السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ان لي صديق حميم ، اخبرني ذات مرة بقصة وقعت له اذ كان ، علي رأس مصلحة ادارية (تقنية) ، منذ حوالي عشر سنوات، أين كان يذهب خلال موسم البرد باكرا الي المصلحة وكان يأخذ معه بعض الفطور ليتناوله مع قهوة وحليب ساخن يعدهما بمكتبه وكل مرة يتذكر الحارس الفقير الذي يقف بالخارج امام باب المصلحة فيأخذ كل فطوره وما أعده ويتصدق به.
و حدث يوما وان تقرر خروجه مع صاحب مقاولة إنجاز لمعاينة أشغال إضافية أمر بها مهندسي الادارة المكلفين بالمتابعة.
ولكي يكون التأكيد النهائي الذي لا يتم الا باقتناع (المهندس الرئيس ) .
فعند انطلاقه بباحة المصلحة عرض عليه المقاول اصطحابه في سيارته، فلم يشأ إحراجه وأجابه بان (بلادنا تحبنا مثلما نحبها ، وها هي سيارته الإدارية ستكون لهما الوسيلة والغاية في مهمتهما) .
وفعلا خرجا الاثنان في سيارته الإدارية وانهيا مهمتهما بالورشة .
واثناء رجوعهما اغتنم المقاول فرصة غياب السائق ،ذلك اليوم والذي كان في راحة تعويضية،
وطلب ، من صديقي المسؤول ، التوقف بقرب بعض المتاجر، وان ينتظره قليلا لغرض جلب بعض حاجياته .
ثم بعد هنية ليست بالقصيرة رجع المقاول محملا، بأكياس ولم يلاحظه صديقي يقتني بعض الفاكهة لدي الخضار وبعض الوقت مضاه داخل متجر اللحام و...
ولم يكترث ، صديقي لذلك وكان يضن فقط ان المقاول في غياب سيارته ربما أوصي احدا ليجلب له أغراضا تخص المقاولة، او ربما تسوق وجلب لنفسه مقتنياته كما نفعل ايام شهر رمضان ( وكان فعلا حوالي منتصف شهر رمضان الكريم )
ففتح صديقي، من مكانه، الحقيبة الخلفية للسيارة ووضع المقاول مقتنياته واكياسه وأغلق الباب .
و تابعا طريقهما يتحدثان عن المتطلبات التقنية للأشغال الإضافية ودار الحديث أيضاً الي ان بلغ العرس الكبير الذي أقامه المقاول قبل شهر رمضان والذي لم يحضره صديقي .
كان صديقي يعرف دائماً كيف يتملص من قبول دعوات المتعاملين ويعرف كيف يجد، الأعذار الذكية و لا يحضر أعراس و حفلات المتعاملين
وبالخاصة الذين لهم صفقات جارية مع المصلحة .
الي ان اخبره المقاول بان المقتنيات التي وضعها بحقيبة السيارة جلبها خصيصا لصديقي (عشاء) تعويضا عن غيابه مأدبة العرس.
فأوقف صديقي فجأة السيارة غاضبا ونظر الي المقاول وقال له بانه لما خرج صباحا من بيته أخبرته زوجته بان الفاكهة موجودة وكل أغراض العشاء موجودة ولا شيئ ينقص بالبيت.
وأضاف بانه لو كان احدا اخر لانزله حالا من سيارته ، فبقي الرجل متسمرا بمقعده يتصبب عرقا من شدة الخجل وأجاب بان الناس يختلفون وانه أراد فقط ان يجعلها صدقة خصوصا ونحن صيام والشهر شهر رمضان ، هنالك فقط تذكر صديقي ذلك الحارس الفقير الأبله الذي لا يأبه لحاله احد والذي يبقي احيانا يتبلل تحث المطر ينتظر ليفتح باب المصلحة لدخول وخروج سيارات الزوار والموظفين .
فاستدرك صاحبي بذكائه ، قائلا ، لا علينا ، أردتها صدقة فستكون لك كذلك ان شا الله ، وتابع حديثه عن الاشغال و عن متطلبات الاشغال موضوع خروجهما معا .
وما ان وصلا الي باحة المصلحة وقبل ان ينزلا ، ضغط صاحبي علي الزر وفتح من مكانه باب الحقيبة الخلفية للسيارة ، ونادي ذلك الرجل الفقير و أردف يطلب منه ان يحمل الأكياس ويأخذها الي أمه المريضة ويخبرها الا تبخل بدعائها لرجل فاضل مقاول تصدق عليها بهذا العشاء.
ثم تقدم بالسيارة قليلا الي ان ركنها ونزلا صاحبي والمقاول وكأن شيئا لم يكن.
ودخلا المصلحة وتم استدعاء المكلفين بالمتابعة وحرر محضر بخصوص الاشغال الإضافية مع طلب من المقاول تقديم برنامج عمل محين وتفعيل وتيرة الإنجاز للتكفل في اجل قياسي بالأشغال
المضافة.
وهكذا بفضل الله عز وجل تغلبت العفة و العفاف علي السحت .
فإذا حدث وان عزم احدنا ان يقبل بسحت فليتذكر بان الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
إن العفة خلق عظيم من الأخلاق المنسجمة مع الفطرة السليمة .
وهي ضبط النفس عن الشهوات.
وكفها عن الحرام وسؤال الناس.
وهي من كمالات الأعمال، ومحاسن الخصال، وقد عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسباب دخول الجنة فقال صلى الله عليه وسلم :
« عرض على أول ثلاثة يدخلون الجنة... وذكر منهم وعفيف متعفف».
وهي دليل على كمال النفس، ووفرة العقل،
قال أحد العلماء: الكمال في ثلاثة: العفة في الدين، والصبر على النوائب، وحسن التدبير في المعيشة.
أوصيكم ، ثم أوصيكم أصدقائي الموظفين ان نتقي الله في معيشتنا وقوت أولادنا ( النبي صلي الله عليه وسلم قال: كل جسد نبت من سحت فالنار أولي به)
فلنحفض ودائعنا.
وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .