لكل داء دواء



لكل داء دواء

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَبِهِ نَسْتَعِينُ
مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ ، أَئِمَّةُ الدِّينِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فِي رَجُلٍ ابْتُلِيَ بِبَلِيَّةٍ وَعَلِمَ أَنَّهَا إِنِ اسْتَمَرَّتْ بِهِ أَفْسَدَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ ، وَقَدِ اجْتَهَدَ فِي دَفْعِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ ، فَمَا يَزْدَادُ إِلَّا تَوَقُّدًا وَشِدَّةً ، فَمَا الْحِيلَةُ فِي دَفْعِهَا ؟ وَمَا الطَّرِيقُ إِلَى كَشْفِهَا ؟ فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَعَانَ مُبْتَلًى ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِأَخِيهِ ، أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى .

فَأَجَابَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُفْتِي الْمُسْلِمِينَ ، شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَيُّوبَ إِمَامِ الْمَدْرَسَةِ الْجَوْزِيَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .

لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ

الْحَمْدُ لِلَّهِ

أَمَّا بَعْدُ : فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً .

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أَصَابَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ .

وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ ، وَفِي لَفْظٍ : إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً ، أَوْ دَوَاءً ، إِلَّا دَاءً وَاحِدًا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هُوَ ؟ قَالَ : الْهَرَمُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ .

دَوَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ

[ ص: 8 ]

وَهَذَا يَعُمُّ أَدَوَاءَ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ وَالْبَدَنِ وَأَدْوِيَتِهَا ، وَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَهْلَ دَاءً ، وَجَعَلَ دَوَاءَهُ سُؤَالَ الْعُلَمَاءِ .

فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ ، فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ، ثُمَّ احْتَلَمَ ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ : هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ ؟ قَالُوا : مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً ، وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ ، فَاغْتَسَلَ ، فَمَاتَ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ أُخْبِرَ بِذَلِكَ ، فَقَالَ : قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا ؟ فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ - أَوْ يَعْصِبَ - عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَيْهَا ، وَيَغْسِلُ سَائِرَ جَسَدِهِ .

فَأَخْبَرَ أَنَّ الْجَهْلَ دَاءٌ ، وَأَنَّ شِفَاءَهُ السُّؤَالُ .


الْجَوَابُ الْكَافِي لِمَنْ سَأَلَ عَنْ الدَّوَاءِ الشَّاِفي
أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية