عهد بعيد, فان المسائل التي تتعلق بحياة المجتمع ظلت تشغل عقول المفكرين منذ أزمنة بعيدة ,هناك الكثير من الباحثين السوسيولوجي من يرجع الدراسات الاجتماعية إلى أصول تاريخية ,فمنهم حتى من الغرب خلافا على العرب الذين يهتمون بتاريخ علم الاجتماع ,يرجعونه للعلامة ابن خلدون؛ الذي عرف بعلم الاجتماع البشري او العمران البشري .وآخرون يرون أن العالم الايطالي فيكو هو الأب الحقيقي لعلم الاجتماعة, الا ان كونت فرض نفسه أيضا باعتباره هو من أطلق المصطلح الحديث على هذا العلم (السوسيولوجي), لذالك وجب علينا كباحثين إن نقف على حقيقة هذا العلم وأيضا الإجابة على الأسئلة التالية:ما علم الاجتماع؟ وما هي موضوعاته ؟ ومن هم رواده ؟ وما هي الأسس المرجعية التي يستند إليها هذا العلم ؟
الفصل الأول :ماهية علم الاجتماع
1- التعريف اللغوي :سوسيولوجي كلمة مركبة من مقطعين :الأول لاتيني سوسيو ويعني اجتماع او رفقة والثاني يوناني لوقوس وتعني دراسة أو علم بذلك يتكون لدينا علم الاجتماع
2-اصطلاحا:هو الدراسة العلمية للمجتمعات, التي تعتمد على الملاحظة وتقرير الواقع ثم المقارنة والتفسير
3 – تعريفات إعلام الفكر الاجتماعي :
أ- "هو علم دراسة المجتمع هنري جيدنر"
ب- "هو علم المجتمع لستروا رد"
ت- "العلم الذي يحاول فهم الفعل الاجتماعي ماكس فيبر"
ث- "علم الظواهر الاجتماعية ادوارد"
ج- "العلم الذي يدرس التفاعلات الاجتماعية والعلاقات الإنسانية "
د- "هو العلم الذي يعنى بدراسة خصائص الجماعات البشرية والعلاقات بين إفراد هذه الجماعات "
ه- "وهو أيضا ذلك العلم التحليلي الذي يتناول الوقائع والنظم الاجتماعية بالدراسة والتحليل ثم يستخلص النتائج بشكل علمي" .
ثانيا :موضوع علم الاجتماع
ا-هو العلم الذي يدرس المشكلات الاجتماعية المستعصية مثل مشكلات الأسرة و البطالة و الانحراف ............
ب-دراسة النظم الاجتماعية التي تنشا عن حياة الإنسان داخل المجتمع و تحديد العلاقة بين النظم
ت-دراسة العمليات الاجتماعية
ث- دراسة الثبات لاجتماعي والتغير
ج- دراسة التراث الاجتماعي الثقافي للمجتمعات .
ثالثا أهداف علم الاجتماع :
أ- دراسة تستهدف كل الظواهر الاجتماعية والكشف عن الحقائق التي تربط الظواهر الاجتماعية بعضها البعض والوصول إلى قوانين عامة تحكمها
ب- إعطاء الإنسان القدرة على التحكم في الظواهر وظروف الحياة لاتزانه الشخصي والتكيف الجماعي
ت- السعي إلى تحقيق حياة أفضل والمساهمة الجماعية في بناء النظام الحضاري والصرح المعرفي
ث- معرفة التغيرات المؤقتة والدائمة للظاهرة الاجتماعية المدروسة
ج- معرفة التغيرات والتطورات من وفيات و مواليد والزيادات الديموغرافية .
الفصل الثاني : لمحة تاريخية عن الفكر الاجتماعي
أولا: في الحضارات القديمة :
تمهيد: إن المجتمعات التاريخية القديمة هي تلك المجتمعات التي خضعت للتطور الحضاري, وانتقلت في هذا السلم من حياة الترحال وعدم الاستقرار إلى حياة الاستقرار والتنظيم الاجتماعي, واستفادة من الخبرات الاجتماعية وتقدم النواحي التكنولوجية الفتية وخلفت آثارا حضارية مادية وكانت لها فلسفة اجتماعية وكونية وعرفت تقسيم العمل والتخصص الاجتماعي, وظهور الوعي بالفكر السياسي ونشأة الوحدة الاجتماعية الكبيرة للمجتمع المحلي في صورة قرية أو مدينة ويمتاز البناء الاجتماعي في هذه المرحلة بوضوح نظام التدرج الطبقي واستناد النظام السياسي والاقتصادي على أساس ديني ويعتبر هذا البناء الاجتماعي في مستواه العام، مرآة للمثل الاجتماعية التي يرتضيها المجتمع كأهداف غائية في العلاقات الإنسانية.
ا- الحضارة الفرعونية:إذا حللنا النظام السائد في مصر الفرعونية فنلاحظ أن البناء الاجتماعي لها كان يرتكز على تقسيم طبقي في قمة هذا البناء الطبقي يقوم الفراعنة لا باعتبارهم مجرد حكاما سياسيين أو رؤساء للدولة ولكن باعتبارهم آلهة لذلك فإنهم كانوا ا يجمعون في آن واحد بين السلطات الدنيوية والأخروية يلي هذه الطبقة طبقة الكهنة الذين يستمدون قداسة أعمالهم في المعبد وتفانيهم في خدمتهم لفرعون باعتباره الاها .ثم ياتي طبقة قوات الجيش وهم القائمون على حراسة الأماكن المقدسة ثم يلي طبقة الحرفيين والشيء الهام في هذا النظام هو الارتكاز على النظام الديني أما بالنسبة للأفكار لاقتصادية والسياسية فإنهم خلفو قدرا غير يسير فلقد أثبتت الوثائق التاريخية التي عثر عليها علماء الاثار ان الفكر الاجتماعي الفرعوني قد وعى بفكرة الملكية باعتبارها إحدى الحقوق القدسية الالهية فممتلكات المعابد من الأموال التي لا يجوز ملكيتها ملكية فردية ولكن ترجع الى الحق الالهي حسب مرسوم نقر كارع فالإله هو صاحب الملك والتصرف والكهنة هم من يقومون علبخدمة الاله اما بالنسبة للافكار القانونية فانها احتلت وضعا خاصا في التفكير الفرعوني فنجد كثيرا من الوصايا على اوراق البردي او النقش الت سطرت على جدران المعابد مضمونها يثبت مجموعة القوانين التي خلفتها المدنية المصرية حيث عرف الفراعنة كيف ينظمون حياتهم مثلا النظم الدستورية في عهد الاسرة الثالثة حيث وحدة مينا القوانين المصرية التي توضح نظم الملكية والارث والهبة والولاية والوصية...الخ
وكذلك المجموعة المعروفة باسم بوخوريوس مؤسس الاسرة الرابعة والعشرين ما نخلص إليه هو أن البناء الاجتماعي الفرعوني بالرغم من انه كان نظاما تيوقراطي وطبقي إلا انه كان نظاما متماسكا هذا لارتكازه على المحور الديني ونتيجة دعم الوحدة الاجتماعية والسياسية على مستوى الدولة ويعتبر الفكر الاجتماعي الفرعوني باكورة التفكير الاجتماعي العلمي لأنه يعكس أول مرحلة من مراحل النضج والوعي السياسي كان له فائدته التاريخية للإنسانية عامة .
ب- الحضارة الصينية :تنازع الفكر الاجتماعي الصيني القديم عدة تيارات متنافسة لعل أهمها الكونفوشيوسية والقانونية والتاوية والموتستية ,نأخذ على سبيل المثال الكونفوشيوسية حيث يعتبر الحكيم كونفوشيوس مؤسس أول مدرسة اجتماعية في الحضارات الشرقية القديمة أسهمت في كثير من الدراسات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية وكانت لها أثارها العميقة في الحياة الفكرية والعلمية للصين قبل الثورة الشيوعية المعاصرة لان أراء كونفوشيوي ارتكزت على تمجيد النظام الإقطاعي وتقميته واتخاذه أساسا للبناء الاجتماعي والتنظيم الاقتصادي والسياسي ,فالمجتمع في نظر كونفوشيس لابد ان يكون مجتمعا طبقيا يضع في الاعتبار الأول صيانة حق الملكية وهي رد فعل عنيف ضد ما انتشر في أيام كونفوشيوس من أراء فوضوية أدت إلى انتشار حالة من الاضطراب وعدم الطمأنينة وكان لا بد من مواجهة هذه الحالة سياسة اجتماعية وإصلاحية هدفها إحياء التقاليد على أساس تدعيم النظام الطبقي الصيني القديم حيث كان يجلس في قمة الهرم الإمبراطور وأسرته ثم يليه الأحرار فالنبلاء والإشراف ثم في أخر درج السلم الاجتماعي السوقة وعامة الشعب ان من التقاليد الراسخة لدى الصينيين في فكرهم الاجتماعي القديم أن يحفظوا للأباطرة مكانتهم الدينية وأحقيتهم السلطوية لان العناية الإلهية فوضتهم بمهام مناصبهم نظرا لمواهبهم وقدراتهم العقلية ومواقفهم الخيرة وهم يظلون في مراكزهم طالما ظلوا متمسكين بالقانون الأسمى إذن فلسفة كونفوشيوس ترى أن النظام الاجتماعي الناجح هو الذي يقوم على أساس ديني و أن العلاقات لاجتماعية لابد أن تستمد من الإله الأعظم أما التخطيط التربوي والنظام التعليمي هو الطريق الوحيد إلى الفضيلة حيث أنشا مدرسة في كل قرية يقطنها 25 ألف ساكن وانشأ جامعة في كل مقاطعة أهم القواعد التي أشار إليها كونفوشيوس في المجال التربوي وجوب القائمين على شؤون التعليم التعرف ميول الطالب وقدراته الطبيعية وكان يرى أن يكف المدرسون عن طريق التدريس التي تحول الطلبة إلى مجرد آلات تحفظ الدروس بلا وعي ولا فهم .
ج-الحضارة اليونانية :يزعم كثير من مؤرخي الفكر اليوناني إن أول من وجه الفكر الإنساني المنظم لشؤون النسا الاجتماعية هو الفيلسوف الإغريقي في سقراط الذي ينتمي إليه عادة الفكر الإنساني لأنه أول من دشن التأمل الفلسفي في الطبيعة ونادي للمعرفة المحضة الخالية من شوائب الميتافيزيقا حيث يعتبر أول من انزل الفلسفة من السماء إلى الأرض ومن بواكير ما سجل الفكر اليوناني قصيدة نيوجيس المجاري التي تعتبر أول عمل اجتماعي حيث إشارة الى المثل العليا التي تتمثل في بر الوالدين والأقربين
كما يعتبر المفكر لاجتماعي فيكو ثيوسيد أول من أرخ للحرب الشهيرة التي تعرف بحرب الالبلبونيز حيث عرضها تحليل للقوى المتصارعة في تلك الآونة ومفسرا عوامل تدمير العالم الهي ليني لذاته وحضارته كما لا نمهل إسهامات التفكير الاجتماعي عند جماعة السوفسطائييين لأنها توضح مركزهم ودورهم الفكري ومجهودهم العلمي حيث ارسوا ارضية صلبة لفلاسفة الإغريق مثل أفلاطون واسطوا .
إن الفكر الاجتماعي الإغريقي الطوباوية عند افلاطون انطوى على تصورات ذهنية وتطلعات مثالية حيث يرى افلاطون إن المدينة في إبعادها ليست إلا تجسيدا للمجتمع الكبير على ان هذا لا يعني بحال من الأحوال إن التراث الفكري الاجتماعي اليوناني كان يخلو في هذه المرحلة من تحليل دقيق لمظاهر الحياة الاجتماعية فمثلا التدرج الهرمي البنائي حيث صور افلاطون المدينة الفاضلة وكأنها ارتكزت على ثلاثة طبقات متدرجة هرميا لكل طبقة وظائفها المتخصصة ,طبقة الحكام تتولى سياسة أمور الدولة العليا ثم يليها طبقة الجند التي تقةم بواجب حماية مصالح الطبقة الحاكمة ثم طبقة العمال من فلاحين وصناعيين تعمل توفير حاجيات الشعب.
وكذلك تصورات ذهنية حول أمور التنظيم والإدارة حيث جسد تصورات للتخطيط والتنظيم الاجتماعي المرتكزة على أساس فلسفة أخلاقية .
خلاصة القول إن الحكيم أفلاطون صاحب الجمهورية جسد فيها فلسفته المثالية لا يمكن للمجتمع تحقيقها لأنها بعيدة كل البعد عن الواقع الاجتماعي مما جعله نموذجا فريدا طوبا ويا . أما تلميذه أرسطو فكان عكس أستاذه فقد انطوت أفكاره الواقعية على عديد من المبادئ الاجتماعية التي تعتبر مسلمات كلاسيكية مثل الإنسان حيوان اجتماعي سياسي بمعنى ان لا يمكن إن يعيش منفصلا عن المجتمع ,الأسرة هي الخلية الأساسية الاجتماعية التي تقوم على أساس التعايش الزوجي وبتعدد الأسر والعائلات تولدت القرية وبتعدد القرى تنشا المدينة كوعاء للبناء الاجتماعي الطبقي الذي يرتكز أساسا عادى التخصص المهني الجماعي وعلى التساند والتكامل الاجتماعي والدولة هي الإطار السياسي وهي كهيئة تنظم حياة المواطنين وتحمي القوانين وتصون العدالة .ما يعاب على أرسطو هو انه لم يدخر جهدا في دراسة وتحليل العوامل التي تؤدي إلى تقويض هذا البناء أو اضمحلاله لأنه بناء طبقي حيث توزع له الملكيات والمراكز توزيعا غير عادل .
ثانيـــا:الفكر الاجتماعي عند المسلمين :
ظلت الآراء المثالية خلال العصور الوسطى حتى ظهور الإسلام وتناول بتعاليمه الحياة الاجتماعية ونظمها ,فأفسح المجال للمفكرين المسلمين باب الاجتهاد الفكري ,وظفرت الأبحاث الاجتماعية حينئذ من العناية والالتفات ,ومما ساعد على ذلك قوة الصلة الروحية التي ربطت بين المجتمعات الإسلامية بالرغم من اختلاف عاداتها ولغات ,وقد تنقل كثير من مفكري الإسلام بين إقليم وأخر في إنحاء العالم الإسلامي المترامي الأطراف فاكتسبوا من التجارب والخبرة ماعدتهم على تفسير ما شاهدوه من ظواهر اجتماعية ,ومن بين المفكرين الاجتماعيين الذين كانت لهم إسهامات كبيرة في الفكر الاجتماعي الفيلسوف الفارابي صاحب المدينة الفاضلة) وكذلك أبو حامد الغزالي وغيرهم ,كانت أفكارهم وأرائهم اقرب إلى الأخلاق الاجتماعية منها إلى علم الاجتماع وكانت أرائهم طوباوية ينشدون فيها إلى السعادة والخير الأسمى ...
إلا أن الفكر الاجتماعي ظل في القرون الطوال على هذه الطريقة حيث انتهى فيها البحث الذي الأسس العلمية لعلم مستقل على يد المفكر الإسلامي والعلامة عبد الرحمان ابن خلدون
ثالثـــا :الفكر الاجتماعي في القرنين 17-18 اقتصر الفكر الاجتماعي في المسائل الحياتية بعد ابن خلدون على تقويم بعض الآراء و الأفكار المثالية المدينة الفاضلة ومن أمثلة هذا التفكير (كتاب اليوتوبيا لتوماس مور ) واليوتوبيا معناها البلد الذي لا وجود له الا في الخيال وقد قصد مور نقد الحياة الاجتماعية في عصره والدعوة إلى الإصلاح كما بين فيه الفساد الأخلاقي في المجتمع الانجليزي وذالك عن طريق المقارنة بين هذه الأخلاق و الأخلاق السائدة في مدينة أحلامه فهو يسخر من الثروة ولا يعتقد أنها تحقق السعادة لان الثروة تفسد طبائع البشر وتدفعهم إلى التقاتل والى الحروب حيث يسخر مور من الحكام الذين يعاقبون السارق دون توفير العمل الشريف له , ان الفكر الاجتماعي في القرن 17 لم يقرر من وجهة نظر غائية وجل النظريات وأشهرها ارتكزت على نشدان نظام المدينة الفاضلة.
أما أصحاب العقد الاجتماعي منهم الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز صاحب الكتاب المشهور (حرب الكل ضد الكل )الذي كان يرى أن الإنسان أناني بطبعه وان قانون الطبيعة هو القانون السائد أي أن طبيعة الإنسان تنطوي على الغدر والتربص لان الإنسان ذئب لأخيه الإنسان وعليه فطبيعة الغاب طبيعة متأصلة فيه واجتماعية الإنسان في الأخير ماهية إلا حيلة من ذكاء الإنسان اهتدت إليها لتكوين المجتمع لذلك يستدعي على الحكام أن يكونو ذوو سلطات مطلقة لكي يجعلوا ا الناس يرهبونهم ويخشوهم .
أما جون جاك روسو فكان عكس هوبز حيث ردد أن حياة المجتمع ليست من فطرة الإنسان وإنما اهتدى إليها بحكم حاجته إلى الاستقرار لذلك فقد صور روسو الحياة الإنسانية الأولى على أنها حالة شقاء يسودها النزاع والصراع وعدم الاستقرار حيث يعتقد روسو أن الإنسان طيب بفطرته وهو مجبور على حب الخير ولهذا فقد عارض روسو لهذه النظرية الاتجاه العام السائد في فلسفة القرن 18.
ما يعاب على أصحاب نظرية العقد الاجتماعي كما بين علماء الاجتماع الحديث هو ان الاساس والقاعدة التي تسير عليها الكائنات .
أما مونتسكيو صاحب كتاب روح القوانين فهو يعتبر فتحا جديدا في دراسة الظواهر التشريعية ومعرفة أصولها التاريخية لان القوانين ضرورية وهي تستمد أساسا من طبيعة الناس ومن بيئاتهم الاجتماعية حيث وهي تستمد أساسا من حيث يعتبر كتاب هذا رد فعل عنيف على فلسفة هوبز المتشائمة .
الفصل الثالـــث :نشأة علم الاجتماع (الرواد و النظرية )
أولا : الرواد الأوائل :
أ-ابن خلدون : ( 1332_1406 )
مؤرخ و فيلسوف وعالم اجتماع ورجل دولة وسياسي عربي، درس المنطق والفلسفة
والفقه والتاريخ، عين واليا" (وزيرا") للكتابة ثم سفيرا" ثم رحل إلى مصر في مرحلة
ثالثة ودرس في الأزهر، وتولى قضاء المالكية فيه حتى توفي.وقام ابن خلدون بدراسة
تحليلية لتاريخ العرب والدول الإسلامية، وعرض محتويات الأحداث التاريخية على معيار
العقل حتى تسلم من الكذب والتزييف، فكان بذلك مجدداً في علم التاريخ.
عمل ابن خلدون دراسة تحليلية
و بخصوص المجتمع والعصبية والدولة, يقول ابن خلدون في الباب الثالث من مقدمته في
الفصل الرابع عشر بعنوان(فصل في أن الدولة لها أعمار طبيعية كما الأشخاص) ويقول: ((
اعلم ان العمر للأشخاص على ما زعم الأطباء والمنجمون أربعون سنة. والدولة في الغالب
لا تعدو أعمار ثلاثة أجيال. والجيل هو عمر شخص واحد من العمر المتوسط. فيكون أربعين
هو انتهاء النمو والنشوء إلى غايته))، ويقول ابن خلدون: وأنا عمر الدولة لا يعدو في
الغالب ثلاثة أجيال:لان الجيل الأول: لم يزل على خلق البداوة وخشونتها ووحشها من
شظف العيش والبسلة والافتراس والاشتراك في المجد، فلا تزال بذلك صورة العصبية
محفوظة فيهم. والجيل الثاني: تجول حلهم من البداوة إلى الحضارة، ومن الاشتراك في
المجد إلى انفراد الواحد به وكسل الباقين عن السعي فيه ومن عز الاستطالة الى ذل
الاستكانة، فتنكسر صورة العصبية بعض الشئ وتؤنس منهم المهانة والخضوع. وأما الجيل
الثالث: فينسون عهد البداوة وكأنها لم تكن ، ويفقدون حلاوة العز والعصبية بما فيهم
من ملكة القهر، ويبلغ فيهم الترف غايته بما تقننوه من النعيم وغضارة العيش ، وتسقط
العصبية بالجملة، وينسون الحماية والمدافعة والمطالبة، فيحتاج صاحب الدولة حينئذ
إلى الاستظهار بسواهم من أهل الخبرة، ويستكثر بالموالي ويصطنع من يغنى عن الدولة
بعض الغناء، حتى يأذن الله بانقراضها، فتذهب الدولة بما حملت..
يفترض ابن خلدون أن الاجتماع الإنساني ظاهرة طبيعية منتظمة،
لها أسسها و قوانينها، كما يقول بتغير هذه المجتمعات من حالة البداوة للحضر، وبهذا
يصنف المجتمعات الإنسانية على أساس التباين في العيش.
فالبداوة ترتبط بالاعتماد الكلي على الحيوان كمصدر أساسي للعيش، وبهذا النمط في العيش بناءا"
اجتماعي قبلي متنقل، وقيام قيم ومعايير سلوكية أساسها الصلات القرابية، وما تفرزه
من عصبية ترابطية. وثم تؤدي الحاجات إلى ضبط العلاقات داخل الجماعة ، وتؤدي الى
ظهور نوع من السلطة، تقوم شرعيتها على تقاليد وأعراف الجماعة ، وقد تمثلت هذه
السلطة في سلطة مجالس الكبار وظهور الرياسة ممثلة في شيخ القبيلة، ولا تكون السلطة
هنا إلا في إطار العصبية القرابية، ومع التطور دخلة الزراعة ، وبدأت أوجه
الاستقرار، وإمكانية الفائض في الإنتاج مما يفسح المجال لتقسيم العمل والتخصص
وتنجلي هذه التغيرات بوضوح بدخول الصنائع والتجارة ،الأمر الذي يترتب عليه تحول
المجتمع إلى مجتمع حضري ويترتب هذا بظهور الدولة.
ب- اوجست كومبت : ولد ( كونت ) بمدينة (مونبليه) الفرنسية لوالدين كاثوليكيين، التحق بمدرسة الفنون التطبيقية بباريس عام 1813م. وفي عام 1816م تزعم حركة عصيان قام بها الطلاب، فصل عقبها من المدرسة. واصل دراسته إلى أن عين معيدا في مدرسة الهندسة، ثم عمل سكرتيرا للكاتب الاشتراكي المعروف (سان سيمون).
وفي عام 1825م تزوج من كارولين ماسان ... بدا في عام 1826م إلقاء سلسلة من المحاضرات العامة في الفلسفة الوضعية، ثم أصيب بمرض عقلي جعله ينقطع عن مواصلة محاضراته، وأفضى به إلى محاولة الانتحار غرقا في نهر السين.
ثم عاد مابين 1830 – 1843م إلى إلقاء محاضراته التي كان قد انقطع عنها، وفيها قدم تصوراته للمعرفة والعلوم، وحاول من خلالها وضع أسس علمه الجديد الذي أطلق عليه في بادئ الأمر (الفيزياء الاجتماعية) ثم عاد تجنبا لتكرار هذا الاسم الذي سبقه إليه (كتيلييه) فوسم العلم الجديد باسم (علم الاجتماع).(1)
ويعد (كونت) ابن عصر التنوير، جرى على تقليد وتراث فلاسفة التقدم في أواخر القرن الثامن عشر، من أمثال تيرجو، وكوندرسيه، ولقد فزع كونت من الاضطرابات التي عانى منها النظام الاجتماعي، ومن ثم جد في طلب النظام والتضامن. ويهمنا هنا التنويه بأنه كان ليبراليا وتأثر بآدم سميث وكانط.(2)
وأما عن النسق المجتمعي العام، الذي عاش خلاله (كونت) وتحرك فيه، وجمع منه ملاحظاته، وكون توجهاته، فبالإمكان القول بأنه ولد في أوقات الثورة الفرنسية، وقبل التمهيد لدكتاتورية حكم الفرد، وأدرك سنوات الصبا والشباب في فترة نمت فيها الإمبراطورية الفرنسية 1804 – 1815م، وعاصر الأزمات التي واجهت هذه الإمبراطورية والتي انتهت بغزو فرنسا 1812 – 1814م وبين هذه السنوات عايش أيضا ما وصفه المؤرخون بالإرهاب الأبيض، بعد عودة الملك إلى باريس سنة 1815م، حيث قتل كثيرين من رجال الثورة القدامى ومن أنصار (بونابرت)، ولم تتردد وقتها حكومة الملك العائد في الانتقام من رجال العهد الماضي، خاصة أولئك الذين حنثوا في يمين الولاء للملك لويس الثامن عشر والذين انضموا إلى نابليون.
وفي وسط أمواج الإرهاب العاتية تم في أغسطس 1815م انتخاب المجلس الوطني الأول، الذي سمحت الظروف بدخول عدد كبير من مؤيدي الملكية العائدة إليه، وهم الذين عرفوا باسم الملكيين المتطرفين، وبلغوا في حماستهم للملكية حدا جعل الملك يطلق على مجلسهم اسم (المجلس المنقطع النظير) وما بين 1816 – 1818م كانت الساحة السياسية تجمع ثلاثة أحزاب أساسية: حزب اليمين ويضم الملكيين المتطرفين والذين رفعوا شعار (الحرب ضد الثورة)، وحزب الوسط من الملكيين المعتدلين الذين حاولوا التوفيق بين الملكية والثورة، وأخيرا حزب اليسار من الأحرار.
وكان أكثر هذه الأحزاب سطوة حزب اليمين الذي كان برنامج عمله يتوجه بقوة نحو إحياء النظام القديم، مع بعض التعديلات التي تتواءم مع مصالح النبلاء والأشراف. وكان من بين أساليب الحزب في تدعيم هذا التوجيه إعادة الكنيسة الكاثوليكية إلى سابق سطوتها، وعقد حلف وثيق بينها وبين الدولة، أتاح للكنيسة أن تستعيد أملاكها السابقة، وإشرافها على التعليم.
ومع كل هذا وإضافة إليه قدر (لكونت) أن يعايش ثورتي 1830،1848 وهما من الثورات الهامة في تاريخ
فرنسا الحديث، بغض النظر عن جوانب الإخفاق أو النجاح فيهما.
ت- ايميل دوركايم : موضوع علم الاجتماع عند دور كايم هو الوقائع الاجتماعية، الممثلة في رأيه بالنظم الاجتماعية، وليس الافراد أو ما يرتبط بهم من حوافز ودوافع.
ان منهج دور كايم مستند على الناحية الوظيفية التي تحافظ على النظام الاجتماعي واستقراره، هذا بالإضافة الى استخدام البحث الاجتماعي الإحصائي فيدراسته المتعمقة و الدقيقة عن الانتحار في مختلف فئات الشعوب. مؤكدا" ان الانتحار ظاهرة فردية ترجع الى الفروق الفردية للأفراد والتي تنجم عن القوى والخصائص الاجتماعية التي تؤثر على وعي السلوك وتصرفات وقيم مواقف الافراد. لذلك فان ظاهرة الانتحار بالرغم من انها فردية إلا انها مسألة اجتماعية تفسرها التصورات الجمعية
ان عوامل التغير الاجتماعي:كان دور كايم يعزو التطور الاجتماعي الى ثلاثة عوامل: كثافة السكان،وتطور وسائل المواصلات،والوعي
الاجتماعي. ويتميز كل مجتمع بالتضامن الاجتماعي. وقد كان التضامن في المجتمع
البدائي تضامنا" ((آليا")) اذ كان يقوم التضامن على روابط الدم، ويتميز هذا النوع
بأنه بسيط غير معقد التركيب، وغير مميز الوظائف، وكما ان الدين هو أقوى مظاهر
الحياة الجمعية في هذا الشكل من المجتمعات ويغلب على هذه المجتمعات سيادة العرف
والتقاليد والخضوع لسلطات العادات الاجتماعية ويسمي دور كايم هذه المجتمعات((
بالبدائية)). وأما المجتمع الحديث فالتضامن ((عضوي))،اذ يقوم على تقسيم العمل،أي
على التعاون الطبقي لكسب ضرورات الحياة،وتتصف هذه المجتمعات بأنها معقدة التكوين
حيث تتوزع فيها الوظائف والأعمال وتزيد درجات التخصص ويصبح الفرد أداة من أدوات
النتاج وعنصرا" من العناصر الاجتماعية ويغلب على هذه المجتمعات سلطة القانون
وهو عالم اجتماع وفيلسوف وضعي فرنسي
تلميذ لكونت، وكان أستاذا" في جامعة السوربون، وكان يعتقد انه يتعين على علم
الاجتماع ان يدرس المجتمع كنوع خاص من الواقع الروحي، وتختلف قوانينه عن قوانين علم
النفس الفردي.وعنده ان كل مجتمع يقوم على الأفكار الجماعية المتفق عليها اتفاقا"
مشتركا"،و يعتبر اميل دور كايم مؤسس علم الاجتماع الحديث والممهد لنقل النظرية
الاجتماعية الغربية من وضعية كونت الى أعتاب الوضعية.بذل اميل دور كايم جهدا"
لتحديد علم الاجتماع،والتأكيد على طابعه النوعي الذي يميزه من العلوم الطبيعية من جانب، وعن علم النفس من جانب آخر. وتحديد خصائص الظاهرة الاجتماعية بوصفها الموضوع الأساس للبحث الاجتماعي. ومن مؤلفاته الرئيسية: ((حول تقسيم العمل الاجتماعي1893))
، ((قواعد المنهج في علم الاجتماع 1895)) ، ((الاشكال الاولية للحياة الدينية
1912)).
ث- ماكس فيبر (1864 – 1920م ) : وُلد ماكس فيبر في الثاني والعشرين من شهر نيسان/ابريل عام 1864 في مدينة إيرفورت (ولاية تورينغن) وترعرع في عائلة محافظة. وبعد أن أنهى دراسته، التحق عالم المستقبل بجامعات عديدة في برلين وهايدلبرغ ودرس علوم الحقوق والفلسفة والتاريخ والاقتصاد القومي. وعند بلوغه سن الثلاثين دُعي فيبر للعمل كبروفسور في كلية الاقتصاد القومي في جامعة فرايبورغ (جنوب ألمانيا). وبعد ذلك، انتقل الى جامعة هايدلبرغ. ولكنه بعد انتقاله الى هذه الجامعة العريقة، أُصيب بمرض نفسي أجبره على مزاولة عمله على مدى سبع سنوات بشكل متقطع. وكان عام 1904 بمثابة ولادة جيدة لفيبر، فقد بدأ من جديد بنشر أعمال كان أهمية كبيرة في مجال علوم الاجتماع والفلسفة والاقتصاد. وفي عام 1909 شارك فيبر في تأسيس الجمعية الألمانية لعلوم الاجتماع. ومن ثم بدأ فيبر عام 1913 بكتابة أحد أهم أعماله وهو "الاقتصاد والمجتمع" والذي نُشر لأول مرة عام 1922، أي بعد وفاته. وبدأت تظهر اهتمامات فيبر بالأمور السياسية الراهنة عام 1915. هذا ويُعتبر فيبر أحد المؤسسين للحزب الديمقراطي الألماني عام 1919. وفي نفس العام كتب عملين مهمين هما "العلم كمهنة" و" السياسة كمهنة".
صحيح أن رائد علم الاجتماع ألّف أعمالا كثيرة، ولكن أبرز هذه الأعمال وأكثرها تأثيرا في الفكر الاجتماعي كان كتاب "الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية" وبحسب المؤرخين، فإن هذا الكتاب كان قراءة لدور القيم الدينية في ظهور قيم وأخلاق العمل في المجتمعات الصناعية الجديدة التي كانت أساس ظهور النظام الرأسمالي. وتأتي أهمية دراسات وأطروحات فيبر من اهتمامه منقطع النظير بفلسفة العلوم الاجتماعية ومناهجها. وفي هذا الخصوص، استطاع العالم تطوير المفاهيم والجوانب التي أصبحت بعد وفاته من ركائز علم الاجتماع الحديث. ومن أهم المصطلحات التي أثرى بها علم الاجتماع وتعتبر جزءا مهما منه ومرجعا كبيرا للمهتمين بهذا العلم الإنساني هي "العقلانية" و"الكاريزما" و"الفهم" و"أخلاق العمل".
الفصل الرابــع : مجالات علم الاجتماع
أولا علاقة علم الاجتماع بالعلوم الاخرى:
ا-علاقته بعلم الاقتصاد
:يعتبر الإنتاج والتوزيع في مقدمة اهتمامات علم الاقتصاد لذلك يصب اهتمامه على علاقات ومتغيرات اقتصادية خالصة كالعلاقة بين العرض والطلب وارتفاع الأسعار وهبوطها... الخ. ولكن بالرغم من تضييق مجال علم الاقتصاد إلاّ ان ذلك أعطاه قدرة على معالجة ظواهره بطريقة منظمة وحدد مصلحاته ومقاييسه ومبادئه الأساسية بدقة متناهية، بل ان قدرة هذا العلم على تحويل النظرية الاقتصادية إلى التطبيق العملي جعله مساهماً أساسيا في رسم السياسات العامة. وبالرغم من ذلك فان التشابه بين علمي الاقتصاد والاجتماع نجده في طابع التفكير، فالاقتصادي كالاجتماعي يهتم بالعلاقات بين الأجزاء والسيطرة والتبادل والمتغيرات، ويستعين بالطرق الرياضية في تحليل بياناته
.علاقته بعلم السياسة:
التكيف السياسي مع المجتمع هو صيرورة ترسيخ المعتقدات والمتمثلات المتعلقة بالسلطة وبمجموعات الانتماء. فليس هناك من مجتمع سياسي يكون قابلاً باستمرار للحياة من دون استبطان حد أدنى من المعتقدات المشتركة المتعلقة في آن واحد بشرعية الحكومة التي تحكم، وبصحة التماثل بين الإفراد والمجموعات المتضامنة. يهمُّ قليلاً أن تكون هذه المعتقدات ثابتة أو لا في حجتها، إذ يكفي إن تنتزع الانتماء(16).فدراسة التكيف السياسي مع المجتمع يجب ان يُنظر لها من مظهر مزدوج كيف يمكن بمساعدة تصورات ملائمة عرض هذه المعتقدات والمواقف والآراء المشتركة بين كل أعضاء المجموعة أو جزء منها؟ وكيف يمكن التعرف على صيرورات الترسيخ التي بفضلها يجري عمل التمثل والاستبطان؟
ومن هنا، نجد أن علم الاجتماع يهتم بدراسة كافة جوانب المجتمع بينما علم السياسة يكرس معظم اهتماماته لدراسة القوة المتجسدة في التنظيمات الرسمية. فالأول يولي اهتماماً كبيراً بالعلاقات المتبادلة بين مجموعة النظم (بما في ذلك الحكومة)، بينما الثاني يهتم بالعمليات الداخلية كالتي تحدث داخل الحكومة مثلاً، وقد عبَّر ليبست (lipset) عن ذلك بقوله: «يهتم علم السياسة بالإدارة العامة، أي كيفية جعل التنظيمات الحكومية فعالة،اما علم الاجتماع السياسي فيعنى البيروقراطية، وعلى الأخص مشكلاتها الداخلية». ومع ذلك فان علم الاجتماع السياسي يشترك مع علم السياسة في كثير من الموضوعات بل إن بعض العلماء السياسيين بدأوا يولون اهتماماً خاصاً بالدراسات السلوكية ويمزجون بين التحليل السياسي والتحليل السوسيولوجي(18
علاقته بعلم التاريخ
:إن تتبع التاريخ للأحداث التي وقعت، هو في حد ذاته ترتيب وتضيق للسلوك عبر الزمن. وبينما يولي المؤرخون اهتماماتهم نحو دراسة الماضي ويتجنبون البحث عن اكتشاف الأسباب (باستثناء فلاسفة التاريخ)، فان علماء الاجتماع يهتمون بالبحث عن العلاقات المتبادلة بين الاحداث التي وقعت وأسبابها. ويذهب علم الاجتماع بعيداً في دراسة ما هو حقيقي بالنسبة لتاريخ عدد كبير من الشعوب ولا يهتم بما هو حقيقي بالنسبة لشعب معين.والمؤرخون لا يهتمون كثيراً بالأحداث العادية التي تتخذ شكلاً نظامياً كالملكية او العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة كالعلاقة بين الرجل والمرأة مثلا، بينما هي محور إهتمامات علم الاجتماع. إلاّ ان هذه الاختلافات لم تمنع بعض المؤرخين أمثال روستو فتزيف (Rostovtzev) وكولتن (coulton) وبوركهارت (burkhardt) من ان يكتبوا تاريخاً اجتماعياً يعالج الأنماط الاجتماعية والسنن والأعراف والنظم الاجتماعية الهامة(19).ولقد كان ابن خلدون واضحاً في تعريفه لعلم التاريخ عندما ربط الحاضر والماضي بطبيعة «العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني» وجعل منه علماً «شريف الغاية، اذ هو يوقفنا على أحوال الماضيين من الامم في اخلاقهم»(20)
علاقته بعلم النفس
:يُعرَّف علم النفس بأنه علم دراسة العقل أو العمليات العقلية وبالتالي فهو يتناول قدرات العقل على إدراك الأحاسيس ومنحها معاني معينة ثم الاستجابة لهذه الأحاسيس العقلية كالإدراك والتعرف والتعلم.كما يهتم بدراسة المشاعر والعواطف والدوافع والحوافز ودورها في تحديد نمط الشخصية.وبينما يعد مفهوم «المجتمع» أو النسق الاجتماعي محور علماء الاجتماع فان مفهوم «الشخصية» محور علماء النفس الذين يعنون بالجوانب السيكولوجية أكثر من عنايتهم بالجوانب الفسيولوجية. وبهذا فان علم النفس يحاول تفسير السلوك كما يبتدي في شخصية الفرد من خلال وظائف أعضائه وجهازه النفسي وخبراته الشخصية. وعلى العكس يحاول علم الاجتماع فهم السلوك كما يبتدئ في المجتمع وكما يتحدد من خلال بعض العوامل مثل عدد السكان والثقافة والتنظيم الاجتماعي.ويلتقي علمي النفس والاجتماع في علم النفس الاجتماعي الذي يهتم من الوجهة السيكولوجية الخالصة بتناول الوسائل التي من خلالها تخضع الشخصية أو السلوك للخصائص الاجتماعية او الوضع الاجتماعي الذي يشغله. ومن الوجهة السوسيولوجي في توضيح مدى تأثير الخصائص السيكولوجية لكل فرد أو مجموعة معينة من الأفراد على طابع العملية الاجتماعية(21).ويؤكد هومانز (Homans) في كتابه عن السلوك الاجتماعي أهمية الدوافع النفسية المفروضة على الجماعات في تفسير بناء الجماعة، ويتضمن ذلك النشاط والتفاعل والمعايير والعواطف التي تنشأ عمّا هو اجتماعي. وهو بذلك يركز على أشكال السلوك الاجتماعي التي تختلف باختلاف المجتمعات والثقافات
ثانيا :ميادين علم الاجتماع :
1-علم الاجتماع الديني: يتناول علم الاجتماع الديني بالتقصي والتحليل النظم والتيارات الدينية السائدة في المجتمعات الإنسانية على اختلاف العصور، واختلاف البيئة الاجتماعية لمجتمع ما في نمط معيشته أو في طبيعة العلاقات الاجتماعية فيه على السواء. ولأن علم الاجتماع الديني يرى في المجتمع العوامل التي تحدد شكل الأديان ووظائفها، لذا فإنه يعني تباين أثر العوامل الاجتماعية، وارتباطها مع الدين بصفته ظاهرةً لايخلو منها أي مجتمع.
2-علم الاجتماع الريفي: يهتم علماء الاجتماع الريفي بدراسة العلاقات الاجتماعية القائمة في الجماعة الإنسانية التي تعيش في بيئة ريفية ويدرسها من حيث طبيعتها إذ تواجه الجماعة الريف وجهاً لوجه. إنه يبحث في خصائص المجتمعات الريفية من حيث نمط المعيشة أو نظام الإنتاج السائد بوصفه أكثر بدائية، كما يعنى بتحليل العلاقات الاجتماعية الأولية، والرباط العائلي (رباط الدم أو الزواج الداخلي)، ويحدد السمات والمميزات التي تميز المجتمعات الريفية من المجتمعات الحضرية. إن هذه السمات كانت منطلقاً لعلماء الاجتماع في دراستهم حين حددوا موضوع علم الاجتماع الريفي، وأبرزوا الصفات المحلية لهذا المجتمع من عوامل وتفاعلات اجتماعية، ويتقبل بعضها التقدم ويرفضه بعضها الآخر ويعوقه. ومع أنه، من الناحية النظرية، يدرس أسس البنيان الاجتماعي الريفي، إلا أنه، من الناحية التطبيقية، يستخدم المعلومات التي جمعت عن السكان الريفيين لتحديد المشكلات التي تعوق نموهم وتقدمهم، لإيجاد الوسائل الكفيلة بحل مجمل المشكلات التي يعانون منها ولتحسين مستوى الحياة الاجتماعية الريفية، وأخيراً لرسم سياسة اجتماعية تعمل على رفع إسهام الريف بيئة وسكاناً في الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك
3-علم الاجتماعي السياسي: يهتم علم الاجتماع السياسي بأثر المتغيرات الاجتماعية في تكوين بنية السلطة السياسية وتطور أنظمة الحكم في المجتمع، فالنظم الاجتماعية من وجهة نظر علم الاجتماع السياسي ليست إلا عوامل متغيرة (أو متحولات) أو عوامل مسببة، وما أمور السياسة وشؤونها غير عوامل تابعة، تتأثر بالعوامل الاجتماعية وتتغير بتغيرها. وعلى هذا فإن أي فهم دقيق للنظم والمؤسسات السياسية يتطلب تحليلاً لمرتكزاتها الاجتماعية ورصداً لعناصر التغير في المجتمع.
4-علم الاجتماع الصناعي: يعنى علم الاجتماع الصناعي بالبناء الاجتماعي للتنظيمات الصناعية من جهة وبالعلاقات والتفاعلات الحادثة بين هذه التنظيمات والبناء الاجتماعي الكلي من جهة أخرى، ويهتم علم الاجتماع الصناعي بكيفية ارتباط نسق اجتماعي فرعي، بالأنساق الفرعية الأخرى (أي النظم الاجتماعية الأخرى)، ويهتم علم الاجتماع الصناعي كذلك بالكيفية التي يبنى بها النسق الاجتماعي الفرعي، كما يهتم كذلك بالكيفية التي يصبح بها الأشخاص مناسبين للأدوار التي يقومون بها. ويشتمل النسق الاجتماعي في هذه الحالة على الأنساق الاجتماعية الفرعية، الأسرية والسياسية والدينية والتربوية والطبقية والقيمة وغيرها من الأنساق الفرعية الأخرى التي ترتبط بالنسق الاجتماعي الاقتصادي الصناعي الفرعي.
5-علم اجتماع العائلة: يتناول علم اجتماع العائلة بالدراسة والتحليل والتعليل خصائص الأسرة، والوظائف التي تؤديها والعوامل التي تتأثر بها وتؤثر فيها، كما يوجه عناية خاصة إلى الدور الذي تقوم به العائلة في تنظيم علاقات الأفراد في المحيط الأسري. ويبحث في النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تساعد على استمرار تركيب العائلة وتطورها.
6-علم الاجتماع القانوني: يعنى علم الاجتماع القانوني بدراسة القانون والنظم القانونية من جهة تركيبها الاجتماعي، ويهتم بوصف الكثير من الاتجاهات المعنية بالعلاقات الموجودة بين القانون نصاً والمجتمع حيويةً (التحرك الاجتماعي)، كما يصف الحياة القانونية والسياسية بغية فهم مضامينها الاجتماعية العلمية. وهو بالتعريف ذلك الفرع من علم الاجتماع الذي يدرس الحقيقة الكلية للقانون مبتدئاً بأوجه التغير التي يمكن الإحساس بها وملاحظتها وتعرف مداها وآثارها المادية في السلوك الجسمي، ويرمي إلى تفسير هذا السلوك، وتلك المظاهر المادية للقانون تبعاً لما تنطوي عليه من معان خفية، بغية الكشف عن الحقيقة الكاملة للقانون في علاقته بالمتغيرات الاجتماعية التي تعمل على نحو ما في صيرورته وفي وجوده على هذا النمط. إلا أن علم الاجتماع القانوني يختلف في كثير من الحدود عن التحليل القانوني للمعايير والأعراف، وكذلك عن فقه القانون وفلسفته، وليس ثمة انسجام في أسلوب التفكير، أو في طريقة البحث، بين العلماء في ميدان فقه القانون وعلم الاجتماع، لأن القانون يمثل في نظر علماء الاجتماع ميداناً عملياً تطبيقياً، ولأن القانونيين يرون ميدان علم الاجتماع ميداناً نظرياً بحتاً. والحقيقة أن كلاً من الميدانين مرتبط بالآخر ارتباطاً وثيقاً وأن الواحد منهما مكمل للثاني، فيمكن تطبيق علم الاجتماع لدراسة النظام القانوني الذي يحفظ النظام العام في المجتمع، ويمكن أن يدرس رجل القانون - الذي يتجه وجهة اجتماعية - القوانين بوصفها ضابطاً اجتماعياً ذات ميزات خاصة في الدولة
7-علم اجتماع المعرفة: يبحث علم اجتماع المعرفة في صحة التراكيب الفكرية السائدة في المجتمع، مع اهتمام خاص بتفسيرها وربطها بالمعلومات التي توصل إليها علماء الاجتماع بطريق التجريب، وعلى أساس ربطها بالظروف والمتغيرات الاجتماعية
8-علم الاجتماع التربوي: يهتم هذا الميدان من علم الاجتماع ببحث الوسائل التربوية التي تؤدي إلى نمو أفضل للشخصية، لأن الأساس في هذا الميدان هو أن التربية عملية تنشئة اجتماعية. لذا فإن علم الاجتماع التربوي يبحث في وسائل تطبيع الأفراد بحضارة مجتمعهم. والتربية أساساً ظاهرة اجتماعية، يجب أن تدرس في ضوء تأثيرها في الظواهر الاجتماعية الأخرى من سياسية واقتصادية وبيئية وتشريعية، وتأثيرها في المتغيرات الاجتماعية الأخرى من خلال عمليات التفاعل الاجتماعي. من هنا أكد الاجتماعيون ضرورة تحليل الدور الذي يقوم به النظام التربوي في علاقته بأجزاء البناء الاجتماعي الديموغرافية أو الاقتصادية أو السياسية، وعلاقته بمثالية المجتمع أو نظراته العامة والإيديولوجيات التي تفعل فيه
9-علم الاجتماع الحضري: يبحث علم الاجتماع الحضري تأثير حياة المدينة - الحضر - في أنماط السلوك والعلاقات والنظم الاجتماعية، فيدرسها ضمن إطار نشأتها، وطرق تفاعلها في الحياة المدنية، إنه يدرس الحياة المدنية من حيث هي ظاهرة اجتماعية ويتناول تكونها ونموها وتركيبها وجملة الوظائف التي تؤديها، ومنطلقه في ذلك هو أن ثمة عوامل تشترك وتتآلف ينتج عنها مجتمع مدينة على نحو متميز أو مألوف، فالمدينة لاتنشأ عفواً، بل لابد لذلك من عوامل طبيعية وجغرافية وسكانية واجتماعية وسياسية واقتصادية. ثم إن للعوامل الدينية والثقافية دوراً تقوم به في نشوء المدن ولاسيما في المجتمعات المتدنية والشرقية.
10-علم الاجتماع الجنائي: يتناول البحث، في علم الاجتماع الجنائي، أسباب الجريمة والانحراف والعوامل الاجتماعية الممهدة لكليهما، كما يدرس نسبة تواتر الجريمة وتعدد أساليبها وأشكالها، ويربط ذلك باختلاف المجتمعات وتباين النظم وباختلاف أحوال الأفراد المعيشية، وجملة العوامل والظروف الموضوعية والنفسية للموقف أو الحالة، أي الظروف التي تمهد للجريمة على هذا النحو أو ذاك، كما يرجع إلى نمط التفاعلات في البيئة الاجتماعية. وباستخدام لغة البحث العلمي يمكن القول: إن جملة هذه الظروف هي متغيرات تعمل على تفسير أشكال الجريمة ودوافعها
11-علم الاجتماع البدوي: يدرس هذا الفرع من فروع علم الاجتماع النظم الاجتماعية السائدة في المجتمعات البدوية أو المجتمعات التي تعيش على الرعي والانتقال وراء الكلأ. ويعد ابن خلدون أول باحث في علم الاجتماع البدوي إذ يتحدث في مقدمته عن «العمران البدوي والأمم الوحشية» فيصف حياة البدو بما فيها من خشونة العيش، والاقتصار على الضروريات في معيشتهم، وعجزهم عن تحصيل الضروريات... وفي جملة ما يقوله: «وقد ذكرنا أن البدو هم المقتصرون على الضروري في أحوالهم، العاجزون عما فوقه وأن أهل البدو وإن كانوا مقبلين على الدنيا غلا أنه في المقدار الضروري لا في الترف ولا في شيء من أسباب الشهوات واللذات ودواعيها... وإن أهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر
».12-وهناك ميادين وفروع أخرى ...
الخاتمــــــــــــــة إن علم الاجتماع اليوم له أهمية بالغة في الحياة اليومية والمعرفية, لذلك يشهد هذا العلم تعددا كبيرا في فروعه وميادين دراسته وذلك لتعقد الحياة ونتيجة التقدم الهائل الذي تشهده البشرية, في شتى العلوم وكذا الانفجار الهائل في المعلومات و التقدم التكنولوجي للإنسان المعاصر ؛ أما بالنسبة لنا كعرب ومسلمين فبدأنا نسمع عن فكرة "نحو علم اجتماع عربي "أو إسلامي ,لان الإسلام يرى أن الظواهر الاجتماعية لها تأصيل رباني وروحي وكذا أن الإنسان لا يستطيع العيش دون دينه وواجبه الإسلامي , يقول تعالى {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وحده لا شريك له بذالك أمرت وانا أول المسلمين }. فبالنسبة للظاهرة الاجتماعية عند الغرب, فان علم الاجتماع عاجز عن إيجاد الحلول لها لتعقدها وتغيرها الدائم, لذلك لا نجد نظرية عامة ومحددة تحكمها ؛أما الإسلام فنجده دائم الاستجابة والقدرة على التكيف في مختلف العصور وعبر مختلف الزمان والمكان, ان الإسلام لا يعترف بالحدود والزمان والمكان فهو دوما قادر على حل المشكلات والمعضلات التي تشهدها البشرية .
• المصادر والمراجع :
1- د.السيد محمد بدوي :مبادئ علم الاجتماع ,دار المعارف ,الطبعة الثانية,مصر ,1976 .
2- د.احمد الخشاب : دار النهظة العربية , الطبعة الاولى , بيروت , 1981 .
3- علي عبد الواحد وافي، عبد الرحمن ابن خلدون، بيروت: سلسلة أعلام العرب، العدد 54؛ وزارة الثقافة، القاهرة .
4- مصطفى الخشاب، علم الاجتماع ومدارسه، مكتبة الأنجلوا المصرية، 1977،
5- محمد عاطف غيث، علم الاجتماع، -ط – النظرية والمنهج والموضوع، دار القاهرة .
6- أحمد أبوزيد، البناء الاجتماعي، مدخل لدراسة المجتمع، المفهومات الهيئة المصرية العامة، للتـأليف والنشر، 1970م،