--------------------------------------------------------------------------------
محاضرات في مقياس القانون الإداري
مقدمة عامة
تنقسم القواعد القانونية التي تنظم كل مجتمع إنساني إلى قواعد قانونيةتنظم العلاقات التي تنشأ بين الأفراد ، وقد أصطلح على تسميتها بالقانونالخاص ومن فروعه القانون المدني والقانون التجاري وقانون المرافعات . أماالنوع الأخر من القواعد فينظم العلاقات التي تنشأ بين الدول أو بين الدولةوهيأتها العامة من ناحية والأفراد من ناحية أخرى عندما تظهر الدولة بمظهرالسلطة العامة .
وقد أصطلح على هذا النوع من القواعد القانونية بالقانون العام ، ومن فروعهالقانون الدولي العام والقانون الدستوري والقانون الإداري والقانون المالي .
ومن المعروف أن القانون الإداري فرع من فروع القانون العام الداخلي – تمييزاً له عن القانون العام الخارجي الذي ينظم العلاقات بين الدول – والذي يهتم بسلطات الإدارة العامة من ناحية تكوينها ونشاطها وضمان تحقيقهاللمصلحة العامة من خلال الإمتيازات الاستثنائية التي تقررها قواعد القانونالإداري .
وعلى ذلك فإن القانون الإداري يختلف اختلافا جوهريا عن القانون الخاصلاختلاف العلاقات القانونية التي يحكمها ، واختلاف الوسائل التي تستخدمهاالسلطات الإدارية في أدائها لوظيفتها من الوسائل قانونية ومادية وبشرية .
وقد ساهم التطور الكبير في الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ،وازدياد نشاط الدولة وتدخلها في هذه المجالات وعدم كفاءتها بدورها السابقفي الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي ، في تضاعف دور القانون الإداريومساهمة في وضع الوسائل المناسبة لإدارة دفة نشاط السلطة العامة .
وفي هذه الدراسة نتشرف بتقديم المبادئ العامة التي يقوم عليها القانونالإداري ، والذي يمثل المنهج الدراسي للمرحلة الثانية في كليات القانون.
وقد اتبعنا في هذه الدراسة خطة البحث التالية:-
الباب التمهيدي :طبيعة القانون الإداري .
الباب الأول : التنظيم الإداري .
الباب الثاني : نشاط الإدارة العامة .
الباب الثالث: الوظيفة العامة .
لباب الرابع: القرارات الإدارية .
الباب الخامس:العقود الإدارية .
الباب التمهيدي
طبيعة القانون الإداري
لابد قبل البحث في موضوع القانون الإداري أن نتبين بعض المسائل التي تلقيالضوء على هذا القانون من حيث طبيعته , فنبين التعريف بالقانون الإداريونشأته في دولته الأم فرنسا ثم في مصر التي كان لها دور الريادة في العالمالعربي وبعد ذلك في العراق , ثم نذكر خصائص ومصادر هذا القانون.
ولعل من أهم ما سنبحثه في هذا الباب أساس القانون الإداري ونطاق تطبيقهومعيار اختصاص القضاء الإداري , ومن خلال هذا الموضوع نبين المعيار الذينستطيع أن نقرر فيه أن نشاط الإدارة يدخل ضمن نطاق هذا القانون ويختص بهالقضاء الإداري أم لا .
وعلى ذلك سنقسم هذا الباب إلى فصول خمس :
الفصل الأول : التعريف بالقانون الإداري .
الفصل الثاني : نشأة القانون الإداري .
الفصل الثالث : خصائص ومصادر القانون الإداري .
الفصل الرابع : أساس القانون الإداري .
الفصل الأول
التعريف بالقانون الإداري
درج أغلب الفقهاء على تعريف القانون الإداري بأنه ذلك الفرع من فروعالقانون العام الداخلي الذي يتضمن القواعد القانونية التي تحكم السلطاتالإدارية في الدولة من حيث تكوينها ونشاطها بوصفها سلطات عامة تملك حقوقاًوامتيازات استثنائية في علاقاتها بالأفراد.( )
بينما عرفه آخرون بأنه فرع من فروع القانون العام الذي يحكم الإدارة , أوقانون الإدارة العامة Administration Publique أو قانون السلطة الإدارية Pouvoir Administratif . ( )
في حين عرفه البعض بأنه القانون الذي يتضمن القواعد التي تحكم إدارة الدولة من حيث تكوينها ونشاطها باعتبارها سلطة عامة . ( )
ونجد هنا أنه من المناسب أن نبين أن القانون يقسم إلى قسمين رئيسيين , قانون عام وقانون خاص , القانون العام هو القانون الذي ينظم نشاط الدولةوسلطاتها العامة , ويحكم العلاقات القانونية التي تكون الدولة أو إحدىهيئاتها العامة طرفاً فيها , وتظهر فيها الدولة بوصفها سلطة عامة تتمتعبحقوق وامتيازات استثنائية لا مقابل لها في علاقات الأفراد .
أما القانون الخاص فينظم نشاط الأفراد ويحكم العلاقات بينهم أو بينهم وبينالدولة أو إحدى هيئاتها عندما تظهر بمظهر الأفراد العاديين أي ليس بوصفهاسلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات استثنائية .
ويشتمل كل قسم من هذين القسمين على عدة فروع فيشتمل القانون العام علىالقانون العام الخارجي ويتضمن القانون الدولي العام , والقانون العامالداخلي ويتضمن القانون الدستوري والقانون الإداري والقانون المالي .
في حين ينقسم القانون الخاص إلى القانون المدني والقانون التجاري وقانون المرافعات المدينة وغيرها من القوانين الأخرى .
وكما بينا فأن القانون الإداري هو فرع من فروع القانون العام الداخلي يحكمنشاط الإدارة العامة وهو موجود في كل دولة أياً كان مستواها وتطورهاالحضاري .
وفي هذا المجال يسود مفهومان للإدارة العامة المفهوم العضوي أو الشكلي, والمفهوم الموضوعي أو الوظيفي .
المفهوم العضوي : يهتم بالتكوين الداخلي للإدارة العامة , فيعرف الإدارةالعامة بأنها السلطة الإدارية سواء المركزية منها أو اللامركزية , وجميعالهيئات التابعة لها .
بينما يهتم المفهوم الموضوعي بالجانب الوظيفي , فيعرف الإدارة العامةبأنها النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لإشباع الحاجاتالعامة.
وتبعاً لذلك فإن القانون الإداري بمعناه العضوي هو القانون الذي يحكمالسلطة الإدارية أو الأجهزة الإدارية في الدولة , بينما يمكننا أن نعرفالقانون الإداري بمعناه الموضوعي بأنه القانون الذي يحكم النشاط أوالوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة .
وقد اختلف الفقه في ترجيح أحد المفهومين إلا أن الاتجاه الحديث يقوم علىالجمع بينهما ويعرف القانون الإداري بأنه : " القانون الذي ينظم الأجهزةوالهيئات الإدارية في الدولة , ويحكم النشاط أو الوظيفة التي تتولاهاالأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة " .
علاقة القانون الإداري بفروع القانون الأخرى :
من المهم أن نبين استقلال القانون الإداري عن فروع القانون الأخرى من خلالبيان علاقته بهذه القوانين وتحديد أوجه الاتفاق والاختلاف بينها ثم بيانعلاقته بعلم الإدارة العامة.
1. العلاقة بين القانون الإداري والقانون الدستوري
أوضحنا أن القانون الإداري هو القانون الذي ينظم الأجهزة والهيئاتالإدارية في الدولة , ويحكم النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزةالإدارية لتحقيق المصلحة العامة .
أما القانون الدستوري : فهو القانون الأعلى والأساس في الدولة , والذيينظم القواعد القانونية التي تتعلق بنظام الحكم في الدولة والسلطات العامةفيها والعلاقة بينهما وحقوق وحريات الأفراد , والضمانات التي تكفلها .
وعلى هذا فإن القانون الإداري وثيق الصلة بالقانون الدستوري , فإذا كانالقانون الإداري يحكم السلطة الإدارية المركزية وغير المركزية , فإنالقانون الدستوري هو القانون الأساسي والذي يسمو على كافة القوانين الأخرىالتي يجب أن تتقيد به وتحترم نصوصه .
وبمعنى آخر يضع القانون الدستوري الأحكام الكلية أو العامة للسلطةالتنفيذية , بينما يضع القانون الإداري القواعد التفصيلية التي تكفل تشغيلالأجهزة الإدارية وأدائها لوظيفتها , فالقانون الإداري يكون بذلك امتداداًللقانون الدستوري . ( )
وهو ما أبرزه الفقيه (بارتلمي) في معرض تمييزه بين القانون الإداريوالقانون الدستوري فقال : " أن القانون الدستوري يبين لنا كيف شيدت الآلةالحكومية , أما القانون الإداري فيبين كيف تسير هذه الآلة وكيف تقوم كلقطعة منها بوظيفتها " . ( )
وبسبب تداخل كل من القانونين لتعلقهما بالشؤون الداخلية للمجتمع كونهمايمثلان فرعين من فروع القانون العام الداخلي , نجد أن الفقه الإنجليزي لايفرق بين القانون الدستوري والقانون الإداري ويدرس موضوعات القانونين معاً .
ومع أن الفقه الفرنسي في معضمه يميز بينهما , فإن جانباً في الفقه ذهب إلىانتقاد محاولات التمييز بين القانون الإداري والقانون الإداري , ودعى إلىدراستهما معاً , وتزعم هذا الاتجاه الفقيه دوجي Dugui وجيزJeze , وبوتارBonnaed . ( )
ويمكن إجمال أوجه التمييز بين القانونين بالآتي :-
أ - من حيث الموضوع :- يبحث القانون الدستوري في التنظيم السياسي للدولةمن حيث تكوين سلطات الدولة الثلاث والعلاقة بينهما , في حين يبحث القانونالإداري في أعمال السلطة التنفيذية الإدارية منها دون الحكومية .
ب- من حيث تدرج القوانين :- يحتل القانون الدستوري قمة الهرم القانوني فيالدولة لأنه يقرر المبادئ الأساسية التي لا يمكن أن تتعداها القوانينالأخرى بما فيها القانون الإداري الذي يحكم بعض المسائل المتفرعة فيالمبادئ التي أقرها الدستور .
2- علاقة القانون الإداري بالقانون المالي
القانون المالي هو مجموعة القواعد القانونية الخاصة بإدارة الأموال العامةفي الدولة, وهو مكمل للقانون الإداري الذي يتعلق بتنظيم الأجهزة والهيئاتالإدارية , ويوضح النظام القانوني الذي يحكم الأموال العامة والحمايةالقانونية المقررة لهذه الأموال , وكيفية الانتفاع بها , ومن موضوعات هذاالقانون كل ما يدخل ضمن إعداد الميزانية العامة في الدولة وسياسة وأنواعالضرائب المفروضة والأشراف والرقابة عليها .
3- علاقة القانون الإداري بعلم الإدارة العامة
يتميز القانون الإداري عن علم الإدارة العامة من حيث زاوية اهتمام كلمنهما فالقانون الإداري يبحث في التنظيم القانوني للجهاز الإداري ووظيفةكل عنصر في عناصره وعلاقته بالأفراد , بينما تبحث الإدارة العامة فيالنواحي الفنية والتنظيمية للجهاز الإداري ويمكن تعريفها بأنها ذلك العلمالذي يهتم بدراسة تنظيم وتوجيه وتنسيق نشاط المنظمة الإدارية لتحقيقأهدافها العامة على أكمل وجه .
وكما بينا تشتمل الإدارة العامة على مفهومين , مفهوم عضوي , يهتم بدراسةهيكل المنظمات الإدارية وفروعها , دون البحث في طبيعة النشاط الصادر منها , ومفهوم موضوعي يهتم بدراسة النشاط الإداري لهذه المنظمات بصرف النظر عنشكل المنظمة التي صدر النشاط عنها .
ويظهر الاختلاف بين الإدارة العامة والقانون الإداري من خلال طريقة دراسةالموضوع الإداري محل البحث , فالقانون الإداري عندما يبحث في تعريف القرارالإداري فإنه يركز عليه كعمل قانوني صادر بالإرادة المنفردة للسلطةالإدارية ويتضمن أثراً قانونياً , كذلك يبحث في مشروعية القرار الإداريوشروط صحته ونفاذه , وكيفية الطعن بالإلغاء والتعويض ضد القرارات غيرالمشروعة .
في حين يعرف علم الإدارة العامة القرار الإداري في خلال البحث في الكيفيةالعلمية والواقعية التي صدر على أساسها القرار وعملية صنعه والمراحلالمختلفة التي مرت بها تلك العملية واكتشاف العيوب والمشاكل التي قد تعيقهذه العملية واقتراح سبل إصلاحها . ( )
وفي مجال الوظيفة العامة يبحث القانون الإداري في المركز القانوني للموظفالعام وطبيعة علاقته بالدولة وشروط تعيينه وحقوقه وواجباته والعقوباتالتأديبية التي يمكن إيقاعها عليه وضماناته تجاهها , ويبحث في طرق انتهاءعلاقته الوظيفية , وما إلى ذلك من أمور تنظمها في الغالب نصوص قانونية .
أما الإدارة العامة فتبحث الوظيفة العامة من ناحيتين , الناحية التنظيميةفيدرس علم الإدارة العامة طبيعة الوظيفة العامة وأسس ترتيب الوظائف العامة , وتحديد اختصاص ومواصفات كل وظيفة .
والناحية البشرية حيث تبحث الإدارة العامة عن أفضل نظام إداري لتطبيقه علىالعاملين في المنظمة الإدارية , وتعرض لطرق اختيارهم ,ووسائل رفع كفاءتهموتدريبهم , والارتفاع بمستوى أدائهم , كما تهتم الإدارة العامة بالحوافزالمادية والمعنوية لموظفي الدولة ودراسة مشاكلهم الوظيفية والنفسية , والبحث في سبل إصلاحها . ( )
ومن الجدير بالذكر أن الإدارة العامة تخضع من حيث الأصل إلى قواعد متميزةعن قواعد القانون الخاص , إلا أنها قد تنزل في أحيان أخرى عن استخدام هذهالقواعد فتنزل منزلة الأفراد , وتطبق قواعد لقانون الخاص , والقانونالإداري بمعناه الواسع يعني "قانون الإدارة" أياً كانت القواعد القانونيةالتي تحكمها قواعد القانون الخاص أم قواعد قانونية متميزة عنها "قواعدالقانون العام" , والقانون الإداري بهذا المعنى موجود في كل مجتمع سواءاخذ بمبدأ الازدواج القانون أم لم يأخذ .
أما القانون الإداري بمعناه الفني أو الضيق فينحصر دوره بما يطبق علىالإدارة من قواعد قانونية متميزة ومغايرة لقواعد القانون الخاص ولا يوجدبهذا المعنى إلا في الدول إلى تأخذ بنظام الازدواج القانوني .
ومع أوجه الاختلاف بين القانون الإداري والإدارة العامة فإن بينهما الكثيرمن أوجه التقارب , من حيث أنها يتعلقان بالبحث في موضوع واحد هو الجهازالإداري في الدولة وأن انحصرت دراسة كل منها بجانب من جوانبه , حتى أننانجد أنه في الدول التي لا تأخذ بالازدواج القانوني "النظم الانجلوسكسونية " تشتمل دراسة الإدارة العامة على النواحي القانونية التي يحكمها من حيثالأصل القانون الإداري بالإضافة إلى دراسة الناحية الفنية والتنظيمية .
الفصل الثاني
نشأة القانون الإداري وتطوره
تعد فرنسا مهد القانون الإداري ومنها انتشر إلى الدول الأخرى , ويرجعالفضل في ظهور هذا القانون إلى عوامل تاريخية تأتي في مقدمتها الأفكارالتي جاءت بها الثورة الفرنسية عام 1789 م , التي قامت على أساس الفصل بينالسلطات، ومن مقتضياته منع المحاكم القضائية القائمة في ذلك الوقت منالفصل في المنازعات الإدارية للحفاظ على استقلال الإدارة تجاه السلطةالقضائية .
وأدى هذا الاتجاه إلى وجود نظام القضاء المزدوج الذي كان مهداً لنشؤ الازدواج القانوني وظهور القانون الإداري .
المبحث الأول
نشؤ القانون الإداري في فرنسا
كانت سلطات الحكم قبل الثورة الفرنسية مركزة في يد الملك حيث ساد نظامالملكية المطلقة , ولم تكن الدولة تخضع للمساءلة أو الرقابة أمام القضاءبواسطة دعاوى الأفراد , وهي إن تعاملت مع الأفراد خضعت معاملاتها للقانونالمدني . ( )
وفي هذه الفترة كانت توجد محاكم قضائية تدعى البرلمانات Parlements أنشئتلتكون ممثلة للملك في وظائفه القضائية , وكانت الدعاوى تستأنف أمامها مالم سند الملك ذلك الاختصاص إلى جهة أخرى , كما وجدت محاكم مختصة ببعضالمنازعات الإدارية . ( )
وقد كانت البرلمانات تمارس سيطرة رجعية على الإدارة وتتدخل في شؤونهاوتعارض وتعرقل كل حركة إصلاحية ( ) مما حدى برجال الثورة الفرنسية إلى منعالمحاكم القضائية القائمة في ذلك الوقت من الفصل في المنازعات الإداريةللحفاظ على استقلال الإدارة تجاه السلطة القضائية , من خلال تبنيهم لمبدأالفصل بين السلطات .
1. مرحلة الإدارة القاضية : Administration Juge
تأكيداً لاتجاه الثورة الفرنسية في الفصل بين السلطات صدر قانون 16-24أغسطس 1790 , الذي نص على إلغاء المحاكم القضائية ( البرلمانات ) وإنشاءما يسمى بالإدارة القاضية أو الوزير القاضي كمرحلة أولى قبل إنشاء مجلسالدولة الفرنسي , ومنع القضاء العادي من النظر في المنازعات التي تكونالإدارة طرفاً فيها و أصبحت الهيئات الإدارية هي صاحبة الاختصاص في الفصلبهذه المنازعات .
وفي مرحلة الإدارة القاضية كان على الأفراد اللجوء إلى الإدارة نفسهاللتظلم إليها وتقديم الشكوى , فكانت الإدارة هي الخصم والحكم في الوقتذاته وكان هذا الأمر مقبولاً إلى حد ما في ذلك الوقت بسبب السمعة السيئةلقضاء البرلمانات التعسفية .
2. إنشاء مجلس الدولة الفرنسي :
بنشوء مجلس الدولة في 12 ديسمبر 1797 في عهد نابليون بونابرت وضعت اللبنةالأولى للقضاء الإداري الفرنسي مع أن اختصاص المجلس كان أو الأمراستشارياً يتطلب تصديق القنصل .
وفي الوقت ذاته تم إنشاء محاكم أو مجالس الأقاليم Les Conseils de Préfecture التي كانت تصدر أحكاماً لا تحتاج إلى تصديق سلطة إدارية عليا ،إلا أن أحكامها تستأنف أمام مجلس الدولة الذي كانت أحكامه تعرض علىالقنصل.
فقد كان عمل المجلس يقتصر على فحص المنازعات الإدارية وإعداد مشروعاتالأحكام , فلم يكن يملك سلطة القضاء وإصدار الأحكام , ولذا سمى قضاؤه فيهذه المرحلة " القضاء المقيد" أو المحجوز Justice Retenue وقد استمرت هذهالمرحلة إلى عام 1872 حيث أصبح قضاؤه مفوضاً .
3. مرحلة القضاء المفوض Justice délégúee
في 24 مايو 1872 صدر قانون منح مجلس الدولة الفرنسي اختصاص البت نهائياً في المنازعات الإدارية دون تعقب جهة أخرى .
ومع أن هذا القانون خول المجلس سلطة البت النهائي في المنازعات الإداريةفإنه أبقي على اختصاص الإدارة القاضية فلا يملك الأفراد اللجوء إلى مجلسالدولة إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون , وفيما عدا ذلك تختص بهالإدارة القاضية , مما أوجد ازدواجاً قضائياً , واستمر هذا الوضع حتىتاريخ 13ديسمبر 1889 عندما قبل مجلس الدولة دعوى قدمها أحد الأفراد مباشرةمن دون المرور على الإدارة في قضية Cadot وترتب على حكمه فيها أن أصبحمجلس الدولة صاحب الاختصاص العام في المنازعات الإدارية .
وبسبب تراكم العديد من القضايا أمام مجلس الدولة حدد المشرع اختصاص مجلسالدولة على سبيل الحصر بموجب المرسوم الصادر في 30 سبتمبر 1953 , وأصبحتالمحاكم الإدارية التي كانت تسمى مجالس الأقاليم صاحبة الاختصاص العام فيالمنازعات الإدارية .
ثم أعقب ذلك بعض المراسيم التي تضمنت الإصلاحات منها المراسيم الأربعةالصادرة في 30 يوليو 1963 المتعلقة بتحديد النظام الأساسي للعاملين فيالمجلس وتنظيمه الداخلي ونشاطه الداخلي , وتم تعديل هذا التنظيم بثلاثةمراسيم أخرى في 26 أغسطس 1975 م , وبمرسوم في 15 يناير 1980 , وآخر في 16ديسمبر 1987 لإصلاح القضاء الإداري أنشأ بموجبه المحاكم الإداريةالاستئنافية ووسع نطاق الطعن بالنقض أمام مجلس الدولة .
وقد أصبح مجلس الدولة خلال تاريخه الطويل قاضي المنازعات الإدارية دونمنازع, وساهم في إرساء مبادئ القانون الإداري وقواعده المتميزة عن قواعدالقانون الخاص وابتدع الحلول المناسبة لمقتضيات حسن سير الإدارة العامة, وأكد على وجود واستقلال القانون الإداري .
المبحث الثاني
نشوء القانون الإداري في مصر
قبل نشوء مجلس الدولة في مصر عام 1946 لم تعرف مصر القضاء الإداري , وقدكانت المحاكم المختلطة والأهلية السائدة قبل هذا التاريخ في النظامالقضائي المصري تطبق بعض القوانين على المنازعات بين الأفراد أو بينهموبين الإدارة , ولم يكن من بينها القانون الإداري .
وقد ذهب جانب من الفقه الإداري المصري إلى أن أساس القانون الإداريومبادئه قد بدأت تظهر من خلال أحكام المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية , بينما خالف جانب آخر منهم, وذهب إلى أن مبادئ القانون الإداري لم تنشأحقيقة إلا من خلال أحكام مجلس الدولة بعد أن إنشاؤه عام 1946 . ( )
وكان مجلس الدولة وقت إنشاؤه يتمتع بصلاحيات محددة وبمحكمة قضاء إداريواحدة , ثم ما لبث أن توسعت اختصاصاته إذ صدر القانون رقم 9 لسنة 1949الذي وسع اختصاصاتهثم أنشأت المحاكم الإدارية بالقانون رقم 147 لسنة 1954 , وبعد ذلك في عام 1955 تم إنشاء المحكمة الإدارية العليا لتكون في قمةالقسم القضائي بمجلس الدولة .
ثم صدر القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة , وقد مر مجلسالدولة بتطورات عدة حتى صدر القانون الحالي رقم 47 لسنة 1972 وتعديلاته .
ووفقاً لهذا القانون يعد مجلس الدولة هيئة قضائية ملحقة بوزير العدل , ويتكون من رئيس وعدد من نواب الرئيس والمستشارين المساعدين والنوابوالمندوبين ومن مندوبين مساعدين .
هذا ولم تؤثر تبعية المجلس لوزير العدل في استقلاله في ممارسة وظيفته إذلا تتعدى هذه التبعية منح الوزير الأشراف الإداري وضمان حسن سير العملالوظيفي , وهو ما أكدته المادة الأولى من القانون رقم 47 لسنة 1972 " مجلسالدولة هيئة قضائية مستقلة " .
ولم يولد المجلس قوياً منذ نشأته فقد كان القضاء الإداري صاحب الولايةالعامة في نظر المنازعات الإدارية وكانت اختصاصات مجلس الدولة محددة علىسبيل الحصر في القوانين التي سبقت القانون الحالي .
ففي ظل القانون رقم 112 لسنة 1946 والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 1949 كانالقضاء العادي ينفرد بنظر دعاوى مسؤولية الإدارة عن أعمالها المادية ويختصبالاشتراك مع المجلس في نظر طلبات التعويض عن القرارات الإدارية ، ويترتبعلى رفع دعوى التعويض أمام المحاكم العادية وإذا ما رفعت دعوى الإلغاء أوالتعويض إلى مجلس الدولة عدم جواز رفع دعوى التعويض أمام المحاكم العاديةفإنه يمتنع رفعها أمام مجلس الدولة .
كما كانت المحاكم العادية تنفرد بنظر المنازعات الخاصة بالعقود الإداريةحتى صدور القانون رقم 9 لسنة 1949 الذي منح المجلس النظر في منازعات عقودالالتزام والأشغال العامة وعقود التوريد بالاشتراك مع المحاكم العادية .
وفي ظل القانونين 165 لسنة 1955 و 55 لسنة 1959 استمرت المحاكم العاديةتنفرد بالنظر في دعوى مسؤولية الإدارة عن أعمالها المادية في الوقت الذياستقل به مجلس الدولة بنظر المنازعات المتعلقة بالتعويض عن القراراتالإدارية والعقود الإدارية .
وبصدور القانون 47 لسنة 1972 أصبح مجلس الدولة صاحب الولاية العامة بالنظرفي المنازعات الإدارية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، فقد ورد فيالمادة 172 من القانون رقم 47 لسنة 1972 " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية ، وفي الدعاوى لتأديبية ويحدداختصاصاته الأخرى " .
وبذلك أصبح مجلس الدولة قاضي القانون العام المختص بالفصل في المنازعاتالإدارية والتأديبية وساهم بإرساء مبادئ القانون الإداري , وكان له دوررائد في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من عسف الإدارة وإلغاء قراراتهاالمعيبة والتعويض عنها .
الفصل الثالث
خصائص ومصادر القانون الإداري
نبين في هذا الجزء من الدراسة الخصائص التي يتميز بها القانون الإداري والمصادر التي يستمد منها أحكامه وذلك في مبحثين .
المبحث الأول
خصائص القانون الإداري
يتميز القانون الإداري ببعض الخصائص منها أنه قانون سريع التطور ، وقانون غير مقنن , وأنه من صنع القضاء .
أولاً : قانون سريع التطور .
يستم القانون الإداري بأنه قانون يتطور بسرعة تفوق التطور الاعتيادي فيالقوانين الأخرى ولعل ذلك يرجع إلى طبيعة المواضيع التي يعالجها ، فقواعدالقانون الخاص تتميز بالثبات والاستقرار ، وقد ثمر فترة طويلة قبل أنينالها التعديل أو التغيير ، ويعود ذلك إلى أن العلاقات التي ينظمهاالقانون الخاص بفروعه المختلفة " قانون مدني ، قانون تجاري ، قانونمرافعات " تتعلق بقواعد عامة تتطلب قدراً من الاستقرار مع ترك الحريةللأفراد من تسيير الأمور الأخرى ذات الطابع المتغير في حدود القواعدالعامة المنصوص عليها على عكس القانون الإداري الذي يعالج مواضيع ذاتطبيعة خاصة لتعلقها بالمصلحة العامة وحسن تسيير وإدارة المرافق العامةوجانب من أحكامه غير مستمدة من نصوص تشريعية وإنما من أحكام القضاء وخاصةالقضاء الإداري الذي يتميز بأنه قضاء يبتدع الحلول للمنازعات الإدارية ولايتقيد بأحكام القانون الخاص إنما يسعى إلى خلق ما يتلائم مع ظروف كلمنازعة على حده تماشياً مع سرعة تطور العمل الإداري ومقتضيات سير المرافقالعامة .
ولعل من أسباب سرعة تطور القانون الإداري أنه يتأثر بالعوامل الاقتصاديةوالاجتماعية والسياسية في الدولة وهي عوامل متغيرة باستمرار وغير مستقرةنسبياً ، فاتساع نشاط الدولة ونزعتها التدخلية وانتشار الحروب والازماتالاقتصادية وظهور المرافق العامة الاقتصادية , وما إلى ذلك من ظواهراقتصادية وسياسية وإدارية ، وضرورة استيعاب القانون الإداري لهذهالمتغيرات ومواجهتها أدى بالضرورة إلى التطور المستمر في أحكامه .
ثانياً : قانون من صنع القضاء .
يتميز القانون الإداري أيضاً بأنه قانون قضائي نشأ عن طريق المبادئوالقواعد الإدارية التي خلقها القضاء ، وقد ساعد على ذلك عدم تقنين أغلبقواعد القانون الإداري فكان لابد للقضاء أن ينهض بهذه المهمة من خلال وضعأسسه ونظرياته .
وإذا كان التشريع ينهض في الحقيقة ببعض مواضيع القانون الإداري خاصة مايتعلق ببعض النصوص الدستورية والتشريعية واللائحية التي تحكم جوانب مهمةمن علاقات الإدارية العامة مثل قانون الخدمة المدنية ولائحة العقودالإدارية ، فأن التشريع لا زال قاصراً عن مجالات أخرى كثيرة من قبل قواعدالقرار الإداري وقواعد المسؤولية الإدارية وشروط الطعن بالإلغاء , وما إلىذلك من مجالات لازال القضاء يمثل المصدر الرسمي الرئيس لأحكامه .
وقد كشف مجلس الدولة الفرنسي عن النظريات والمبادئ الأساسية التي يقومعليها القانون الإداري وأستلم عنه القضاء الإداري في مصر العديد من أحكامه، حتى أصبح دور المشرع في كثير من الأحيان مقتصراً على تسجيل ما توصل إليهالقضاء الإداري من أحكام . ( )
ودور القضاء الإداري في هذا المجال كان متميزاً عن دور القضاء العادي ،الذي ينحصر بتطبيق القانون على المنازعة دون أن يتعداه لخلق الحلولالمناسبة التي تتفق مع طبيعة منازعات القانون الإداري ، الأمر الذي أضفىعلى قواعد القانون الإداري الطابع العملي الذي يتماشى مع ظروف واحتياجاتالمرافق العامة ومقتضيات سيرها الحسن وتطورها المستمر .
ومع ذلك يتقيد القضاء في أداء مهامه وابتداعه لمبادئ وقواعد القانونالإداري يعدم مخالفة النصوص التشريعية القائمة على أساس أن القضاء أنمايعبر عن إرادة مفترضة للمشرع , أما إذا أفصح عن إرادته تلك بنصوص تشريعيةفأنه يلتزم بتطبيق تلك النصوص في أحكامه . ( )
ثالثاً : قانون غير مقنن .
يقصد بالتقنين أن يصدر المشرع مجموعة تشريعية تضم المبادئ والقواعد العامةوالتفصيلية المتعلقة بفرع من فروع القانون كما هو الحال في مدونة القانونالمدني أو مدونة قانون العقوبات .
ولا يخفى ما لتدوين القواعد العامة والتفصيلة لقانون ما من أهمية من حيثإضفائه الثبات والاستقرار على نصوص التشريع وسهولة الرجوع إلى أحكامه .
وقد نشأ القانون الإداري في فتره انتشرت فيها حركة التقنين في أعقابالثورة الفرنسية وتم تدوين قواعد القانون المدني في مدونة نابليون . ( )
إلا أن القانون الإداري لم تشمله هذه الحركة رغم رسوخ مبادئه واكتمالنظرياته ويرجع عدم تقنينه إلى سرعة تطوره وتفرع وسعة مجالاته مما يجعل منالصعوبة جمع أحكامه في مدونه واحدة خاصة وان أحكامه في الغالب ذات طبيعةقضائية ، ولا يخفى ما في أحكام القضاء الإداري من مرونة تتأثر بالواقعالاقتصادي والاجتماعي والسياسي السائد في المجتمع .
وإذا كان عدم التقنين يعني عدم جمع إحكام القانون الإداري في مجموعة أومدونة واحدة فإن ذلك لا ينفي وجود تقنينات جزئية لبعض موضوعات القانونالإداري ، من ذلك وجود تشريعات خاصة بالموظفين وتشريعات خاصة بنزع الملكيةللمنفعة العامة وقوانين خاصة بالتنظيم الإداري أو القضاء الإداري إلى غيرذلك من مواضيع يتعذر جمعها في تقنين شامل .
المبحث الثاني
مصادر القانون الإداري
تشتمل مصادر القانون الإداري على مصادر القانون بصورة عامة ، وهي عادة أربعة مصادر " التشريع – العرف – القضاء – الفقه " .
وإذا كان التشريع والعرف يعدان المصدران الرسميان للقوانين الأخرى ، بينمايمثل القضاء والفقه المصدران التفسيريان للقواعد القانونية ، فإن القانونالإداري يمنح القضاء دوراً هاماً , بل يعده أهم مصادر القانون الإداري علىالإطلاق ، ويكون مع التشريع والعرف مصدراً رسمياً للقانون الإداري , بينمايبقى الفقه مصدراً تفسيراً له .
وفيما يلي نعرض لهذه المصادر وبشيء من التفصيل .
أولاً : التشريع .
يقصد بالتشريع كمصدر للقانون الإداري مجموعة القواعد القانونية المكتوبةالصادرة من السلطة المختصة في الدولة ، وقد تكون هذه السلطة سلطة تأسيسةفيكون التشريع دستورياً، أما إذا كانت السلطة تشريعية فيكون التشريععادياً ويطلق عليه اصطلاح القانون ، وأخيراً إذا كانت هذه السلطة تنفيذيةفإننا نكون أمام ما يمكن تسميته بالتشريعات الفرعية أو اللوائح ، ويتميزالتشريع عن غير من المصادر الأخرى بوضوحه وتحديده وسهولة تعديله .
1. التشريع الدستوري :-
تعد التشريعات الدستورية المصدر الأساسي والرسمي للقانون الإداري ، وتقعالتشريعات الدستورية الدستورية في قمة الهرم القانوني ، وتسمو على القواعدالقانوينة الأخرى جميعاً ، فهي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وعلاقتهابالمواطنين ، وتتضمن التشريعات الدستورية بعض الموضوعات المتعلقة بالقانونالإداري ، كتنظيم الجهاز الإداري في الدولة ونشاطه وحقوق الأفراد وحرياتهم .
ويتوجب على الإدارة بوصفها جهاز السلطة التنفيذية أن تلتزم بالمبادئ التيجاء بها الدستور ولا يحق لها مخالفتها وإلا عدت أعمالها مخالفة لمبدأالمشروعية مما يعرضها للإلغاء والتعويض عما تسببه من أضرار .
والقواعد الدستورية يقصد بها مجموعة القواعد المكتوبة في وثيقة أو عدةوثائق دستورية فحسب فمن الممكن أن تكون تلك القواعد غير مكتوبة في ظلدستور عرفي يتمتع بسمو القواعد الدستورية المكتوبة ذاتها .
كذلك تتمتع إعلانات الحقوق ما تضمنته هذه الإعلانات في حقوق وحريات الأفراد بقوة النصوص الدستورية فلا يجوز مخالفتها .
2. التشريع العادي .
يأتي التشريع العادي أو القانون بالمرتبة الثانية بعد الدستور ، من حيثالتدرج التشريعي باعتباره صادراً من الهيئة التشريعية المعبرة عن الإرادةالعامة وهي صاحبة الاختصاص في ذلك .
والإدارة بوصفها السلطة التنفيذية تخضع لأحكام القوانين فإذا خالفت حكمالقانون أو صدر عمل إداري استناداً إلى قانون غير دستوري وجب إلغاء ذلكالعمل . ( )
3. التشريع الفرعي أو اللوائح .
يطلق على القواعد القانوينة التي تصدرها السلطة التنفيذية التشريع الفرعي، وتسمى في مصر اللوائح الإدارية ، وهي قواعد عامة مجردة واجبة الاحترامتلي التشريع العادي في مرتبتها في سلم التدرج القانوني , وتخضع لرقابةالقضاء الإداري على أعمال الإدارة باعتبارها قرارات إدارية يجب أن تكونمتفقة مع القانون .
أ / اللوائح التنفيذية :
تصدر الوزارات بصفتها الهيئة لتنفيذية في الدوله اللوائح التنفيذيةالمتعلقة بتنفيذ القوانين الصادرة عن السلطه التشريعيه لتوضيح ما يكتنفهامن غموض وتسهيل تطبيقها .
ب/ اللوائح التنظيمية .
تمارس الإدارة أيضاً اختصاص إصدار اللوائح التنظيمية التي تتعدى تنفيذالقوانين إلى تنظيم بعض الأمور التي يتطرق إليها القانون فتقترب وظيفتهامن التشريع , ومن ذلك قيامها بما يتعلق بتنظيم الجهات الإدارية ونظامالعمل بها وشؤونها الإدارية والمالية , وهو من صميم عملا الوزاره بصفتهاالمختصة بتنظيم الجهاز الإداري في الدولة .
ج/ اللوائح الضبطية أو البوليسية .
تختص الهيئة التنفيذية بإصدار لوائح الضبط الإداري المتعلقة بالمحافظة علىالأمن العام والصحة العامة والسكنية العامة من ذلك اللوائح الخاصة بمكافحةالضوضاء أو غلق المحال المضرة بالصحة العامة .
د/ اللوائح التفويضية .
تصدر الهيئة التنفيذية هذا النوع من اللوائح بتفويض من الهيئة التشريعيةالتي يمثلها البرلمان في العراق في موضوعات تدخل أصلاً ضمن اختصاصه ، ومنذلك اختصاصها بإصدار اللوائح الخاصة بإنشاء وتنظيم المؤسسات والهيئاتوالمصالح والشركات العامة لممارسة الاختصاصات ذات الطبيعة الإستراتيجيةوتحديد أهدافها واختصاصاتها .
ﻫ/ لوائح الضرورة .
تصادف الهيئة التنفيذية في بعض الأوقات ظروفاً استثنائية تجبرها على إصدارلوائح إدارية تضمن حماية النظام العام وحسن سير المرافق العامة لتعذرصدروها من الهيئة التشريعية المختصة فعلاً بإصدارها ، لغيبتها أو لحصولهافي غير فترة انعقادها على أن تعرض على الهيئة التشريعية خلال مدة معينةلكي تقرها .
ثانياً : العرف:
العرف الإداري هو مجموعة القواعد التي درجت الإدارة على إتباعها في أداءوظيفتها في مجال معين من نشاطها وتستمر فتصبح ملزمة لها ، وتعد مخالفتهامخالفة للمشروعية وتؤدي إلى أبطال تصرفاتها بالطرق المقررة قانوناً .
ويأتي العرف الإداري في مرتبة أدني من مرتبة القواعد القانونية المكتوبةمما يستلزم إلا يخالف نصاً من نصوص القانون فهو مصدر تكميلي للقانون يفسرويكمل ما نقص منه ولكي يصبح سلوك الإدارة عرفاً إدارياً و مصدراً من مصادرالقانون الإداري ، يجب أن يتوافر فيه ركنان : ركن مادي و ركن معنوي .
1. الركن المادي :
ويتمثل الركن المادي باعتياد جهة الإدارة على إتباع سلوك معين في نشاطمعين وقد يكون هذا الاعتياد ايجابياً يظهر في صورة القيام بعمل ، كما يمكنأن يكون سلبياً في صورة الامتناع عن القيام بعمل ما ،على أن يكون هذاالعمل أو الامتناع بشكل ثابت ومستقر ويتكرر في الحالات المماثلة بشرط أنيمضى الزمن الكافي لاستقراره ، وتقدير ما إذا كانت هذه المدة كافيه لوجودالعرف من عدمه أمر مرجعه إلى القضاء .
2. الركن المعنوي :
أما الركن المعنوي فهو اعتقاد الإدارة والأفراد بإلزامية القاعدة المتبعةوضرورة احترامها وعدم مخالفتها واعتبار ذلك مخالفة قانونية تتطلب الجزاء ،وبهذا المعنى تكون القرارات الإدارية التي تصدر مخالفة للعرف الإداري غيرمشروعة وعرضه للإلغاء إذا طعن في مشروعيتها أمام القضاء .
إلى جانب ذلك يجب أن يكون العرف الإداري عاماً تطبقه الإدارة بشكل منتظمومستمر بلا انقطاع في جميع الحالات المماثلة وان يكون مشروعاً وغير مخالفلنص قانوني أو لائحي .
ومن الجدير بالذكر أن التزام الإدارة باحترام العرف لا يحرمها من أمكانتعديله أو تغييره نهائياً إذا اقتضت ذلك المصلحة العامة فالإدارة تملكتنظيم القاعدة التي يحكمها العرف بيد أن قيام العرف الجديد يتطلب توفرالركنين السابقين فلا يتكون بمجرد مخالفة الإدارة للعرف المطبق . ( )
أما إذا خالفت الإدارة العرف في حالة فردية خاصة دون أن تستهدف تعديله أوتغييره بدافع المصلحة العامة فإن قرارها أو إجراءها المخالف للعرف يكونباطلاً لمخالفته مبدأ المشروعية . (
ومع ذلك فأن دور العرف كمصدر رسمي للقانون الإداري أقل أهمية من المصادرالرسمية أخرى لصعوبة الاستدلال على القاعدة العرفية من جهة , ولأن الإدارةفي الغالب تلجأ إلى اللوائح كوسيلة لتنظيم نشاطها الإداري من جهة أخرى .
ثالثاً : القضاء .
الأصل في وظيفة القاضي تطبيق القوانين والفصل في المنازعات المعروضة أمامه، وهو ملزم قانوناً بالفصل في المنازعة الداخلة في اختصاصه وإلا اعتبرمنكراً للعدالة ، لذلك رسم المشرع للقاضي الأسلوب الذي يسلكه لفض المنازعةإذا لم يجد في القواعد القانونية حلاً للمنازعة .
وعلى ذلك لا يعد القضاء مصدراً رسمياً للقانون لدوره المتعلق بتطبيقالنصوص التشريعية وتفسيرها وإزالة غموضها وإزالة التعارض المحتمل بينها ،ولا يتعدى القاضي هذا الأمر ليصل إلى حد خلق قواعد قانونية خارج نصوصالتشريع . ( )
إلا أن الطبيعة الخاصة لقواعد القانون الإداري من حيث عدم تقنينه وظروفنشأته وتعدد مجالات نشاطه ، أدى إلى أن يتجاوز القضاء الإداري دور القضاءالعادي ليتماشى مع متطلبات الحياة الإدارية فيعمد إلى خلق مبادئ وأحكامالقانون الإداري ،
فيصبح القضاء مصدر رسمي للقانون الإداري بل من أهم مصادرها الرسمية ، ويتعدى دوره التشريع في كثير من الأحيان .
وتتميز أحكام القضاء الإداري بعدم خضوعها للقانون المدني ، فالقاضيالإداري إذا لم يجد في المبادئ القانونية القائمة نصاً ينطبق على النزاعالمعروض عليه يتولى بنفسه إنشاء القواعد اللازمة لذلك دون أن يكون مقيداًبقواعد القانون المدني .
ومن جانب آخر أن أحكام القضاء العادي ذات حجية نسبية تقتصر على أطرافالنزاع وموضوعه ولهذا تحدد قيمتها بوصفها مصدراً تفسيراً على النقيض منأحكام القضاء الإداري التي تتميز بكونها حجة على الكافة .
وفي ذلك يتبين أن للقضاء دوراً إنشائياً كبيراً في مجال القانون الإداري ومن ثم فهو يشكل مصدراً رئيسياً من مصادر المشروعية .
رابعاً : المبادئ العامة للقانون .
تعد المبادئ العامة للقانون مصدراً مهماً من مصادر القانون الإداري ويقصدبالمبادئ العامة للقانون تلك المبادئ التي لا تستند إلى نص مكتوب ، وإنمايكون مصدرها القضاء وهي تختلف عن المبادئ القانونية التي يكون مصدرهاالتشريع . ( )
وقد لجأ القضاء الإداري إلى المبادئ العامة للقانون للفصل في العديد من المنازعات الإدارية لعدم تقنين قواعد القانون الإداري .
وتستمد أغلب هذه المبادئ من الطبيعة المتميزة للحياة الإدارية , كمبدأدوام استمرار سير المرافق العامة بانتظام واطراد ، والمساواة بينالمنتفعين بخدمات المرافق العامة ، ونظرية الظروف الاستثنائية , أو تستمدفي فكرة العدل والمنطق والتي بمقتضاها مارس القضاء الإداري رقابته علىالوجود المادي للوقائع وصحة التكييف القانوني لها وضرورة التناسب بينجسامة الذنب الإداري والعقوبة المقررة لها . ( )
والقضاء الإداري بهذا المعنى لا يخلق المبادئ العامة للقانون إنما يقتصردوره على كشفها والتحقيق من وجودها في الضمير القانوني للأمة ، ولذلك فمنالواجب على الإدارة والقضاء احترامها والتقيد بها باعتبارها قواعد ملزمةشأنها في ذلك شأن القواعد المكتوبة .
الفصل الرابع
أساس القانون الإداري
سعى الفقه والقضاء نحو إيجاد أساس أو فكرة عامة تصلح أن تكون دعامة تقومعليها مبادئ ونظريات القانون الإداري وتحديد المعيار المميز لموضوعاته عنموضوعات القوانين الأخرى .
وإذا كان القانون الإداري في معناه التقليدي قد نشأ في ظل النظام القضائيالمزدوج فإن البحث عن أساس القانون الإداري يساهم بالإضافة إلى بيانالأساس النظري والفني لأحكام ومبادئ القانون الإداري , إلى وضع الأسسالكفيلة بتعيين الاختصاص بين القضاء الإداري والقضاء المدني خاصة وقد فشلالمشرع في تحديد معاني أو موضوع المنازعة الإدارية وإعداد قائمة باختصاصالقضاء الإداري , لعدم تمكنه من التنبؤ مسبقاً بمختلف المنازعات ذاتالطبيعة الإدارية ، كما أن القضاء الإداري لم يعد جهة قضاء استثنائي كمانشاء ابتداءً إنما أصبح نظام قضائي موزاي لنظام القضاء المدني وله أهميتهوأصالته .
وعلى ذلك كان لابد من وضع معيار ثابت ومستقر لتحديد أساس القانون الإداري، وظهر في هذا المجال عدة نظريات أو معايير رغم تعددها لم تعش طويلاً إنماراح بعضهايغلب على بعض تباعاً واندماج بعضها بالبعض الآخر لسد ما انكشففيها من نقص أو قصور .
وسنعرض فيما يلي لأهم هذه المعايير …
المبحث الأول
معيار أعمال السلطة وأعمال الإدارة
يقوم هذا المعيار على أساس تقسيم أعمال الإدارة إلى صنفين أعمال سلطة Acte d’autorite وهي الأعمال التي تظهر فيها الإدارة بمظهر السلطة العامةوتتمتع بحق الأمر والنهي وهذا النوع من الأعمال تحكمه قواعد القانونالإداري ويخضع لاختصاص القضاء الإداري
وأعمال الإدارة العادية Actte de gestion وهي الأعمال التي تباشرهاالإدارة بذات الأساليب التي يلجأ إليها الأفراد وفي نفس ظروفهم , وتحكمهاقواعد القانون الخاص ويختص بها القضاء العادي لأنها لا تتصف بطابع السلطة .
وقد سادت هذه النظرية حتى نهاية القرن التاسع عشر وكان من أنصارها الفقيهلافيريــــر Laferrlere وبارتلمي Berthelemy ( ) ، واعتمد القضاء الفرنسيعليها فترة من الزمن أساساً وحيداً للقانون الإداري .
إلا أن القضاء الإداري لم يلبث أن هجر هذا المعيار بفعل الانتقادات الموجهإليه ، وكان النقد الأساسي يتمثل في أنه ضيق إلى حد كبير من نطاق القانونالإداري ومن اختصاصات القضاء الإداري ، فطبقاً لهذه النظرية تقتصر أعمالالسلطة على القرارات الإدارية والأوامر التي تصدرها سلطات الضبط الإداريلحفظ النظام العام ، وتستبعد من نطاق تطبيقها جميع الأعمال الأخرى من قبيلالعقود الإدارية وأعمال الإدارة المادية .
كما أن هذا المعيار وبالرغم من بساطته ووضوحه صعب التطبيق في الواقع أوليس من السهل التمييز بين أعمال السلطة وتصرفات الإدارة العادية نظراًلطبيعته وتداخل النشاط الإداري .
المبحث الثاني
معيار المرفق العام
ظهر هذا المعيار وتبلور ابتداءً من الربع الأخير من القرن التاسع عشر ،وأصبح الفكرة الأساسية التي اعتمدت عليها أحكام مجلس الدولة الفرنسيومحكمة التنازع كأساس للقانون الإداري ومعيار لاختصاص القضاء الإداري ،وكان حكم روتشليد Rotchild الصادر عام 1855 وديكستر Dekester الصادر عام 1861 من الأحكام الأولى في تقرير هذه الفكرة.
إلا أن حكم بلانكو Blanco الصادر عام 1873 يمثل في نظر الفقه والقضاء حجرالزاوية في نظرية المرفق العام Theorie de Service Public وتتخلص وقائعهذا الحكم في انه صدمت عربة صغيرة تتبع مصنع تبغ بوردو طفلة فأوقعتهاوجرحتها , فرفع والد الطفلة النزاع إلى القضاء العادي طالباً التعويض منالدولة باعتبارها مسؤولة مدنياً عن الخطاء الذي ارتكبه عمال المصنع التابعلها , إلا أن محكمة التنازع قررت أن الجهة المختصة بالنظر في النزاع هيالقضاء الإداري وليس القضاء العادي , وقضى بأنه " لا تختص المحاكم العاديةأطلاقاً بنظر الدعاوى المقامة ضد الإدارة بسبب المرافق العامة أياً كانموضوعها , حتى لو كانت تستهدف قيام القضاء العادي بمجرد الحكم عليهابمبالغ مالية تعويضاً عن الأضرار الناشئة عن عملياتها دون إلغاء أو تعديلأو تفسير قرارات الإدارة " .
ومن جانب آخر قرر هذا الحكم قواعد جديدة تحكم المسؤولية عن الأضرار التيتسببها المرافق العامة فورد " ومن حيث أن مسؤولية الدولة عن الأضرار التيتسببها للأفراد بفعل الأشخاص الذين تستخدمهم في المرفق العام لا يمكن أنتحكمها المبادئ التي يقررها التقنين المدني لتنظيم الروابط بين الأفرادبعضهم وبعض ، وأن هذه المسؤولية ليست عامة ولا مطلقة ، بل لها قواعدهاالخاصة التي تتغير تبعاً لحاجات المرفق , ولضرورة التوفيق بين حقوق الدولةوالحقوق الخاصة " .
وتطبيقاً لهذه النظرية فإن أساس القانون الإداري واختصاص القضاء الإداري ،إنما يتعلق بكل نشاط تديره الدولة أو تهيمن على إدارته ويستهدف تحقيقالمصلحة العامة .
والمرفق العام بهذا المعنى هو النشاط الذي تتولاه الدولة أو الأشخاصالعامة الأخرى مباشرة أو تعهد به إلى جهة أخرى تحت إشرافها ومراقبتهاوتوجيهها وذلك لإشباع حاجات ذات نفع عام تحقيقاً للصالح العام . ( )
وقد عزز هذا الاتجاه أن وضع العميد (ديجي) Duguit لأسس نظريته عن المرافقالعامة التي كان لها شأن كبير بين نظريات القانون الإداري حتى باتت تقومعلى اعتبار المرفق العام ومقتضيات سيره المبرر الوحيد لوجود نظام قانونيخارج عن المألوف في قواعد القانون الخاص .
وقد تجاوزت هذه النظرية الانتقادات التي وجهت لمعيار التفرقة بين أعمالالسلطة وأعمال الإدارة العادية ، فشملت جميع نشاطات الإدارة المتصلةمباشرة بالمرافق العامة التي يحكمها القانون الإداري
ويختص القضاء الإداري في نظر المنازعات الناشئة عنها من قبيل القاراتوالعقود الإدارية والأعمال المادية سواء أصدرت عن الدولة أو الأشخاصالعامة الأخرى التابعة لها , ما دامت تستهدف من هذه الأعمال إشباع حاجاتذات نفع عام تحقيقاً للصالح العام .
مع ضرورة الإشارة إلى استثنائين محدودين في هذا المجال يتعلق الأول بإدارةالدولة أو الأشخاص التابعة لها لأموالها الخاصة فلا تكون في نكون في هذهالحالة أمام مرفق عام , أما الاستثناء الأخر فيتعلق بعدول الإدارة عناستعمال وسائل القانون العام واستعمالها قواعد القانون الخاص في إدارةنشاط من نشاطاتها وفي هاتين الحالتين تطبق قواعد القانون الخاص, ويختصالقضاء العادي بنظر المنازعات الناشئة عنها .
وقد أيد جانب كبير من فقهاء القانون الإداري هذه النظرية كأساس للقانونالإداري الذي أصبح يسمى " قانون المرافق العامة " وأطلق على أنصارها " مدرسة المرافق العامة " .
ومن أبرز فقهاء هذه المدرسة تيسيه Teissier , ديجي Duguit , وبونار Bonnard وجيز Jeze .
أزمة نظرية المرفق العام
رغم النجاح الكبير الذي حققته هذه النظرية كأساس للقانون الإداري ومبادئهوأحكامه ومعياراً لتحديد اختصاصات القضاء الإداري , واحتلالها مركزالصدارة بين النظريات الأخرى خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشروبدايات العشرين , لم تلبث أن تراجعت بفعل تطور الحياة الإدارية , والتغييرات التي طرأت في القواعد التي قامت عليها فكرة المرافق العامة , بتأثير من سياسة الاقتصاد الموجه والمبادئ الاشتر