- أنّ الحياء أساسه شعور وجداني يعتري المرء فيحصل له تغيُّرٌ وأثر في النفس برقة القلب وامتناعه عن القيام بعمل ما. وهو بهذا يُعتَبَرُ خُلُقاً مركّباً من أمرين:
1- انفعال وجداني.
2- امتناع عن القيام بهذا العمل وهو الكفّ والتورّع.
وإذا كان العمل الذي كف عنه قبيحاً كان الحياء في موضعه وإن لم يكن قبيحاً كان في غير موظعه وسُمّى خجلاً.
- الحياء من خصائص الإنسان التي ينفرد بها عن الحيوانات؛ فإنّ الحيوانات مدفوعة بغريزتها إلى القيام بما تريد بينما الإنسان ينظر ويفكر فيما يقدم عليه فلا يكون كالبهيمة يحقق كل ما يشتهي دون تبصّر ورويّة.
والقبائح التي يستحيي الإنسان منها ويكفّ عنها باعتبار المصادر التي تبين قبحها أنواع:
- قبائح شرعية: وهي التي بيّن الشرع قبحها، ومرتكب هذه القبائح يُقارب الفسوق.
- قبائح عقلية: وهي التي عرف قبحها بالعقل السليم والفطرة القويمة، ومرتكب هذه القبائح يُعَدُّ مجنوناً.
- قبائح عرفية: وهي التي عُرِف قبحها في المجتمع وساد بين أفراده النفور منها ولم تعارض حكماً شرعياً أو عقلياً، ومرتكبها يُعد أبلها.
وأيا ما كان المصدر الذي بين حكم الفعل القبيح فإنّه لا يخرج عنه أن يكون أحد أنواع ثلاثة:
1- حرام والحياء فيه واجب.
2- مكروه والحياء فيه مندوبٌ إليه.
3- مباح والحياء فيه من المعروف ومكارم الأخلاق وهو المراد بقوله (ص): "الحياءُ لا يأتي إلا بخَيْر".
- الحييّ:
الزهرة
وإذا كنا قد عرَّفنا الحياء بأنّه انفعال وجداني يمنع صاحبه من فعل ما يعتبر قبيحاً فلابدّ من الاشارة إلى الإنسان الحُيَيّ.
فالحياء أساساً صفةٌ إنسانية اختص بها الإنسان وتميّز عن الحيوان، وهو أمر ظاهر فالحيوان يفعل ما يحلو له في السر والعلن دون أن يحفل بمن حوله.
ثمّ هو صفةٌ للمۆمن، وذلك أنّ الإنسان إذا أدرك بأنّ الله تعالى مطّلعٌ عليه، وجعل عليه رقيبين كريمين يحصيان عليه ما يفعل توجه في سلوكه إلى ما يناسب إيمانه هذا.
إنّ الحييّ لابدّ له من العلم بما هو مقبولٌ ومرفوضٌ شرعاً وعقلاً وعرفاً، فلا يتصور الحياء من الجاهل إلا أن يكون حياۆه في غير موضعه كمن يستحيي من عالم فلا يسأله فيما يحتاجه من أمور دينه، أو أن يكون حياۆه فطرة فُطر عليها هذا الإنسان.
ومع هذا العلم لابدّ للمرء من الفطنة واليقظة والتنبه لكل حركاته وسكناته لتكون تصرفاته التي يقوم بها على وفق المستحب من الأعمال والأقوال. أما الغفلة والتراخي وترك الاهتمام فغالباً ما يصاحبها من الأقوال والأعمال مما يُذم ويُعاب. والحُيَيُّ إنسان ترقّى في خُلُقه حدّاً تجاوزه به غيره، فهو لم يكتف بالكفّ عما حُرِّم شرعاً وديناً بل تراه يتوقى كل ما هو مستقبحٌ عُرفاً وعادةً ومروءةً ضنّاً بالنفس أن تنزل إلى مهاوي الدناءة والخسَّة؛ ولذا قال علماۆنا رضوان الله عليهم: الحيَيّ لا يكون فاسقاً بمعنى أنّه لا يجاهر بالمعصية ثمّ يتخلّق بالكف عن المذمومات. أما من عُرف بالجرأة والقوة فقلما يكون حيياً إذ أن جرأته قد تكون صارفاً له عن التمسك بالحياء.
- تكوين الحياء:
قد ينشأ الحياء مع المرء منذ صغره فيكون غريزةً وصِفةً مصاحبة له منذ نعومة أظفاره، كما يمكن أن يكون تخلّقاً واكتساباً يتكوّن لدى الإنسان من جملة معارفه وآدابه وقيمه ووسطه الاجتماعي الذي يعيش فيه بحيث يكون الحياء كسائر الأخلاق انعكاساً لتفاعل الفرد مع مجتمعه.
والحياء الذي يدعو إليه الإسلام هو ذاك الخلق الذي يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق من له حق.
وبيان ذلك أنّ الإنسان قد يُحجم عن القيام با‘مال مع إمكانه ذلك فيظن أن امتناعه عن هذا العمل محمود كمن يأكل طعاماً بسيطاً ويمرُّ به غنيٌ فلا يدعوه ظناً أنّه لا يقبل طعامه، أو من يمتنع عن إعطاء السائل القليل فيۆثر البخل حتى لا يزدري السائل أُعطيته.
- الدافع على الحياء:
تتنوع الدوافع التي تحثّ المرء على الحياء ويمكن ردها إلى الأسباب التالية:
الخوف: من العلماء من يرى أنّ الخوف هو الباعث والمحرم للحياء؛ فالحيي يخاف وخوفه هذا ليس رعباً يشلّ التفكير ويصيب بارتعاش الأطراف وخفقان القلب؛ وإنما كراهية هذا العمل أو كراهية رۆيته يعمله أو كراهية ذمّه على عمله وفضيحته عليه. سواء كانت هذه الفضيحة في الدنيا أو في الآخرة قال الحليمي رحمه الله تعالى: حقيقة الحياء خوف الذم بنسبة الشر إليه.
مجانبة المروءة: ومنهم من يرى المعصية مذلة لصاحبها فيتركها أنفةً ومروءةً حتى يصير ذلك عنده عادة. قال بعض السلف: رأيت المعاصي مذلّة، فتركتها مروءةً، فصارت ديانة.
كراهية استعمال النعمة في المعصية: ومنهممن يتأمل في نعم الله تبارك وتعالى عليه فيستحيي أن يستعين بهذه النعم على معصية الله عزّ وجلّ.
رۆية الآلاء (أي النعم) ورۆية التقصير يتولّد بينهما حالة تسمى الحياء.
خفِ الله على قَدْر قُدرته عليك، واستحي منه على قَدْر قربه منك.
منقول للإفادة