلكترونية المعرضة للتدمير المتعمد وغير المتعمد بمعنى تقني أو طبيعي، ذلك أن الرصيد الوثائقي الإلكتروني المخزن في وسيط واحد يمكن أن يتلف في لمحة البصر ليضيع ما يحتويه من معلومات. كما أن التقني الذي صنع الوثيقة الإلكترونية والأجهزة القارئة لها، وكما احدث تقنيات حماية لها، يمكن أن يفسد هذه الحماية ويمكن أن يغيرها إلى طريقة تؤدي إلى التزوير أو تحوير المحتوى وإتلاف جزءا منها وبالتالي فقدان هويتها الأساسية، ومهما أفلحت التقنية اليوم في تطمين المختصين في أن التسجيل على الوثيقة الإلكترونية المدمجة WORM والتي تعني "كتابة واحدة وقراءات متعددة" ومفادها انه يمكنك قراءة ما تحتويه الوثيقة لكنك لا يمكن أن تغير محتواها، إلا أن ذلك يبقى من باب الاجتهاد الإيجابي بالنسبة للتقنيين المعدين لهذه الوثيقة والتجهيزات القارئة لها، ومن يضمن ألا يحدث غير هذا الاجتهاد ؟؟؟.
أما بالنسبة لإمكانية تعرض الوثيقة إلى الخراب الطبيعي كان أم التقني أم المتعمد، فإن الحلول التقنية تطمئننا بنسخ الوثيقة في عدة نسخ أخرى مماثلة سواء في أقراص مدمجة وهي الطريقة المسماة بالحفظ الاحتياطي للمعلومة back up أو في المخدمات المركزي أو الفرعي ( السيرفر ) المسماة بالمرآة Mirroring أو طريقة العنقود Cluster وتعني استخدام مخدمين Servers يعملان في معا كمجموعة واحدة يعوض الواحد الآخر عند تعطله...إلا أن ذلك تبقى كلها حلول تقنية وما التقنية إلا من صنع البشر يمكنه أن يتصرف فيها كيفما يشاء وحسب نيته وأغراضه.

• مشكلة التوقيع الإلكتروني والصبغة الرسمية للوثيقة الإلكترونية:

ظهرت تقنية التوقيع الإلكتروني Electronic signature لتعوض التوقيع الخطي على الوثيقة الإلكترونية حتى تضفي عليها الصبغة الرسمية Autehenticity وتعني الإثبات القانوني للوثيقة وإقامة الدليل القانوني على الصبغة الرسمية لها، واليوم هناك مزاوجة بين استخدام التكنولوجيا لحفظ الوثائق، والمحافظة على قوتها القانونية وهويتها بعدم تحوير محتواها. فالإمضاء هو الوسيلة الوحيدة التي تضمن رسمية الوثيقة وهويتها لذلك لأخترع "الإمضاء الإلكتروني" للوثيقة الإلكترونية ولكن ما هي هذه التقنية ؟؟؟
ينقسم الإمضاء الإلكتروني إلى نوعين اثنين:
- الإمضاء المرقمن : ويعني رقمنة الإمضاء الخطي للشخص وحفظه لاعتماده إلكترونيا
- الإمضاء المشفر أو الرمزي: ويتمثل في توفير مفتاح سري للشخص لا يعلمه غيره واعتماده عند توقيع وإمضاء الوثيقة الإلكترونية.
ويتضمن التوقيع الإلكتروني تحديد عدة معلومات تتعلق بالوثيقة المراد إمضاؤها كعدد أسطرها وعدد كلماتها والصور التي تتضمنها والأعمدة والجداول، وهو ما يجعل الكشف عنها أمرا صعبا ويتطلب أبحاثا تقنية كبيرة في الوثيقة، وهذا ردا عن المحترزين من هذا النوع من الإمضاء، وما إذا كانت الإمكانية التقنية واردة لتزوير هذا الإمضاء والكشف عنه مهما افلح الإنسان الصانع لها في تخبئتها..ومهما يكن من أمر فالتقنية قابلة للكشف من قبل العقول البشرية الصانعة لها .

*مشكلة التكلفة المادية للأرشفة الإلكترونية:

تتطلب تقنية الأرشفة الإلكترونية تكلفة باهضة مقارنة بالأرشفة الورقية التقليدية، ذلك أن التكنولوجيا اليوم بسبب حداثتها ما زالت تقنياتها تؤرق الخزائن والجيوب، وربما من الأسباب الرئيسية التي جعلت البعض لم يدخل غمار التجربة بعد.
غير انه بالنظر إلى الأهداف المرتقبة من هذه التقنية الحديثة، وذلك بحفظ الوثائق في أفضل الظروف المناخية خاصة، فلا غبار مؤثرة كالتي على الوثيقة الورقية، ولا تقادم بسبب اللمس المتواصل لها كما هو الحال بالنسبة للأرشيف الكلاسيكي، وخاصة وهو الأهم لا توفير فضاءات حفظ كبيرة كالتي يتطلبها الأرشيف الورقي والتي تعد من المشاكل الرئيسية التي تحدثها الأرشفة التقليدية للمؤسسات اليوم، كل هذا وغيره من شأنه أن يغطي على تكلفة الأرشفة الإلكترونية خصوصا إذا ما صحت الحلول التقنية للمشاكل التي ذكرت..
خلاصة للقول نقول إن الأرشفة الإلكترونية اليوم والتي طرحت عدة مشاكل يستوجب دراستها دراسة إستراتيجية وافتراضية لأن التكنولوجيا اليوم مازالت حديثة العهد لا يمكن أن نختبر نجاعتها بالملموس خاصة من ناحية الصيرورة والصمود أمام مشكل التقادم والوقت، وعليها لا بد من انتظار الوقت القادم للحكم لها او عليها.
كما أن البعض يرى أن الأرشفة عبر المايكروفورمات ( الميكروفيش / الميكروفيلم ) والتي تسمى بالأرشفة القياسية يعتبر الطريقة المثل على المدى الطويل، ذلك انه قيم عمر هذه الوثائق بأكثر من قرن من الزمن، وقد أمكن الحكم لها إلى حد الآن بحكم تقادمها مقارنة بالأرشفة الإلكترونية شريطة أن تتم الصيانة الدورية للأفلام وشريطة أيضا لإيجاد حل دمج هذه الوثائق مع الوثائق الإلكترونية.
لقد تعاطى الأرشيف الوطني الأمريكي مع طريقة الأرشفة عبر" الشكل الثابت" Persistent format في المدى الطويل، وهي طريقة إستراتيجية تهدف إلى الحد من أخطار تطور الأجهزة والبرمجيات الإلكترونية Hardware et Software والتخفيظ من سلبيات التبعية لهذه الأجهزة والأنظمة.
لقد تم الإقرار بان التقنية الحديثة قد أحدثت مشاكل لنظام الأرشفة المتعلق بالوثائق الورقية تتعلق أساسا بخاصيات الوثيقة الإلكترونية وهشاشتها إزاء الحفظ الطويل المدى لها، وقيمتها القانونية ومشاكل مقروئيتها التقنية عبر الأجهزة والمنظومات المختصة ، لذلك وجب إعادة النظر في هيكلة نظام أرشيفي يأخذ بعين الاعتبار هذه المشاكل وغيرها حتى يصبح النظام متكاملا، آخذا بالاعتبار مختلف أنواع الوثائق خاصة وان المفهوم القديم للأرشيف ينص على أن الأرشيف هو كل وثيقة مهما كان نوعها وشكلها.

• مشكلة إنشاء الوثيقة الإلكترونية :

إن الإشكال الأول الذي أحدثته الوثيقة الإلكترونية هي مسألة إنشائها أولا وبالذات حيث يكون إنشائها جماعيا وعبر النظام الإعلامي، وعبر تقنيات الربط بين مختلف الأطراف المعنية لذلك ليس بالضرورة أن تكون الوثيقة الإلكترونية وحدة واحدة كما هو الحال بالنسبة للوثيقة الورقية التي يكون إنشاءها مشخصا. وبما أن المصدر يمثل علامة مهمة من الناحية الأرشيفية وهو ما ينص عليه مبدأ احترام النشأة أو الأصل خاصة خلال الفترة الأخيرة أو النهائية الأرشيفية، فإنه وجب ذكر المصدر أو المساهمين في إنشاء الوثيقة وإن كان ذلك يمثل مشكلا بالنسبة للمواقع التفاعلية للوثيقة، ذلك أن بعد عقود من الزمن يصبح من غير المجدي والمفيد الرجوع إلى الوثائق إذا لم يحدد مصدرها المتأتية منه، كما أن محتوى الوثائق يرتبط عضويا بمهام المصدر المنشأ لها.
من جهة أخرى فقد أضافت الوثيقة الإلكترونية معلومات جديدة هي البيانات المتعلقة بمحيط الوثيقة أو ما يسمى بالميتاداتا من ذلك النظام المعلومات المستخدم والمزود له وتاريخ النشأة والماركة..الخ ، وهي معطيات أساسية لاستخدام الوثيقة خاصة خارج محيط نشّالة وطول مراحل عمرها وقد صدرت تقنيات Normes وهي( EAD ) Encoded Archival description لضبط هذه المعطيات وطريقة تسجيلها وحفظها لتتبع الوثيقة طوال عمرها. وهذه الطريقة هي التي توصف بالوصف المادي والدبي للوثيقة أو الفهرسة والتكشيف، وهما عمليتان تمكننا من تعريف الوثيقة ببيانات تحدد هويتها وبمصطلحات تمكن من استرجاعها وتعرف محتواها. وتمثل طريقة الميتاداتا اليوم كإحدى الطرق الأكثر تطورا في العالم لبناء نظم المعلومات المفتوحة والموزعة وهي النظم اكثر تطورا اليوم.
وتكون طريقة الميتاداتا إلى جانب نظام التصنيف للوثائق الذي يسند رموز للوثائق ييسر استخدامها وضبط موقعها ضمن مجموع الوثائق ونظام التصنيف كما هو الشأن بالنسبة للوثائق الورقية. إلا ان الفرق بين هذا وذاك هو أن الوثيقة الورقية يتم تصنيفها لحفظها داخل مكتب العمل، في حين ان الوثيقة الإلكترونية يتم تصنيفها إفتراضيا وحفظها إلكترونيا.

• مشكلة تحويل الوثيقة الإلكترونية من النشطة إلى الشبه نشطة:

أما بالنسبة لمشكل تحويل الوثائق الإلكترونية من مرحلتها النشطة إلى الشبه نشطة، فمبادئ علم الأرشيف تحتم ذلك، وصحيح أن الوثيقة الإلكترونية لا تمثل عبئا كالوثيقة الورقية ففي مكتب العمل ليتم تحويلها على فضاء ارحب، ولكن أيضا الموظف ليس مؤهلا لمعالجة الوثيقة الشبه نشطة وإن كانت إلكترونية والتي هي من اختصاصات الأرشيفي، وهنا تدخل العلاقة الوظيفة بين الوثيقة ومنشئها وليس فقط مسألة مكان لحفظها وإمكانيات لخزنها، وبالتالي لا بد من تحديد تقنيات الحفظ وضبط مدد الحفظ للوثائق الإلكترونية منذ البداية وذلك لتحديدي مصيرها وتقييم قيمتها..
كما أن الأرشيفي مطالب بالتدخل ومساندة اّلإداري والتقني منذ إنشاء الوثيقة للوقوف منذ البداية على المعطيات الوصفية التي ذكرنا أهميتها الأرشيفية خلال المرحلة النهائية للوثيقة، وبالتالي بات تغيير وتطوير مهنة الأرشيفي أمرا ضروريا لمواكبة هذه التطورات الأرشيفية.

لقد أثرت التكنولوجيا الحديثة للمعلومات على واقع الأرشيف تأثيرا بالغا و سريعا حتى تجاوز الحلم الواقع وإدراك العالم أن الإنسانية ستبلغ مستوى الأرشيفات المفتوحة عبر الشبكات دون الانتباه إلى مدى الاستجابة التقنية الحديثة لذلك، ولم يؤخذ بعين الاعتبار المفهوم الرئيسي للأرشيف والتطورات التي حصلت بظهور التخصصات المهنية الجديدة كالتجارة الإلكترونية والإدارة الافتراضية والمحو سبة، وقد اصطدمت مفاهيم ذلك بالمفهوم الأساسي للأرشيف، وأصطدم مفهوم الأرشيف الإلكتروني أيضا بدلك خاصة في فترتي النشطة والشبه نشطة للوثيقة مما غير مفهوم نظرية العمار الثلاثة الكلاسيكية، ولعله السبب الرئيسي الذي مهد لظهور نظريات أرشيفية جديدة كنظرية الدورة العمرية للوثيقة ردا على نظرية الأعمار الثلاثة، ونظرية التواصلية الوثائقية التي تستجيب للمهن الأرشيفية الجديدة التي حتمتها تقنية الأرشفة الإلكترونية.

16- نظرية الدورة العمرية للوثيقة:

عندما ظهرت خلال الستينات نظرية "الأعمار الثلاثة" للوثيقة على يد العالم "تشيلنبارق"، كانت الوثيقة آنذاك تمر بمراحل ثلاثة هي النشطة والشبه نشطة والتاريخية أو النهائية. غير أن التقنية الحديثة اليوم والتي خلقت الوثيقة الإلكترونية، جعلت الإداري والتقني يشاركان في إنشاء الوثيقة قبل تداولها وبالتالي فهي مرحلة عمرية بأكملها قبل الفترة النشطة، وهو ما جعل الباحث الكندي "فيليب بانتان" يستنبط عمرا رابع للوثيقة يسميه بمرحلة "الإنشاء" للوثيقة من قبل التقني والإداري لغايات عملية مشروعة ووفق أنماط عملية متداولة في المؤسسة، ثم تمر الوثيقة إلى مرحلة التداول المكثف، ثم مرحلة التداول المنخفظ، بعد ذلك يتم تقييمقيمتها العلمية والتاريخية ليتم تقرير مصيرها سواء للحفظ النهائي أي للعمر الرابع لها، أو إتلافها.
وحسب هذه النظرية الجديدة، نظرية الدورة العمرية ذات الأربع مراحل فإن الوثيقة خلال المرحلة الأولى ( الإنشاء)، والمرحلة الثانية ( التداول المكثف)تكون تحت مسؤولية منشئها ( الإداري والتقني ) ، ولا يتدخل الأرشيفي إلا في الناحية التنظيمية من حيث التصنيف والترتيب وذلك لغاية حسن حفظها وسهولة استرجاعها عند الحاجة. وتدخل مسؤولية الأرشيفي بالكامل إثر تنقل الوثيقة إلى مرحلة التداول المنخفظ وهي المرحلة الثالثة، حيث يسهر على حفظها كما هو الشأن بالنسبة لمرحلة الحفظ الوسيط بالسبة للأرشفة الكلاسيكية، أما المرحلة الرابعة والأخيرة للوثيقة الإلكترونية والتي هي مرحلة الحفظ النهائي والتاريخي للوثيقة بعد تقييمها، فإن ذلك يقتصر على الأرشيفي المختص فقط وهو الداري بعلوم اّلأرشفة النهائية والتاريخية ، وبالتالي فإن "بانتان" قد حدد الفوارق المهنية بين أخصائيي الوثائق الإدارية وأخصائيي الوثائق الأرشيفية من جهة أخرى.

17 - نظرية التواصلية الوثائقية:

فرضت التقنية الحديثة للمعلومات والتي أوجبت الأرشفة الإلكترونية اختصاصات مهنية وثائقية جديدة، وغيرت من مفهوم الأرشفة خاصة في المرحلة الشبه نشطة او الوسيطة،
حيث أصبح الإداري والتقني هما أيضا شريكان للأرشيفي في التصرف في الوثيقة، بل سحبا منه بعض الجوانب التقنية في المعالجة للوثيقة، وبات الأرشيفي مهددا بترك مكانه لهما وربما في كل المراحل، حيث لا يرى التقني موجبا لتحويل الوثيقة الإلكترونية من مكتب العمل إلى مكان للحفظ الوسيط، ويعتبر أن الوثيقة لا يجب أن يعالجها غيره في كل المراحل إذ تبقى في نفس المكان الذي به نشأت وحفظت أثناء نشاطها الأول، وبذلك يكون هذا المفهوم "الإلكتروني" الجديد للأرشفة قد عير مفهوم التحويل إلى الأرشيف الوسيط حسب المفهوم القديم.
وإذا كان الأرشيفي في الأرشفة التقليدية القديمة هو المؤهل الوحيد لتقييم الوثيقة الأرشيفية وتحديد عمرها الوسيط والنهائي بحفظها الدائم، فإنه اليوم قد دخل الثنائي الإداري والتقني على الخط ليشاركاه هذه المهمة بل قد ينفردا بها وحدهما ويعفيا الأرشيفي منها، وعلى أية حال فإن الحكم النهائي في المسألة مازال مبكرا حيث لم تصل الوثيقة الإلكترونية بعد على مرحلتها العمرية النهائية بحكم حداثتها أولا، كما أن الإداري لم يشك من قلة الفضاء في مكتبه لتحويل الوثيقة الإلكترونية..الخ، ومتى كانت هذه التغيرات المفاهيمية للأرشفة، فإنه وحسب "بانتان" أ يتم التواصل بين مختلف الأطراف الثلاثة: الإداري والتقني والأرشيفي ليقوموا بالمهام بتواصل وهو ما سماها بنظرية "التواصلية الوثائقية"، حيث يؤكد على ضرورة أن يتواصل الأرشيفي مع التقني لمعرفة كل المراحل التقنية والإدارية للوثيقة، ومختلف مراحل النظام المعلوماتي للمؤسسة و الشراكة المتوازية في المسؤولية بين العناصر الثلاثة المذكورة وذلك منذ لحظة إنشاء الوثيقة وقبل صياغة نظام معالجتها وصولا إلى فترة خزنها واستخدامها كوثيقة أرشيفية.
فالسبب الذي أظهر هذه النظرية إذن هو إقصاء الأرشيفي من مراحل تصميم مناهج العمل في الوثيقة الإلكترونية من فهرسة وتصنيف وتكشيف وكذلك عملا على دمج مجالات اختصاص الوثائق الإدارية الجارية والوثائق الأرشيفية من جهة أخرى، وعدم التجزئة بخصوص الوثيقة أو المسؤولية، وكذلك العمل على إشراك الأرشيفي في مختلف مراحل معالجة الوثيقة.

17- الأرشيفات المفتوحة Open Archives:

لقد تم الاهتمام من قبل المجتمعات اليوم بالعمل في مجال الشبكية المفتوحة، وفي نظم المعلومات من خلال المنظومات الدولية التي تعمل على توحيد سبل العمل وتبادل المعلومات ، لذلك ظهر مصطلح "الأرشيفات المفتوحة" والذي كان أساسه العمل على الإطلاع على المنشورات العلمية المتداولة في الأوساط الجامعية. ذلك أن الباحث اّلأمريكي "بول غاينسبيرغ" أول من استنبط هذا المصطلح سنة 1991 بمخابر "آلاموس الأمريكية" وقد احدث قاعدة بيانات أرشيفية تخص أعمال الباحثين المنشورة والتي بصدد النشر في مجالات علمية محددة كالفيزياء والرياضيات والإعلامية ثم طور الأنقليزي "ستيفن هارناد" هذه الفكرة فأسس قاعدة بيانات تتضمن رصيدا من المقالات العلمية في مجالي علم النفس والأعصاب بجامعة أنقليزية . ومع نهاية التسعينات تبلورت فكرة توحيد قواعد البيانات وجعلها مفتوحة ومتاحة للجميع بواسطة برمجيات خاصة، ومن ذلك ظهرت فكرة " مبادرة الأرشيفات المفتوحة OAI
Open Arhival Initiative باعتماد بروتوكولاات وبرامج مقننة لهيكلة البيانات ، كان ذلك سنة 1999، وتم الاتفاق على مبادئ وتدابير علمية تضمن الحلول التقنية لهذه المسألة فظهر سنة 2001 برنامج تجميع الميتاداتا التابع لمبادرة الأرشيفات المفتوحة وهو بروتوكول يمكن من جمع وحدات الميتاداتا التي تخص الوثائق الموزعة على الشبكة العالمية بطريقة آلية في موزعات مركزية أين تتم إعادة هيكلتها لتسهيل فهرستها والبحث عنها. ذلك أن الأرصدة الوثائقية متأتية من أماكن ومصادر مختلفة لذلك لا بد من توحيد بياناتها الوصفية للتعامل معها كرصيد موحد يخول الوصول إليه و الاستفادة منه، وهنا يطرح السؤال : هل يمكن تطبيق مواصفات EAD على الأرشيفات المفتوحة وتحويلها إلى OAI ؟؟؟ لذلك لم تأخذ حتى الآن فكرة الأرشيفات المفتوحة حماسا تطبقها المؤسسات والتي لم يتعدى عددها حتى نهاية سنة 2002 المؤسستين فقط.

خلاصة:

نتحدث اليوم عن الأرشيفات المفتوحة وعن الأرشفة الإلكترونية الرقمية وعن مجتمع بلا ورق وحكومة إلكترونية وغيرها من المصطلحات التي جاءتنا بها التقنية الحديثة اليوم، ولكن المطروح هو:
هل يمكن تجسيد هذا كله على سبيل الواقع وتحويله من نظري إلى تطبيقي ؟؟؟
في تقديرنا أن التقنية اليوم مازالت في بدايتها لا يمكن أن نحكم على مدى نجاحها في مثل هذه المشاريع المذكورة، ولا بالتجربة يقيم المشروع وتظهر إيجابياته وسلبياته، وحين تمر عقود من الزمن يمكن أن نحكم على الوثيقة الإلكترونية إن كانت قد صمدت أمام مؤثرات الزمن ام لا ، كما يرى خبراء الأرشيفي أنه لا يمكن أن نتحول بطريقة ثورية من واقعنا التقليدي والحديث إلى الواقع الإلكتروني حيث ننتقل من الوثيقة الورقية إلى الوثيقة الإلكترونية باندفاع وبصدمة التكنولوجيا، بل وجب أن نعايش الورقة التقليدية إلى جانب نظيرتها الإلكترونية لمدة إختبارية، تأملية أخرى قد تطول وقد تقصر، وحتى تتضح الرؤية أكثر فأكثر، كما علينا أن نخرج بالوثيقة الإلكترونية من الضبابية القانونية التي هي عليها، ونوفر السند القانوني لها وبذلك تتضح رؤية هذا المجال الزاحف إلينا رغم أنفنا...