مداخلة الأستاذة ليلى بوكحيل بمناسبة ملتقى حرية المنافسة في التسريع الجزائري
بطاقة مشاركة.
الملتقـى الوطنـي حول :" حريـة المنافسـة في القانـون الجزائـري "
جامعـة باجـي مختـار. عنابـة - كليـة الحقـوق-
عنوان المداخلة: دور القضاء الإداري في حماية مبدأ حرية المنافسة.
الأستاذة: ليلى بوكحيــل .
كلية الحقوق – جامعة عنابة .
الملخص:
كما نعلم جميعا ، فإن الادارة العامة ليست حرة في اختيار المتعاقد معها في مجال الصفقات العمومية إنما لابد لها أن تتقيد بالشروط و الاجراءات التي يفرضها عليها القانون لاختيار المتعامل المتعاقد .
مع ذلك يبقى لها مجال من الحرية تستعمل فيه سلطتها التقديرية لاختيار الأفضل من بين العروض المقدمة أمامها تحت رقابة القضاء.
و قد أكد قانون الإجراءات المدنية و الإدارية مؤخرا على دور القضاء الاداري الاستعجالي في مجال حماية حرية المنافسة في حالة وجود تعسف من جانب الإدارة.
لذلك يطرح الإشكال حول مدى فعالية دور القضاء الاداري و الاصلاحات التي جاء بها كل من قانون الاجراءات المدنية و الادارية و التنظيمات المتعلقة بالصفقات العمومية مؤخرا لضمان احترام و حماية حرية المنافسة في الصفقات العمومية كإحدى أهم أنواع العقود الادارية.
مقدمـــة:
لما كانت حرية المنافسة من الحريات العامة التي يجب احترامها تحقيقا لدولة الحق و القانون، فقد تدخل المشرع الجزائري ليضع الميكانيزمات الضرورية والتي من أهم ضماناتها الرقابة القضائية.
يسعى القضاء بمختلف أقطابه و أقسامه إلى حماية حرية المنافسة لاسيما مع تفشي ظواهر الرشوة و الفساد الذي اعترف به حتى على مستوى الخطاب الرسمي في الجزائر.
القضاء الاداري في الجزائر يسعى بدوره للحد من آثار هذا الفساد وحماية مبدأ المنافسة – رغم أن مجال هذا المبدأ هو القانون التجاري بالأساس- لاسيما من خلال الرقابة على العقود الادارية و التي تأتي على رأسها الصفقات العمومية التي تعد المجال الخصب لمثل تلك التصرفات المعيبة.
فالعقود الادارية : وسائل قانونية تستعملها الادارة العامة لتقديم الخدمات العامة لذلك لابد أن تراعي فيها معايير الجودة و النوعية... لكن إذا تركت المسألة بدون قيود فسيكون ذلك سببا للتعسف . لذلك فالعقود الادارية تقوم على مبادئ أساسية أهمّها : النزاهة ، المساواة و عدم التمييز، العلانية...و تتمتع الادارة العامة فيها ببعض الامتيازات خاصة من حيث سلطتها في استبعاد بعض العطاءات ... وفق الشروط و الاجراءات التي يحددها القانون.
فإذا ثبت عدم حياد الادارة العامة أو إخلالها بالقواعد التي يحددها القانون لاسيما منها ما يمس بحرية المنافسة أمكن إعمال وسائل الرقابة القضائية (القضاء الاداري مثلا) . فما مدى نجاعة هذا الدور الممنوح للقضاء الاداري الجزائري؟
أولا: مفهوم مبدأ حرية المنافسة.
أ. تعريف المنافسة.
1. التعريف اللغوي للمنافسة:
هي : الرغبة في الشيء و الانفراد به و الغلبة عليه[1].
المنافسة ظاهرة إنسانية تعني تقديم الأفضل بين الآخرين[2].
2. التعريف الاصطلاحي للمنافسة:
وضعت بشأنها عدة تعريفات نذكر منها :
* يقصد بالمنافسة وضعية تنافس اقتصادي بين مؤسسات متميزة بصدد عرض نفس المنتج السلعي أو الخدمي داخل سوق واحد، تلبية للحاجات ذاتها، على أن تكون لكل مؤسسة نفس الحظ من الربح أو الخسارة[3] .
* هي : العمل في سوق يتعدد فيه الممارسون لنفس النشاط الاقتصادي دون قيود.
تتحقق المنافسة كلما كان عدد البائعين كثير[4].
فالحرية تعد أساس المنافسة .
* أو هي: عكس الاحتكار والذي يعني ذلك الامتياز الحصري الذي تتمتع به دولة، مؤسسة أو شخص يصنع أو يبيع شيء أو باستغلال عمل أو مصلحة ويمكن أن نميز هنا بين نوعين من الاحتكار:
الاحتكار القانوني: وهو يسمح بأن يقتصر الاستغلال على مؤسسة محددة عادة ما تكون مؤسسة عمومية أو خاصة، وذلك بمقتضى نص قانوني.
الاحتكار الواقعي: وهي الوضعية الاقتصادية التي تلغي فيها كل منافسة ويعني الاحتكار أيضا Monopole امتياز حصري لصناعة سلع أو بيعها أو استثمار بعض الخدمات أو إشغال بعض الوظائف فتوجد احتكارات قانونية مقررة في النصوص من أجل منع المضاربة مثل صناعة وبيع التبغ والكبريت، ومن أجل السلامة العامة كبيع البارود وإصدار العملة.
ب. التكريس القانوني لحرية المنافسة.
بالرغم من أن الدستور الجزائري لم ينص صراحة على حرية المنافسة ضمن الحقوق و الحريات لكنه تعرض له ضمنا من خلال النص مثلا على حرية الصناعة و التجارة ( المادة 37 منه).
كما جاء قبل ذلك النص على أن عدم تحيز الإدارة العامة يضمنه القانون ( المادة 23) و أن القانون يعاقب على التعسف في استعمال السلطة( المادة 22).
تطبيقا لأحكام الدستور فقد جاءت النصوص التشريعية التي أكدت على ضرورة احترام مبدأ حرية المنافسة بشكل عام وفي الصفقات العمومية بوجه خاص[5].
ج. مجال تطبيق حرية المنافسة في القانون الاداري.
تجد قواعد حرية المنافسة تطبيقا لها في القانون الاداري لاسيما من خلال قواعد العقود الادارية و الصفقات العمومية .
1. تعريف حرية المنافسة في العقود الادارية و الصفقات العامة
نعني بها حرية الدخول في المناقصة التي تعلن عنها الادارة و فق الحدود التي يحددها القانون[6] .
بمعنى أن يتم إعطاء الفرصة للجميع للمشاركة في تقديم الخدمات العامة دون تمييز.
2. مبررات الأخذ بمبدأ المنافسة في العقود الادارية.
عديدة، نذكر منها:
- نص القانون صراحة على إخضاع الصفقات العمومية لقانون المنافسة من مرحلة الاعلان إلى المنح النهائي .
- إبرام الصفقات العمومية يجب أن يكون قائما على احترام مبادئ حرية التعاقد في مجال الخدمات العامة والمساواة في معاملة المترشحين والشفافية في الإجراءات . فحرية المنافسة لابد أن تراعي مبدأ المساواة أمام الخدمات العامة للمرافق.
- اعتماد مبدأ حرية المنافسة يضمن حياد الادارة العامة.
- اعتماد مبدأ حرية المنافسة يضمن تعدد العطاءات و ضرورة اختيار الأفضل. فالمنافسة تجعل الادارة ملمة بمعطيات السوق بشكل يسمح لها بالاختيار الدقيق[7]
- اعتماد مبدأ حرية المنافسة يضمن النزاهة.
- اعتماد مبدأ حرية المنافسة فيه حماية المنافسة ذاتها و المتنافسين و المستهلك ، بما يستتبع ذلك من حماية السوق باعتباره مجال هذه المنافسة، من خلال حظر الممارسات المقيدة للمنافسة كحظر التعسف الناتج عن وضعية الهيمنة الاقتصادية و حظر عمليات الاحتكار بهدف رفع الأسعار، و البيع بخسارة الذي قد يعرقل لعبة المنافسة، مما قد يؤدي إلى انسحاب الأعوان الاقتصاديين الأقل قدرة اقتصادية، و بالتالي هيمنة الأعوان الاقتصاديين الأكثر قدرة على السوق، بما يستتبعه ذلك من معاودة ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر اقتصاديا [8].
- الاصلاحات الاقتصادية التي عرفتها الجزائر تحت تأثير العولمة و الأزمة الاقتصادية التي عرفتها الجزائرخاصة خلال الثمانينيات بانخفاض عائداتها من البترول، وانخفاض المستوى المعيشي، وسوء الأوضاع الاجتماعية، مما أدى إلى تبني تحولات جذرية مست النشاط الاقتصادي، إضافة إلى الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي فرض عليها تحرير النشاط الاقتصادي وتبني إصلاحات اقتصادية عديدة بفتح المجال امام المبادرة الخاصة، و اعتماد مبدأ حرية المنافسة للتنظيم الاقتصادي و التخلي عن التسيير الإداري المركزي للسوق، و التفكير في وضع ميكانيزمات وقواعد جديدة ذات طابع ليبرالي لضبط النشاط الاقتصادي[9].
رغم ما ذكر أعلاه، إلا أن حرية المنافسة ليست مطلقة بل هي نسبية ترد عليها عدة قيود تمنح للإدارة سلطة رفض بعض العطاءات بشرط عدم التعسف .
كما أن حرية المنافسة مقيدة بالشروط و الاجراءات التي يفرضها القانون و التي تختلف بحسب نوع المناقصة مفتوحة محدودة وطنية دولية....لذلك وجب تدخل و إعمال آليات الحماية و الرقابة والتي من بينها القضاء الاداري سواء قاضي الموضوع أو قاضي الاستعجال.
باعتبار أن العقود الادارية عموما و الصفقات العمومية على وجه الخصوص هي المجال الخصب لإعمال مبدأ حرية المنافسة في القانون الإداري فإن رقابة قاضي الموضوع عليها قد تكون في إطار دعوى القضاء الكامل عند رقابة العقد ككل و طلب التعويض عنه.
كما قد تكون في إطار الدعاوى الادارية الأخرى في حال ما يعرف بالقرار المنفصل أو القابل للانفصال[10].
1. دعوى القضاء الكامل.
تندرج دعاوى العقود الادارية عموما و بالتالي حتى تلك المتعلقة بإخلال بحرية المنافسة في العقود الادارية ضمن دعاوى القضاء الكامل التي تتوسع فيها سلطات القاضي مقارنة بسلطات قاضي الالغاء.
تشترط في دعاوى القضاء الكامل الشروط العامة من حيث توفر الصفة و المصلحة و الأهلية في أطراف الدعوى و أنها لابد أن تتم عن طريق عريضة مؤرخة وموقعة تحدد الوقائع و الطلبات و الأسس التي يستند إليها المدعي و أنها تكون في الميعاد المحدد إضافة إلى الشروط الخاصة بها لاسيما فكرة القرار السابق .
2. دعوى الإلغـاء .
يشترط لرفع دعوى الإلغاء، توفّر بعض الشروط الشكلية و الموضوعية[11].
تتعلق الشروط الشكلية بأطراف الدعوى و إجراءاتها و محلها(القرار الإداري محل الطعن) ، و ميعاد رفعها . مع ملاحظة أن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية جعل الطعن المسبق جوازي و انتفى فيه النص عن شرط الدعوى الموازية .
و تتعلق الشروط الموضوعية ، بالعيوب التي تؤسس عليها الدعوى و التي تلحق بأحد أركان القرار الإداري فتكون سببا لإلغائه : عيب السبب ، الاختصاص ، الشكل و الإجراءات ، مخالفة القانون و عيب تجاوز السلطة .
يتعلق محل دعوى الالغاء في هذه الحالة بما يسمى بـالقرارات الإدارية المنفصلة عن العقد: كقرار المنح المؤقت للصفقة .
لكن هذه الدعوى تثير إشكالا من حيث أن الإدارة قد تسارع إلى إبرام العقد قبل صدور حكم نهائي. فما مصير دعوى الإلغاء إن قامت الإدارة بتصحيح عيب الإخلال بالتزامات العلانية و المنافسة لاسيما إذا تم ذلك امتثالا لأمر القاضي الاستعجالي؟.
3. دعـوى فحص و تقديـر المشروعيـة و دعـوى التفسيـر.
هي دعاوى تتعلق بالأساس بالقرارات الادارية للتأكد من مدى صحتها و مطابقتها للقانون ( دعوى فحص المشروعية) أو للتأكد من مضمونها لاسيما في الحالات التي يكون فيها القرار غامضا و غير واضح.
كذلك فهذه الدعاوى يمكن اعمالها في حالة القرار المنفصل .
إن ما يمكن ذكره في هذا الخصوص أن مثل هذه الدعاوى تستغرق مدة من الزمن لا تتناسب و الحالة المستعجلة التي يتطلبها الانتهاك الواقع بخصوص حرية المنافسة. فإذا أبرم العقد و شرع في تنفيذه فقد يرتب نتائج يصعب فيما بعد التحكم فيها.
ثالثا: حماية مبدأ المنافسة أمام قاضي الاستعجال[12].
إضافة للدعاوى المذكورة أعلاه و التي يختص بها قاضي الموضوع و تفاديا لسلبياتها، فإن للمعني حق اللجوء أمام قاضي الاستعجال لوقف تنفيذ القرار الصادر ضده ، لاسيما في حالة ما إذا كان القرار نتيجة استعماله حقا أو حرية عامة و هذا استنادا لنص المواد 920،921 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية .
كما يمكنه بغض النظر عن هاتين المادتين عقد اختصاص القضاء الاستعجالي في مادة العقود الإدارية و الصفقات العمومية بناء على نص المادتين 946 و 947 من القانون ذاته.
أ.نطاق اختصاص القاضي الاداري الاستعجالي على أساس المساس بإحدى الحريات الأساسية[13]
يتحدد اختصاص القضاء الاداري الاستعجالي في هذه الحالة على أساس ان حرية المنافسة تعتبر من الحريات الأساسية الواجبة الاحترام و أن المساس بها يبيح إعمال أحكام المادتين: 920 و921 من قانون الاجراءات المدنية و الادارية.
فإضافة إلى السلطات التي يتمتع بها القاضي الاداري بالنسبة لمختلف الدعاوى التي يختص بنظرها، من حيث أنه قاض محقق له سلطة التأكد من ملاءمـة التصرفات القانونية للإدارة - و إن كان في حدود ضيقة- و سلطة البت في النزاع...فإنه يملك استنادا لنص المادتين 920 و 921 و المواد من 978 إلى 988 من قانون الاجراءات المدنية و الادارية عدة سلطات أخرى ( هي أيضا سلطات عامة ليست خاصة فقط بالاخلال بحرية المنافسة) سأحاول تناولها في ما يلي:
1.سلطة وقف تنفيذ القرار الاداري.
يتعلق الأمر بوقف تنفيذ القرار القابل للانفصال كقرار المنح المؤقت أو المنح النهائي للصفقة ، و ذلك لتفادي إبرام العقد مع من اختارته الادارة لأنه إذا أبرمت الصفقة و شرع في تنفيذها فإنه قد يصعب فيما بعد تفادي الآثار المترتبة.
2. سلطة توجيه أوامر أو تدابير تنفيذ .
تدعيما لدور القاضي الإداري ، فقد جعل له قانون الإجراءات المدنية و الإدارية سلطة توجيه تدابير تنفيذ ضد الأشخاص المعنوية العامة .
استنادا للمواد من 978 إلى 988 من هذا القانون يمكن توجيه هذه التدابير وفقا للأحكام التالية :
- أن يكون هناك أمر أو حكم أو قرار ضد شخص من الأشخاص المعنوية العامة.
- أن يكون هناك امتناع عن التنفيذ لمدة تتجاوز 03 أشهر تسري من تاريخ التبليغ الرسمي للحكم ، أو من تاريخ رفض التظلم الموجه للإدارة العامة ، كقاعدة عامة .
- أن يتطلب تنفيذ هذا الأمر أو الحكم أو القرار تلك التدابير لتنفيذه .
- أن يتم تحديد أجل للتنفيذ من طرف الجهة القضائية التي تأمر بهذه التدابير .
- أن يتم الأمر بتدابير التنفيذ هذه، في نفس الحكم القضائي، أو في قرار قضائي جديد إذا لم يسبق الأمر بها من قبل بسبب عدم طلبها في الخصومة .
خلافا للتشريع الفرنسي فإن القانون الجزائري لا ينص على ما إذا كان للمحكمة سلطة حذف البنود الواردة في العقد والتي يمكن أن تتخذ مطية لعدم تكافؤ الفرص بين المترشحين.[14]
3. سلطة توقيع الغرامات التهديدية.
بعدما تردد القضاء بخصوص اختصاصه بتوقيع الغرامات التهديدية ضد الإدارة العامة فقد جاء قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ليفصل في هذه المسألة صراحة حيث أقر له هذا الاختصاص.
يجب حسب قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، لاسيما المادة 980 و ما بعدها توفر بعض الشروط حنى يتم الحكم بالغرامة التهديدية، منها:
- أن يكون هناك أمر بالتنفيذ وفقا لنص المادتين 978 ، 979 ق إ م و إدا .
- أن يكون هناك امتناع عن التنفيذ لمدة تتجاوز 03 أشهر تسري من تاريخ التبليغ الرسمي للحكم ، أو من تاريخ رفض التظلم الموجه للإدارة العامة ، ما عدا حالة الاستعجال التي تخفض فيها الاجال .
- أن يتم تحديد تاريخ سريان الغرامة التهديدية.
يجوز للجهة القضائية تخفيض الغرامة التهديدية أو إلغاءها عند الضرورة م 984 ق إ م و إدا. و هنا يطرح السؤال ما لمقصود بهذه الضرورة ؟
ب. نطاق اختصاص القاضي الاداري الاستعجالي في مادة العقود الادارية و الصفقات العمومية [15].
استنادا إلى نص الفقرة الأولى من المادة 946 ق إ م إدا ، فإن القضاء الإداري الاستعجالـي يختص بنظر هذه الدعوى إذا تعلق الأمر بإخـلال بالتزامات الإشهار و المنافسة التي تخضع لها عمليات إبرام الصفقات العمومية. هذا ما يفرض علينا التعرض لنطاق هذا الاختصاص من حيث موضوع الدعوى ثم من حيث أطرافها و إجراءاتها .
1. نطاق اختصاص القاضي الاستعجالي من حيث موضوع الدعوى.
1-1. تحديد المقصود بالتزام الإشهار.
تبرم الصفقة العمومية وفق أسلوب المناقصة[16] كقاعدة عامة أو أسلوب التراضي.
في سبيل الحصول على أكثر عدد من العروض و التمكن من اختيار الافضل يفرض أسلوب المناقصة (طلب العروض) احترام جملة من الإجراءات من بينها واجب الإشهار. و الذي يقصد به عملية الإعلان عن الصفقة وعن المنح المؤقت لها - عندما يكون ذلك ممكنا - باللغة العربية و بلغة أجنبية واحدة على الأقل في النشرة الرسمية لصفقات المتعامل العمومي وفي جريدتين يوميتين وطنيتين موزعتين على المستوى الوطني . إضافة إلى إمكانية الإعلان في يوميتين محليتين أو جهويتين[17].
يتضمن الإعلان بيانات إلزامية للصفقة تتعلق بموضوعها و الهيئة التي أعلنت عنها و شروطها...[18]
كما يتضمن الإعلان عن المنح المؤقت للصفقة المعايير التي اختير على أساسها المترشح الفائز مع دعوة بقية المترشحين للاطلاع على النتائج المفصلة لتقييم العروض[19].
1-2. تحديد المقصود بالتزامات المنافسة.
تنص المادة 03 من تنظيم الصفقات العمومية على أن الهدف من وضع هذا القانون هو ضمان التوازن بين حماية المال العام من جهة و فعالية و نجاعة الخدمات المقدمة من جهة أخرى و تؤكد أن
ذلك يتم من خلال احترام بعض المبادئ التي من أهمها حرية المنافسة .
التزامات المنافسة هو مصطلح واسع بحيث قد يشمل حتى إجراءات الإشهار السابق تناولها .
من ثمة ، يمكن أن يشكل إخلالا بالتزامات المنافسة كل إخلال بطرق إبرام الصفقات العمومية أو بإجراءات إبرامها كما يحدده تنظيم الصفقات العمومية[20] .
من أمثلة ذلك: امتناع الادارة عن تمكين المترشحين من بعض الوثائق الضرورية كدفاتر الشروط، عدم قبول بعض المترشحين دون مبرر لذلك...
2. نطاق اختصاص القاضي الاداري الاستعجالي من حيث أطراف الدعوى و إجراءاتها.
2-1. أطراف الدعوى شبه الاستعجالية في مادة إبرام الصفقات العمومية.
لما كانت هده الدعوى شبه الاستعجالية تتعلق بصفقة عمومية فإن المنطق يقتضي أن أطرافها هم أطراف الصفقة . لكن الإشكال أن هذه الدعوى تتعلق بمرحلة إبرام الصفقة و قبل إمضائها. لذلك سنتعرض أولا : للمدعي ثم ثانيا للمدعى عليه .
* المدعي في الدعوى شبه الاستعجالية في مادة إبرام الصفقات العمومية
يقتضي المنطق أنه لما كان موضوع الدعوى الاستعجالية في مادة إبرام الصفقة العمومية يتعلق بإخلال بالتزامات الإشهار و المنافسة ، فإن ذلك معناه أن هذا الإخلال لا يكون إلا من جانب الإدارة صاحبة الصفقة ، من ثمة فالمدعي هو المتضرر من هذا الإخلال و هو بالدرجة الأولى مادمنا في مرحلة الإبرام من الأشخاص المترشحين الذين قدموا عروضا للفوز بها .
لكن بالرجوع للمادة 946 ق.إ.م.إدا فهي تنص على كل من له مصلحة في إبرام العقد و الذي قد يتضرر من هذا الإخلال.
فالمادة إذن توسع في الأشخاص التي يمكنها رفع الدعوى ، كما أنها تفتح المجال لرفع الدعوى و لو كانت المصلحة محتملة من خلال عبارة " قد يتضرر"، لكن هذا قد يشكل خطرا على إبرام العقد و يؤدي لتعطيله .
إضافة إلى كل ذلك فهذه المادة تسمح أيضا لجهاز آخر هو ممثل الدولة على مستوى الولاية برفع هذه الدعوى بشرط أن تتعلق الصفقة بجماعة إقليمية ( ولاية أو بلدية) أو مؤسسة عمومية محلية و هنا أيضا لم يفرق النص بين المؤسسة الإدارية و الاقتصادية .
يطرح السؤال من هو ممثل الدولة على مستوى الولاية؟
يرى الدكتور بربارة أنه "الوالي" و نحن نؤيده في ذلك[21].
فإذا كان هذا الحق ممنوح للوالي في حال صفقات الادارة المحلية فإن الاشكال يطرح في حالة الصفقات التي تبرمها الادارة المركزية ؟
* المدعي عليه في الدعوى شبه الاستعجالية في مادة إبرام الصفقات العمومية.
المدعى عليه في هذه الدعوى هو الذي ينسب إليه الإخلال بالتزامات الإشهار و المنافسة. بالتالي هذا الإخلال لا يكون إلا من الجهة صاحبة الصفقة العمومية كما تحددها المادة 02 من تنظيم الصفقات العمومية، و هي:
-الإدارات العمومية.
-الهيئات الوطنية المستقلة.
-الولايات.
- البلديات.
- المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري.
- مراكز البحث و التنمية والمؤسسات العمومية الخصوصية ذات الطابع العلمي و التكنولوجي و المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي و الثقافي والمهني و المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي و التقني و المؤسسات ذات الطابع الصناعي و التجاري و المؤسسات العمومية الاقتصادية عندما تكلف بإنجازعملية ممولة كليا أو جزئيا بمساهمة مؤقتة أو نهائية من الدولة.
يطرح الاشكال من حيث أن المشرع لم يميّز بين الصفقة المبرمة من طرف الإدارات العامة و تلك التي تبرمها المؤسسات العمومية الاقتصادية (و هي شركات تجارية) فيما يتعلق بمنازعات العقود والصفقات المبرمة ,علما أن الصفقات العمومية التي تبرمها المؤسسات العمومية الصناعية والتجارية والمؤسسات العمومية الاقتصادية لا تعد عقودا إدارية طبقا للمعيار العضوي الذي يأخذ به المشرع الجزائري . فإذا كان القضاء الإداري يرفض ( في الموضوع) الاختصاص بالفصل في منازعاتها، فإن ذلك يؤثر على اختصاصه كقاضي استعجال.
2-2. إجراءات الدعوى شبه الاستعجالية في مادة إبرام الصفقات العمومية.
ترفع الدعوى عن طريق عريضة مؤرخة و موقعة من طرف محام تتضمن البيانات الواردة في نص المـادة 15 ق إ م إدا في نسخ بعدد الخصوم .
كما يمكن أن ترفق العريضة بالوثائق الثبوتية .
تودع العريضة أمانة ضبط المحكمة الإدارية مقابل دفع الرسم القضائي.
تقيد العريضة و ترقم في سجل حسب ترتيب ورودها و يحدد لها تاريخ أول جلسة.
يبلغ المدعى عليه (هم) و المدخلين في الخصام – إن وجدوا- بنسخة من العريضة عن طريق
المحضر القضائي، لكن الآجال تكون قصيرة تناسبا مع الطبيعة الاستعجالية للدعوى[22].
لم يحدد المشرع الجزائري - شانه شان المشرع الفرنسي- أجلا لرفع الدعوى إلا أن المادة 946 من ق الإجراءات المدنية و الإدارية نصت على أنه : " يجوز إخطار المحكمة الإدارية قبل إبرام العقد".
و نوافق الأستاذة بومقورة سلوى[23] عندما تقول أن أهم إشكالية تطرحها هذه الدعوى الاستعجالية قبل التعاقدية هي: التناقض الصريح بين الطابع الوقائي الذي تتسم به هذه الدعوى - من حيث أنها تهدف إلى إصلاح المخالفات قبل إبرام العقد- و إمكانية رفعها بعد إبرام العقد حيث تنص المادة 946 فقرة 2 :" يتم هذا الاخطار.......إذا أبرم العقد أو سيبرم.... "
فالمنطق الوقائي يفرض بان ترفع الدعوى قبل إبرام العقد, حيث يمارس القاضي الاستعجالي سلطته فيوجبه أمرا للمتسبب للامتثال لالتزاماته,أو يأمر بتأجيل إمضاء العقد طبقا للفقرتين 4 و6 من المادة 946 .أما إن ابرم العقد فما محل هذه الدعوى ؟
ج. سلطات القاضي الإداري في الدعوى شبه الاستعجالية في مادة إبرام الصفقات العمومية.
من خلال تعديل قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، فقد منحت للقاضي الإداري الاستعجالي في مادة إبرام الصفقات العمومية سلطات واسعة و متعددة تمكنه من رقابة الإدارة العامة في مرحلة إبرام الصفقة العمومية ؛ بحيث تجسد هذه السلطات في حالة ثبوت المخالفة في حق الإدارة العامة .
1. تعدد السلطات المخولة للقاضي الاستعجالي :
يتمتع القاضي الاستعجالي في مادة إبرام الصفقات العمومية بسلطات متعددة منحت له بموجب تعديل قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لاسيما المادة 946 منه .
تتمثل هده السلطات في سلطة توجيه الأوامر، سلطة توقيع الغرامات و سلطة الأمر بتأجيل إمضاء الصفقة . سنتناول هده السلطات على التوالي:
1-1. سلطة الأمر بالامتثال للالتزامات الإشهار و المنافسة.
إذا ما ثبت للمحكمة الإدارية – حسب المادة 946 الفقرة 04- وجود إخلال بالالتزامات التي يفرضها القانون في مجال الإشهار والمنافسة كما هو مبين أعلاه، فإنه يمكنها أن تأمر المتسبب في هذا الإخلال بالامتثال للالتزامات القانونية ، على أن تحدد له أجلا يجب أن يمتثل فيه .
إن دراسة هذه المادة تجعلنا نبدي عدة ملاحظات بشأنها ، نذكر منها :
- هذه الفقرة بدأت بعبارة " يمكن" ، معنى ذلك أن هذه سلطة جوازية تخضع للسلطة التقديرية للمحكمة الإدارية.
- كذلك هذه الفقرة تركت للمحكمة السلطة التقديرية لتحديد الأجل الذي يلزم فيه المخالف باحترام الالتزامات القانونية المفروضة في مجال الإشهار و المنافسة.
إن أبسط ما يمكن قوله بشأن هاتين الملاحظتين أن تطبيقهما مرتبط بمدى استقلالية المحكمة الإدارية خاصة و أنها في مواجهة السلطة العامة ( وزارة، ولاية ...)
- إضافة إلى الملاحظتين أعلاه، فإن الإشكال يطرح في حالة عدم الالتزام بهذا الأمر الصادر عن المحكمة الإدارية.
لقد تنبه المشرع لذلك، فأورد الفقرة 05 من المادة ذاتها و التي تتعلق بسلطة توقيع الغرامة التهديدية، وهو ما سنتناوله في النقطة الموالية .
1-2. سلطة توقيع الغرامات التهديدية.
في إطار تدعيم سلطات القاضي الإداري الاستعجالي في مادة إبرام الصفقات العمومية ، جاءت الفقرة الخامسة من المـادة 946 ق إ م إدا ، و التي منحت له سلطة توجيه الغرامة التهديدية في مواجهة المخالف لالتزامات الإشهار و المنافسة .
تسري الغرامة التهديدية – حسب الفقرة 05 أعلاه- من تاريخ انقضاء الأجل الذي حددته المحكمة كما هو مبين أعلاه.
من خلال دراسة المادة 946 في فقرتها 05 يمكن أن نبدي الملاحظات التالية :
- إن سلطة توقيع الغرامة التهديدية لا تطبق إلا في حالة انقضاء الأجل المحدد من طرف المحكمة عند توجيهها الأمر بالامتثال للالتزامات الإشهار و المنافسة ؛ بمعنى أنه لا يمكن للمحكمة الجمع بين توجيه الأمر بالامتثال لتلك الالتزامات و توقيع الغرامة التهديدية .
- كذلك يطرح إشكال آخر في حالة امتناع المخالف عن الالتزام رغم توقيع الغرامة ، فما هي الوسائل المخولة للقاضي الاستعجالي لإجباره على الالتزام؟
هذا ما يدفع إلى إعادة النظر في هده السلطات و ضرورة دعمها حتى تؤدي الغرض منها ، كأن يتم توقيعها في حق الموظف الممتنع باعتبار الإدارة العامة شخص معنوي يعبر عن إرادته شخص طبيعي
ما تجدر الإشارة إليه، بخصوص السلطتين أعلاه : سلطة توجيه الأمر و سلطة توقيع الغرامات التهديدية هو أنه حتى يتم توقيعهما فإنه لابد من ثبوت المخالفة في حق المدعى عليه (الإدارة العامة صاحبة الصفقة) وهذا لا يتحقق إلا إذا نظر القاضي في موضوع الدعوى و هو ما قد يشكل مساسا بأصل الحق كشرط لقبول الدعوى الاستعجالية لكن ذلك يبرر و يؤكد في الوقت ذاته الطبيعة شبه الاستعجالية للدعوى المتعلقة بإبرام الصفقة العمومية .