أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف: ففي صحيح مسلم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدأ من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟).
قال ابنُ عبدُ البر : وهذا يدلُ على أنهم مغفور لهم لأنه لا يباهي بأهل الخطايا إلا بعد التوبة والغفران والله أعلم أهـ .
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبرا) رواه أحمد وصححه الألباني. وسُئل فضيلة الشيخ بن عثيمين ( ) : لماذا يدعو الإنسان ولا يستجاب له ؟ والله عز وجل يقول: { ادْعُوني أسْتجبْ لكُمْ } ؟ فاجاب فضيلته عن اسباب إجابة الدعاء وموانع الدعاء ، فقال : " هذا الرجل كان مسافرا والسفر غالبا من أسباب الإجابة لأن الإنسان في السفر يشعر بالحاجة إلى الله عز وجل والضرورة إليه أكثر مما إذا كان مقيما في أهله، وأشعث أغبر كأنه غير معني بنفسه كأن أهم شيء عنده أن يلتجئ إلى الله ويدعوه على أي حال كان هو سواء كان أشعث أغبر أم مترفا، والشعث والغبر له أثر في الإجابة كما في الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله ينزل إلى السماء الدنيا عشية عرفة يباهي الملائكة بالواقفين فيها يقول: " أتوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق" هـ . وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية : فقال : ( الشُعْث: هو اغبرار الرأس, والغبرُ: هو التراب، والغُبْرة: لونه) فإنه من المعلوم أن الحجيج عشية عرفة ينزل على قلوبهم من الإيمان والرحمة والنور والبركة ما لا يمكن التعبير عنه، لكن ليس هذا الذي في قلوبهم هو الذي يدنو إلى السماء الدنيا، ويباهي الملائكة بالحجيج )هـ
فعلى المسلم أن يحرص على العمل الصالح لا سيما في هذا اليوم العظيم من ذكرٍ ودعاءٍ وقراءةٍ وصلاةٍ وصدقةٍ لعله أن يحظى من الله بالمغفرة والعتق من النار .
فقد ذكر ابنُ رجب - – في اللطائف : أن العتق من النار عام لجميع المسلمين .
وذكر ابن القيم في كتابه: (زاد المعاد في هدي خير العباد ) ج1 فقال : "أنه في يوم عرفة يدنو الربُ تبارك والله عشية من أهل الموقف، ثم يُباهي بهم الملائكة فيقول: (ما أراد هؤُلاء، أُشْهدُكُم أني قدْ غفرْتُ لهُم) وتحصلُ مع دنوه منهم تبارك والله ساعةُ الإجابة التي لا يرُدُ فيها سائل يسأل خيرا فيقربُون منه بدعائه والتضرع إليه في تلك الساعة، ويقرُب منهم الله نوعين من القُرب، أحدهما: قربُ الإجابة المحققة في تلك الساعة، والثاني: قربه الخاص من أهل عرفة، ومباهاتُه بهم ملائكته، فتستشعرُ قلوبُ أهل الإيمان بهذه الأمور، فتزداد قوة إلى قوتها، وفرحا وسرورا وابتهاجا ورجاء لفضل ربها وكرمه، فبهذه الوجوه وغيرها فُضلتْ وقفةُ يوم الجمعة على غيرها " هــ . وذكر السعدي في تفسيره للآية الكريمة : " وليال عشر " من سورة الفجر فقال : "في أيام عشر ذي الحجة، الوقوف بعرفة، الذي يغفر الله فيه لعباده مغفرة يحزن لها الشيطان، فما رئي الشيطان أحقر ولا أدحر منه في يوم عرفة، لما يرى من تنزل الأملاك والرحمة من الله لعباده، ويقع فيها كثير من أفعال الحج والعمرة، وهذه أشياء معظمة، مستحقة ، لأن يقسم الله بها "هـ . قال الله الله: ( ويذْكُرُوا اسْم الله في أيامٍ معْلُوماتٍ )الحج28. الآية. قال ابن عباس والشافعي والجمهور: هي أيامُ العشر. وقال النووي في كتابه (الاذكار ) : ( واعلم أنه يُستحبُ الإكثار من الأذكار في هذا العشر زيادة على غيره، ويُستحب من ذلك في يوم عرفة أكثر من باقي العشر ) هـ أما من لم يتيسر له الحج فهو كما قال أحد السلف: " من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عرفه، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة، فليُبيت عزمه على طاعة الله وقد قربه وأزلفه ، ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى ، من لم يصلْ إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه من حبل الوريد".