يعتبر عقد العمل من العقود الملزمة لجانبين، وتخضع لمبدأ القـوة الملزمـة
للعقـد، إذ يلتزم أطراف
العقد بتنفيذ بنوده حسب ما تم الاتفاق عليه على أساس العقد شريعة
المتعاقدين، ومن تم لا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين، رغم أن الواقع
العملي يؤكد بأن عقد العمل كثيرا ما يكون من صنع إرادة المستخدم المنفردة، ولا
يملك العامل سوى القبول بالشروط التي وضعها المستخدم بسبب ضغط الظروف الاقتصادية و
الاجتماعية، ورغم ذلك لا يمكن لأي طرف أن يتنصل مما ألتزم به.
ولا شك أن تطبيق قاعدة العقد شريعة المتعاقدين على علاقة العمل تشكل ضمانة
قوية لاستقرار العامل، وحماية له من تعسف المستخدم في تعديل البنود المتفق عليها
في العقد، غير أنها تشكل في نفس الوقت عقبة في طريق تطور المشروع وانطلاقه لكونها
تحول دون قيام المستخدم بأي تعديل في عقد العمل في الوقت الذي تقتضي فيه مصلحة
العمل إجراء هذا التعديل، خاصة إذا تغيرت الظروف التي كانت سائدة وقت إبرام العقد
والتي كانت محل اعتبار المتعاقدين، كون أن عقد العمل غير المحدد المدة – والذي هو
موضوع دراستنا من العقود الزمنية التي يستوجب بقاؤها مدة زمنية طويلة، وخلال هذه
المدة قد تطرأ تطورات فنية وعلمية، وقد تتعرض المؤسسة إلى صعوبات اقتصادية أو
مالية، وقد تتعرض صحة العامل إلى التدهور، مما يستوجب تعديل عقد العمل لمواجهة هذه
الظروف، وعلى هذا الأساس فإن إعمال قاعدة العقد شريعة المتعاقدين تحول دون قيام
المستخدم بأي تعديل في عقد العمل ما لم يوافق عليه العامل، وما يترتب عن ذلك من
تهديد لحياة المشروع وعدم مسايرته للتقدم، وعدم قدرته على منافسة غيره من
المشروعات المماثلة، وبالمقابل فإن انفراد المستخدم بتعديل عناصر عقد العمل قد
يترتب عليه المساس بحقوق العمال ومكاسبهم، لذلك نجد أنه من مصلحة العامل التمسك
بالقوة الملزمة للعقد ورفض أي تعديل يرى فيه انتقاصا من حقوقه، ومن مصلحة المستخدم
التمسك بسلطته التنظيمية وإجراء أي تعديل تفرضه مصلحة العمل.
وتتجلى أهمية هذا الموضوع الذي وقع عليه اختياري في النقاط التالية:
- وجود فراغ قانوني في تشريع العمل الجزائري والذي من شأنه أن يؤدي إلى عدم
التوفيق بين مصلحة العامل من جهة ومصلحة المستخدم من جهة أخرى، حيث تناول المشرع
الجزائري مسألة تعديل عقد العمل من خلال مادتين فقط 62 و63 من قانون علاقات العمل
90/11 والتي صيغت بصيغة عامة في الوقت الذي تحتاج فيه هذه المسألة إلى تفصيل
ومعالجة كل حالة من حالات التعديل على حدى.
- اتجاه الجزائر إلى انتهاج النظام الاقتصادي الحر الذي يرجح المردودية
الاقتصادية على الحماية الاجتماعية للعامل، وما يتطلبه من موازنة بين حقوق العامل
واحترام مبدأ السلطة التنظيمية للمستخدم.
- كثرة النزاعات العمالية بسبب تعديل عقد العمل والتي عادة ما تنتهي بتسريح
العامل إذا امتنع عن تنفيذ عقد العمل بالبنود والشروط الجديدة.
لذلك ارتأيت تسليط الضوء على مشكلة تعديل عقد العمل مستعينا بالآراء
الفقهية والقوانين المقارنة وخاصة القانونين الفرنسي و المصري، لكون القانون
الفرنسي قد عالج مسألة التعديل بالتفصيل، كما أن القانون المصري قد تطرق إلى
العديد من النقاط المتعلقة بتعديل عقد العمل، وقد ساهمت محكمة النقض المصرية
مساهمة فعالة من خلال إجتهادتها في إيجاد الحلول الجدية لبعض المسائل العالقة و
المتعلقة بموضوع البحث.
وعليه فإن المنهج العلمي المتبع في هذا البحث هو المنهج المقارن، وقد أتبعت
هذا المنهج للأسباب السابق ذكرها و المتمثلة أساسا في وجود فراغ قانوني في التشريع
الجزائري حول مسألة التعديل.
وعلى هذا الأساس فإن الإشكالية التي تطرح في هذا الموضوع تتمثل في محاولة
تكييف قاعدة العقد شريعة المتعاقدين على نحو يسمح للمستخدم بتعديل عناصر عقد العمل
في حدود وبضوابط معينة، خاصة وأن لهذا العقد ذاتيته الخاصة، ولن يأتي هذا التكييف
إلا من خلال التوفيق بين مبدأ العقد شريعة المتعاقدين وما يقتضيه من عدم إمكانية
تعديله بالإدراة المنفردة لأي من طرفيه، ومبدأ السلطة التنظيمية للمستخدم، وما
يقتضيه من الاعتراف لهذا الأخير من سلطة إجراء أي تعديل متى أستوجب ذلك حسن سير
العمل على نحو يسمح بإعمال المبدأين معا دون أن يطغى أحدهما على حساب الآخر.
فكيف يمكن التوفيق بين قاعدة العقد شريعة المتعاقدين وقاعدة السلطة
التنظيمية للمستخدم ؟وإذا كان القانون يعترف للمستخدم بسلطة تعديل عناصر عقد العمل
فإلى أي مدى يمكنه ممارسة هذا الحق ؟ وماهي الضوابط و القيود الواجب احترامها من
طرفه عند ممارسته لهذا الحق ؟.ومدى تأثير التعديل على حقوق الطرفين ؟
للإجابة على هذه التساؤلات قمت بمعالجة هذا الموضوع حسب الخطة التالية:
الفصل الأول:التعديل الجوهري وغير الجوهري لعقد العمل ومدى سلطة المستخدم
في إجرائهما
المبحث الأول: معايير التمييز بين التعديل الجوهري و غير الجوهري لعقد
العمل
المطلب الأول: المعيار الإتفاقي
الطلب الثاني: المعيار الموضوعي
- المطلب الثالث: المعيار الشخصي
المبحث الثاني: سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد العمل
المطلب الأول: أساس سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد العمل
المطلب الثاني: ضوابط سلطة المستخدم في إجراء التعديل غير الجوهري لعقد
العمل
المبحث الثالث: سلطة المستخدم في إجراء التعديل الجوهري لعقد العمل
المطلب الأول: مبرارت التعديل الجوهري لعقد العمل
المطلب الثاني: ضوابط سلطة المستخدم في التعديل الجوهري لعقد العمل
الفصل الثاني: حدود سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل والآثار المترتبة على
تعديله
المبحث الأول: حدود سلطة في تعديل عقد العمل
المطلب الأول: السلطة التقديرية للمستخدم في تعديل عقد العمل
- المطلب الثاني: القيود العامة التي تحد من سلطة المستخدم في التعديل
المبحث الثاني: آثار تعديل عقد العمل على علاقة العمل وحقوق الطرفين
- المطلب الأول: آثار تعديل عقد العمل في حالة قبول العامل
- المطلب الثاني: آثار تعديل عقد العمل في حالة رفض العامل
الخاتمــــــة
تعديل بنود عقد العمل.pdf (307.91 KB)