أحكام الأضحية
عن أنس بن مالك _ رضي الله عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين ويسمي ويكبر ويضع رجله على صحافهما "
وفي لفظ " ذبحهما بيده " متفق عليه ، وفي لفظ " سمينين " .
ولأبي عوانة في صحيحه : " ثمينين " بالمثلثة بدل السين
وفي لفظ لمسلم : ويقول : " باسم الله والله أكبر "
وعند مسلم أيضاً من حديث عائشة _ رضي الله عنها _ " أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتى به ليضحي به فقال لها : " يا عائشة هلمي المُدْية ( وهي السكين العريضة ) ثم قال : اشحذيها بحجر ففعلت ثم أخذها وأخذه فأضجعه ثم ذبحه ثم قال : بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد "
• مفردات الحديث
" يضحي " : الأضحيَّة مشددة الياء ، والهمزة مضمومة ، ويجوز كسرها ، جمعها أضاحي .
ومن العرب من قال : ضِحيَّة بكسر الضاد ، وجمعها ضحايا واسمها مشتق من الوقت الذي شرع بدء ذبحها فيه .
" أملحين " الأملح هو : الذي بياضه أكثر من سواده .
" صحافهما " جمع صفحة وهي : وجه الشيء وجانبه والمراد : عنق الكبش .
" يطأ في سواد " يعني : قوائمه سود .
" يبرك في سواد " يعني : بطنه أسود .
" ينظر في سواد " يعني : أن ماحول عينيه أسود .
" هلمّي " هاتي
وقفات مع فقه الحديث
• في الحديث بيان مشروعة الأضحية وهي ثابتة بالكتاب والسنة وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها لقوله تعالي ( فصل لربك وانحر ) . قال قتادة وعطاء وعكرمة وغيرهم المراد : صلاة العيد ونحر الأضحية .
ولا شك في عموم الآية لكل صلاة وكل ذبح ، والمسلم مأمور بأن يخلصهما لله تعالى .
• وهل تجب الأضحية ؟
ذهب جمهور العلماء ومنهم الشافعي وأحمد إلى أنها سنة مؤكدة على كل قادر عليها من المسلمين
وذهب أبو حنيفة إلى وجوبها ويروى ذلك عن مالك .
وفي المسند أنه صلى الله عليه وسلم قال : " من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا " .
• وهل يجب على الحاج أن يضحي ؟
المشهور عن مالك _ رحمه الله _ أنها لا تجب على الحاج اكتفاءً بالهدي واختاره شيخ الإسلام وأفتى سماحة الشيخ ابن باز _ رحمه الله _ بأن الأضحية سنة مطلقة للحاج ولغير الحاج ، والله أعلم .
• قال الشيخ تقي الدين _ ابن تيمية رحمه الله _ ( الأضحية والعقيقة والهدي أفضل من الصدقة بثمن ذلك وهي من النفقة المعروفة فيضحي عن اليتيم من ماله وتأخذ المرأة من مال زوجها ما تضحي به عن أهل البيت وإن لم يأذن في ذلك ، ويضحي المدين إذا لم يطلب بالوفاء ) .
• اختيار الأضحية كريمة طيبة هو من تعظيم شعائر الله ، قال تعالى ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) . فهي من أعلام دين الإسلام ، قال ابن عباس _ رضي الله عنه _ : تعظيمها استسمانها واستحسانها .
• الأضحية من أفضل الأعمال الصالحة ، فقد روى الترمذي وابن ماجه والحاكم بإسناد صحيح من حديث عائشة _ رضي الله عنهما _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من هراقة دم فطيبوا بها نفساً " .
• ويشرع التسمية عند ذبحها بقول " باسم الله " ولا يقول " الرحمن الرحيم " ، لأن هذا لا يناسب عند الذبح ومع التسمية يقول " الله أكبر " ، قال تعالى ( كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ماهداكم ) ، وكما في حديث أنس السابق .
• وقول " بسم الله " عند الذبح واجب عند الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك وأحمد لقوله تعالى ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) .
• وتسقط التسمية مع النسيان عند الجمهور .
• يستحب للمضحي أن يتولى ذبح أضحيته بنفسه إن كان يحسن الذبح ، لأن الذبح عبادة وقربة إلى الله تعالى وفي ذلك اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي نحر بيده ثلاثاً وستين بدنة من هديه وذبح أضحيته بنفسه .
• وإن لم يتول ذبحه بيده فالأفضل أن يحضر عند ذبحه ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة _ رضي الله عنها _ " احضري أضحيتك يغفر لك بأول قطرة من دمها " رواه الحاكم .
• استحباب الذبح بآلة حادة ، لقوله صلى الله عليه وسلم " اشحذيها بحجر " ، ولأن في ذلك اراحة للذبيحة بسرعة زهوق روحها و احسان الذبح والإجهاز عليها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " رواه مسلم
• قال في شرح الإقناع : ( ويكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة ويكره أن يحد السكين والحيوان يبصره أو يذبح الشاة وأخرى تنظر إليه ، لما روى أحمد وابن ماجة عن ابن عمر _ رضي الله عنهما _ أن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر أن تحد الشفار وأن توارى البهائم " .
• ويستحب أن يقول عند ذبح الأضحية ونحوها : اللهم هذا منك ولك ، فقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم حين وجهها إلى القبلة قال " بسم الله ، الله أكبر اللهم هذا منك ولك "
• قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم تقبل عن محمد وآل محمد ومن أمة محمد "
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ : هذا هو المعتمد في التضحية عن الأموات والأصل في التضحية أنها في حق الحي فيضحي عن نفسه .
• قوله " آل محمد " دليل على أن الأضحية الواحدة تجزىء عن الرجل وأهل بيته ويشركهم في ثوابها .
فقد روى مالك في الموطأ بسند صحيح والترمذي وصححه من حديث أبي أيوب قال : : كان الرجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون " .
• وتجزىء البدنة والبقرة في الهدي والأضحية عن سبعة لقول جابر : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة في واحد منها " رواه مسلم .
ولا يجزىء إلا جذع الضأن وهو ماتم له ستة أشهر والثني مما سواه من إبل وبقر ومعز والثني من الإبل ماتم له خمس سنين ومن البقر ما تم له سنتان ومن المعز ما تم له سنه .
وأما حديث جابر _ رضي الله عنه _ قال : " لا تذبحوا إلا مسنة إلا إن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن " رواه مسلم
فظاهره أن جذع الضأن لا يجزىء إلا عند تعسر المسنة ، ولكن حكى غير واحد الإجماع على اجزاء الجذع من الضأن ولو لم يتعسر غيره ، وحملوا الحديث على الاستحباب بقرينة ما رواه الإمام أحمد في حديث أم بلال بنت هلال عن أبيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ضحوا بالجذع من الضأن " .
• وسبع البدنة يكفي يكفي عن الرجل وأهل بيته واهداء الثواب يفترق عن مسألة الاجزاء .
وعن جندب بن سفيان _ رضي الله عنه _ قال : " شهدت الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضى صلاته بالناس نظر إلى غنم قد ذبحت فقال من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله " متفق عليه
وقفات مع فقه الحديث
1. الأضحية عبادة مؤقتة لا تصح بغير وقتها الذي شرعت فيه .
2. يدل الحديث على أن ابتداء وقت ذبح الأضحية بعد صلاة عيد الأضحى ولو قبل الخطبة وأن الذبح قبل انتهاء الصلاة لا يجزىء بمعنى أن ذبيحته لم تقع أضحية وإنما هي شاة لحم ، وسواء كان جاهلاً أو ناسياً أو عامداً ، كمن صلى الصلاة قبل دخول وقتها ، ومن لا تقام لديهم صلاة العيد كأن يكون في بادية فيذبح بعد مضي وقت الصلاة بعد ارتفاع الشمس قيد رمح .
3. يمتد وقت الذبح إلى غروب الشمس يوم الثالث عشر ، واختاره ابن المنذر والشيخ تقي الدين لقوله صلى الله عليه وسلم : " كل أيام التشريق ذبح " رواه أحمد .
قال ابن القيم _ رحمه الله _ : إن الأيام الثلاثة تختص بكونها أيام منى وأيام تشريق ويحرم صومها ويشرع التكبير فيها فهي أسوة في هذه الأحكام .. إلخ
وعن البراء بن عازب _ رضي الله عنه _ قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أربع لا تجوز في الضحايا العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والكبيرة التي لا تنقي "
رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن حبان
وقفات مع فقه الحديث
• الحديث يدل على أن المواصفات الأربع في الحديث لا تجزىء وسكت عن غيرها من العيوب .
ذهب الجمهور إلى أنه يقاس عليها غيرها مما هو أشد منها أو مساوٍ لها كالعمياء ومقطوعة الساق ، فالعمياء ومقطوعة الساق من باب أولى لأن العمى يمنع مشيها مع رفيقتها ويمنعها من المشاركة في العلف ، وكذلك مقطوعة الساق والكسيرة .
• والمريضة البين مرضها كالجرباء فإن المرض يمنعها من الأكل ويفسد لحمها ويهزل جسمها .
• ولا تجزىء الهزيلة التي لا تنقي ، وفي بعض روايات هذا الحديث " ولا العجفاء التي لا تنقي " .
والعجفاء هي الهزيلة التي لا مخ فيها .
قال النووي : أجمعوا على أن التي فيها العيوب المذكورة في حديث البراء لا تجزىء التضحية بها ، وكذلك ما كان في معناها أو أقبح منها كالعمى وقطع الرجل ونحوه .
• وإذا تبين أنها مريضة بعد الذبح هل تجزىء أم لا ؟
أجاز مجلس هيئة كبار العلماء بالأكثرية إجزاءها وأنها حين الذبح ليست بيّنة المرض .
وعارض بعض الأعضاء فرأى أنها لا تجزىء إذا ظهر المرض بعد الذبح ، وهذا القول رجحه ابن بسام _ رحمه الله _ في التوضيح قال : والحقيقة أن الحديث ليس فيه تقييد بيان المرض قبل الذبح ولا بعده كما أنه قد حكي الإجماع جماعة من العلماء كابن قدامة والنووي وابن هبيرة وابن حزم على عدم الاجزاء .
ولأن القصد من الهدي والأضحية وغيرهما من ذبائح القرب هو الفائدة منها ، فإذا عدمت فات القصد ، قال تعالى ( فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) .
ولأن العيب معتبر شرعاً في البيع بعد تلف المبيع وقبله .
والمريضة يعرف أهل الخبرة مرضها قبل ذبحها وهم المعتبرون في مثل هذه الأمور ، والله أعلم .
• اختلف العلماء في مثل مكسورة القرن ومقطوعة أكثر الأذن
فجمهور العلماء أنها لا تجزىء قال الإمام أحمد _ رحمه الله _ : ( لا تجزىء الأضحية بأعضب القرن والأذن ) لحديث علي* الذي صححه الترمذي وظاهره التحريم والفساد .
وذهب الشافعي إلى أنها تجزىء لأن في صحة الحديث نظراً ، ولأن الأذن والقرن لا يقصد أكلها ، واختار ابن مفلح في الفروع الإجزاء مطلقاً وصوبه في الإنصاف .
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي _ رحمه الله _ : الصحيح قول من قال من أهل العلم إن أعضب الأذن والقرن تجزىء لأن النهي عن التضحية بأعضب الأذن والقرن إذا صح الاحتجاج به يدل على الكراهية كما أمر باستشراف الأذن والقرن .
أما مقطوعة الألية أو بعضها ومجبوبة السنام فلا تجزىء لأن هذا شيء مقصود منها .
*عن علي _ رضي الله عنه _ قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا ثرماء " أخرجه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم
• نستشرف : نتأمل
• مقابلة : هي الشاة التي قطعت أذنها من قدام .
• مدابرة : هي الشاة التي قطعت أذنها من جانب أذنها المدبر .
• خرقاء : التي في اذنها خرق مستدير .
• ثرماء : سقوط الثنية من الأسنان .
وعن على بن أبي طالب _ رضي الله عنه _ قال : " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أقسم لحومها وجلودها وخلالها على المساكين ولا أعطي في جزراتها شيئاً منها " متفق عليه
وقفات مع فقه الحديث
التوكيل في الأضحية
• ويجوز التوكيل على ذبح ونحر الأضحية والهدي ويقسم لحومها على مستحقيها .
• أن جازرها لا يعطى من لحومها أو جلودها على أنه أجرة على جزارته باتفاق الأئمة ، وإنما يجوز إعطاؤه هدية منها إن كان غنياً أو صدقة إن كان فقيراً لا سيما ونفسه تائقة إليها لمباشرته لها .
• والأفضل في الأضحية والهدي والعقيقة أن يأكل منها ويهدي على غني ممن بينه وبينه علاقة قرابة أو جوار ونحوهما ، ويتصدق على فقير أو مسكين قال تعالى ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) .
ولما أخرجه الإمام الترمذي من حديث بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث ليتسع ذو الطول له فكلوا ما بدا لكم وأطعموا وادخروا " وقال حديث صحيح
• أما هدي الجبران وهو ماكان عن فعل محظور من محظورات الإحرام أو عن ترك واجب فلا يأكل منه شيئاً .
• ومن أراد أن يضحي فإنه إذا دخلت عشر ذي الحجة لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً إلى الأضحية لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي " رواه مسلم .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن النهي للكراهية ولكن الراجح أن النهي للتحريم لأن الأصل في النهي التحريم ولا صارف له عن ذلك ، كما قرر ذلك ابن قدامه وهذا إحرام مصغر فلا ينهى عن بقية محظورات الإحرام الطيب والنساء وغيرها ، ففيه نوع تشبه بحال المحرم بالحج .
• فإن فعل شيئاً من ذلك أي قص الشعر أو الأظافر استغفر الله ولا فدية عليه
يشترط للأضحية ستة شروط :
أحدها :
أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها لقوله تعالى: ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَـمِ ) وبهيمة الأنعام هي الإبل ، والبقر ، والغنم هذا هو المعروف عند العرب ، وقاله الحسن وقتادة وغير واحد .
الثاني :
أن تبلغ السن المحدود شرعاً بأن تكون جذعة من الضأن ، أو ثنية من غيره لقوله صلى الله عليه وسلّم : " لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن " . رواه مسلم .
والمسنة : الثنية فما فوقها ، والجذعة ما دون ذلك .
فالثني من الإبل : ما تم له خمس سنين .
والثني من البقر : ما تم له سنتان .
والثني من الغنم ما تم له سنة .
والجذع : ما تم له نصف سنة ، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز ، ولا بما دون الجذع من الضأن .
الثالث :
أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء وهي أربعة :
1 ـ العور البين : وهو الذي تنخسف به العين ، أو تبرز حتى تكون كالزر ، أو تبيض ابيضاضاً يدل دلالة بينة على عورها .
2 ـ المرض البين : وهو الذي تظهر أعراضه على البهيمة كالحمى التي تقعدها عن المرعى وتمنع شهيتها ، والجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحته ، والجرح العميق المؤثر عليها في صحتها ونحوه .
3 ـ العرج البين : وهو الذي يمنع البهيمة من مسايرة السليمة في ممشاها .
4 ـ الهزال المزيل للمخ : لقول النبي صلى الله عليه وسلّم حين سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال : " أربعاً : العرجاء البين ضلعها ، والعوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعجفاء التي لا تنقى ". رواه مالك في الموطأ من حديث البراء بن عازب ، وفي رواية في السنن عنه رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : " أربع لا تجوز في الأضاحي " وذكر نحوه . صححه الألباني من إرواء الغليل ( 1148 )
فهذه العيوب الأربعة مانعة من إجزاء الأضحية ، ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد، فلا تجزىء الأضحية بما يأتي :
1 ـ العمياء التي لا تبصر بعينيها .
2 ـ المبشومة ( التي أكلت فوق طاقتها حتى امتلأت ) حتى تثلط ويزول عنها الخطر .
3 ـ المتولدة إذا تعسرت ولادتها حتى يزول عنها الخطر .
4 ـ المصابة بما يميتها من خنق وسقوط من علو ونحوه حتى يزول عنها الخطر .
5 ـ الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة .
6 ـ مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين .
فإذا ضممت ذلك إلى العيوب الأربعة المنصوص عليها صار ما لا يضحى به عشرة . هذه الستة وما تعيب بالعيوب الأربعة السابقة .
الشرط الرابع :
أن تكون ملكاً للمضحي ، أو مأذوناً له فيها من قبل الشرع ، أو من قبل المالك فلا تصح التضحية بما لا يملكه كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه ؛ لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته . وتصح تضحية ولي اليتيم له من ماله إذا جرت به العادة وكان ينكسر قلبه بعدم الأضحية .
وتصح تضحية الوكيل من مال موكله بإذنه .
الشرط الخامس :
أن لا يتعلق بها حق للغير فلا تصح التضحية بالمرهون.
الشرط السادس :
أن يضحي بها في الوقت المحدود شرعاً وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، فتكون أيام الذبح أربعة : يوم العيد بعد الصلاة ، وثلاثة أيام بعده ، فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد ، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته ؛ لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء ". وروى عن جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ". وعن نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل " رواه مسلم. لكن لو حصل له عذر بالتأخير عن أيام التشريق مثل أن تهرب الأضحية بغير تفريط منه فلم يجدها إلا بعد فوات الوقت ، أو يوكل من يذبحها فينسى الوكيل حتى يخرج الوقت فلا بأس أن تذبح بعد خروج الوقت للعذر ، وقياساً على من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها إذا استيقظ أو ذكرها .
ويجوز ذبح الأضحية في الوقت ليلاً ونهارا ً، والذبح في النهار أولى ، ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل ، وكل يوم أفضل مما يليه ؛ لما فيه من المبادرة إلى فعل الخير .
هل تكفي أضحية واحدة عن أهل البيت جميعاً ، ولو كان عددهم كثيراً ؟.
تكفي أضحية واحدة عن أهل البيت جميعا ، مهما كثروا .
روى الترمذي (1505) عن عَطَاء بْن يَسَارٍ قال : سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ . صححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال في "تحفة الأحوذي" :
"هذا الحديث نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنْ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَإِنْ كَانُوا كَثِيرِينَ ، وَهُوَ الْحَقُّ .
قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي "زَادِ الْمَعَادِ" : وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشَّاةَ تُجْزِئُ عَنْ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ .
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي "نيْلِ الأوطار" : وَالْحَقُّ أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ , وَإِنْ كَانُوا مِائَةَ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا قَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ " انتهى باختصار .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (5/275) :
" التشريك في الثواب لا حصر له ، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن كل أمته ، وها هو الرجل يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته ، ولو كانوا مئة " انتهى .
وسئلت اللجنة الدائمة : هذه العائلة تتكون من اثنين وعشرين فرداً ، والدخل واحد ، والمصروف واحد ، وفي عيد الأضحى المبارك يضحون بضحية واحدة ، فلا أدري هل هي تجزئ أم أنه يلزمهم ضحيتان ؟
فأجابت :
" إذا كانت العائلة كثيرة ، وهي في بيت واحد ، فيجزئ عنهم أضحية واحدة ، وإن ضحوا بأكثر من واحدة فهو أفضل " انتهى .
فتاوى اللجنة الدائمة" (11/408)
ما هو الوقت الذي تذبح فيه الأضحية ؟.
يبدأ وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة عيد الأضحى ، وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة . أي أن أيام الذبح أربعة : يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده .
والأفضل أن يبادر بالذبح بعد صلاة العيد ، كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم يكون أول ما يأكل يوم العيد من أضحيته .
روى أحمد (22475) عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ ، وَلا يَأْكُلُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ ، فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ .
نقل الزيلعي في "نصب الراية" (2/221) عن ابن القطان أنه صححه .
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (2/319) :
" قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أيام النحر : يوم النحر ، وثلاثة أيام بعده ، وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن ، وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح ، وإمام أهل الشام الأوزاعي ، وإمام فقهاء الحديث الشافعي رحمه الله ، واختاره ابن المنذر ، ولأن الثلاثة تختص بكونها أيام منى ، وأيام الرمي ، وأيام التشريق ، ويحرم صيامها ، فهي إخوة في هذه الأحكام ، فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع ، وروي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كل منى منحر ، وكل أيام التشريق ذبح ) " انتهى .
والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2476) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "أحكام الأضحية" عن وقت ذبح الأضحية :
" من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، فتكون أيام الذبح أربعة : يوم العيد بعد الصلاة ، وثلاثة أيام بعده ، فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد ، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته . . . لكن لو حصل له عذر بالتأخير عن أيام التشريق مثل أن تهرب الأضحية بغير تفريط منه فلم يجدها إلا بعد فوات الوقت ، أو يوكل من يذبحها فينسى الوكيل حتى يخرج الوقت ، فلا بأس أن تذبح بعد خروج الوقت للعذر ، وقياساً على من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها إذا استيقظ أو ذكرها .
ويجوز ذبح الأضحية في الوقت ليلاً ونهارا ً، والذبح في النهار أولى ، ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل ، وكل يوم أفضل مما يليه ؛ لما فيه من المبادرة إلى فعل الخير " انتهى باختصار .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/406) :
" أيام الذبح لهدي التمتع والقران والأضحية أربعة أيام : يوم العيد وثلاثة أيام بعده ، وينتهي الذبح بغروب شمس اليوم الرابع في أصح أقوال أهل العلم " انتهى .
إذا كان في بلدي فقراء يفتقرون إلى المال ، فهل أتصدق عليهم بثمن الأضحية أم أضحي ؟.
قال الشيخ محمد ابن عثيمن رحمه الله :
" ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها ؛ لأن ذلك عمل النبي صلى الله عليه وسلّم والمسلمين معه ؛ ولأن الذبح من شعائر الله تعالى ، فلو عدل الناس عنه إلى الصدقة لتعطلت تلك الشعيرة . ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل من ذبح الأضحية لبينه النبي صلى الله عليه وسلّم لأمته بقوله أو فعله ، لأنه لم يكن يدع بيان الخير للأمة ، بل لو كانت الصدقة مساوية للأضحية لبينه أيضاً لأنه أسهل من عناء الأضحية ولم يكن صلى الله عليه وسلّم ليدع بيان الأسهل لأمته مع مساواته للأصعب ، ولقد أصاب الناس مجاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : «من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة في بيته شيء ».
فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : « كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها ». متفق عليه.
قال ابن القيم رحمه الله : الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه . قال : ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقِرَان بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية .