ولعل من أبرز العراقيل التي تقف في طريق تطور التجارة الإلكترونية في الدول العربية عدم الوعي الكافي لدى قطاعات عديدة بمفهوم التجارة الإلكترونية (Electronic Commerce) الذي يشرح عملية بيع أو شراء أو تبادل المنتجات والخدمات والمعلومات من خلال شبكات حاسوبية، ومن ضمنها الإنترنت، وعلى الرغم من أن قطاعات عديدة تنظر إلى مفهوم التجارة الإلكترونية بمنظار مختلف حسب طبيعة نشاطها، إلا أنها تصب في اتجاه واحد، وهو استخدام التقنيات الحديثة، ومنها الإنترنت في تبادل الخدمات التجارية.
وينظر قطاع الاتصالات للتجارة الإلكترونية على أنها وسيلة من أجل إيصال المعلومات أو الخدمات أو المنتجات عبر خطوط الهاتف أو عبر الشبكات الحاسوبية أو عبر أي وسيلة تقنية، بينما يراها قطاع الأعمال التجارية عملية تطبيق التقنية من أجل جعل المعاملات التجارية تجري بصورة تلقائية وسريعة، أم تعريفها لدى قطاع الخدمات يشير إلى أنها أداة من أجل تلبية رغبات الشركات والمستهلكين والمدراء في خفض كلفة الخدمة والرفع من كفاءتها والعمل على تسريع إيصال الخدمة.
المفاهيم السابقة وإن كانت تتضمن شيئاً من الاختلاف في المقصد أو الهدف عند كل قطاع إلاّ أنها تعني بالضرورة استخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة في عمليات التبادل التجاري، وهو ما لا يدركه الكثيرون من مستخدمي الإنترنت العرب، أو يعتقدون أن مفهوم التبادل الإلكتروني في مجال التجارة يقتصر فقط على الحكومات من خلال عقد صفقات كبيرة في حين أن تطور التجارة الإلكترونية في الدول المتقدمة يعتمد في الأساس على تعاملات الأفراد من بيع وشراء باستخدام الإنترنت.
أبرز العقبات والعراقيل
ومن العقبات التي تحول دون التطور العربي في مجال التجارة الإلكترونية عدم إصدار قانون خاص بالتجارة الإلكترونية والمبادلات التجارية والاعتراف بالتوقيع والمصادقة الإلكترونية في العديد من الدول العربية، بالإضافة إلى عنصر الحماية الذي يجب أن يتوفر لدى العميل أو التاجر الذي يقوم بعمليات تجارية من خلال الإنترنت؛ إذ إنه من غير المنطقي أن تحاول إقناع الآخرين سواء كانوا تجاراً أو شركات أو مؤسسات مالية باستخدام الإنترنت في صفقاتها المالية دون أن توفر لها أسباب الحماية لهذه الأموال لئلا تتعرض للسرقة أو الضياع.
قواعد شرعيّة
ثمة أمر آخر يعوق تطور التجارة الإلكترونية في العالم العربي الذي تقطنه أغلبية مسلمة، وهو أن البعض يعتقد أن التبادل التجاري عبر الإنترنت غير جائز، وهو ما نفاه العديد من العلماء والفقهاء بشرط خضوعه للضوابط الشرعية الإسلامية.
وطالما أن التعاقد الإلكتروني يتم في إطار الضوابط الشرعية العامة، خاصة المتعلق منها بالمعاملات المالية، وأبرز هذه القواعد تحقيق المنفعة لطرفي المعاملة، وعلى ذلك فما لا منفعة فيه حسًّا أو شرعًا لا يجوز أن يكون محلاً للمعاملات، مثل: السلع والخدمات المحرمة شرعًا، ومثالها في التجارة الإلكترونية وغيرها (الخمر والخنزير)، وكذا المنتجات التي تدخل فيها، ثم الأفلام والصور والكتب التي تحتوي على مواد غير أخلاقية.
ومن هذه القواعد كذلك "التراضي" بمعنى توفر القصد والإرادة والاختيار الكامل لطرفي المعاملة على قدم المساواة للقيام بالمعاملة من عدمه، ويمكن القول: إنه في التجارة الإلكترونية يتحقق هذا التراضي؛ حيث لا يوجد لأي طرف من المتعاملين أي سلطة؛ لإجبار الآخر على إجراء المعاملة، كذلك "شفافية المعلومة" بمعنى ضرورة توافر المعلومات الصادقة عن محل المعاملة لكلا الطرفين لكي يتخذ قراره بالقيام بالمعاملة)، وهو على علم بآثارها ونتائجها، ويمكن القول: إن التجارة الإلكترونية توفر المعلومات الكاملة عن السلعة والثمن، غير أن مسألة الصدق في هذه المعلومات تتعرض له التجارة الإلكترونية من احتمال بث معلومات غير صادقة من جانب التجار أو العملاء، كما أن عرض السلع إلكترونيًّا على شاشة الحاسوب أقل في المعلومية من وجودها في شكل مادي محسوس، ولكن يخفف من ذلك أنه في حالة اكتشاف! أي مخالفة في مواصفات السلعة ماديًّا عمَّا تمَّ بثه على الإنترنت يقوم المستخدم ببث ذلك على الإنترنت، فيتعرف عليه الجميع، ولا يتعاملون مع مَن قدّم المعلومات المضللة.
________________________________________