المغفور له الفكاهي والممثل بن بوزيد المعروف بالشيخ عطاءالله يودعنا الى جوار ربه بعد مشوار حافل بالأعمال الفنية …
هكذا يشاء القدر وتتزامن الظروف أن يودعنا الزميل بن بوزيد في شهر الثورة بعد يوم واحد من الذكرى الثانية والستين على اندلاع الثورة المجيدة، حيث قضى نصفها واحد وثلاثون سنة في مجال الفن التمثيل والمديح و”المونولوق” والفكاهة وصال وجال في مختلف ربوع الوطن بين المسارح وقاعات الثقافة، دور الشباب وشاشات التلفزيون واستوديوهات الإذاعة إلى أن حط الرحال بخيمته بمسقط رأسه بالإدريسية التي ولد بها ذات يوم خلال ألف وتسعمئة وسبعين، حيث نشأ وتربى وترعرع الزميل بمدينة الإدريسية بولاية الجلفة حتى الثانوي درس الكتاتيب وتربى على حب الخير وإدخال المرح والسرور على النفوس وايصال السعادة الى القلوب فأنشأ فرقة مسرحية منذ طفولته ليبدع في التمثيل والأداء الملتزم والمتميز في طريقه نحو الرقي والتألق مازجا بين الجد والفكاهة، في أسلوب يكاد يميزه عن غيره كنموذج مسايرا للتجديد في ثوب البداوة ملامسا جوانب عدة الطبوع الوطنية بين الحكمة والدعابة وبين الشعر الشعبي والتمثيل المتعدد الأدوار … بين التقليد للأصوات إلى قراءة القرآن والتجويد فالآذان فالتصوير إلى التمثيل وإعداد استوديو للتسجيل وبث برامج ثقافية جمعت أكثر من شاعر وفنان في خيمة الشيخ عطاء الله … كان عملا احترافيا بإمتياز مثلت صورة مصغرة لفسيفساء الأشكال والطبوع الفنية للجزائر من شمالها الى جنوبها ومن شرقها إلى غربها مختصرا الصور الإبداعية للشعر والفن الجزائري المتنوع والذي كان المرحوم ينوي تعميمها الى الخيمة المغاربية فالعربية للمواسم المقبلة لولا أن توقفت هاته المسيرة بوفاة صاحبها الذي يمتلك شبكة علاقات وطنية ودولية ستعزي أهل الفن في هذا المصاب الجلل ممثلا في نقابة الفنانين الجزائريين التي كان أمينها العام…
لاندري هل نعزي الأهل والأولاد أم الجلفة التي كان أحد نخبها الفنية بل أحسنهم بلا منازع أم نعزي الفنان الجزائري الذي كان ينوي المرحوم السفر إلى الامارات العربية للمشاركة في الخيمة العربية …
صوره وصوته المتميز تحت قبة البرلمان مالبثت تصنع الحدث بتدخلاته الصريحة والمشفرة بدون تجريح والكل يستمع بإمعان وشوق موصلا معاناة ساكنة السهوب والصحراء القرى والأرياف بأسلوب بسيط واضح …طيلة عهدته لم ينس بلدته .. قريته ولايته وربوع الصحراء والسهوب التي حملها في قلبه ولطالما تغنى بها في مدائحه وأشعاره في رسمياته وسمراته أنه بحق صاحب رسالة قد تفتح يوما ما ليقرأها أبناؤه من بعد ومحبوه الكثيرون بلا شك والمعجبون به…
لاندري من نعزي الإدريسية أو الجلفة أم الجزائر في فنان مخلص لوطنه متواضع مع غيره لايحب التكلف عفوي في معاملاته …محب للغير .. خدوم محافظا على أخلاقه يودعنا في صمت تاركا لنا رسالة مملوءة بالحكم والمواعظ والعبر والعضات أن الشيخ عطاء الله لا يبدله المنبر السياسي ولا المنبر الإعلامي والفني بل بقي وفيا لقريته وأصدقائه من أهله في الدم والعشيرة إلى زملائه في الفن والتمثيل…
كانت دعوته إلى ولاية الجلفة في فعاليات أسبوع سينما الثورة من تنظيم مديرية الثقافة للولاية بالتنسيق مع الديوان الوطني للثقافة والإعلام ومن إحتضان المسرح الجهوي بالجلفة حضورا متميزا زاد المهرجان تألقا وحضورا… حيث يعتبر آخر عمل ختمت به حياته الفنية…
ها قد ودعنا الشيخ عطاءالله بجسده ولم يودعنا أحمد بن بوزيد بعطائه ورصيده وأفكاره التي ستبقى خالدة خلود الفكرة التي حملها منذ شبابه الى ما بعد وفاته وهي آلام الأمة وآمل الشعب بكل فهم وإخلاص وتجرد…
رحمك الله ايها الأخ والزميل والبرلماني والنقابي والإعلامي والفنان … كنت وستضل في ضمير وقلوب الكثيرين من محبيك…
الصبر والسلوان لوالدتك وأهلك وكل سكان الإدريسية بولاية الجلفة…
هذه الكلمات ما هي إلا عربون وفاء وتخليدا لروحك الوفية المخلصة…