إن المتتبع لبعض تصريحات المسؤولين الجزائريين يجد تلك التصريحات لا تمت للمنهج العلمي أو المنهج الشرعي بصلة بل تصريحات ارتجالية للهروب إلى الامام وإلقاء اللوم على الغير تملصا من المسؤولية والمتابعة ومن أمثلة تلك التصريحات نجد مثلا :
أثناء انحراف قطار حسين داي خرج وزير النقل ليقول أن هذه الانحرافات والحوادث تحدث في معظم الدول
أثناء سقوط عمارة سكنية يخرج علينا وزير القطاع ليبرر ذلك السقوط
أثناء وقوع حادث مرور يخرج الوزير المسؤول أو .. ليبرر ذلك الحادث ويلقي اللوم على غيره لثبت مسؤولية الغير في ذلك الحادث ويقارن ذلك بما يحدث في دول العالم
هذه امثلة على المقارنات التي يجريها مسؤولو كل قطاع في الجزائر من أول مسؤول وهو الوزير إلى المستويات الدنيا في قطاعه 1
نعم، هنا كل مسؤول قد قام بمقارنة ولكن هل هذه المقارنة هي مقارنة علمية؟ لننظر
من الناحية الدينية والشرعية فقد أخبرنا القرءان أن النبي -صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا فقال ربنا سبحانه وتعالى "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" والأسوة يعني القدوة والقدوة يعني الاقتداء والاقتداء يعني إجراء مقارنة بين ما انا عليه وما عليه الشخص الذي أقتدي به ثم أحوال تصحيح الإنحرافات والفجوات ليصبح وضعي قريبا أو مثل وضع الشخص القدوة.
الله عزوجل أخبر عن المؤمنين في دعائهم أنهم قالوا "واجعلنا للمتقين إماما" أي قدوة لهم في أعمالنا وسبقنا للخيرات وبالتالي يصبح اولئك المرجع والقدوة للغير.
والكثير والكثير من الآيات التي تدل على أخذ المؤمن قدوة يرجع إليه في أعماله وتصرفاته حتى تصبح أعماله -ذات جودة- لأن أعمال المتقين كلها جودة فهي تتميز بالنفع، والصلاح، والفائدة وهي من مميزات الجودة حسب الادبيات التسييرية الحديثة وخاصة في مجال إدارة الجودة الشاملة.
إن ما تم التطرق إليه سابقا يسمى في الأدبيات الإدارية من كتب وأبحاث ومقالات بــ "القياس المقارن" أو "المقارنة المرجعية" وهو من أساليب إدارة الجودة الشاملة وقد تم تعريفه بأنه :"عملية مستمرة لقياس إنتاج الفرد أو خدمته أو نشاطه مقابل أقصى مستوى من الأداء"
بل إن ربنا سبحانه لم يهمل في كتابه التحذير من أعمال كفار والمنافقين ومن شابههم وأرشدنا لعدم الإقتداء بهم فقال ربنا أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فبين الله عزوجل سبيل الكافرين وما يؤدي إلى تدميرهم وهنا يفق المؤمن الحصيف ويقارن أعماله بأعمالهم ويحاول بيان الفجوة والمشابهة مع اعمالهم ويتجنبها كي يحافظ على جودة عمله حسب النظريات التسييرية الحديثة.
ولو رجعنا غلى الأحاديث النبوية الشريفة لوجدنا مثلا قوله صلى الله عليه وسلم :"من تشبه بقوم فهو منهم" فهنا تجري مقارنة والنبي صلى الله عليه وسلم قال تشبه يعني محاولة محاكاة ما يفعله المتشبه بالمتشبه به فهنا ينظر المرء إلى من يشابه عمله؟ أهو يشابه سبيل الصالحين - جودة الأعمال- أم يشابه الكفار والمنافقين -رديؤو الاعمال-؟.
الكثير من الصحابة أرداو بلوغ أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أغلق الباب في بعض خصوصياته كالوصل في الصوم، وكقصة اولئك النفر الذي أرادوا الامتناع عن ملذات الحياة من زواج وأكل ونوم، ولكن كقاعدة أن الاصل الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فتبين أن الصحابة رضوان الله عليهم كان منهجهم وضع مقارنة ومحاولة إيجاد مرجع يقارنون به أعمالهم ولا أحسن ولا أجود مرجعا من الرسول صلى الله عليه وسلم
إن ما تم التطرق إليه سابقا يسمى في الأدبيات الإدارية من كتب وأبحاث ومقالات بــ "القياس المقارن" أو "المقارنة المرجعية" وهو من أساليب إدارة الجودة الشاملة.
وقد تم تعريفه بأنه :"العملية المستمرة لقياس المنتجات والخدمات والأنشطة مقابل المستويات الأفضل للأداء التي غالبا ما توجد في الوحدات المنافسة أو وحدات أخرى لديها عمليات مشابهة"
وعرفت أيضا بأنها :"عملية مستمرة لقياس إنتاج لافرد أو خدمته أو نشاطه مقابل أقصى مستوى من الأداء"
تعكس تلك التعاريف وجهة نظر بأن المقارنة المرجعية تتم من خلال المقارنة مع الوحدات الأكثر نجاحا أو الرائدة في القطاع بصورة مستمرة بقصد تحسين الأداء داخل الوحدة
فلو رجعنا إلى التصريحات السابقة –وما اكثرها في الدول النامية- لوجدنا أنها عكس ما جاء في تعريفات المقارنة المرجعية حيث أصبحنا نقارن مستوانا بالأسوء وليس الأحسن وهذا مخالف للشرع أولا، وللمنطق ثانيا، وللعلوم الإدارية ثالثا،ووو رابعا وخامسا وسادسا.
أمثلة مشابهة للرد على التصريحات السابقة :
لو كان لك ابن يدرس في قسم ونتائجه سيئة ثم سألته عن سبب نتائجه فقال لك : يوجد مثلي كثير في القسم أخذوا نتائج مثل نتائجي أو أكثر سوءا مني. فما جوابك لابنك؟ هل ستجيب بنفس الإجابات السابقة؟ أم أن تشعل روح التحدي والمنافسة في داخل ابنك وتنصجحه بمقارنة نتائجه مع نتائج أول وثان القسم؟ أكيد العاقل سيقول الجواب الثاني.
مثال آخر : لو تأخر الموظف في الالتحاق بمكان عمله ولما سألته قال : انظر إلى الإدارات الأخرى كل الموظفين يلتحقون بعملهم بعد التاسعة صباحا فما جوابك؟ هل ستجيب الموظف بأنه على حق؟ أم أن تضرب له مثالا بالإدارات الرائدة في الحفاظ على الوقت؟
لو أردت شراء جهاز ما وسألت البائع عن عيوب الجهاز فقال : ولكن انظر إلى عيوب الأجهزة الاخرى من نفس النوع فما جوابك؟ فهل ستقول أنه على حق ؟ ام أن جوابك هو : لماذا لا تقارن مع الاجهزة الاجود من جهازك؟
وغيرها كثير وكثير في حياتنا اليومية التي ترشدنا إلى أن نجعل مقارنتنا بالأحسن والأجود
فوائد القياس المقارن :
· تصحيح الاخطاء ومحاولة الوصول للكمال –والكمال لله طبعا-
· إشعال روح التحدي في المنظمات والأفراد لأجل بلوغ مراتب متقدمة
· إكتساب المهارات الجديدة
· القضاء على الغرور لأن الفرد يكون دائما يشعر بالتقصير لانه المنظمات الرائدة فاتته كثيرا
· الشعور بالمسؤولية تجاه الأحداث وتشخيص المرض الحقيقي من اجل وصف الدواء النافع له.