حرصا من المشرع على استقرار المعاملات، فقد اشترط لقيام ضمان البائع لعيوب المبيع توافر شروط معينة في العيب
و هي أن يكون مؤثرا، خفيا، قديما، و هذه الشروط تنصرف إلى العيب، بمعنى الآفة الطارئة .
1 ـ أن يكون العيب مؤثرا : هو العيب الجسيم الذي يُنقص من قيمة المبيع نقصاً محسوساً أو يجعله غير صالح للاستعمال في ما أُعدّ له بحسب ماهيّته أو بمقتضى عقد البيع؛ فينشأ عنه موجب الضمان.
فتعبر عنه المادة 379/1 ق.م.ج و يعبر عنه المشرع الفرنسي في المادة 1641 ونصها كالآتي : ( إن البائع يلتزم بضمان العيوب الخفية في المبيع التي تجعله غير صالح للاستعمال المقرر له التي تنقص من صلاحيته لهذا الاستعمال لدرجة أن المشترى لم يكن ليشتريه أو لم يكن ليدفع فيه إلا ثمنا أقل، فيما لو علم بهذا العيب ).
أما إذا لم يكن العيب محسوساً بل كان خفيفاً أو طفيفا بحيث لا يترتب عليه سوى نقص في بعض الأمور الثانوية الكمالية بالنسبة للمشتري، فلا يكون موجباً للضمان.
كذلك لا يكون موجباً للضمان العيب المتسامح به عُرفاً (بحسب العرف السائد، أي العادة التي درج الناس على إتباعها في زمن معيّن مع اعتقادهم الراسخ بإلزاميتها وبوجوب تطبيقها) كاحتواء القمح كمية مألوفة من الأتربة، ...إلخ.
وإذا كان المبيع من الأشياء التي لا تُعرَف حقيقة حالها إلاّ بإحداث تغيير فيها، كالأثمار ذات الغلاف اليابس (مثلاً البطيخ واللوز و الجوز والبندق...)، فالبائع لا يضمن العيوب الخفيّة فيه إلا إذا تعهد صراحة بذلك أو إذا كان العرف المحلّي يوجب عليه هذا الضمان.
وعلى كلّ، فإنّ تقدير ما إذا كان العيب مؤثراً أم لا، أمر يعود للقاضي الذي يعتمد في هذا المجال المعيار الموضوعي بصرف النظر عمّا يكون قد قصده المشتري بصورة خاصة وغير متوقعة، إلاّ إذا عُيّن هذا القصد الخاص في متن العقد.
أي أن العيب المؤثر حسب النص المذكور ( هو العيب الذي يجعل المبيع غير صالح للاستعمال الذي أعد له و التي تنقص هذا الاستعمال إلى حد أن المشترى ما كان ليشتريه ...) إذن يجب أن يكون العيب الموجب للضمان على قدر من الجسامة بحيث ينقص من قيمة الشيء أو من نفعه بالقدر المحسوس.
لكن نقص القيمة لشيء معين يختلف عن نقص المنفعة لذلك الشيء، و كمثال عن نقص قيمة الشيء دون نقص منفعته: أن يشترى شخص سيارة صالحة للسير و لجميع الأغراض المقصودة منها، لكن في مقاعدها أو في أقسام أخرى منها عيب من شأنه أن يؤدي إلى تخفيض في قيمتها تخفيضا محسوسا، و بالرغم من ذلك كان للمشترى الرجوع على البائع بضمان العيب الخفي.
2 ـ أن يكون العيب قديما: قِدَم العيب هو من الشروط الواجب توافرها لكي يتحقق موجب الضمان على البائع. والمقصود بالعيب القديم، العيب السابق للبيع أو على وجه أصحّ، العيب الموجود قبل انتقال الملكية إلى المشتري أو عند انتقالها كحدّ أقصى (في الأشياء المِثلية يؤخَذ بوقت التسليم، أما في الأشياء العينية فيؤخَذ بوقت انعقاد البيع).
أما إذا كان العيب ممّا لا يظهر إلاّ بعد انعقاد البيع وانتقال الملكية، فيكون الضمان واجباً على البائع، مثال ذلك أن يشتري أحدهم حيواناً فيه جرثومة لمرضٍ ما، ويتمكّن من إثبات وجودها في الحيوان قبل استلامه، و تجدر الإشارة إلى أنّه إذا كان انتشار المرض أو العيب يعود إلى خطأ وإهمال من المشتري، فعلى هذا الأخير أن يتحمّل وحده الضرر، فمَنْ يشتري مثلاً سيارة ويُلاحظ أنّ الحرارة تزداد في محرّكها عن المعدّل العادي، ومع ذلك لا يعمد إلى فحصه مُهملاً تزويده بالزيت، فيُعْطَب، لا يحقّ له المطالبة بالضمان، أما إذا كان الاستعمال السيّئ للشيء فقط عاملاً مُساعداً في ظهور العيب من دون التسبّب في نشوئه، فيبقى الضمان واجباً على عاتق البائع، وقد يرى القاضي توزيع المسؤولية بين البائع والمشتري إذا كان خطأ هذا الأخير قد شارك جزئياً في عملية إظهار العيب، إنّ عبء إثبات قِدَم العيب يقع على عاتق المشتري أما عبء إثبات خطأ المشتري في الاستعمال، فيبقى على عاتق البائع، والإثبات في الحالتين ممكن بكافة الوسائل)، و بذلك يكون المشرع الجزائري قد ربط ووحد بين ضمان العيب و تبعة الهلاك، إذا العبرة فيهما بالتسليم.
إضافة إلى ذلك هناك نقطة تتطلب التوضيح، وهي حالة ما إذا لم يظهر العيب إلا بعد التسليم، فكيف نحمل المشترى هذه الخسارة ؟ في حين أن العيب أو الجرثومة كانت موجودة في المبيع قبل العقد أو قبل التسليم ؟ مثال على هذه الحالة : أن يباع حيوان به جرثومة المرض التي لم تظهر إلا بعد التسليم، و هنا يقع الضمان على عاتق البائع لأن جرثومة المرض موجودة في المبيع عند تسليمه للمشترى.
وهذا هو موقف الفقه الإسلامي الذي يعتبر العيب الحادث عند المشترى بسبب قديم، هو بمثابة عيب قديم، و يعلل فقهاء الشريعة ذلك في بيع العبيد، فلو ارتكب العبد جناية عند مولاه ثم باعه، و بعد ذلك ظهرت جنايته فقضى عليه بعقوبتها أي ( الجناية ) كان ذلك موجبا خيار العيب للمشترى.
و لكن رغم ذلك، حتى يضمن البائع العيوب التي تلحق بالمبيع بعد التسليم، يجب على المشترى أن يثبت أن هذا العيب كان كامنا في المبيع و لم يظهر إلا بعد التسليم.
3 ـ أن يكون العيب خفيا: بالإضافة إلى شرطي التأثير و القدم، يشترط في العيب أيضا أن يكون خفيا و غير معلوم للمشترى، و العيب الخفي هو العيب الذي يكون موجودا وقت المبيع و لكن ليس بوسع المشترى تبينه أو اكتشافه و لو فحص المبيع بعناية الرجل العادي، كما تنص عليه المادة 379 ق.م.ج و مفاد ذلك أن الشخص المتوسط الفطنة لا يستطيع أن يكتشفه إلا إذا فحص المبيع خبير ، أو محلل فني أو كيميائي أو الطبيب .
مثال: أحد كبار المزارعين اشترى بذورا لزرعها، فزرعها لكنها لم تنبت لكون بعضها مسوسا، فرفع هذا المزارع دعوى ضمان العيب على البائع، لكن المحكمة رفضت دعواه لكون هذا العيب الملحق بالبذور عيبا ظاهرا و باعتباره من كبار المزارعين لا يصعب عليه كشف تسوس هذه البذور عند تسليمها إليه من البائع.
إذن البائع لا يضمن العيوب الظاهرة أي العيوب التي باستطاعة الرجل المعتاد اكتشافها بالفحص العادي، لأن العيب ليس خفيا و لو لم يتبينه المشترى لكونه مقصرا حينئذ في عدم الانتباه إليه ـ إلا إذا كان غائبا عن مجلس العقد ـ فهنا كل عيب يعتبر من العيوب الخفية و لو كان العيب ظاهرا ما لم يعلمه المشترى، أما في الفقه الإسلامي، فلم يشترط مثل هذا الشرط، فمذهب الحنفية مثلا يرى أن هناك بعض العيوب يشترط فيها الضمان رغم أنها عيوب ظاهرة، كأن يكون العبد أعمى أو عسرا .
و من خلال ما سبق ـ ما عدا الفقه الإسلامي ـ فإن البائع لا يكون مسؤولا عن العيوب الظاهرة التي كان بإمكان المشترى اكتشافها لو أنه فحص المبيع بعناية الرجل العادي، إلا أنه استثناء مما سبق، نص المشرع الجزائري على حالتين يكون فيهما البائع مسؤولا عن العيب، و لو كان ظاهرا و هما:
الحالة الأولى : حالة ما إذا أثبت المشترى أن البائع كان قد أكد له خلو المبيع من العيب، لأن المشترى يكون بذلك قد اعتمد على قول البائع.
الحالة الثانية : عندما يثبت المشترى أن البائع قد تعمد إخفاء العيب عنه غشا منه، لأن اكتشاف العيب حينئذ لا يكفي فيه نباهة و فحص الرجل المعتاد، مثل طلاء شرخ في جدار المنزل دون إصلاحه.
4 ـ ألا يكون العيب معلوما للمشترى: فلو كان المشترى عالما بالعيب سقط الضمان و لو كان خفيا، لأن علمه بالعيب هذا يدل على رضائه بالمبيع، و العبرة بتاريخ العلم بالعيب في المبيع ـ العلم الحقيقي ـ و هو وقت التسليم أو وقت الفرز لأنه الوقت الذي يتاح فيه عمليا للمشترى الإطلاع على العيب.
و بالتالي يقع على البائع عبء إثبات علم المشترى بالعيب أي القول بأن المشترى كان يعلم بوجود العيب وقت تسلم المبيع، و الإثبات واقعة مادية، يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات، أما إذا لم يثبت ذلك، افترض أن المشترى غير عالم بالعيب، و بالتالي وجب على البائع الضمان.
أما موقف الفقه الإسلامي، فيجعل قبض المشترى للمبيع الذي علم بعيبه بعد العقد مسقطا لحقه في الرد، وليس له الرجوع على البائع بالتعويض، أما بالنسبة للبائع، فلا عبرة بجهله العيب أو إخفائه عنه، فهو يضمنه دائما و قد يترتب على علمه به دون إخبار المشترى به صدور غش منه أو تدليس، مما ينجم عنه تشديد مسؤوليته، هذا و يضيف فقهاء الشريعة الإسلامية شروطا أخرى للعيب الخفي مثل عدم اشتراط البراءة من العيب، ألا يزول العيب فبل فسخ البيع، ألا يكون العيب طفيفا، أن تكون السلامة من العيب غالبة في مثل المبيع المعيب.