جريمة الاخفاء
خـطـة البـحـث
* المقدمة
* المبحث الأول: ماهية جريمة الإخفاء.
• المطلب الأول:تعريف الجريمة.
• الفرع الأول: تعريفها حسب المشرع الجزائري.
• الفرع الثاني: تعريفها حسب المشرع المصري.
• المطلب الثاني: أركان الجريمة.
• الفرع الأول:أركانها في نظر القانون الجزائري.
• الفرع الثاني: أركانها كما عرفها القانون المصري.
* المبحث الثاني: النتائج المترتبة عن قيام الجريمة.
• المطلب الأول: شروط إمكانية متابعة جريمة الإخفاء.
• المطلب الثاني: الاشتراك والشروع في جريمة الإخفاء.
• المطلب الثالث: تسبيب حكم إدانة جريمة الإخفاء.
* المبحث الثالث: العقوبات المقررة .
• المطلب الأول: العقوبات الواردة في ق/ع الجزائري.
• المطلب الثاني: العقوبات الواردة في قانون الفساد.
• المطلب الثالث: العقوبات المقررة في القانون المصري.
الخاتمة
الـمــراجـــــع
1/- أحمد صبري أحمد، شرح قانون العقوبات المصري.
2/- بوسقيعة أحسن، الوجيز في القانون الجنائي الخاص.
3/- عبد العزيز أسعد، كتاب جرائم الاعتداء على الأموال العامة والخاصة.
4/- قانون العقوبات الجزائري المعدل والمتمم.
5/- قانون العقوبات المصري.
المـقـدمـة
إن من بين الجرائم التي صنفها قانون العقوبات الجزائري ضمن جرائم الاعتداء على المال هي جريمة أو جنحة إخفاء الأشياء و الأموال المتحصلة أو الناتجة من جناية أو جنحة ، وهي جريمة منحها المشرع الجزائري اهتماما خاصا لاسيما فيما يتعلق بشروط ممارسة إجراءات الدعوى العامة بشأنها.
والإعفاء من العقاب عليها وظروف تشديد عقوبتها وهو ما يتطلب منا أن نتحدث عنها بشيء من التفصيل والوضوح و بقليل من الإيجاز والاختصار، وذلك راجع لعدم ووجود العديد من المراجع التي تتطرق لهذا الشأن ولذلك عمدنا في هذا الموضوع لشرح لكل ما جاء به المشرع الجزائري بالإضافة التطرق إلى كل ما جاء به كذلك القانون المصري فيما يخص جريمة الإخفاء.
تعريف للجريمة من نظر القانون الجزائري والمصري:
كانت المادة 29 من قانون العقوبات لسنة 1883 تعتبر إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة صورة خاصة من صور الاشتراك اللاحق في تلك الجناية أو الجنحة . إذا كان نصها كالآتي :" كل من أخفى كل أو بعض الأشياء المسلوبة أو المختلسة أو المأخوذة بواسطة ارتكاب جناية أو جنحة يعد مشاركا لفاعل تلك الجناية ويعاقب بمثل العقوبة التي يحكم عليه بها إن كان يعلم ذلك " .. وكان هذا النص مقتبسا من المادتين 62 ، 63 من قانون العقوبات الفرنسي الصادر في سنة 1810 .
واعتبار المخفي شريكا للسارق أمر شاذ يخالف قاعدة أساسية في المساهمة الجنائية ، هي ضرورة قيام اتفاق سابق بين الجناة على ارتكاب الجريمة أو بالأقل تفاهم فيما بينهم عليها ، حيث أن جريمة الإخفاء لا تتطلب حصول هذا الاتفاق و لا تفاهم ، وما قد يقتضيه من تحريض أو مساعدة في ارتكاب الفعل الأصلي . وإذا تحقق أمر من ذلك وجب اعتبار الجاني مشتركا في الجريمة سواء أصدر منه فعل الإخفاء أو لم يصدر . وكذلك ينبغي في الاشتراك دائما أن يكون في أفعال سابقة على الفعل الأصلي أو بالأقل معاصرة له، حين أن الإخفاء يكون دائما لاحقا له . وشأن إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة شأن إخفاء الجانين الهاربين من وجه العدالة ، والذين كان القانون على الدوام ـ ولا يزال ـ يعتبر مقترفيه مرتكبي جرائم خاصة لا شركاء في جرائم من أخفوهم .
وقد كان هذا الوضع الاستثنائي الشاذ مثار انتقاد سواء في مصر أم في فرنسا . ولذا غيّره تشريعنا الصادر في سنة 1904 فنص في المادة 279 منه على عقاب إخفاء الأشياء المسروقة بوصفه جريمة قائمة بذاتها لا اشتراكا في السرقة ، واستبعد لغير علة مفهومة إخفاء الأشياء المتحصلة من الجرائم الأخرى كالنصب وخيانة الأمانة وغيرهما ، ولعله افترض فيمن يخفي الأشياء المتحصلة منها عدم إمكانه العلم بمصدرها .
وعندما وضع تشريعنا الحالي في سنة 1937 ضل نص المادة 279 على ما هو عليه بعد أن صار نصا للمادة 322 منه . وفي 15 جوان 1947 صدر قانون ألغى هذه المادة الأخيرة وأحل محلها المادة 44 ع مكررة التي تعاقب على إخفاء الأشياء المتحصلة من وهكذا مرت هذه الجريمة بتطورات أساسية : فمن صورة خاصة منقطعة النظير لاشتراك في الجريمة لاحق لوقوعها ، إلى جريمة مستقلة تعاقب على إخفاء الأشياء المسروقة فحسب دون الأشياء المتحصلة من جرائم أخرى ، إلى أن أخذت شكلها الأخير بوصفها جريمة مستقلة تعاقب على إخفاء الأشياء المتحصلة من السرقة ، أو من الجنايات والجنح الأخرى أيا كان نوعها .
وانقلاب فعل الإخفاء من صورة خاصة للاشتراك في الجريمة الأصلية إلى جريمة مستقلة قائمة بذاتها اعتبار يسبغ على بحث هذه الجريمة أهمية خاصة من الوجهة القانونية . فهو يكشف لنا عن مدى الفروق في النتائج العملية التي قد تترتب على تكييف الفعل على نحو دون آخر ، وأهمها :
أولا : أن عقوبة من أخفى الأشياء المتحصلة من جناية إلى جنحة كانت تتوقف على نوع الجناية أو الجنحة التي كانت مصدر تلك الأشياء وعلى العقوبة المقررة لها ، حتى ولو كان المخفي يجهل طبيعة ما أحاط بها من ظروف. إذ من المعلوم أن الظروف العينية يسري أثرها في التشديد على جميع المساهمين في الجريمة سواء أكانوا فاعلين أصليين أم مجرد شركاء ، وسواء أعلموا بها أم لم يعلموا ، أما الآن فهو لا يتأثر بها إلا إذا كان علم بصريح نص المادة 44 ع .
ثانيا : كانت الدعوة العمومية عن الإخفاء تسقط بسقوط الدعوى العمومية عن الفعل الأصلي.
إذ أن القاعدة في تجريم فعل الشريك هي وجوب ارتباطه بفعل أصلي معاقب عليه ، ويضل معاقب عليه إلى وقت تحريك الدعوى الجنائية قبل الشريك . وذلك مع أن الإخفاء حالة مستمرة لا ينبغي أن يبدأ سريان مدة سقوط الدعوى بالنسبة لها إلا من وقت انقطاعها.
ثالثا : أن حجية الشيء المقضي به كانت تحول دون إعادة محاكمة المخفي حتى ولو استمر حائزا المال بعد الإدانة ، إذ كان يستفيد من قاعدة عدم جواز إعادة محاكمة مرتكب الجريمة ولو استمر حائزا المال المتحصل منها، بوصف ذلك لا يعدو أن يكون استمرار لأثر من آثار الواقعة التي سبق أن عوقب عنها . أما الآن فليس ثمة مانع من إعادة محتكمة المخفي عن حالة الإخفاء اللاحقة للحكم ، كما هي القاعدة في شأن الجرائم المستمرة استمرارا متجددا.
رابعا : أن فعل الإخفاء كان ينبغي أن يخضع كقاعدة عامة لقانون البلد التي وقعت فيه الجريمة الأصلية ـ ولمحاكمها ـ بوصفه اشتراكا فيها ، عملا بقاعدة إقليمية القوانين الجنائية.أما الآن فإن فعل الإخفاء ينبغي أن يخضع لقانون البلد الذي وقع فيه ـ ولمحاكمها ـ بصرف النظر عن المكان الذي وقعت فيه جريمة الحصول على الأشياء المخفاة.
خامسا : أنه كان يجوز الحكم فيما يتعلق بالتعويضات المدنية والغرامات النسبية والمصاريف بالتضامن فيما بين مرتكب الجريمة ومخفي الأشياء المتحصلة منها ، وذلك لأن الواقعة المستوجبة المسؤولية كانت تعد مشتركة بين الاثنين . أما بعد اعتبار الإخفاء جريمة مستقلة فلا تضامن في هذه الأمور كقاعدة عامة وإلا في نطاق معين سنعود إلى بيانه فيما بعد .
بعد هذه النظرة العامة إلى لجريمة بقي ان نعالجها في ثلاثة فصول نخصص أولها لأركانها وعقوبتها ، ونخصص ثانيها لبعض ما تثيره من مسائل خاصة ، وثالثها في بيانات حكم الإدانة فيها.
طبيعة الجريمة:
استقر الفقه والقضاة السائدان سواء في مصر أم في فرنسا على أن إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة يعد جريمة مستمرة استمرارا متجددا ، وعلى ذلك تسري عليها كافة الأحكام المتعلقة بهذا النوع من الجرائم . فمثلا تتحقق الجريمة متى استمر المخفي على حيازة الأشياء المخفاة بعد أن اتضح له أنها متحصلة من جناية أو جنحة ولو أم يكن عالما بذلك من قبل . ولا تبدأ مدة سقوط الدعوى إلا من وقت انقطاع حالة الاستمرار بتخلي الحائز عن حيازة الشيء ويستوي في ذلك أن يكون التخلي عنه قد وقع اضطرارا أم اختيارا . وقد حكم في فرنسا أنه إذا قام بإخفاء نفس الشيء مخفون متعاقبون فمدة انقضاء الدعوى العمومية لا تبدأ بالنسبة لهم جميعا إلا من الوقت الذي يتخلى فيه المخفي الأخير عن حيازة الشيء إلى حائز جديد حسن النية ،أو يرجعه إلى صاحبه ، أو حتى يعدمه ،لأن طبيعة الإخفاء كجريمة مستمرة تظهر كل واحد من المخفين المتعاقبين لا كفاعل جريمة مستقلة ،بل كمساهم في جريمة واحدة وقعت تنفيذا لنفس المشروع الإجرامي ولتحقيق نفس الهدف .
وقد تكون مدة سقوط ثلاثة أعوام من ذلك التاريخ أو عشرة طبقا لوصف الواقعة ، وهل هي جناية أم جنحة . وتكون كل محكمة وقعت فيها الاستمرار مختصة بنظر الدعوى. والحكم الصادر فيها بالعقوبة لا يمنع من تجديد الدعوى من جديد إذا ظلت حالة الاستمرار قائمة بالنظر إلى أنه استمرار متجدد كما قلنا وليس من قبيل الاستمرار الثابت. وإذا صدر عفو عن العقوبة فيها فإنه يسري على المرحلة السابقة على صدوره فحسب ،دون اللاحق منها له.
وكان هناك رأي مهجور يقول أن الإخفاء جريمة وقتية تقع بمجرد أخذ الشيء أو تسلمه Réception أما الاحتفاظ به بعد ذلك Conservation فهو أثر حتمي من آثار التسلم ،كما أن احتفاظ السارق بما سرق أثر حتمي من آثار السرقة ،وهذا الاعتراض يرد عليه بأن ما يعاقب عليه القانون في هذه الجريمة ليس هو تسلم الشيء في حد ذاته ،بل النصوص صريحة في أنها تعاقب على الإخفاء Recel ، وهو يتضمن الاحتفاظ بالشيء وحيازته بعد التسلم لمدة طالت أم قصرت كما قلنا . فهو حالة مستمرة وليست واقعة وقتية عابرة ، أما في السرقة فالقانون يعاقب على واقعة وقتية عابرة هي انتزاع حيازة الشيء من المجني عليه ، فلا محل لقياس هذه الجريمة على تلك ، ولذا فلم تأخذ محكمة النقض الفرنسية ، ومعها الفقه السائد ، بهذا الاعتراض ،بل هي تصر دائما على اعتبار الإخفاء جريمة مستمرة .
إلا أن اعتبار الإخفاء جريمة مستمرة أر قد يثير صعوبة خاصة فيما يتعلق بإخفاء الأشياء المثلية التي يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء ، والتي تقدر عادة في التعامل بين الناس بالعدد أو المقاس أو الكيل أو الوزن مثل النقود والغلال . فإذا أخفى المتهم جنيها وسط نقوده الأخرى التي اعتاد أن ينفق منها كل يوم يتعذر بالقول بأن حالة الاستمرار تظل قائمة طالما كان معه أي مبلغ قيمته جنيه. ومثلها إذا أخفى تاجر غلال إردبا من القمح ـ اشتراه وهو يعلم أنه مسروق ـ وسط غلاله الأخرى التي قد يتناولها البيع والشراء بكميات تتجاوز هذا الإردب .
فمثل تلك الحالات يتعذر فيها تحديد لحظة انقطاع لحظة الاستمرار وهو ما دعا محكمة استئناف باريس إلى القول في بعض أحكامها بأن اعتبار الإخفاء جريمة مستمرة متوقف على كون الشيء المخفي معينا بالذات ،أما فيما عدا ذلك فالجريمة وقتية تقع بأخذ الشيء المتحصل من الجريمة .
وهذا الرأي لا يبدو لنا سديدا ،لأن طبيعة الجريمة لا ينبغي أن تتوقف على كون الشيء قيميا أو مثليا ،ولأن اعتبار الشيء من هذا النوع أو ذاك رهن بإرادة الأفراد .وإنا يمكننا القول بصفة عامة بأنه إذا قام المخفي بخلط الأشياء المخفاة بمثلها بحيث يتعذر التعرف على ذاتيتها ،أي أنه جعلها مثلية بالمعنى المطلوب قانونا ،فإن حيازته إياها تصير غامضة ـ طبقا للعبير المدني ـ ولكن الإخفاء يظل مع ذلك قائما مستمرا. وإنما ينقطع إذا تعامل المخفي في مقدار يعادل ذلك الذي كان يخفيه منها بحيث يخرج من حيازته خروجا فعليا ،ولا يلزم أن تخرج كل الكميات المماثلة المختلطة بهذا المقدار سواء منها ما كان يحوزه المخفي قبل الخلط ،أم ما كان سيحوزه لو لم يصدر منه فعل الخلط .
أما إذا احتفظ المخفي بالأشياء المخفاة في حرز مستقل دون أن يخلطها بمثلها فحينئذ تظل قيمية إذ يمكن التعرف على ذاتيتها، وعندئذ لا ينقطع الإخفاء إلا بانقطاع الحيازة كما قلنا. ومن ثم يكون كل أثر للتفرقة بين القيميات والمثليات في الإخفاء ن وهو كيفية تحديد لحظة انقطاع الإخفاء دون أي تأثير في طبيعة الجريمة التي تظل مستمرة على الدوام .
جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من الجريمة:
إن من بين الجرائم التي صنفها قانون العقوبات الجزائري ضمن جرائم الاعتداء على المال هي جريمة أو جنحة إخفاء الأشياء و الأموال المتحصلة أو الناتجة من جناية أو جنحة ، و هي جريمة منحها المشرع الجزائري اهتماما خاصا لاسيما فيما يتعلق بشروط ممارسة إجراءات الدعوى العامة بشأنها ، و الإعفاء من العقاب عليها وظروف تشديد عقوبتها وهو ما يتطلب منا أن نتحدث عنها بشيء من التفصيل و الوضوح و بقليل من الإيجاز و الاختصار و ذلك وفقا للترتيب التالي:
أولا : العناصر المكونة للجريمة:
من خلال قراءة المادة 387 من قانون العقوبات الجزائري نجد أنها تنص على أن كل من أخفى عن علم أشياء محولة ، أو مبددة، أو متحصلة من جناية أو جنحة ، يعاقب بالحبس من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر ،و بغرامة مالية من خمس مئة إلى عشر ألف دج، و من محاولة تحليل هذه المادة بشكل مختصر ومبسط سيتبين لنا أنه لكي يمكن قيام جريمة إخفاء أشياء أو أموال مختلسة أو مبددة أو متحصلة من جناية أو جنحة من جرائم القانون العام يجب أن تتوفر عدة عناصر، وهى العناصر التي سنتحدث عنها فينا يلي :
العنصر المادي المكون للجريمة :
إن العنصر الأول المكون للجريمة و الركن الأساسي لإمكانية قيام واثبات هذه الجريمة يتمثل في الفعل المادي المتعلق بحيازة المتهم للشيء المراد إخفاؤه و إبعاده عن أنظار الناس، حيث انه بمجرد استلام المتهم للمال أو الشيء موضوع الجناية أو الجنحة يتحقق العنصر أو الركن المادي لجريمة الإخفاء.
و لا يهم ما إذا كانت مدة الإخفاء طويلة أو قصيرة ، ويستوي في ذلك أن يكون من سلم الأموال المبددة أو المختلسة إلى المتهم بارتكاب جنحة الإخفاء هو نفسه ذلك الشخص الذي قام بارتكاب فعل الاختلاس أو التبديد و بين أن يكون من قام بالتسليم إلى المخفي هو شخص آخر حسن النية ، و يستوي في ذلك أيضا أن يكون المتهم قد أخفاها إخفاء حقيقيا عن الأنظار أم لا ، هذا وان تخلى الحائز للأشياء المختلسة أو المبددة ، أو المتحصلة من جناية أو جنحة عن الحيازة إلى شخص ثالث لا يعفي من كان حائزا لهذه الأشياء بنية الإخفاء من الإدانة و العقاب بموجب المادة 387 عقوبات.
كما نص المشرع المصري فيما يخص هذا الركن مايلي :" قد يشير ظاهر كلمة الإخفاء recel إلى أ، المقصود هو تخبئة الشيء بوضعه في مكان خفي عن الأبصار بعيد عن متناول الأيدي. ولكن الإخفاء لغة غيره في جريمة الإخفاء ، إذ أن له فيها مدلولا واسعا كل الاتساع ، بحيث يكفي فيه مجرد حيازة الشيء سواء أكانت حيازة قانونية بمعناها الصحيح أم مجرد حيازة ماديةsimple détention matérielle، أو بعبارة أخرى أنه مجرد تسلم الشيء المتحصل من جناية أو جنحة مع العلم بذلك . وبالتالي فإنه لا يشترط فيه الإحراز المادي بل يكفي اتصال الجاني بالأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة وابسطا سلطانه عليها بصورة حقيقية بسبب هذه الحيازة القانونية أو المادية.
وفي هذا الصدد تقول محكمة النقض أن " فعل الإخفاء متحقق بكل اتصال فعلي بالمال المتحصل من الجريمة مهما كان سببه أو الغرض منه ، ومهما كانت ظروف زمانه أو مكانه أو سائر أحواله ".. وبهذا المعنى يتحقق الإخفاء ولو كانت حيازة الشيء علنية غير مستترة ، كمن يرتدي حلة مسروقة ويسير بها في الطريق العام ، أو كمن يشتري الشيء المسروق جهارا نهارا مع علمه بسرقته.
إنما مع ذلك يلزم فيه الاحتفاظ بالشيء ولو لفترة قصيرة ، أو مساعدة الجاني على هذا الاحتفاظ أما مجرد إمساك الشيء أو لمسه بطريقة عابرة بدافع من حب الاستطلاع مثلا مع التخلي عنه على الفور فلا يعد إخفاء ولو كان على علم بمصدره . وإذا كان التسلم بموجب عقد فيستوي أن يكون العقد شراء،أم هبة،أم معارضة،أم إيجار،أم عارية استعمال أو استهلاك أم قرض .إلخ.
وقد أجملت محكمة النفض هذه المعاني مجتمعة في حكم لها عندما قالت أنه " لا يشترط في هذه الجريمة أن يكون الإخفاء في مكان بعيد عن الأنظار وعن متناول الناس، أو أن تكون الحيازة بغير طريق الشراء أو بغير قصد التملك ما دام الجاني حين حاز الأشياء كان عالما بسرقتها ".
ويستوي أن يصدر التسليم فيه عن مرتكب الجريمة الأصلية بنفسه ،أم عن مخفي سابق ،أم عن شخص حسن نية لا يعلم عن الجريمة شيئا ما دام المستلم يعلم بها . ومن يسرق الشيء المسروق من السارق يعد فعله إخفاء كما يعد سرقة ،وتنطبق هنا أحكام التعدي المعنوي فيِخذ الجاني بعقوبة الوصف الأشد .
وقد قضى في فرنسا بأنه يعد إخفاء أن يقبل المستفيد من شيك يصرفه من البنك على رصيد أودعه الساحب ، وهو يعلم أن هذا الرصيد متحصل من جملة جرائم نصب ، إذ أن الساحب كان محتالا معروفا ، وكان المستفيد صحفيا قبض بهذا الشيك ثمن سكوته عن فضائح المحتال .
وينبغي أن يصدر من الجاني نشاط إيجابي بفعل مادي مثل حيازة الشيء أو تسلمه أو حجزه ، أو أن يكون سلطانه مبسوطا عليه ولو لم يكن في حيازته الفعلية ، أي يجب أن يكون الجاني قد قام شخصيا وعمد بفعل الإخفاء . أما مجرد علم الشخص بوجود الشيء المتحصل من جريمة في مكان ما دون تداخل في الإخفاء فلا يعد إخفاء .
فالزوجة التي تعلم أن زوجها يحوز في المنزل أشياء مسروقة لا تعد مخفية إياها ، ولا سيما إذا كان المنزل منزل الزوج ، إذ من البديهي أنه ليس من حقها أن تمنعه من التصرف حسبما يشاء في منزله.
وهذا الرأي سليما طالما كان دور الزوجة سلبيا بحتا اقتصر على العلم بوجود الشيء في المنزل أما إذا أخفت الشيء بيديها في مكان ما فيتحقق بذلك فعل الإخفاء كما يتطلبه القانون ،وكذلك الشأن إذا عرضته للبيع أو استعملته في أمر ما . ومن ذلك مثلا إذا سلمها زوجها طعاما مسروقا فقامت بطهيه له وهي تعلم بمصدره ولو لم تأكل منه ، أو قماشا مسروقا فحاكته له رداء .وهي لا يمكنها أن تدفع بأن عليها طاعة زوجها ، لأن الطاعة على الزوجة واجب مدني بحت لا ينفي أن لها إرادة مستقلة ومسؤولية جنائية قائمة بذاتها ، وهما تتطلبان منها أن تخالف زوجها في معصية القانون .
ومن يتوسط في شيء متحصل من جريمة ولو مقابل مبلغ من المال يتقاضاه من المالك، لا يعد مخفيا حتى وإن كان يعلم مكان هذا الشيء ،لأنه لم يقم بدور إيجابي في الإخفاء . وهذا الرأي سليم في جوهره ولكنه في حاجة إلى إضافة بعض التحفظات . أولها أنه إذا كان الوسيط في رد المال قد تقاضى من المخفي جزءا من الحلوان الذي تسلمه هذا الأخير وجب بدوره أن يعد مخفيا هذا الجزء المتحصل من الجريمة . وثانيها أنه إذا كان الوسيط متواطئا مع المخفي ، أي متفقا معه على استمرار الإخفاء أو مساعدا إياه فيه ، أو محرضا إياه عليه للحصول على الحلوان المطلوب من المالك ، وجب عده شريكا للمخفي بالاتفاق أو المساعدة أو التحريض بحسب الأحوال ،طبقا للقاعدة العامة . وثالثها أن من يتوسط في بيع المال المخفي إلى الغير مع علمه بمصدره يمكن أن يعد بوساطته وحدها شريكا لهذا المخفي الجديد بالمساعدة والاتفاق .
والقاعدة أن فعل الإخفاء يتحقق بكل أسلوب إيجابي وبكل اتصال فعلي بالمال المتحصل من الجريمة مهما كانت ظروفه أو دوافعه أو ملابساته . ومهما كانت المدة التي ظلها قائما،وأن التخلي عن حيازة المال ـ وإن كان يعد مبدءا لتقادم الدعوى ـ إلا أنه لا يحول دون محاكمة الحائز ،ولو قام برده إلى صاحبه بدافع من الندم بعد تحقق أركان الجريمة بالفعل،إذ يعد حينئذ من صور التوبة الإيجابية التي لا تحول دون القول بالعقاب"
العنصر المعنوي لقيام الجريمة:
إن ثاني عنصر من عناصر قيام جريمة إخفاء الأشياء المحولة أو المبددة أو المتحصلة من جناية أو جنحة من جرائم القانون العام هو عنصر علم المخفي بكون الأشياء أو الأموال التي قام بإخفائها و حجبها عن أنظار عامة الناس و تعمد إخفائها هي أموال متحصلة من وقائع جنائية أو جناحية ، و يجوز للجهة القضائية المختصة بالفصل في موضوع الدعوى أن تتوصل إلى اقتناع بقيام وتوفر علم المتهم و تعمده سواء بالاستناد إلى قرائن مستساغة قانونا ، أو بالاستناد إلى أن المتهم بالإخفاء يزعم انه اشترى المال المخفي و لا سيما إذا كان ثمن الشراء يقل كثيرا عن القيمة الحقيقية لهذا الشيء ، و على كل حال فان عنصر العلم هذا متروك لقاضي الموضوع بشرط واحد فقط هو بيان أساس التقدير و كونه تقديرا مستساغا قانونا ، و لا رقابة للمحكمة العليا على إثبات أو عدم إثبات عنصر العلم طالما إن قاضي الموضوع قد أسس اقتناعه على أساس مستساغ.
كما نص القانون المصري في فحوى مواده المتعلقة بعنصر محل الإخفاء على مايلي: "ينبغي أن يكون محل الإخفاء مالا منقولا مملوكا للغير ، والقاعدة أن كل ما يصلح للسرقة يصلح للإخفاء إذا ما تحصل من جناية أو جنحة . وتعبير النص الحالي يتسع للأشياء المتحصلة من أية جناية أو جنحة وأيا كان نوعها،سرقة أو عثور على أشياء مفقودة بنية تملكها أو نصب أو خيانة أمانة أو قتل أو تزييف مسكوكات أو ابتزاز مال بالتهديد أو تزوير سند واستعماله ..إلخ .
ولا ينبغي أن يختلط إخفاء الشيء المتحصل من جناية أو جنحة مع إخفاء جسم الجريمة نفسه فإخفاء جثة قتيل أو سند مزور ،وكذلك إخفاء الآلات والأدوات المستعملة في ارتكاب الجريمة ،أمر لا تنطبق عليه المادة 44ع مكررة ،بل أن يكون محل الإخفاء هو ثمرة الجريمة ،سواء أكانت هي الشيء المتحصل منها بذاته أو ثمنه أم شيء مشترى بمال متحصل من جناية أو جنحة أم مستبدل به .كعملة كبيرة صرفت إلى عملة صغيرة أو بالعكس، أو حتى بالحلوان الذي تحصل عليه الجاني من رد الشيء إلى صاحبه بعد أخذه منه بطريق الجريمة. أو كمال متحصل عليه من جريمة اختلاس أموال أميرية إذا بنيت به عمارة باسم زوجة المتهم المختلس وهي تعلم بمصدر هذا المال فإنها قد تعتبر مخفية لهذا المال وهو منقول ولا ينبغي أن يقال أن الإخفاء لا يتحقق عندئذ لعدم إمكان وقوعه على عقار. وقد خرجت الأشياء المتحصلة من المخالفات كإخفاء الثمن المتحصل من بيع طعام فاسد عن جهل بحقيقته.
ومن الواضح أنه إذا لم يكن الشيء متحصلا من جناية أو جنحة فلا عقاب على حيازته ،حتى ولو تحصل عن غلط من المسلٌم أو تدليس من المستلم . ومن الواضح كذلك أنه لا عقاب على من يحوز شيئا حتى ولو اعتقد عن غلط أنه متحصل من جناية أو جنحة ولم يكن الأمر كذلك،كما لو كان قد اشتراه رخيصا على اعتبار أنه مسروق ،وكان في حقيقته لا يقوّم بأكثر من الثمن الذي اشتراه به . وعندئذ تتحقق حالة استحالة مطلقة لفقدان محل الجريمة ،وفي نفس الوقت قانونية لفقدان عنصر من عناصرها المطلوبة .
ولا تظل جريمة الإخفاء قائمة إلا إذا ظل الفعل نفسه الذي تحصلت الأشياء المخفاة عن طريقة معدودا جريمة .فإذا صدر عفوا شاملا عن الجريمة نفسها فهو ينصرف إلى لإخفاء الأشياء المتحصلة منها أيضا،لأن العفو الشامل يزيل الصفة الإجرامية عن الفعل نفسه بأثر رجعي فيصبح كما لو كان مباحا من مبدأ الأمر" .
عنصر النية أو القصد الجنائي :
أما ثالث عنصر أو ركن من أركان قيام جريمة إخفاء أشياء مختلسة أو مبددة أو متحصلة من جناية أو جنحة فهو عنصر النية أو القصد ألجرمي ، ولما كانت جريمة إخفاء الأشياء أو الأموال المتحصلة من الجناية أو الجنحة جريمة مستقلة و منفصلة عن الجريمة التي تحصلت أو نتجت عنها الأشياء محل الإخفاء، و أنها جريمة من الجرائم العمدية فان القصد أو النية الجرمية ستتحقق بمجرد أن يثبت أن المخفي يعلم أن ما يخفيه متحصل من الوقائع الجرمية أو مختلس أو مبدد ، و لا عبرة لما إذا كان المخفي يعرف أو لا يعرف الجاني أو الجانح ، و لا عبرة بمعرفة أو عدم معرفة زمان أو مكان وقوع الجناية أو الجنحة مصدر الأموال أو الأشياء المخفاة.
لذلك فإذا توفرت هذه العناصر الثلاثة ، عنصر الفعل المادي المتمثل في استلام وحيازة الشيء أو المال محل الجريمة ، و عنصر العلم بان هذا الشيء متحصل من جناية أو جنحة ، و عنصر توجه نية المخفي و قصده إلى تعمد إخفاء ذلك الشيء المتحصل من الجناية أو الجنحة رغم علمه باختلاسه فان أركان قيام جريمة الإخفاء تكون قد اكتملت، وأن هذه الجريمة تكون قد تحققت و استوجبت الإدانة و العقاب.
إلا أنه على غرار المشرع الجزائري نص المشرع المصري في هذا الركن على:" إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة جريمة عمدية، فهي تتطلب توافر القصد الجنائي العام أي انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها كما يتطلبها القانون، وتوافر القصد العام يتطلب أن يعلم المخفي بأن ما يخفيه متحصل من جناية أو جنحة،ويستوي أن يعلم بذلك عند بدء الحيازة أم بعد بدئها بفترة طالت أم قصرت،طالما لم يتخل الحائز عن حيازته الشيء فور علمه بمصدره. ولا يلزم العلم بنوع الجناية أو الجنحة،ولا بأسماء فاعليها أو المجني عليهم فيها،ولا بمكان وقوعها أو بتاريخها،بعد إذ صار الإخفاء جريمة مستقاة لا اشتراكا في جريمة .ولا يلزم في الإخفاء أن يتوافر أي قصد خاص لدى المخفي مثل نية تملك الشيء أو نية الإضرار بصاحبه أو بالغير.
إثبات القصد :
إثبات علم المخفي بمصدر الأشياء التي يخفيها هو عادة موطن الصعوبة الحقيقية في إثبات هذه الجريمة،وهو أمر موضوعي كثيرا ما تتعذر إقامة الدليل عليه،على أنه قد تساعد على ذلك قرائن الأحوال المختلفة.
وأكثر القرائن شيوعا في هذا النطاق هي قرائن ثمن الشراء. فمن الجلي أنه إذا كان ثمن السلعة المشتراة يقل كثيرا عن ثمن المثل كان ذلك أدل على علم المشتري بمصدرها .على أنه ينبغي كثير من التحفظ في الأخذ بهذه القرينة،فقد تتفاوت أثمان السلع ـ ولو تماثلت ـ تفاوتا كبيرا طبقا لحالة السلعة ونوعها ووقت شرائها وظروف البائع والمشتري وحالة السوق بوجه عام.
وقد تساعد الملابسات الأخرى للصفقة في إثبات العلم،ومن ذلك وقت إبرامها ومكانه،وصفة البائع من ناحية كونه تاجرا أم لا،ومن ناحية صلته بالتعامل في مثل الشيء المبيع،وكذلك مدى صلته بالمشتري . وفي الجملة يكون علم المستلم بمصدر الشيء المخفي أكثر وضوحا بقدر ضعف مبررات الثقة فيمن تلقى عنه الحيازة . وقد يكون عجز الحائز عن إثبات مصدر الشيء الذي يحوزه بطريقة مقبولة قرينة لها قيمتها في إثبات علمه بالجريمة ،ومثلها كيفية الاحتفاظ بالشيء ومكان وضعه،وتصرف الجاني وقت البحث عنه ،مثل تعمد الجاني نقله من مكان إلى مكان آخر عندما شعر بانكشاف أمره .
وإذا لم يثبت علم حائز الشيء بمصدره بطريقة قاطعة فلا تقوم الجريمة حتى ولو كانت ظروف الحصول عليه من شأنها أن توقظ الشك في نفسه عن عدم مشروعية مصدره، وتوجب عليه التحري عن هذا المصدر. لذا فإن هناك شرائع أجنبية قليلة تعاقب على شراء سلعة متحصلة من جريمة في ظروف مريبة قد تبعث على الشك وتقتضي التحري عن مصدرها بوصفه جريمة قائمة بذاتها ومستقلة عن جريمة الإخفاء. ومن ذلك المادة 712 من قانون العقوبات الإيطالي والمادة 144 من قانون العقوبات السويسري .
إلا أن التوسع في العقاب على هذا النحو أمر غامض الحدود، وقد لا يخلو من خطر الحد من حرية التعامل لما يلقيه على المشتري من عبء التحري والبحث عن مصدر الشيء الذي يشتريه عندما يلاحظ مثلا رخص ثمنه،أو يمتنع عن شرائه كلية و إلا وقع تحت طائلة العقاب ،وهو ليس بالأمر الذي يسهل قبوله عملا" .
شروط إمكانية متابعة جريمة الإخفاء :
إذا كان من المعروف بداهة أن ممثل النيابة العامة على مستوى المحكمة هو القاضي الوحيد المخول قانونا سلطة تحريك و ممارسة الدعوى الجزائية بناء على شكوى أو من تلقاء نفسه و تقديمها إلى الجهات القضائية المختصة للتحقيق بشأنها ، والفصل في موضوعها دون أي قيد أو شرط ، تطبيقا لنص المادة 35 و المادة 36 من قانون الإجراءات الجزائية فان هناك بعض الجرائم قيد فيها القانون سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى ، و اشترط أن يتوفر قبل الشروع في المتابعة بشأنها إما شرط الشكاية المسبقة من الضحية المضرور مثل جريمة الزنا ، و جريمة السرقة بين الأقارب ، وجريمة خيانة الأمانة وإما شرط الطلب المسبق.
و في هذا الإطار نصت المادة 369 نجد أنها تنص على انه لا يجوز اتخاذ الإجراءات الجزائية بشان جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من الجناية أو الجنحة التي تقع بين الأقارب و الحواشي ، و الأصهار لغاية الدرجة الرابعة إلا بناء على تقديم شكوى من الشخص المضرور، و التنازل عن الشكوى يضع حدا لهذه الإجراءات ، ونستنتج من المادة 368 و ما قبلها انه حتى وان كان قد توفر شرط الشكوى من المضرور ، وزال هذا القيد على النيابة العامة في تحريك الدعوى الجزائية ثم قدمت الدعوى إلى المحكمة للفصل فيها فان المحكمة لا يجوز لها أن تقضي بمعاقبة المتهم الذي تتوفر فيه إحدى الأوصاف المذكورة في هذه المادة ، وإنما يمكن أن تحكم بإدانته بالجريمة المنسوبة إليه ، وهي هنا جنحة إخفاء الأشياء المتحصلة من الجناية أو الجنحة محل المتابعة ، ثم تحكم بإعفائه من العقاب و تفصل في الدعوى المدنية إن وجدت تطبيقا لنص الفقرة الأولى من المادة 368 .
و خلاصة الكلام في هذا المجال هو انه لا يجوز للنيابة العامة على مستوى المحكمة أن تشرع في تحريك أو ممارسة الدعوى الجزائية المتعلقة بإخفاء الأشياء المحصلة من جناية أو جنحة الواقعة من المتهم على احد أقاربه أو أصهاره أو حواشيه ممن ورد ذكرهم في المادة 368 من قانون العقوبات إلا بعد أن يكون قد توفر لديه شرط تقديم شكاية مسبقة من الضحية أي الشخص المضرور ، إما أن فعلت ذلك وقامت بإجراءات المتابعة دون مراعاة تحقيق أو توفر هذا الشرط ، سهوا أو جهلا، أو عمدا، فإنها ستكون قد خالفت القانون ، و خرقت إجراء من الإجراءات الجوهرية، مما يسمح للمحكمة الناضرة في الدعوى أن تحكم بعد قبول الدعوى الجزائية شكلا لعدم توفر شرط الشكوى.
أما إذا حصلت جريمة إخفاء الأشياء المحصلة من الجناية أو الجنحة، و توفر لممثل النيابة العامة شرط تقديم شكوى من الشخص المضرور أو من ممثله القانوني ثم قدم الدعوى إلى المحكمة المختصة للفصل فيها، فان ذلك يكون إجراءا صحيحا ، لكن رغم ذلك لا يجوز للمحكمة عند اقتناعها بإثبات الوقائع الجرمية أن تحكم بتسليط العقاب على المتهم، إنما يصبح من واجبها في مثل هذه الحال أن تحكم بإدانته بالوقائع الجرمية المنسوبة إليه و المتمثلة في وقائع جنحة إخفاء أشياء متحصلة من جناية أو جنحة ثم تقضي بإعفائه من العقاب بحكم القانون، وان كانت هناك دعوى مدنية تبعية مرفوعة من الضحية باعتباره طرفا مدنيا يلتمس الحكم له بتعويض عما أصابه من ضرر مادي أو معنوي فانه يجب على المحكمة التي قضت بإدانته و إعفائه من العقاب أن تحكم للمدعي المدني بما يستحق أن تعطيه آو تحرمه، ولا يجوز لها إذا قضت بإعفاء المتهم من العقاب أن تقضي بعدم الاختصاص في الدعوى المدنية ، كما لا يجوز لها أن تحكم بحفظ حقوق المدعي المدني إذا سبق و تأسس كطرف مدني وفقا للقانون وطلب مبلغ محددا.
وفقا لما رآه المشرع الجزائري، رأى المشرع المصري فيما يخص مرتكب الجريمة:" لا يعد مخفيا الأشياء المتحصلة منها حيث أن القاعدة السائدة هي أن مرتكب الجريمة لا يعد مخفيا الأشياء المتحصلة منها ،وذلك سواء أكان سارقا أم محتالا أم خائنا الأمانة أم مرتكبا أية جريمة كانت،لأن حيازة هذه الأشياء لفترة طالت أم قصرت أثر حتمي من آثار جريمة الحصول عليها.وكذلك مخفي الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة لا يمكن أن يعاقب على أنه مرتكب جريمة الحصول عليها إذا ثبت ذلك في حقه بعد صـدور الحكم النهائي عليه بالإدانة عن الإخفاء، لأن حجية الشيء المقضي به تحول دون ذلك .وذلك كله لأن إخفاء الأشياء المتحصلة من جريمة أمر مستقل بذاته ومنفصل تماما عن ارتكاب هذه الجريمة بأركانه وطبيعته القانونية .
ومن ثم فإن تعدد وقائع الجريمة التي عن طريقها تم الحصول عن الأشياء المخفاة لا يقتضي حتما تعدد وقائع إخفاء الأشياء المتحصلة عنها ،بل يجوز أن يكون فعل الإخفاء واحدا حتى لو كان موضوعه أشياء عديدة متحصلة من جرائم متعددة . فإذا أوقعت المحكمة في هذه الحالة على المخفي عقوبات متعددة كان حكمها معيبا متى توافرت وحدة الغرض مع الارتباط الذي لا يقبل التجزئة على مقتضى المادة 32/2 عقوبات .
على أنه قد يحصل أن تضبط أشياء مع شخص آخر وتكفي القرائن القائمة للاقتناع بأنها مسروقة من آخر ،وأنه يعلم بذلك،مثل ضبط جهاز علمي أو ملابس سهرة عند حائز لا صلة له بهذه الأشياء ،عاجز عن إثبات مصدرها بطريقة مقبولة .وقد جرى الرأي على القول في مثل هذه الأحوال بأنه إذا لم تقم الأدلة الكافية على أن الحائز هو نفسه السارق جاز أن يعد مخفيا لتوافر أركان الإخفاء في مجرد حيازة الشيء مع العلم بمصدره ،باعتبار أن الإخفاء هو القدر المتيقن في الواقعة .
ومن ذلك ما قضى به من أنه إذا كانت التهمة المرفوعة بها الدعوى على المتهم هي السرقة ورأت المحكمة عدم ثبوتها في حقه ،وأن الواقعة تتضمن مع ذلك اتصاله بالأشياء المسروقة وعلمه بسرقتها ،فإن للمحكمة أن تدينه على إخفائها ،دون أن يعد ذلك خطأ منها.
ويجـري ذلك في إطار القاعدة العامة التي نصت عليها المادة 308 إجراءات وتجيز للمحكمة " أن تغير في حكمها الوصف القانوني للفعل المسند للمتهم . ولها تعديل التهمة في تعديل الظروف المشددة التي تثبت من التحقيق أو من المرافعة في الجلسة ،ولو كانت لم تذكر بأمر الإحالة أو التكليف بالحضور .."
ويلاحظ أن حيازة المتهم الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة يتناولها عادة التحقيق والمرافعة في واقعة ارتكاب هذه الجناية أو الجنحة بوصفها من ضمن الأدلة التي قد تساق لإثبات ارتكابه إياها . أما بالنسبة لجريمة إخفائها فالحيازة تعد ركنا فيها كما رأينا ،لا مجرد دليل عليها .وعلى ذلك فإنه عند تغيير وصف الواقعة من جريمة سرقة مثلا إلى جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من هذه السرقة لا تلتزم المحكمة بتنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى ما أجرته من تغيير الوصف متى كانت واقعة السرقة تتضمن واقعة الإخفاء . وبحث النظرية العامة في هذا الموضوع يتبع دراسة الإجراءات الجنائية" .
بالإضافة إلى كل ذلك تحدث القانون المصري:" عن استرداد الشيء المخفي من الحائز الحسن النية بأنه يثير استرداد الشيء المخفي من عند حائزه عدة أمور إذا كان هذا الحائز حسن النية. وأولها أن الحيازة في المنقول بحسن نية سند الملكية ،وهو ما نصت عليه المادة 976 من التقنين المدني عندما قالت :
1 ـ من حاز بسبب صحيح منقولا أو حقا عينيا على منقول أو سند على حامله فإنه يصبح مالكا له إذا كان حسن النية وقت حيازته .
2 ـ فإذا كان حسن النية وللسبب الصحيح قد توافر لدى الحائز في اعتباره الشيء خاليا من التكاليف والقيود العينية فإنه يكسب الملكية خالصة منها .
3 ـ والحيازة في ذاتها قرينة على وجود السبب الصحيح وحسن النية ما لم يقم الدليل على عكس ذلك.
فالأصل أن الحيازة تعتبر سندا لملكية المنقولات وقرينة على وجود السبب الصحيح وحسن النية ما لم يقم الدليل على عكس ذلك ،أما بالنسبة إلى حالة الشيء المسروق أو الضائع فإن الحكم ـ على ما لاحظته محكمة النقض ـ يختلف إذا وازن الشارع بين مصلحة المالك الذي جرد من الحيازة على رغم إرادته ،وبين مصلحة الحائز الذي تلقى هذه الحيازة من السارق أو العاثر على الشيء المفقود ،ورأى فيما نص عليه في المادة 988 من القانون المدني أن مصلحة المالك أولى بالرعاية من مصلحة الحائز .
وهذه المادة 988 من التقنين المدني تقضي بأنه :
1ـ يجوز لمالك المنقول أو السند لحامله إذا فقده أو سرق منه أن يسترده ممن يكون حائز له عن حسن نية وذلك خلال ثلاثة سنوات من وقت الضياع أو السرقة .
2 ـ فإذا كان من يوجد الشيء المسروق أو الضائع في حيازته قد اشتراه بحسن نية في سوق أو مزاد علني أو اشتراه ممن يتجر في مثله فإن له أن يطلب ممن يسترد هذا الشيء أن يعجل له الثمن الذي دفعه ".
ويشترط في الشخص الذي يتجر في مثل الشيء المسروق أو الضائع في معنى الفقرة الثانية من هذه المادة أن يتجر فيه حقيقة ،ولا يكفي أن يظهر البائع بمظهر التاجر ،أو أن يعتقد المشتري بأنه يتعامل مع تاجر ،وتقدير الاحتراف بالتجارة أو الاتجار بمثل الشيء المسروق أو الضائع مسألة يترك الفصل فيها لمحكمة الموضوع .
وينبغي أيضا في هذا الشأن مراعاة ما تنص عليه المواد 101 إلى 109 من قانون للإجراءات في شأن التصرف في الأشياء المضبوطة، وبوجه خاص ما تقضي به المادة 102 من أنه " يكون رد الأشياء المضبوطة إلى من كانت في حيازته وقت ضبطها . وإذا كانت المضبوطات من الأشياء التي وقعت عليها الجريمة أو المتحصلة منها يكون ردها على من فقد حيازتها بالجريمة ،ما لم يكن لمن ضبطت معه حق في حبسها بمقتضى القانون ".
فالرد بحسب الأصل يكون إلى المجني عليه في جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة . أما حبسها فهو حق استثنائي لا يكون إلا عند توافر شروطه بحسب المادة 976 من التقنين المدني . وبعد تعجيل الثمن إلى من يكون قد اشتراه بحسن نية ،أو ممن يتجر في مثله فعلا طبقا للمادة 988 من نفس التقنين .
وقد نصت المادة 108 إجراءات أيضا على أن الأشياء المضبوطة التي لا يطلبها أصحابها في ميعاد ثلاث سنوات من تاريخ انتهاء الدعوى تصبح ملكا للحكومة بغير حاجة إلى حكم يصدر بذلك. وميعاد السنوات الثلاث المبين في هذه المادة هو نفس الميعاد الذي حددته المادة 988 من التقنين المدني .
وطبقا للمادة 109 إجراءات إذا كان الشيء المضبوط مما يتلف بمرور الزمن أو يستلزم نفقات تستغرق قيمته جاز أن يؤمر ببيعه بطريق المزاد العام متى سمحت بذلك مقتضيات التحقيق.وفي هذه الحالة يكون لصاحب الحق فيه أن يطالب في الميعاد المبين في المادة السابقة بالثمن الذي يبع به".
الاشتراك و الشروع في جريمة الإخفاء:
من خلال قراءة المادة 42 من قانون العقوبات نجد أنها تنص على انه يعتبر شريكا في الجريمة من لم يساهم في ارتكابها مباشرة ولكن ساعد بكل الوسائل أو عاون الفاعل على الأعمال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك.
لذلك يمكن القول بأنه يصح الاستناد إلى القواعد العامة للاشتراك في أية جريمة، وانه يمكن أن نطبق على الاشتراك في جريمة إخفاء الأشياء المحصلة من الجناية أو جنحة بمثل ما يطبق على غيرها من الجرائم العادية ، وبناء عليه فان كل من يضع مكانا تحت تصرف المتهم ليضع فيه الأشياء المختلسة أو المبددة أو يضع سيارة تحت تصرف المخفي لنقل هذه الأشياء من مكان تواجدها غالى مكان إخفائها ، وان من يحرض المخفي على القيام بعملية الإخفاء أو يشجعه عليه يعتبر شريكا في جريمة إخفاء أشياء متحصلة من جناية أو جنحة ويعاقب على ذلك متى كان يعلم إن ما يقوم به من إخفاء إنما هو عمل مكمل للجريمة الأصلية ، وانه إنما يقوم بإخفاء أشياء متحصلة من جريمة جناية أو جنحة.
ومن خلال قراءة المادتين 30 و31 من قانون العقوبات نجد أن الأولى تنص على أن الشروع في ارتكاب جريمة الجناية يعتبر كالجناية نفسها ونجد أن الثانية تنص على أن الشروع في ارتكاب جريمة الجنحة لا يعاقب عليه إلا بالاستناد إلى نص خاص في القانون، ولكن من خلال قراءة المادة 387 عقوبات نجد إنها قررت عقوبة لجرية الإخفاء، ولكن لا نجد أنها تنص على المعاقبة على الشروع في ارتكاب جنحة إخفاء الأشياء المتحصلة عن الجناية أو الجنحة، واكتفت بالنص على العقوبة المقررة للجريمة التامة دون النص على الشروع ، وذلك ربما لاعتقاد المشرع الجزائري أن مثل هذه الجريمة لا تتكون إلا تامة، وليس بها أية وقائع أو أعمال يمكن اعتبارها شروعا مثل هذه الجريمة.
وخلاصة القول في هذا المجال هو انه ما دام لم يرد النص في قانون العقوبات على إمكانية أو وجوب العقاب على الشروع في جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة كما هو منصوص عليها بالمادة 387 فان الأمر مرجعه تطبيق القواعد العامة و لاسيما القواعد التي تضمنتها المادتين 30 و31 عقوبات.
وعليه فان كانت جريمة الإخفاء تكون جنة فلا عقاب على الشروع فيها أما إذا كانت تكون جناية فالشروع يكون معاقبا عليه طبقا لنص المادة 30 عقوبات إذا توفرت شروطها، وأما بالنسبة إلى الاشتراك في جريمة الإخفاء فانه يخضع إلى تطبيق القواعد العامة لان من يقوم بتشجيع المخفي على القيام بعملية الإخفاء كان يقوم بمساعدته عليه وتسهيله له وهو على علم بما يفعله حتما يعتبر كأنه شريك للفاعل الأصلي لجريمة الإخفاء و يعاقب على فعله .
أما القانون المصري يرى:" على عقاب الشروع في جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة .فطبقا للقواعد العامة إذا كان الإخفاء التام جنحة فالشروع فيه يفلت من العقـاب، أمـا إذا كان جناية فالشروع فيه يكون معاقبا عليه طبقا لنص المادة 46 ع.
ويعاقب الجاني متى أتى أفعالا تؤدي حالا ومباشرة إلى ارتكاب جناية إخفاء، وتفصح عن عزمه النهائي على المضي في سبيلها ،بوصف ذلك شروعا فيها ،أما ما يسبقها فيعد أفعالا تحضيرية لا عقاب عليها .
وفي الواقع أن الأفعال التحضيرية في الإخفاء قليلة بل نادرة بالنظر إلى اتساع مدلول الإخفاء.
ومنها مثلا شراء السلعة مع إرجاع تسلمها إلى تاريخ آخر ،وإعداد مكان لوضعها فيه . أما ضبط السلعة المسروقة في طريق نقلها إلى منزل مشتر يعلم مصدرها ،وقبيل أن يتسلمها هذا الأخير مباشرة ،فيصح أن يعد شروعا في إخفائها ،وبتسلمها بالفعل تتم الجريمة ولو ضبطت الأشياء المسروقة في طريق نقلها إلى مخزن من تسلمها أو منزله .
لذا قضى بأنه يكفي أن يقوم الدليل في جريمة إخفاء الأشياء المسروقة على شرائها بنية التملك والاختصاص . فإذا دلل الحكم على أن المتهم قد اشترى القطن المضبوط من الفاعلين الأصليين في جريمة السرقة ،وأن هذا القطن وهو في طريقه إلى متجر المتهم محملا على عربة نقل يلاحظها ابن المتهم وبتكليف منه ،فتكون هذه الأقطان المسروقة قد دخلت في حيازة المتهم ووضع يده عليها ـ ولو لم تصل إلى متجره فعلا ـ ويكون الركن المادي للجريمة قد ثبت في حقه ولا محل للقول بعدم توافره .
كما قضى بأنه متى كان الحكم قد استظهر أن المتهمين من الثاني إلى الرابع قد حضروا إلى منزل المتهم الأول في الساعة الثالثة من صباح يوم الحادث لشراء الأسلاك التليفونية المسروقة وأن هذه الأسلاك قد ضبطت بعد أن تم نقلها بمعرفة المتهمين إلى السيارة التي كانت تنتظرهم خارج المنزل ،فإنه يكون قد استظهر أن المتهمين قد اتصلت أيديهم اتصالا ماديا بالمضبوطات المسروقة وأنهم أخفوها في السيارة وهو ما يكفي ليتحقق به ركن الإخفاء في حقهم ،إذ يكفي مجرد تسلم المسروقات لتوافره ،ولا يشترط أن يكون احتجازهم لها بنية تملكها .
ويخضع الاشتراك في الإخفاء في حكم القواعد العامة كذلك ،وكل من يحوز السلعة المتحصلة من جناية أو جنحة فترة من الوقت يعد فاعلا أصليا في الجريمة . أما من يتفق مع المخفي دون أن يدخل في أفعال الإخفاء أو يحرضه على ذلك ،أو يساعده بأن يقدم له مثلا مكانا للإخفاء أو عربة لنقل الأشياء مع علمه بمصدرها ،فيعد شريكا له بالاتفاق أو التحريض أو المساعدة بحسب الأحوال .
ومجرد العلم بمكان الأشياء المخفاة أو التستر على المخفي فكما لا يعد إخفاء لا يعد اشتراكا فيه ،فلا يكفي فيه اتخاذ موقف سلبي بحت بحسب السائد" .
عقوبة جريمة الإخفاء وظروف تشديدها:
من خلال الاطلاع على نص المادة 387 والمادة 388 من قانون العقوبات نجد أن المشرع الجزائري قد قرر لجريمة إخفاء الأشياء المختلسة أو المبددة أو المتحصلة من جناية أو جنحة ثلاث أصناف من العقوبات البدنية أو المالية، تتمثل في عقوبة عادية وعقوبة تشدد به وعقوبة إضافية.
لقد قرر عقوبة عادية للمتهم الذي تثبتت أدانته بارتكاب جريمة إخفاء الأشياء المختلسة أو المبددة والمحصلة من الجناية أو الجنحة هي عقوبة الجنحة وتتراوح مابين سنة على الأقل وخمسة سنوات حبسا على الأكثر وبغرامة مالية مابين خمسمائة 500 إلى عشرين ألف 20.000 دينار جزائري .
وقرر عقوبة تشديدية تساوي عقوبة الجناية كلما كانت العقوبة المطبقة على الوقائع الجرمية التي تحصلت أو نتجت عنها الأشياء المخفاة هي عقوبة جناية بحيث يعاقب المخفي بنفس العقوبة التي يقررها القانون للجناية وللظروف التي كان يعلم بها وقت الإخفاء، لكن إذا كانت العقوبة المقررة قانونا للفاعل الأصلي هي الإعدام فان عقوبة المخفي للأشياء المحصلة من هذه الجناية تستبدل بعقوبة السجن المؤبد.
كما قرر للمتهم الذي ثبتت أدانته بجريمة إخفاء الأشياء المحصلة من جناية أو جنحة عقوبة اظافية تضمنتها الفقرة الثانية من نص المادة 387 من قانون العقوبات التي نصت على انه يجوز أن تجاوز الغرامة المحكوم بها العشرين ألف دينار حتى تصل إلى ضعف قيمة الأشياء المخفاة ، كما يجوز علاوة على ذلك أن يحكم على المخفي بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 14 عقوبات لمدة سنة على الأقل وخمسة سنوات على الأكثر.
على ضوء ما ذكر آنفا فان المشرع المصري قد قرر بأن تكون عقوب
* المقدمة
* المبحث الأول: ماهية جريمة الإخفاء.
• المطلب الأول:تعريف الجريمة.
• الفرع الأول: تعريفها حسب المشرع الجزائري.
• الفرع الثاني: تعريفها حسب المشرع المصري.
• المطلب الثاني: أركان الجريمة.
• الفرع الأول:أركانها في نظر القانون الجزائري.
• الفرع الثاني: أركانها كما عرفها القانون المصري.
* المبحث الثاني: النتائج المترتبة عن قيام الجريمة.
• المطلب الأول: شروط إمكانية متابعة جريمة الإخفاء.
• المطلب الثاني: الاشتراك والشروع في جريمة الإخفاء.
• المطلب الثالث: تسبيب حكم إدانة جريمة الإخفاء.
* المبحث الثالث: العقوبات المقررة .
• المطلب الأول: العقوبات الواردة في ق/ع الجزائري.
• المطلب الثاني: العقوبات الواردة في قانون الفساد.
• المطلب الثالث: العقوبات المقررة في القانون المصري.
الخاتمة
الـمــراجـــــع
1/- أحمد صبري أحمد، شرح قانون العقوبات المصري.
2/- بوسقيعة أحسن، الوجيز في القانون الجنائي الخاص.
3/- عبد العزيز أسعد، كتاب جرائم الاعتداء على الأموال العامة والخاصة.
4/- قانون العقوبات الجزائري المعدل والمتمم.
5/- قانون العقوبات المصري.
المـقـدمـة
إن من بين الجرائم التي صنفها قانون العقوبات الجزائري ضمن جرائم الاعتداء على المال هي جريمة أو جنحة إخفاء الأشياء و الأموال المتحصلة أو الناتجة من جناية أو جنحة ، وهي جريمة منحها المشرع الجزائري اهتماما خاصا لاسيما فيما يتعلق بشروط ممارسة إجراءات الدعوى العامة بشأنها.
والإعفاء من العقاب عليها وظروف تشديد عقوبتها وهو ما يتطلب منا أن نتحدث عنها بشيء من التفصيل والوضوح و بقليل من الإيجاز والاختصار، وذلك راجع لعدم ووجود العديد من المراجع التي تتطرق لهذا الشأن ولذلك عمدنا في هذا الموضوع لشرح لكل ما جاء به المشرع الجزائري بالإضافة التطرق إلى كل ما جاء به كذلك القانون المصري فيما يخص جريمة الإخفاء.
تعريف للجريمة من نظر القانون الجزائري والمصري:
كانت المادة 29 من قانون العقوبات لسنة 1883 تعتبر إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة صورة خاصة من صور الاشتراك اللاحق في تلك الجناية أو الجنحة . إذا كان نصها كالآتي :" كل من أخفى كل أو بعض الأشياء المسلوبة أو المختلسة أو المأخوذة بواسطة ارتكاب جناية أو جنحة يعد مشاركا لفاعل تلك الجناية ويعاقب بمثل العقوبة التي يحكم عليه بها إن كان يعلم ذلك " .. وكان هذا النص مقتبسا من المادتين 62 ، 63 من قانون العقوبات الفرنسي الصادر في سنة 1810 .
واعتبار المخفي شريكا للسارق أمر شاذ يخالف قاعدة أساسية في المساهمة الجنائية ، هي ضرورة قيام اتفاق سابق بين الجناة على ارتكاب الجريمة أو بالأقل تفاهم فيما بينهم عليها ، حيث أن جريمة الإخفاء لا تتطلب حصول هذا الاتفاق و لا تفاهم ، وما قد يقتضيه من تحريض أو مساعدة في ارتكاب الفعل الأصلي . وإذا تحقق أمر من ذلك وجب اعتبار الجاني مشتركا في الجريمة سواء أصدر منه فعل الإخفاء أو لم يصدر . وكذلك ينبغي في الاشتراك دائما أن يكون في أفعال سابقة على الفعل الأصلي أو بالأقل معاصرة له، حين أن الإخفاء يكون دائما لاحقا له . وشأن إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة شأن إخفاء الجانين الهاربين من وجه العدالة ، والذين كان القانون على الدوام ـ ولا يزال ـ يعتبر مقترفيه مرتكبي جرائم خاصة لا شركاء في جرائم من أخفوهم .
وقد كان هذا الوضع الاستثنائي الشاذ مثار انتقاد سواء في مصر أم في فرنسا . ولذا غيّره تشريعنا الصادر في سنة 1904 فنص في المادة 279 منه على عقاب إخفاء الأشياء المسروقة بوصفه جريمة قائمة بذاتها لا اشتراكا في السرقة ، واستبعد لغير علة مفهومة إخفاء الأشياء المتحصلة من الجرائم الأخرى كالنصب وخيانة الأمانة وغيرهما ، ولعله افترض فيمن يخفي الأشياء المتحصلة منها عدم إمكانه العلم بمصدرها .
وعندما وضع تشريعنا الحالي في سنة 1937 ضل نص المادة 279 على ما هو عليه بعد أن صار نصا للمادة 322 منه . وفي 15 جوان 1947 صدر قانون ألغى هذه المادة الأخيرة وأحل محلها المادة 44 ع مكررة التي تعاقب على إخفاء الأشياء المتحصلة من وهكذا مرت هذه الجريمة بتطورات أساسية : فمن صورة خاصة منقطعة النظير لاشتراك في الجريمة لاحق لوقوعها ، إلى جريمة مستقلة تعاقب على إخفاء الأشياء المسروقة فحسب دون الأشياء المتحصلة من جرائم أخرى ، إلى أن أخذت شكلها الأخير بوصفها جريمة مستقلة تعاقب على إخفاء الأشياء المتحصلة من السرقة ، أو من الجنايات والجنح الأخرى أيا كان نوعها .
وانقلاب فعل الإخفاء من صورة خاصة للاشتراك في الجريمة الأصلية إلى جريمة مستقلة قائمة بذاتها اعتبار يسبغ على بحث هذه الجريمة أهمية خاصة من الوجهة القانونية . فهو يكشف لنا عن مدى الفروق في النتائج العملية التي قد تترتب على تكييف الفعل على نحو دون آخر ، وأهمها :
أولا : أن عقوبة من أخفى الأشياء المتحصلة من جناية إلى جنحة كانت تتوقف على نوع الجناية أو الجنحة التي كانت مصدر تلك الأشياء وعلى العقوبة المقررة لها ، حتى ولو كان المخفي يجهل طبيعة ما أحاط بها من ظروف. إذ من المعلوم أن الظروف العينية يسري أثرها في التشديد على جميع المساهمين في الجريمة سواء أكانوا فاعلين أصليين أم مجرد شركاء ، وسواء أعلموا بها أم لم يعلموا ، أما الآن فهو لا يتأثر بها إلا إذا كان علم بصريح نص المادة 44 ع .
ثانيا : كانت الدعوة العمومية عن الإخفاء تسقط بسقوط الدعوى العمومية عن الفعل الأصلي.
إذ أن القاعدة في تجريم فعل الشريك هي وجوب ارتباطه بفعل أصلي معاقب عليه ، ويضل معاقب عليه إلى وقت تحريك الدعوى الجنائية قبل الشريك . وذلك مع أن الإخفاء حالة مستمرة لا ينبغي أن يبدأ سريان مدة سقوط الدعوى بالنسبة لها إلا من وقت انقطاعها.
ثالثا : أن حجية الشيء المقضي به كانت تحول دون إعادة محاكمة المخفي حتى ولو استمر حائزا المال بعد الإدانة ، إذ كان يستفيد من قاعدة عدم جواز إعادة محاكمة مرتكب الجريمة ولو استمر حائزا المال المتحصل منها، بوصف ذلك لا يعدو أن يكون استمرار لأثر من آثار الواقعة التي سبق أن عوقب عنها . أما الآن فليس ثمة مانع من إعادة محتكمة المخفي عن حالة الإخفاء اللاحقة للحكم ، كما هي القاعدة في شأن الجرائم المستمرة استمرارا متجددا.
رابعا : أن فعل الإخفاء كان ينبغي أن يخضع كقاعدة عامة لقانون البلد التي وقعت فيه الجريمة الأصلية ـ ولمحاكمها ـ بوصفه اشتراكا فيها ، عملا بقاعدة إقليمية القوانين الجنائية.أما الآن فإن فعل الإخفاء ينبغي أن يخضع لقانون البلد الذي وقع فيه ـ ولمحاكمها ـ بصرف النظر عن المكان الذي وقعت فيه جريمة الحصول على الأشياء المخفاة.
خامسا : أنه كان يجوز الحكم فيما يتعلق بالتعويضات المدنية والغرامات النسبية والمصاريف بالتضامن فيما بين مرتكب الجريمة ومخفي الأشياء المتحصلة منها ، وذلك لأن الواقعة المستوجبة المسؤولية كانت تعد مشتركة بين الاثنين . أما بعد اعتبار الإخفاء جريمة مستقلة فلا تضامن في هذه الأمور كقاعدة عامة وإلا في نطاق معين سنعود إلى بيانه فيما بعد .
بعد هذه النظرة العامة إلى لجريمة بقي ان نعالجها في ثلاثة فصول نخصص أولها لأركانها وعقوبتها ، ونخصص ثانيها لبعض ما تثيره من مسائل خاصة ، وثالثها في بيانات حكم الإدانة فيها.
طبيعة الجريمة:
استقر الفقه والقضاة السائدان سواء في مصر أم في فرنسا على أن إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة يعد جريمة مستمرة استمرارا متجددا ، وعلى ذلك تسري عليها كافة الأحكام المتعلقة بهذا النوع من الجرائم . فمثلا تتحقق الجريمة متى استمر المخفي على حيازة الأشياء المخفاة بعد أن اتضح له أنها متحصلة من جناية أو جنحة ولو أم يكن عالما بذلك من قبل . ولا تبدأ مدة سقوط الدعوى إلا من وقت انقطاع حالة الاستمرار بتخلي الحائز عن حيازة الشيء ويستوي في ذلك أن يكون التخلي عنه قد وقع اضطرارا أم اختيارا . وقد حكم في فرنسا أنه إذا قام بإخفاء نفس الشيء مخفون متعاقبون فمدة انقضاء الدعوى العمومية لا تبدأ بالنسبة لهم جميعا إلا من الوقت الذي يتخلى فيه المخفي الأخير عن حيازة الشيء إلى حائز جديد حسن النية ،أو يرجعه إلى صاحبه ، أو حتى يعدمه ،لأن طبيعة الإخفاء كجريمة مستمرة تظهر كل واحد من المخفين المتعاقبين لا كفاعل جريمة مستقلة ،بل كمساهم في جريمة واحدة وقعت تنفيذا لنفس المشروع الإجرامي ولتحقيق نفس الهدف .
وقد تكون مدة سقوط ثلاثة أعوام من ذلك التاريخ أو عشرة طبقا لوصف الواقعة ، وهل هي جناية أم جنحة . وتكون كل محكمة وقعت فيها الاستمرار مختصة بنظر الدعوى. والحكم الصادر فيها بالعقوبة لا يمنع من تجديد الدعوى من جديد إذا ظلت حالة الاستمرار قائمة بالنظر إلى أنه استمرار متجدد كما قلنا وليس من قبيل الاستمرار الثابت. وإذا صدر عفو عن العقوبة فيها فإنه يسري على المرحلة السابقة على صدوره فحسب ،دون اللاحق منها له.
وكان هناك رأي مهجور يقول أن الإخفاء جريمة وقتية تقع بمجرد أخذ الشيء أو تسلمه Réception أما الاحتفاظ به بعد ذلك Conservation فهو أثر حتمي من آثار التسلم ،كما أن احتفاظ السارق بما سرق أثر حتمي من آثار السرقة ،وهذا الاعتراض يرد عليه بأن ما يعاقب عليه القانون في هذه الجريمة ليس هو تسلم الشيء في حد ذاته ،بل النصوص صريحة في أنها تعاقب على الإخفاء Recel ، وهو يتضمن الاحتفاظ بالشيء وحيازته بعد التسلم لمدة طالت أم قصرت كما قلنا . فهو حالة مستمرة وليست واقعة وقتية عابرة ، أما في السرقة فالقانون يعاقب على واقعة وقتية عابرة هي انتزاع حيازة الشيء من المجني عليه ، فلا محل لقياس هذه الجريمة على تلك ، ولذا فلم تأخذ محكمة النقض الفرنسية ، ومعها الفقه السائد ، بهذا الاعتراض ،بل هي تصر دائما على اعتبار الإخفاء جريمة مستمرة .
إلا أن اعتبار الإخفاء جريمة مستمرة أر قد يثير صعوبة خاصة فيما يتعلق بإخفاء الأشياء المثلية التي يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء ، والتي تقدر عادة في التعامل بين الناس بالعدد أو المقاس أو الكيل أو الوزن مثل النقود والغلال . فإذا أخفى المتهم جنيها وسط نقوده الأخرى التي اعتاد أن ينفق منها كل يوم يتعذر بالقول بأن حالة الاستمرار تظل قائمة طالما كان معه أي مبلغ قيمته جنيه. ومثلها إذا أخفى تاجر غلال إردبا من القمح ـ اشتراه وهو يعلم أنه مسروق ـ وسط غلاله الأخرى التي قد يتناولها البيع والشراء بكميات تتجاوز هذا الإردب .
فمثل تلك الحالات يتعذر فيها تحديد لحظة انقطاع لحظة الاستمرار وهو ما دعا محكمة استئناف باريس إلى القول في بعض أحكامها بأن اعتبار الإخفاء جريمة مستمرة متوقف على كون الشيء المخفي معينا بالذات ،أما فيما عدا ذلك فالجريمة وقتية تقع بأخذ الشيء المتحصل من الجريمة .
وهذا الرأي لا يبدو لنا سديدا ،لأن طبيعة الجريمة لا ينبغي أن تتوقف على كون الشيء قيميا أو مثليا ،ولأن اعتبار الشيء من هذا النوع أو ذاك رهن بإرادة الأفراد .وإنا يمكننا القول بصفة عامة بأنه إذا قام المخفي بخلط الأشياء المخفاة بمثلها بحيث يتعذر التعرف على ذاتيتها ،أي أنه جعلها مثلية بالمعنى المطلوب قانونا ،فإن حيازته إياها تصير غامضة ـ طبقا للعبير المدني ـ ولكن الإخفاء يظل مع ذلك قائما مستمرا. وإنما ينقطع إذا تعامل المخفي في مقدار يعادل ذلك الذي كان يخفيه منها بحيث يخرج من حيازته خروجا فعليا ،ولا يلزم أن تخرج كل الكميات المماثلة المختلطة بهذا المقدار سواء منها ما كان يحوزه المخفي قبل الخلط ،أم ما كان سيحوزه لو لم يصدر منه فعل الخلط .
أما إذا احتفظ المخفي بالأشياء المخفاة في حرز مستقل دون أن يخلطها بمثلها فحينئذ تظل قيمية إذ يمكن التعرف على ذاتيتها، وعندئذ لا ينقطع الإخفاء إلا بانقطاع الحيازة كما قلنا. ومن ثم يكون كل أثر للتفرقة بين القيميات والمثليات في الإخفاء ن وهو كيفية تحديد لحظة انقطاع الإخفاء دون أي تأثير في طبيعة الجريمة التي تظل مستمرة على الدوام .
جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من الجريمة:
إن من بين الجرائم التي صنفها قانون العقوبات الجزائري ضمن جرائم الاعتداء على المال هي جريمة أو جنحة إخفاء الأشياء و الأموال المتحصلة أو الناتجة من جناية أو جنحة ، و هي جريمة منحها المشرع الجزائري اهتماما خاصا لاسيما فيما يتعلق بشروط ممارسة إجراءات الدعوى العامة بشأنها ، و الإعفاء من العقاب عليها وظروف تشديد عقوبتها وهو ما يتطلب منا أن نتحدث عنها بشيء من التفصيل و الوضوح و بقليل من الإيجاز و الاختصار و ذلك وفقا للترتيب التالي:
أولا : العناصر المكونة للجريمة:
من خلال قراءة المادة 387 من قانون العقوبات الجزائري نجد أنها تنص على أن كل من أخفى عن علم أشياء محولة ، أو مبددة، أو متحصلة من جناية أو جنحة ، يعاقب بالحبس من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر ،و بغرامة مالية من خمس مئة إلى عشر ألف دج، و من محاولة تحليل هذه المادة بشكل مختصر ومبسط سيتبين لنا أنه لكي يمكن قيام جريمة إخفاء أشياء أو أموال مختلسة أو مبددة أو متحصلة من جناية أو جنحة من جرائم القانون العام يجب أن تتوفر عدة عناصر، وهى العناصر التي سنتحدث عنها فينا يلي :
العنصر المادي المكون للجريمة :
إن العنصر الأول المكون للجريمة و الركن الأساسي لإمكانية قيام واثبات هذه الجريمة يتمثل في الفعل المادي المتعلق بحيازة المتهم للشيء المراد إخفاؤه و إبعاده عن أنظار الناس، حيث انه بمجرد استلام المتهم للمال أو الشيء موضوع الجناية أو الجنحة يتحقق العنصر أو الركن المادي لجريمة الإخفاء.
و لا يهم ما إذا كانت مدة الإخفاء طويلة أو قصيرة ، ويستوي في ذلك أن يكون من سلم الأموال المبددة أو المختلسة إلى المتهم بارتكاب جنحة الإخفاء هو نفسه ذلك الشخص الذي قام بارتكاب فعل الاختلاس أو التبديد و بين أن يكون من قام بالتسليم إلى المخفي هو شخص آخر حسن النية ، و يستوي في ذلك أيضا أن يكون المتهم قد أخفاها إخفاء حقيقيا عن الأنظار أم لا ، هذا وان تخلى الحائز للأشياء المختلسة أو المبددة ، أو المتحصلة من جناية أو جنحة عن الحيازة إلى شخص ثالث لا يعفي من كان حائزا لهذه الأشياء بنية الإخفاء من الإدانة و العقاب بموجب المادة 387 عقوبات.
كما نص المشرع المصري فيما يخص هذا الركن مايلي :" قد يشير ظاهر كلمة الإخفاء recel إلى أ، المقصود هو تخبئة الشيء بوضعه في مكان خفي عن الأبصار بعيد عن متناول الأيدي. ولكن الإخفاء لغة غيره في جريمة الإخفاء ، إذ أن له فيها مدلولا واسعا كل الاتساع ، بحيث يكفي فيه مجرد حيازة الشيء سواء أكانت حيازة قانونية بمعناها الصحيح أم مجرد حيازة ماديةsimple détention matérielle، أو بعبارة أخرى أنه مجرد تسلم الشيء المتحصل من جناية أو جنحة مع العلم بذلك . وبالتالي فإنه لا يشترط فيه الإحراز المادي بل يكفي اتصال الجاني بالأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة وابسطا سلطانه عليها بصورة حقيقية بسبب هذه الحيازة القانونية أو المادية.
وفي هذا الصدد تقول محكمة النقض أن " فعل الإخفاء متحقق بكل اتصال فعلي بالمال المتحصل من الجريمة مهما كان سببه أو الغرض منه ، ومهما كانت ظروف زمانه أو مكانه أو سائر أحواله ".. وبهذا المعنى يتحقق الإخفاء ولو كانت حيازة الشيء علنية غير مستترة ، كمن يرتدي حلة مسروقة ويسير بها في الطريق العام ، أو كمن يشتري الشيء المسروق جهارا نهارا مع علمه بسرقته.
إنما مع ذلك يلزم فيه الاحتفاظ بالشيء ولو لفترة قصيرة ، أو مساعدة الجاني على هذا الاحتفاظ أما مجرد إمساك الشيء أو لمسه بطريقة عابرة بدافع من حب الاستطلاع مثلا مع التخلي عنه على الفور فلا يعد إخفاء ولو كان على علم بمصدره . وإذا كان التسلم بموجب عقد فيستوي أن يكون العقد شراء،أم هبة،أم معارضة،أم إيجار،أم عارية استعمال أو استهلاك أم قرض .إلخ.
وقد أجملت محكمة النفض هذه المعاني مجتمعة في حكم لها عندما قالت أنه " لا يشترط في هذه الجريمة أن يكون الإخفاء في مكان بعيد عن الأنظار وعن متناول الناس، أو أن تكون الحيازة بغير طريق الشراء أو بغير قصد التملك ما دام الجاني حين حاز الأشياء كان عالما بسرقتها ".
ويستوي أن يصدر التسليم فيه عن مرتكب الجريمة الأصلية بنفسه ،أم عن مخفي سابق ،أم عن شخص حسن نية لا يعلم عن الجريمة شيئا ما دام المستلم يعلم بها . ومن يسرق الشيء المسروق من السارق يعد فعله إخفاء كما يعد سرقة ،وتنطبق هنا أحكام التعدي المعنوي فيِخذ الجاني بعقوبة الوصف الأشد .
وقد قضى في فرنسا بأنه يعد إخفاء أن يقبل المستفيد من شيك يصرفه من البنك على رصيد أودعه الساحب ، وهو يعلم أن هذا الرصيد متحصل من جملة جرائم نصب ، إذ أن الساحب كان محتالا معروفا ، وكان المستفيد صحفيا قبض بهذا الشيك ثمن سكوته عن فضائح المحتال .
وينبغي أن يصدر من الجاني نشاط إيجابي بفعل مادي مثل حيازة الشيء أو تسلمه أو حجزه ، أو أن يكون سلطانه مبسوطا عليه ولو لم يكن في حيازته الفعلية ، أي يجب أن يكون الجاني قد قام شخصيا وعمد بفعل الإخفاء . أما مجرد علم الشخص بوجود الشيء المتحصل من جريمة في مكان ما دون تداخل في الإخفاء فلا يعد إخفاء .
فالزوجة التي تعلم أن زوجها يحوز في المنزل أشياء مسروقة لا تعد مخفية إياها ، ولا سيما إذا كان المنزل منزل الزوج ، إذ من البديهي أنه ليس من حقها أن تمنعه من التصرف حسبما يشاء في منزله.
وهذا الرأي سليما طالما كان دور الزوجة سلبيا بحتا اقتصر على العلم بوجود الشيء في المنزل أما إذا أخفت الشيء بيديها في مكان ما فيتحقق بذلك فعل الإخفاء كما يتطلبه القانون ،وكذلك الشأن إذا عرضته للبيع أو استعملته في أمر ما . ومن ذلك مثلا إذا سلمها زوجها طعاما مسروقا فقامت بطهيه له وهي تعلم بمصدره ولو لم تأكل منه ، أو قماشا مسروقا فحاكته له رداء .وهي لا يمكنها أن تدفع بأن عليها طاعة زوجها ، لأن الطاعة على الزوجة واجب مدني بحت لا ينفي أن لها إرادة مستقلة ومسؤولية جنائية قائمة بذاتها ، وهما تتطلبان منها أن تخالف زوجها في معصية القانون .
ومن يتوسط في شيء متحصل من جريمة ولو مقابل مبلغ من المال يتقاضاه من المالك، لا يعد مخفيا حتى وإن كان يعلم مكان هذا الشيء ،لأنه لم يقم بدور إيجابي في الإخفاء . وهذا الرأي سليم في جوهره ولكنه في حاجة إلى إضافة بعض التحفظات . أولها أنه إذا كان الوسيط في رد المال قد تقاضى من المخفي جزءا من الحلوان الذي تسلمه هذا الأخير وجب بدوره أن يعد مخفيا هذا الجزء المتحصل من الجريمة . وثانيها أنه إذا كان الوسيط متواطئا مع المخفي ، أي متفقا معه على استمرار الإخفاء أو مساعدا إياه فيه ، أو محرضا إياه عليه للحصول على الحلوان المطلوب من المالك ، وجب عده شريكا للمخفي بالاتفاق أو المساعدة أو التحريض بحسب الأحوال ،طبقا للقاعدة العامة . وثالثها أن من يتوسط في بيع المال المخفي إلى الغير مع علمه بمصدره يمكن أن يعد بوساطته وحدها شريكا لهذا المخفي الجديد بالمساعدة والاتفاق .
والقاعدة أن فعل الإخفاء يتحقق بكل أسلوب إيجابي وبكل اتصال فعلي بالمال المتحصل من الجريمة مهما كانت ظروفه أو دوافعه أو ملابساته . ومهما كانت المدة التي ظلها قائما،وأن التخلي عن حيازة المال ـ وإن كان يعد مبدءا لتقادم الدعوى ـ إلا أنه لا يحول دون محاكمة الحائز ،ولو قام برده إلى صاحبه بدافع من الندم بعد تحقق أركان الجريمة بالفعل،إذ يعد حينئذ من صور التوبة الإيجابية التي لا تحول دون القول بالعقاب"
العنصر المعنوي لقيام الجريمة:
إن ثاني عنصر من عناصر قيام جريمة إخفاء الأشياء المحولة أو المبددة أو المتحصلة من جناية أو جنحة من جرائم القانون العام هو عنصر علم المخفي بكون الأشياء أو الأموال التي قام بإخفائها و حجبها عن أنظار عامة الناس و تعمد إخفائها هي أموال متحصلة من وقائع جنائية أو جناحية ، و يجوز للجهة القضائية المختصة بالفصل في موضوع الدعوى أن تتوصل إلى اقتناع بقيام وتوفر علم المتهم و تعمده سواء بالاستناد إلى قرائن مستساغة قانونا ، أو بالاستناد إلى أن المتهم بالإخفاء يزعم انه اشترى المال المخفي و لا سيما إذا كان ثمن الشراء يقل كثيرا عن القيمة الحقيقية لهذا الشيء ، و على كل حال فان عنصر العلم هذا متروك لقاضي الموضوع بشرط واحد فقط هو بيان أساس التقدير و كونه تقديرا مستساغا قانونا ، و لا رقابة للمحكمة العليا على إثبات أو عدم إثبات عنصر العلم طالما إن قاضي الموضوع قد أسس اقتناعه على أساس مستساغ.
كما نص القانون المصري في فحوى مواده المتعلقة بعنصر محل الإخفاء على مايلي: "ينبغي أن يكون محل الإخفاء مالا منقولا مملوكا للغير ، والقاعدة أن كل ما يصلح للسرقة يصلح للإخفاء إذا ما تحصل من جناية أو جنحة . وتعبير النص الحالي يتسع للأشياء المتحصلة من أية جناية أو جنحة وأيا كان نوعها،سرقة أو عثور على أشياء مفقودة بنية تملكها أو نصب أو خيانة أمانة أو قتل أو تزييف مسكوكات أو ابتزاز مال بالتهديد أو تزوير سند واستعماله ..إلخ .
ولا ينبغي أن يختلط إخفاء الشيء المتحصل من جناية أو جنحة مع إخفاء جسم الجريمة نفسه فإخفاء جثة قتيل أو سند مزور ،وكذلك إخفاء الآلات والأدوات المستعملة في ارتكاب الجريمة ،أمر لا تنطبق عليه المادة 44ع مكررة ،بل أن يكون محل الإخفاء هو ثمرة الجريمة ،سواء أكانت هي الشيء المتحصل منها بذاته أو ثمنه أم شيء مشترى بمال متحصل من جناية أو جنحة أم مستبدل به .كعملة كبيرة صرفت إلى عملة صغيرة أو بالعكس، أو حتى بالحلوان الذي تحصل عليه الجاني من رد الشيء إلى صاحبه بعد أخذه منه بطريق الجريمة. أو كمال متحصل عليه من جريمة اختلاس أموال أميرية إذا بنيت به عمارة باسم زوجة المتهم المختلس وهي تعلم بمصدر هذا المال فإنها قد تعتبر مخفية لهذا المال وهو منقول ولا ينبغي أن يقال أن الإخفاء لا يتحقق عندئذ لعدم إمكان وقوعه على عقار. وقد خرجت الأشياء المتحصلة من المخالفات كإخفاء الثمن المتحصل من بيع طعام فاسد عن جهل بحقيقته.
ومن الواضح أنه إذا لم يكن الشيء متحصلا من جناية أو جنحة فلا عقاب على حيازته ،حتى ولو تحصل عن غلط من المسلٌم أو تدليس من المستلم . ومن الواضح كذلك أنه لا عقاب على من يحوز شيئا حتى ولو اعتقد عن غلط أنه متحصل من جناية أو جنحة ولم يكن الأمر كذلك،كما لو كان قد اشتراه رخيصا على اعتبار أنه مسروق ،وكان في حقيقته لا يقوّم بأكثر من الثمن الذي اشتراه به . وعندئذ تتحقق حالة استحالة مطلقة لفقدان محل الجريمة ،وفي نفس الوقت قانونية لفقدان عنصر من عناصرها المطلوبة .
ولا تظل جريمة الإخفاء قائمة إلا إذا ظل الفعل نفسه الذي تحصلت الأشياء المخفاة عن طريقة معدودا جريمة .فإذا صدر عفوا شاملا عن الجريمة نفسها فهو ينصرف إلى لإخفاء الأشياء المتحصلة منها أيضا،لأن العفو الشامل يزيل الصفة الإجرامية عن الفعل نفسه بأثر رجعي فيصبح كما لو كان مباحا من مبدأ الأمر" .
عنصر النية أو القصد الجنائي :
أما ثالث عنصر أو ركن من أركان قيام جريمة إخفاء أشياء مختلسة أو مبددة أو متحصلة من جناية أو جنحة فهو عنصر النية أو القصد ألجرمي ، ولما كانت جريمة إخفاء الأشياء أو الأموال المتحصلة من الجناية أو الجنحة جريمة مستقلة و منفصلة عن الجريمة التي تحصلت أو نتجت عنها الأشياء محل الإخفاء، و أنها جريمة من الجرائم العمدية فان القصد أو النية الجرمية ستتحقق بمجرد أن يثبت أن المخفي يعلم أن ما يخفيه متحصل من الوقائع الجرمية أو مختلس أو مبدد ، و لا عبرة لما إذا كان المخفي يعرف أو لا يعرف الجاني أو الجانح ، و لا عبرة بمعرفة أو عدم معرفة زمان أو مكان وقوع الجناية أو الجنحة مصدر الأموال أو الأشياء المخفاة.
لذلك فإذا توفرت هذه العناصر الثلاثة ، عنصر الفعل المادي المتمثل في استلام وحيازة الشيء أو المال محل الجريمة ، و عنصر العلم بان هذا الشيء متحصل من جناية أو جنحة ، و عنصر توجه نية المخفي و قصده إلى تعمد إخفاء ذلك الشيء المتحصل من الجناية أو الجنحة رغم علمه باختلاسه فان أركان قيام جريمة الإخفاء تكون قد اكتملت، وأن هذه الجريمة تكون قد تحققت و استوجبت الإدانة و العقاب.
إلا أنه على غرار المشرع الجزائري نص المشرع المصري في هذا الركن على:" إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة جريمة عمدية، فهي تتطلب توافر القصد الجنائي العام أي انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها كما يتطلبها القانون، وتوافر القصد العام يتطلب أن يعلم المخفي بأن ما يخفيه متحصل من جناية أو جنحة،ويستوي أن يعلم بذلك عند بدء الحيازة أم بعد بدئها بفترة طالت أم قصرت،طالما لم يتخل الحائز عن حيازته الشيء فور علمه بمصدره. ولا يلزم العلم بنوع الجناية أو الجنحة،ولا بأسماء فاعليها أو المجني عليهم فيها،ولا بمكان وقوعها أو بتاريخها،بعد إذ صار الإخفاء جريمة مستقاة لا اشتراكا في جريمة .ولا يلزم في الإخفاء أن يتوافر أي قصد خاص لدى المخفي مثل نية تملك الشيء أو نية الإضرار بصاحبه أو بالغير.
إثبات القصد :
إثبات علم المخفي بمصدر الأشياء التي يخفيها هو عادة موطن الصعوبة الحقيقية في إثبات هذه الجريمة،وهو أمر موضوعي كثيرا ما تتعذر إقامة الدليل عليه،على أنه قد تساعد على ذلك قرائن الأحوال المختلفة.
وأكثر القرائن شيوعا في هذا النطاق هي قرائن ثمن الشراء. فمن الجلي أنه إذا كان ثمن السلعة المشتراة يقل كثيرا عن ثمن المثل كان ذلك أدل على علم المشتري بمصدرها .على أنه ينبغي كثير من التحفظ في الأخذ بهذه القرينة،فقد تتفاوت أثمان السلع ـ ولو تماثلت ـ تفاوتا كبيرا طبقا لحالة السلعة ونوعها ووقت شرائها وظروف البائع والمشتري وحالة السوق بوجه عام.
وقد تساعد الملابسات الأخرى للصفقة في إثبات العلم،ومن ذلك وقت إبرامها ومكانه،وصفة البائع من ناحية كونه تاجرا أم لا،ومن ناحية صلته بالتعامل في مثل الشيء المبيع،وكذلك مدى صلته بالمشتري . وفي الجملة يكون علم المستلم بمصدر الشيء المخفي أكثر وضوحا بقدر ضعف مبررات الثقة فيمن تلقى عنه الحيازة . وقد يكون عجز الحائز عن إثبات مصدر الشيء الذي يحوزه بطريقة مقبولة قرينة لها قيمتها في إثبات علمه بالجريمة ،ومثلها كيفية الاحتفاظ بالشيء ومكان وضعه،وتصرف الجاني وقت البحث عنه ،مثل تعمد الجاني نقله من مكان إلى مكان آخر عندما شعر بانكشاف أمره .
وإذا لم يثبت علم حائز الشيء بمصدره بطريقة قاطعة فلا تقوم الجريمة حتى ولو كانت ظروف الحصول عليه من شأنها أن توقظ الشك في نفسه عن عدم مشروعية مصدره، وتوجب عليه التحري عن هذا المصدر. لذا فإن هناك شرائع أجنبية قليلة تعاقب على شراء سلعة متحصلة من جريمة في ظروف مريبة قد تبعث على الشك وتقتضي التحري عن مصدرها بوصفه جريمة قائمة بذاتها ومستقلة عن جريمة الإخفاء. ومن ذلك المادة 712 من قانون العقوبات الإيطالي والمادة 144 من قانون العقوبات السويسري .
إلا أن التوسع في العقاب على هذا النحو أمر غامض الحدود، وقد لا يخلو من خطر الحد من حرية التعامل لما يلقيه على المشتري من عبء التحري والبحث عن مصدر الشيء الذي يشتريه عندما يلاحظ مثلا رخص ثمنه،أو يمتنع عن شرائه كلية و إلا وقع تحت طائلة العقاب ،وهو ليس بالأمر الذي يسهل قبوله عملا" .
شروط إمكانية متابعة جريمة الإخفاء :
إذا كان من المعروف بداهة أن ممثل النيابة العامة على مستوى المحكمة هو القاضي الوحيد المخول قانونا سلطة تحريك و ممارسة الدعوى الجزائية بناء على شكوى أو من تلقاء نفسه و تقديمها إلى الجهات القضائية المختصة للتحقيق بشأنها ، والفصل في موضوعها دون أي قيد أو شرط ، تطبيقا لنص المادة 35 و المادة 36 من قانون الإجراءات الجزائية فان هناك بعض الجرائم قيد فيها القانون سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى ، و اشترط أن يتوفر قبل الشروع في المتابعة بشأنها إما شرط الشكاية المسبقة من الضحية المضرور مثل جريمة الزنا ، و جريمة السرقة بين الأقارب ، وجريمة خيانة الأمانة وإما شرط الطلب المسبق.
و في هذا الإطار نصت المادة 369 نجد أنها تنص على انه لا يجوز اتخاذ الإجراءات الجزائية بشان جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من الجناية أو الجنحة التي تقع بين الأقارب و الحواشي ، و الأصهار لغاية الدرجة الرابعة إلا بناء على تقديم شكوى من الشخص المضرور، و التنازل عن الشكوى يضع حدا لهذه الإجراءات ، ونستنتج من المادة 368 و ما قبلها انه حتى وان كان قد توفر شرط الشكوى من المضرور ، وزال هذا القيد على النيابة العامة في تحريك الدعوى الجزائية ثم قدمت الدعوى إلى المحكمة للفصل فيها فان المحكمة لا يجوز لها أن تقضي بمعاقبة المتهم الذي تتوفر فيه إحدى الأوصاف المذكورة في هذه المادة ، وإنما يمكن أن تحكم بإدانته بالجريمة المنسوبة إليه ، وهي هنا جنحة إخفاء الأشياء المتحصلة من الجناية أو الجنحة محل المتابعة ، ثم تحكم بإعفائه من العقاب و تفصل في الدعوى المدنية إن وجدت تطبيقا لنص الفقرة الأولى من المادة 368 .
و خلاصة الكلام في هذا المجال هو انه لا يجوز للنيابة العامة على مستوى المحكمة أن تشرع في تحريك أو ممارسة الدعوى الجزائية المتعلقة بإخفاء الأشياء المحصلة من جناية أو جنحة الواقعة من المتهم على احد أقاربه أو أصهاره أو حواشيه ممن ورد ذكرهم في المادة 368 من قانون العقوبات إلا بعد أن يكون قد توفر لديه شرط تقديم شكاية مسبقة من الضحية أي الشخص المضرور ، إما أن فعلت ذلك وقامت بإجراءات المتابعة دون مراعاة تحقيق أو توفر هذا الشرط ، سهوا أو جهلا، أو عمدا، فإنها ستكون قد خالفت القانون ، و خرقت إجراء من الإجراءات الجوهرية، مما يسمح للمحكمة الناضرة في الدعوى أن تحكم بعد قبول الدعوى الجزائية شكلا لعدم توفر شرط الشكوى.
أما إذا حصلت جريمة إخفاء الأشياء المحصلة من الجناية أو الجنحة، و توفر لممثل النيابة العامة شرط تقديم شكوى من الشخص المضرور أو من ممثله القانوني ثم قدم الدعوى إلى المحكمة المختصة للفصل فيها، فان ذلك يكون إجراءا صحيحا ، لكن رغم ذلك لا يجوز للمحكمة عند اقتناعها بإثبات الوقائع الجرمية أن تحكم بتسليط العقاب على المتهم، إنما يصبح من واجبها في مثل هذه الحال أن تحكم بإدانته بالوقائع الجرمية المنسوبة إليه و المتمثلة في وقائع جنحة إخفاء أشياء متحصلة من جناية أو جنحة ثم تقضي بإعفائه من العقاب بحكم القانون، وان كانت هناك دعوى مدنية تبعية مرفوعة من الضحية باعتباره طرفا مدنيا يلتمس الحكم له بتعويض عما أصابه من ضرر مادي أو معنوي فانه يجب على المحكمة التي قضت بإدانته و إعفائه من العقاب أن تحكم للمدعي المدني بما يستحق أن تعطيه آو تحرمه، ولا يجوز لها إذا قضت بإعفاء المتهم من العقاب أن تقضي بعدم الاختصاص في الدعوى المدنية ، كما لا يجوز لها أن تحكم بحفظ حقوق المدعي المدني إذا سبق و تأسس كطرف مدني وفقا للقانون وطلب مبلغ محددا.
وفقا لما رآه المشرع الجزائري، رأى المشرع المصري فيما يخص مرتكب الجريمة:" لا يعد مخفيا الأشياء المتحصلة منها حيث أن القاعدة السائدة هي أن مرتكب الجريمة لا يعد مخفيا الأشياء المتحصلة منها ،وذلك سواء أكان سارقا أم محتالا أم خائنا الأمانة أم مرتكبا أية جريمة كانت،لأن حيازة هذه الأشياء لفترة طالت أم قصرت أثر حتمي من آثار جريمة الحصول عليها.وكذلك مخفي الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة لا يمكن أن يعاقب على أنه مرتكب جريمة الحصول عليها إذا ثبت ذلك في حقه بعد صـدور الحكم النهائي عليه بالإدانة عن الإخفاء، لأن حجية الشيء المقضي به تحول دون ذلك .وذلك كله لأن إخفاء الأشياء المتحصلة من جريمة أمر مستقل بذاته ومنفصل تماما عن ارتكاب هذه الجريمة بأركانه وطبيعته القانونية .
ومن ثم فإن تعدد وقائع الجريمة التي عن طريقها تم الحصول عن الأشياء المخفاة لا يقتضي حتما تعدد وقائع إخفاء الأشياء المتحصلة عنها ،بل يجوز أن يكون فعل الإخفاء واحدا حتى لو كان موضوعه أشياء عديدة متحصلة من جرائم متعددة . فإذا أوقعت المحكمة في هذه الحالة على المخفي عقوبات متعددة كان حكمها معيبا متى توافرت وحدة الغرض مع الارتباط الذي لا يقبل التجزئة على مقتضى المادة 32/2 عقوبات .
على أنه قد يحصل أن تضبط أشياء مع شخص آخر وتكفي القرائن القائمة للاقتناع بأنها مسروقة من آخر ،وأنه يعلم بذلك،مثل ضبط جهاز علمي أو ملابس سهرة عند حائز لا صلة له بهذه الأشياء ،عاجز عن إثبات مصدرها بطريقة مقبولة .وقد جرى الرأي على القول في مثل هذه الأحوال بأنه إذا لم تقم الأدلة الكافية على أن الحائز هو نفسه السارق جاز أن يعد مخفيا لتوافر أركان الإخفاء في مجرد حيازة الشيء مع العلم بمصدره ،باعتبار أن الإخفاء هو القدر المتيقن في الواقعة .
ومن ذلك ما قضى به من أنه إذا كانت التهمة المرفوعة بها الدعوى على المتهم هي السرقة ورأت المحكمة عدم ثبوتها في حقه ،وأن الواقعة تتضمن مع ذلك اتصاله بالأشياء المسروقة وعلمه بسرقتها ،فإن للمحكمة أن تدينه على إخفائها ،دون أن يعد ذلك خطأ منها.
ويجـري ذلك في إطار القاعدة العامة التي نصت عليها المادة 308 إجراءات وتجيز للمحكمة " أن تغير في حكمها الوصف القانوني للفعل المسند للمتهم . ولها تعديل التهمة في تعديل الظروف المشددة التي تثبت من التحقيق أو من المرافعة في الجلسة ،ولو كانت لم تذكر بأمر الإحالة أو التكليف بالحضور .."
ويلاحظ أن حيازة المتهم الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة يتناولها عادة التحقيق والمرافعة في واقعة ارتكاب هذه الجناية أو الجنحة بوصفها من ضمن الأدلة التي قد تساق لإثبات ارتكابه إياها . أما بالنسبة لجريمة إخفائها فالحيازة تعد ركنا فيها كما رأينا ،لا مجرد دليل عليها .وعلى ذلك فإنه عند تغيير وصف الواقعة من جريمة سرقة مثلا إلى جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من هذه السرقة لا تلتزم المحكمة بتنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى ما أجرته من تغيير الوصف متى كانت واقعة السرقة تتضمن واقعة الإخفاء . وبحث النظرية العامة في هذا الموضوع يتبع دراسة الإجراءات الجنائية" .
بالإضافة إلى كل ذلك تحدث القانون المصري:" عن استرداد الشيء المخفي من الحائز الحسن النية بأنه يثير استرداد الشيء المخفي من عند حائزه عدة أمور إذا كان هذا الحائز حسن النية. وأولها أن الحيازة في المنقول بحسن نية سند الملكية ،وهو ما نصت عليه المادة 976 من التقنين المدني عندما قالت :
1 ـ من حاز بسبب صحيح منقولا أو حقا عينيا على منقول أو سند على حامله فإنه يصبح مالكا له إذا كان حسن النية وقت حيازته .
2 ـ فإذا كان حسن النية وللسبب الصحيح قد توافر لدى الحائز في اعتباره الشيء خاليا من التكاليف والقيود العينية فإنه يكسب الملكية خالصة منها .
3 ـ والحيازة في ذاتها قرينة على وجود السبب الصحيح وحسن النية ما لم يقم الدليل على عكس ذلك.
فالأصل أن الحيازة تعتبر سندا لملكية المنقولات وقرينة على وجود السبب الصحيح وحسن النية ما لم يقم الدليل على عكس ذلك ،أما بالنسبة إلى حالة الشيء المسروق أو الضائع فإن الحكم ـ على ما لاحظته محكمة النقض ـ يختلف إذا وازن الشارع بين مصلحة المالك الذي جرد من الحيازة على رغم إرادته ،وبين مصلحة الحائز الذي تلقى هذه الحيازة من السارق أو العاثر على الشيء المفقود ،ورأى فيما نص عليه في المادة 988 من القانون المدني أن مصلحة المالك أولى بالرعاية من مصلحة الحائز .
وهذه المادة 988 من التقنين المدني تقضي بأنه :
1ـ يجوز لمالك المنقول أو السند لحامله إذا فقده أو سرق منه أن يسترده ممن يكون حائز له عن حسن نية وذلك خلال ثلاثة سنوات من وقت الضياع أو السرقة .
2 ـ فإذا كان من يوجد الشيء المسروق أو الضائع في حيازته قد اشتراه بحسن نية في سوق أو مزاد علني أو اشتراه ممن يتجر في مثله فإن له أن يطلب ممن يسترد هذا الشيء أن يعجل له الثمن الذي دفعه ".
ويشترط في الشخص الذي يتجر في مثل الشيء المسروق أو الضائع في معنى الفقرة الثانية من هذه المادة أن يتجر فيه حقيقة ،ولا يكفي أن يظهر البائع بمظهر التاجر ،أو أن يعتقد المشتري بأنه يتعامل مع تاجر ،وتقدير الاحتراف بالتجارة أو الاتجار بمثل الشيء المسروق أو الضائع مسألة يترك الفصل فيها لمحكمة الموضوع .
وينبغي أيضا في هذا الشأن مراعاة ما تنص عليه المواد 101 إلى 109 من قانون للإجراءات في شأن التصرف في الأشياء المضبوطة، وبوجه خاص ما تقضي به المادة 102 من أنه " يكون رد الأشياء المضبوطة إلى من كانت في حيازته وقت ضبطها . وإذا كانت المضبوطات من الأشياء التي وقعت عليها الجريمة أو المتحصلة منها يكون ردها على من فقد حيازتها بالجريمة ،ما لم يكن لمن ضبطت معه حق في حبسها بمقتضى القانون ".
فالرد بحسب الأصل يكون إلى المجني عليه في جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة . أما حبسها فهو حق استثنائي لا يكون إلا عند توافر شروطه بحسب المادة 976 من التقنين المدني . وبعد تعجيل الثمن إلى من يكون قد اشتراه بحسن نية ،أو ممن يتجر في مثله فعلا طبقا للمادة 988 من نفس التقنين .
وقد نصت المادة 108 إجراءات أيضا على أن الأشياء المضبوطة التي لا يطلبها أصحابها في ميعاد ثلاث سنوات من تاريخ انتهاء الدعوى تصبح ملكا للحكومة بغير حاجة إلى حكم يصدر بذلك. وميعاد السنوات الثلاث المبين في هذه المادة هو نفس الميعاد الذي حددته المادة 988 من التقنين المدني .
وطبقا للمادة 109 إجراءات إذا كان الشيء المضبوط مما يتلف بمرور الزمن أو يستلزم نفقات تستغرق قيمته جاز أن يؤمر ببيعه بطريق المزاد العام متى سمحت بذلك مقتضيات التحقيق.وفي هذه الحالة يكون لصاحب الحق فيه أن يطالب في الميعاد المبين في المادة السابقة بالثمن الذي يبع به".
الاشتراك و الشروع في جريمة الإخفاء:
من خلال قراءة المادة 42 من قانون العقوبات نجد أنها تنص على انه يعتبر شريكا في الجريمة من لم يساهم في ارتكابها مباشرة ولكن ساعد بكل الوسائل أو عاون الفاعل على الأعمال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك.
لذلك يمكن القول بأنه يصح الاستناد إلى القواعد العامة للاشتراك في أية جريمة، وانه يمكن أن نطبق على الاشتراك في جريمة إخفاء الأشياء المحصلة من الجناية أو جنحة بمثل ما يطبق على غيرها من الجرائم العادية ، وبناء عليه فان كل من يضع مكانا تحت تصرف المتهم ليضع فيه الأشياء المختلسة أو المبددة أو يضع سيارة تحت تصرف المخفي لنقل هذه الأشياء من مكان تواجدها غالى مكان إخفائها ، وان من يحرض المخفي على القيام بعملية الإخفاء أو يشجعه عليه يعتبر شريكا في جريمة إخفاء أشياء متحصلة من جناية أو جنحة ويعاقب على ذلك متى كان يعلم إن ما يقوم به من إخفاء إنما هو عمل مكمل للجريمة الأصلية ، وانه إنما يقوم بإخفاء أشياء متحصلة من جريمة جناية أو جنحة.
ومن خلال قراءة المادتين 30 و31 من قانون العقوبات نجد أن الأولى تنص على أن الشروع في ارتكاب جريمة الجناية يعتبر كالجناية نفسها ونجد أن الثانية تنص على أن الشروع في ارتكاب جريمة الجنحة لا يعاقب عليه إلا بالاستناد إلى نص خاص في القانون، ولكن من خلال قراءة المادة 387 عقوبات نجد إنها قررت عقوبة لجرية الإخفاء، ولكن لا نجد أنها تنص على المعاقبة على الشروع في ارتكاب جنحة إخفاء الأشياء المتحصلة عن الجناية أو الجنحة، واكتفت بالنص على العقوبة المقررة للجريمة التامة دون النص على الشروع ، وذلك ربما لاعتقاد المشرع الجزائري أن مثل هذه الجريمة لا تتكون إلا تامة، وليس بها أية وقائع أو أعمال يمكن اعتبارها شروعا مثل هذه الجريمة.
وخلاصة القول في هذا المجال هو انه ما دام لم يرد النص في قانون العقوبات على إمكانية أو وجوب العقاب على الشروع في جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة كما هو منصوص عليها بالمادة 387 فان الأمر مرجعه تطبيق القواعد العامة و لاسيما القواعد التي تضمنتها المادتين 30 و31 عقوبات.
وعليه فان كانت جريمة الإخفاء تكون جنة فلا عقاب على الشروع فيها أما إذا كانت تكون جناية فالشروع يكون معاقبا عليه طبقا لنص المادة 30 عقوبات إذا توفرت شروطها، وأما بالنسبة إلى الاشتراك في جريمة الإخفاء فانه يخضع إلى تطبيق القواعد العامة لان من يقوم بتشجيع المخفي على القيام بعملية الإخفاء كان يقوم بمساعدته عليه وتسهيله له وهو على علم بما يفعله حتما يعتبر كأنه شريك للفاعل الأصلي لجريمة الإخفاء و يعاقب على فعله .
أما القانون المصري يرى:" على عقاب الشروع في جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة .فطبقا للقواعد العامة إذا كان الإخفاء التام جنحة فالشروع فيه يفلت من العقـاب، أمـا إذا كان جناية فالشروع فيه يكون معاقبا عليه طبقا لنص المادة 46 ع.
ويعاقب الجاني متى أتى أفعالا تؤدي حالا ومباشرة إلى ارتكاب جناية إخفاء، وتفصح عن عزمه النهائي على المضي في سبيلها ،بوصف ذلك شروعا فيها ،أما ما يسبقها فيعد أفعالا تحضيرية لا عقاب عليها .
وفي الواقع أن الأفعال التحضيرية في الإخفاء قليلة بل نادرة بالنظر إلى اتساع مدلول الإخفاء.
ومنها مثلا شراء السلعة مع إرجاع تسلمها إلى تاريخ آخر ،وإعداد مكان لوضعها فيه . أما ضبط السلعة المسروقة في طريق نقلها إلى منزل مشتر يعلم مصدرها ،وقبيل أن يتسلمها هذا الأخير مباشرة ،فيصح أن يعد شروعا في إخفائها ،وبتسلمها بالفعل تتم الجريمة ولو ضبطت الأشياء المسروقة في طريق نقلها إلى مخزن من تسلمها أو منزله .
لذا قضى بأنه يكفي أن يقوم الدليل في جريمة إخفاء الأشياء المسروقة على شرائها بنية التملك والاختصاص . فإذا دلل الحكم على أن المتهم قد اشترى القطن المضبوط من الفاعلين الأصليين في جريمة السرقة ،وأن هذا القطن وهو في طريقه إلى متجر المتهم محملا على عربة نقل يلاحظها ابن المتهم وبتكليف منه ،فتكون هذه الأقطان المسروقة قد دخلت في حيازة المتهم ووضع يده عليها ـ ولو لم تصل إلى متجره فعلا ـ ويكون الركن المادي للجريمة قد ثبت في حقه ولا محل للقول بعدم توافره .
كما قضى بأنه متى كان الحكم قد استظهر أن المتهمين من الثاني إلى الرابع قد حضروا إلى منزل المتهم الأول في الساعة الثالثة من صباح يوم الحادث لشراء الأسلاك التليفونية المسروقة وأن هذه الأسلاك قد ضبطت بعد أن تم نقلها بمعرفة المتهمين إلى السيارة التي كانت تنتظرهم خارج المنزل ،فإنه يكون قد استظهر أن المتهمين قد اتصلت أيديهم اتصالا ماديا بالمضبوطات المسروقة وأنهم أخفوها في السيارة وهو ما يكفي ليتحقق به ركن الإخفاء في حقهم ،إذ يكفي مجرد تسلم المسروقات لتوافره ،ولا يشترط أن يكون احتجازهم لها بنية تملكها .
ويخضع الاشتراك في الإخفاء في حكم القواعد العامة كذلك ،وكل من يحوز السلعة المتحصلة من جناية أو جنحة فترة من الوقت يعد فاعلا أصليا في الجريمة . أما من يتفق مع المخفي دون أن يدخل في أفعال الإخفاء أو يحرضه على ذلك ،أو يساعده بأن يقدم له مثلا مكانا للإخفاء أو عربة لنقل الأشياء مع علمه بمصدرها ،فيعد شريكا له بالاتفاق أو التحريض أو المساعدة بحسب الأحوال .
ومجرد العلم بمكان الأشياء المخفاة أو التستر على المخفي فكما لا يعد إخفاء لا يعد اشتراكا فيه ،فلا يكفي فيه اتخاذ موقف سلبي بحت بحسب السائد" .
عقوبة جريمة الإخفاء وظروف تشديدها:
من خلال الاطلاع على نص المادة 387 والمادة 388 من قانون العقوبات نجد أن المشرع الجزائري قد قرر لجريمة إخفاء الأشياء المختلسة أو المبددة أو المتحصلة من جناية أو جنحة ثلاث أصناف من العقوبات البدنية أو المالية، تتمثل في عقوبة عادية وعقوبة تشدد به وعقوبة إضافية.
لقد قرر عقوبة عادية للمتهم الذي تثبتت أدانته بارتكاب جريمة إخفاء الأشياء المختلسة أو المبددة والمحصلة من الجناية أو الجنحة هي عقوبة الجنحة وتتراوح مابين سنة على الأقل وخمسة سنوات حبسا على الأكثر وبغرامة مالية مابين خمسمائة 500 إلى عشرين ألف 20.000 دينار جزائري .
وقرر عقوبة تشديدية تساوي عقوبة الجناية كلما كانت العقوبة المطبقة على الوقائع الجرمية التي تحصلت أو نتجت عنها الأشياء المخفاة هي عقوبة جناية بحيث يعاقب المخفي بنفس العقوبة التي يقررها القانون للجناية وللظروف التي كان يعلم بها وقت الإخفاء، لكن إذا كانت العقوبة المقررة قانونا للفاعل الأصلي هي الإعدام فان عقوبة المخفي للأشياء المحصلة من هذه الجناية تستبدل بعقوبة السجن المؤبد.
كما قرر للمتهم الذي ثبتت أدانته بجريمة إخفاء الأشياء المحصلة من جناية أو جنحة عقوبة اظافية تضمنتها الفقرة الثانية من نص المادة 387 من قانون العقوبات التي نصت على انه يجوز أن تجاوز الغرامة المحكوم بها العشرين ألف دينار حتى تصل إلى ضعف قيمة الأشياء المخفاة ، كما يجوز علاوة على ذلك أن يحكم على المخفي بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 14 عقوبات لمدة سنة على الأقل وخمسة سنوات على الأكثر.
على ضوء ما ذكر آنفا فان المشرع المصري قد قرر بأن تكون عقوب