إيجابيات و سلبيات التداوي بالأعشاب
إيجابيات و سلبيات التداوي بالأعشاب
أ.د.جابر القحطاني
رئيس قسم العقاقير ومدير مركز أبحاث النباتات الطبية والعطرية والسامة في جامعة الملك سعود
خلق الله عز وجل النبات على الكرة الأرضية قبل أن تطأها قدم إنسان أو حافر حيوان ، حيث أن النباتات هي الغذاء الأساسي لكل مخلوق حي وبدونه لا وجود للحياة. وكما جعل الله النبات غذاء لا تستغني عنه الحياة فقد أوجد الله منه الدواء للأمراض ، وأعطى الحيوان الذي لا يعقل ولا يفكر غريزة الاهتداء إلى نوع النبات الذي يشفي مرضه ، وترك للإنسان العاقل المفكر أن يهتدي إلى الأعشاب الشافية من الأمراض بالدراسة والتجارب والاستنتاج.
وتاريخ التداوي بالأعشاب قديم جداً يرجع إلى العصور الأولى من التاريخ ، والمواد الشافية في الأعشاب لا تنفرد بجزء واحد له علاقة خاصة بجزء خاص بالجسم دون أن يكون له تأثير آخر في غيره ، كما هو الحال في الأدوية الكيميائية المشيدة ، بل أن يد الخالق جمعتها في عشبه واحدة بمزيج يستحيل على الإنسان أو مصانعه أو مختبراته أن تأتي بمثله.
والتداوي بالأعشاب ليس وليد اليوم ففي الصين يحظى طب الأعشاب منذ آلاف السنين بمكانة مساوية للطب الحديث الغربي وتقوم اليوم كثير من الجامعات الصينية بتدريس طب الأعشاب ويمارس اليوم من قبل ممارسين متدربين تدريباً عالياً ويحظى باعتراف حكومي فعلى سبيل المثال وقعت فرنسا في العام 1995م اتفاقية مع الصين لإنشاء مستشفى في باريس يقوم بالمعالجة عن طريق طب الأعشاب.
وفي الهند يعتبر الطب الأيروفيدي هو الموروث العشبي في الهند والأقاليم المحيطة ، ويعتقد أنه أقدم نظام للعلاج في العالم بل أنه متقدم في الزمن عن الطب الصيني واليوم تشجعه الحكومة بشدة كبديل للطب الغربي الحديث.
وفي أوروبا نشأت الممارسات العشبية الأوروبية من الجذر المشترك الكلاسيكي ، واليوم يلقى طب الأعشاب شهرة متزايدة في أووربا ، ويمارس من قبل ممارسي الطب الحديث فضلاً عن العشابين المؤهلين.
وفي أفريقيا يوجد تنوع عظيم في التراثات العشبية يفوق ما يوجد في أي قارة أخرى. ويرجع الاستخدام العلاجي للأعشاب في أفريقيا إلى أقدم الأزمنة ، وتؤكد الكتابات المصرية القديمة أن الأدوية العشبية كانت تحظى بتقدير كبير من آلاف السنين في شمال أفريقيا. وتضم بردية إيبرز (1500ق.م ) وهي إحدى أقدم النصوص الطبية الباقية أكثر من 870 وصفة و 700 عشبه طبية.
أما في استراليا فتعتبر من أقدم الثقافات المستمرة على الأرض وتعتبر موطن لتراث عشبي قديم فقد طور سكان استراليا الأصليون ، الذين يعتقد أنهم استقروا في استراليا منذ ما يزيد على 6000 سنة فهما تجريبياً معقداً للنباتات المحلية وكثير منها تنفرد بها استراليا دون غيرها. وتعتبر استراليا مركز استقطاب للطب الأندنونسي والنيوزلندي والأيروفيدي. ويجرى الآن استكشافات القدرات الكامنة في كثير من الأعشاب المحلية ومـــن أبرزها القسطل الاسترالي (Castonospermum australe) وهي إحدى عدة نباتات طبية ذات إمكانية كامنة في معالجة الإيدز.
وبالنسبة لأمريكا الشمالية فلم تصمد كثيراً من التراثات العشبية القديمة في أمريكا الشمالية في وجه تدفق المستوطنين الأوروبيين فحسب بل ساعدت أيضاً في إعادة تنشيط طب الأعشاب الغربي ، ويمارس اليوم طب الأعشاب في أجزاء من أمريكا الوسطى على نحو واسع في حين أنه أخذ يستعيد شهرته في الولايات المتحدة وكندا.
وفي الجزيرة العربية حيث مهبط الوحي تداوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأعشاب وأمر أصحابه وأمته بالتداوي فقد قال عليه الصلاة والسلام " لكل داء دواء فإذا أصاب الداء برأ بإذن الله عز وجل " رواه مسلم. وعن أسامة بن شريك قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا : يا رسول الله أنتداوى؟ فقال نعم يا عباد الله تداووا فإن الله ما يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد فقالوا : ما هو يا رسول الله ؟ فقال : الهرم. أخرجه الترمذي والإمام أحمد في مسنده. لقد نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته وأصحابه بالتداوي بالأعشاب التي كانت موجودة في زمنه ، ولا زال ومنه التداوي بالحبة السوداء والحنا ، ومداواة العين بالكمأه والقط الهندي في معالجة اللوزتين والتهاب ذات الجنب والصبر في أمراض العين والقروح والثفاء ضد الاستسقاء والسنا ضد الإمساك.
وإذا نظرنا إلى التطور الناتج في الأدوية العشبية في الولايات المتحدة الأمريكية لوجدنا أن الشركات والعملاء الذين يعملـون في تجـارة الأدويــة العشبية هــم 218 شركة. ويقـــول الدكتور دوك فــي مقالتـــه بعنــوان Promising Phytomedicinals أنه يوجد على سطح الأرض ما بين 250،000 ـ 300،000 نوع نباتي من النباتات الزهرية كانت المصدر العلاجي لسكان العالم. واليوم يعتبر 75% من سكان العالم والذي يشكل ثلاث أرباع منهم فقراء لا يزالون يعتمدون على المصادر النباتية. وفي بوليفيا قامت وزارة الصحة مع كلية الطب في الجامعة الوطنية بإعطاء دعم رسمي من أجل العودة إلى طب الأعشاب.
لقد جدول الدكتور دوك عدد 218 نوع من النباتات الهامة بمركباتها الفعالة وأماكن وجودها والتي تدخل حالياً في برامج الرعاية الصحية الأولية. وقد نشرت منظمة الصحة العالمية مونوجرافات مختارة من النباتات الطبية في كتابيها الجزء الأول والثاني بعنوان:
Who monographs on selected medicinal plants volume 1,2 world Health organization, Geneva, 2002
وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية دليلها عام 1992م حول تنظيم طب الأعشاب وذلك من خلال المؤتمرين الرابع الذي عقد في طوكيو والخامس الذي عقد في باريس بشأن نظام الدواء العشبي والسلطة التشريعية له ، وكذلك تنظيم ورشات عمل بشأن نظامية وصناعة الأدوية العشبية وتعميمها على الأسواق التجارية.
وفي مقالة نشرت عن النباتات وصحة الإنسان في القرن الحادي والعشرين مفادها أن الأدوية التي تحتوي على مركبات نباتية لعام 1997م في الأسواق العالمية تساوي 22,608 مليون دولار. وطورت لتساوي 50،688 مليون دولار في عام 2005م.
ونتيجة لهذا التطور في علم طب الأعشاب فقد سنت دساتير الأدوية لطب الأعشاب مثل دستور الأدوية الهندي العشبي الجزء الأول والثاني ودستور الأدوية البريطاني ودستور الأدوية الألماني ودستور الأدوية الأمريكي ودستور الأدوية الصيني بالإضافة إلى الكتاب المرجعي للأطباء في علم الأعشاب PDR of Herbal Medicine على غرار الكتاب المرجعي للأطباء للأدوية المصنعة ، وكذلك قاعدة المعلومات للأدوية العشبية بالإضافة إلى مئات الموسوعات والكتب المؤلفة عن الأدوية العشبية. وفي ضوء هذا التطور الكبير ونتيجة للإقبال المتزايد على الأدوية العشبية في جميع أنحاء العالم وفتح المصانع في البلدان المتطورة لتصنيع الأدوية العشبية وتصديرها إلى أرجاء العالم ، ونظراً للضغط المتزايد على وزارة الصحة السعودية من الشركات العالمية للرغبة في تسجيل مستحضراتها العشبية ، اضطرت الوزارة إلى عمل لائحة للأدوية العشبية على غرار لائحة الأدوية الكيميائية المشيدة وكذلك شكلت لجنة لتسجيل الأدوية العشبية تختلف عن لجنة تسجيل الأدوية الكيميائية المشيدة. وقد بلغ عدد الشركات المسجلة لدى الوزارة أكثر من 230 شركة عالمية وعدد المستحضرات العشبية المسجلة أكثر من 1000 مستحضر عشبي.
وقد أنشأت جامعة الملك سعود مركزاً لأبحاث النباتات الطبية والعطرية والسامة والذي وافق عليه المجلس العلمي بالجامعة في اجتماعه المنعقد في 21 أكتوبر 1984م. كما وافقت الجامعة على إنشاء وحدة للطب البديل بقسم العقاقير بكلية الصيدلة.
ونتيجة للإقبال المتزايد على الأدوية العشبية وفي ضوء هذا التطور الكبير ، وفي ضوء حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على تلبية رغبة المواطنين إلى هذا النوع من الطب وجعله ميسراً لراغبيه ، فقد وجه المقام السامي برقية إلى معالي وزير التعليم العالي برقم 16044 وتاريخ 6/5/1423هـ بتشكيل لجنة في وزارة التعليم العالي تضم في عضويتها وكيل وزارة التعليم العالي والصحة وعمداء كليات الطب وممثلين عن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ومستشفى الملك فيصل التخصصي ومستشفيات الملك فهد للحرس الوطني والقوات المسلحة وقوى الأمن وذلك لدراسة اقتراح وزارة التعليم العالي بإنشاء مركز وطني للطب البديل ويكون مقره مدينة الرياض. وقد اجتمعت اللجنة عدة اجتماعات وأوصت بالموافقة على إنشاء مركز تحت مسمى " المركز الوطني للطب البديل والتكميلي " ويكون مركز وطني مستقل بمجلس إدارة من القطاعات المتعددة ذات العلاقة يرأسه معالي وزير الصحة. وقد شكلت هيئة تنفيذية بوزارة الصحة لمنح تراخيص لمزاولة بعض العلاجات المدرجة تحت الطب البديل.
وفي ضوء ما تقدم فإن إيجابيات التداوي بالأعشاب لا حصر لها وبالأخص عندما تكون هذه الأعشاب قدمت للمريض بعد دراسات مقننة وإكلينيكية ومدروسة درجة أمانها.
أما سلبيات الأدوية العشبية فهناك سلبيات عديدة هذه السلبيات أنتجها الإنسان نفسه فالأعشاب فيها دواء وفيها داء فإذا ما استخدمت الاستخدام الصحيح كانت لها إيجابياتها العظيمة وإذا ما أسيء استخدامها كانت قاتلة ومدمرة. أن المقولة التي يرددها المعالجون الشعبيون والرقاة والعطارين وهي " الأعشاب إذا ما أفادت لم تضر " هذه المقولة خاطئة مائة في المائة فهناك نباتات سامة وقاتلة وهناك نباتات تتلف الكبد والكلى وتسبب العقم وتخثر أو سيولة الدم. ونفس النباتات لها تأثير طبي ولكن يجب عدم صرفها من قبل المعالجين الشعبيين أو العطارين أو الرقاة أو استخدامها استخدام ذاتي من قبل المريض لا بد وأن تكون هذه النباتات موصوفة من قبل مختص يفهم المجموعات الكيميائية فيها والتداخلات التي يمكن أن تحدث لو استخدمت مع أدوية أخرى.
لقد قام قسم العقاقير بكلية الصيدلة بتحليل مئات الوصفات العشبية يقوم بتصنيعها بعض العطارين وبعض المعالجين الشعبيين وتباع في محلات العطارة ولدى المعالجين الشعبيين ولدى بعض محلات بيع العسل ووجد أن هذه الخلطات ملوثة بأنواع البكتريا والفطريات ومغشوشة بأدوية كيميائية مشيدة تسحق وتضاف إلى بعض الأعشاب مثل أدوية السكر والضغط والصرع والصدفية والإكزيما والعقم وفيروسات الكبد والجنس والتسمين والتخسيس وأدوية السرطان والإيدز. هذه المستحضرات المغشوشة تؤدي إلى قتل المريض.
لقد قامت هيئة الغذاء والدواء بالتعاون مع قسم العقاقير بكلية الصيدلة بسحب 45 مستحضراً عشبياً من محلات العطارة وحللتها وأوضحت نتائج التحليل أن هذه المستحضرات قاتلة وقد نشرت جريدة الرياض نتائج التحليل. إن وصف دواء عشبي من قبل أناس لا يعرفون أي شيء عن التداخلات التي تحدث عند سحق الأعشاب مع بعضها البعض يؤدي بالفتك بالمريض ولدينا عدة حالات من الوفيات الذين استخدموا مثل هذه الخلطات العشبية القاتلة.
ونتيجة لهذه السلبيات فقد وجه صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض بتشكيل فرق عمل ميدانية من 5 أجهزة حكومية لمحاصرة محلات العطارة المخالفة والتشديد على سعودة محلات العطارة ومخاطبة الجمارك لمنع دخول المستحضرات العشبية التي لا تحمل تسجيلاً طبياً. كما وجه وزارة الثقافة والإعلام بأعداد خطط توعوية مدروسة تبث عبر وسائل الإعلام وعبر اللوحات الإرشادية والدعائية على الطرقات لتوجيه العامة وتوعيتهم بخطورة تعاطي المستحضرات العلاجية والعشبية التي لا تحمل تسجيل وزارة الصحة أو الهيئة العامة للغذاء والدواء والتنويه عن الأضرار المترتبة على استعمال مثل هذه المستحضرات.
أ.د.جابر القحطاني
رئيس قسم العقاقير ومدير مركز أبحاث النباتات الطبية والعطرية والسامة في جامعة الملك سعود
خلق الله عز وجل النبات على الكرة الأرضية قبل أن تطأها قدم إنسان أو حافر حيوان ، حيث أن النباتات هي الغذاء الأساسي لكل مخلوق حي وبدونه لا وجود للحياة. وكما جعل الله النبات غذاء لا تستغني عنه الحياة فقد أوجد الله منه الدواء للأمراض ، وأعطى الحيوان الذي لا يعقل ولا يفكر غريزة الاهتداء إلى نوع النبات الذي يشفي مرضه ، وترك للإنسان العاقل المفكر أن يهتدي إلى الأعشاب الشافية من الأمراض بالدراسة والتجارب والاستنتاج.
وتاريخ التداوي بالأعشاب قديم جداً يرجع إلى العصور الأولى من التاريخ ، والمواد الشافية في الأعشاب لا تنفرد بجزء واحد له علاقة خاصة بجزء خاص بالجسم دون أن يكون له تأثير آخر في غيره ، كما هو الحال في الأدوية الكيميائية المشيدة ، بل أن يد الخالق جمعتها في عشبه واحدة بمزيج يستحيل على الإنسان أو مصانعه أو مختبراته أن تأتي بمثله.
والتداوي بالأعشاب ليس وليد اليوم ففي الصين يحظى طب الأعشاب منذ آلاف السنين بمكانة مساوية للطب الحديث الغربي وتقوم اليوم كثير من الجامعات الصينية بتدريس طب الأعشاب ويمارس اليوم من قبل ممارسين متدربين تدريباً عالياً ويحظى باعتراف حكومي فعلى سبيل المثال وقعت فرنسا في العام 1995م اتفاقية مع الصين لإنشاء مستشفى في باريس يقوم بالمعالجة عن طريق طب الأعشاب.
وفي الهند يعتبر الطب الأيروفيدي هو الموروث العشبي في الهند والأقاليم المحيطة ، ويعتقد أنه أقدم نظام للعلاج في العالم بل أنه متقدم في الزمن عن الطب الصيني واليوم تشجعه الحكومة بشدة كبديل للطب الغربي الحديث.
وفي أوروبا نشأت الممارسات العشبية الأوروبية من الجذر المشترك الكلاسيكي ، واليوم يلقى طب الأعشاب شهرة متزايدة في أووربا ، ويمارس من قبل ممارسي الطب الحديث فضلاً عن العشابين المؤهلين.
وفي أفريقيا يوجد تنوع عظيم في التراثات العشبية يفوق ما يوجد في أي قارة أخرى. ويرجع الاستخدام العلاجي للأعشاب في أفريقيا إلى أقدم الأزمنة ، وتؤكد الكتابات المصرية القديمة أن الأدوية العشبية كانت تحظى بتقدير كبير من آلاف السنين في شمال أفريقيا. وتضم بردية إيبرز (1500ق.م ) وهي إحدى أقدم النصوص الطبية الباقية أكثر من 870 وصفة و 700 عشبه طبية.
أما في استراليا فتعتبر من أقدم الثقافات المستمرة على الأرض وتعتبر موطن لتراث عشبي قديم فقد طور سكان استراليا الأصليون ، الذين يعتقد أنهم استقروا في استراليا منذ ما يزيد على 6000 سنة فهما تجريبياً معقداً للنباتات المحلية وكثير منها تنفرد بها استراليا دون غيرها. وتعتبر استراليا مركز استقطاب للطب الأندنونسي والنيوزلندي والأيروفيدي. ويجرى الآن استكشافات القدرات الكامنة في كثير من الأعشاب المحلية ومـــن أبرزها القسطل الاسترالي (Castonospermum australe) وهي إحدى عدة نباتات طبية ذات إمكانية كامنة في معالجة الإيدز.
وبالنسبة لأمريكا الشمالية فلم تصمد كثيراً من التراثات العشبية القديمة في أمريكا الشمالية في وجه تدفق المستوطنين الأوروبيين فحسب بل ساعدت أيضاً في إعادة تنشيط طب الأعشاب الغربي ، ويمارس اليوم طب الأعشاب في أجزاء من أمريكا الوسطى على نحو واسع في حين أنه أخذ يستعيد شهرته في الولايات المتحدة وكندا.
وفي الجزيرة العربية حيث مهبط الوحي تداوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأعشاب وأمر أصحابه وأمته بالتداوي فقد قال عليه الصلاة والسلام " لكل داء دواء فإذا أصاب الداء برأ بإذن الله عز وجل " رواه مسلم. وعن أسامة بن شريك قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا : يا رسول الله أنتداوى؟ فقال نعم يا عباد الله تداووا فإن الله ما يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد فقالوا : ما هو يا رسول الله ؟ فقال : الهرم. أخرجه الترمذي والإمام أحمد في مسنده. لقد نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته وأصحابه بالتداوي بالأعشاب التي كانت موجودة في زمنه ، ولا زال ومنه التداوي بالحبة السوداء والحنا ، ومداواة العين بالكمأه والقط الهندي في معالجة اللوزتين والتهاب ذات الجنب والصبر في أمراض العين والقروح والثفاء ضد الاستسقاء والسنا ضد الإمساك.
وإذا نظرنا إلى التطور الناتج في الأدوية العشبية في الولايات المتحدة الأمريكية لوجدنا أن الشركات والعملاء الذين يعملـون في تجـارة الأدويــة العشبية هــم 218 شركة. ويقـــول الدكتور دوك فــي مقالتـــه بعنــوان Promising Phytomedicinals أنه يوجد على سطح الأرض ما بين 250،000 ـ 300،000 نوع نباتي من النباتات الزهرية كانت المصدر العلاجي لسكان العالم. واليوم يعتبر 75% من سكان العالم والذي يشكل ثلاث أرباع منهم فقراء لا يزالون يعتمدون على المصادر النباتية. وفي بوليفيا قامت وزارة الصحة مع كلية الطب في الجامعة الوطنية بإعطاء دعم رسمي من أجل العودة إلى طب الأعشاب.
لقد جدول الدكتور دوك عدد 218 نوع من النباتات الهامة بمركباتها الفعالة وأماكن وجودها والتي تدخل حالياً في برامج الرعاية الصحية الأولية. وقد نشرت منظمة الصحة العالمية مونوجرافات مختارة من النباتات الطبية في كتابيها الجزء الأول والثاني بعنوان:
Who monographs on selected medicinal plants volume 1,2 world Health organization, Geneva, 2002
وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية دليلها عام 1992م حول تنظيم طب الأعشاب وذلك من خلال المؤتمرين الرابع الذي عقد في طوكيو والخامس الذي عقد في باريس بشأن نظام الدواء العشبي والسلطة التشريعية له ، وكذلك تنظيم ورشات عمل بشأن نظامية وصناعة الأدوية العشبية وتعميمها على الأسواق التجارية.
وفي مقالة نشرت عن النباتات وصحة الإنسان في القرن الحادي والعشرين مفادها أن الأدوية التي تحتوي على مركبات نباتية لعام 1997م في الأسواق العالمية تساوي 22,608 مليون دولار. وطورت لتساوي 50،688 مليون دولار في عام 2005م.
ونتيجة لهذا التطور في علم طب الأعشاب فقد سنت دساتير الأدوية لطب الأعشاب مثل دستور الأدوية الهندي العشبي الجزء الأول والثاني ودستور الأدوية البريطاني ودستور الأدوية الألماني ودستور الأدوية الأمريكي ودستور الأدوية الصيني بالإضافة إلى الكتاب المرجعي للأطباء في علم الأعشاب PDR of Herbal Medicine على غرار الكتاب المرجعي للأطباء للأدوية المصنعة ، وكذلك قاعدة المعلومات للأدوية العشبية بالإضافة إلى مئات الموسوعات والكتب المؤلفة عن الأدوية العشبية. وفي ضوء هذا التطور الكبير ونتيجة للإقبال المتزايد على الأدوية العشبية في جميع أنحاء العالم وفتح المصانع في البلدان المتطورة لتصنيع الأدوية العشبية وتصديرها إلى أرجاء العالم ، ونظراً للضغط المتزايد على وزارة الصحة السعودية من الشركات العالمية للرغبة في تسجيل مستحضراتها العشبية ، اضطرت الوزارة إلى عمل لائحة للأدوية العشبية على غرار لائحة الأدوية الكيميائية المشيدة وكذلك شكلت لجنة لتسجيل الأدوية العشبية تختلف عن لجنة تسجيل الأدوية الكيميائية المشيدة. وقد بلغ عدد الشركات المسجلة لدى الوزارة أكثر من 230 شركة عالمية وعدد المستحضرات العشبية المسجلة أكثر من 1000 مستحضر عشبي.
وقد أنشأت جامعة الملك سعود مركزاً لأبحاث النباتات الطبية والعطرية والسامة والذي وافق عليه المجلس العلمي بالجامعة في اجتماعه المنعقد في 21 أكتوبر 1984م. كما وافقت الجامعة على إنشاء وحدة للطب البديل بقسم العقاقير بكلية الصيدلة.
ونتيجة للإقبال المتزايد على الأدوية العشبية وفي ضوء هذا التطور الكبير ، وفي ضوء حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على تلبية رغبة المواطنين إلى هذا النوع من الطب وجعله ميسراً لراغبيه ، فقد وجه المقام السامي برقية إلى معالي وزير التعليم العالي برقم 16044 وتاريخ 6/5/1423هـ بتشكيل لجنة في وزارة التعليم العالي تضم في عضويتها وكيل وزارة التعليم العالي والصحة وعمداء كليات الطب وممثلين عن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ومستشفى الملك فيصل التخصصي ومستشفيات الملك فهد للحرس الوطني والقوات المسلحة وقوى الأمن وذلك لدراسة اقتراح وزارة التعليم العالي بإنشاء مركز وطني للطب البديل ويكون مقره مدينة الرياض. وقد اجتمعت اللجنة عدة اجتماعات وأوصت بالموافقة على إنشاء مركز تحت مسمى " المركز الوطني للطب البديل والتكميلي " ويكون مركز وطني مستقل بمجلس إدارة من القطاعات المتعددة ذات العلاقة يرأسه معالي وزير الصحة. وقد شكلت هيئة تنفيذية بوزارة الصحة لمنح تراخيص لمزاولة بعض العلاجات المدرجة تحت الطب البديل.
وفي ضوء ما تقدم فإن إيجابيات التداوي بالأعشاب لا حصر لها وبالأخص عندما تكون هذه الأعشاب قدمت للمريض بعد دراسات مقننة وإكلينيكية ومدروسة درجة أمانها.
أما سلبيات الأدوية العشبية فهناك سلبيات عديدة هذه السلبيات أنتجها الإنسان نفسه فالأعشاب فيها دواء وفيها داء فإذا ما استخدمت الاستخدام الصحيح كانت لها إيجابياتها العظيمة وإذا ما أسيء استخدامها كانت قاتلة ومدمرة. أن المقولة التي يرددها المعالجون الشعبيون والرقاة والعطارين وهي " الأعشاب إذا ما أفادت لم تضر " هذه المقولة خاطئة مائة في المائة فهناك نباتات سامة وقاتلة وهناك نباتات تتلف الكبد والكلى وتسبب العقم وتخثر أو سيولة الدم. ونفس النباتات لها تأثير طبي ولكن يجب عدم صرفها من قبل المعالجين الشعبيين أو العطارين أو الرقاة أو استخدامها استخدام ذاتي من قبل المريض لا بد وأن تكون هذه النباتات موصوفة من قبل مختص يفهم المجموعات الكيميائية فيها والتداخلات التي يمكن أن تحدث لو استخدمت مع أدوية أخرى.
لقد قام قسم العقاقير بكلية الصيدلة بتحليل مئات الوصفات العشبية يقوم بتصنيعها بعض العطارين وبعض المعالجين الشعبيين وتباع في محلات العطارة ولدى المعالجين الشعبيين ولدى بعض محلات بيع العسل ووجد أن هذه الخلطات ملوثة بأنواع البكتريا والفطريات ومغشوشة بأدوية كيميائية مشيدة تسحق وتضاف إلى بعض الأعشاب مثل أدوية السكر والضغط والصرع والصدفية والإكزيما والعقم وفيروسات الكبد والجنس والتسمين والتخسيس وأدوية السرطان والإيدز. هذه المستحضرات المغشوشة تؤدي إلى قتل المريض.
لقد قامت هيئة الغذاء والدواء بالتعاون مع قسم العقاقير بكلية الصيدلة بسحب 45 مستحضراً عشبياً من محلات العطارة وحللتها وأوضحت نتائج التحليل أن هذه المستحضرات قاتلة وقد نشرت جريدة الرياض نتائج التحليل. إن وصف دواء عشبي من قبل أناس لا يعرفون أي شيء عن التداخلات التي تحدث عند سحق الأعشاب مع بعضها البعض يؤدي بالفتك بالمريض ولدينا عدة حالات من الوفيات الذين استخدموا مثل هذه الخلطات العشبية القاتلة.
ونتيجة لهذه السلبيات فقد وجه صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض بتشكيل فرق عمل ميدانية من 5 أجهزة حكومية لمحاصرة محلات العطارة المخالفة والتشديد على سعودة محلات العطارة ومخاطبة الجمارك لمنع دخول المستحضرات العشبية التي لا تحمل تسجيلاً طبياً. كما وجه وزارة الثقافة والإعلام بأعداد خطط توعوية مدروسة تبث عبر وسائل الإعلام وعبر اللوحات الإرشادية والدعائية على الطرقات لتوجيه العامة وتوعيتهم بخطورة تعاطي المستحضرات العلاجية والعشبية التي لا تحمل تسجيل وزارة الصحة أو الهيئة العامة للغذاء والدواء والتنويه عن الأضرار المترتبة على استعمال مثل هذه المستحضرات.