بحث المحاكم الإدارية

--------------------------------------------------------------------------------






مقدمة:
إلى حين تنصيب المحاكم الإدارية المنصوص عليها في القانون رقم 98-02 المتعلق بالمحاكم الإدارية (1) والمرسوم التنفيذي رقم 98-356 المؤرخ في 14نوفمبر 1998 المحدد لكيفيات تطبيقه(2)، تكون الغرف الإدارية لدى المجالس القضائية هي الجهة المكلفة بتطبيق أحكام قانون الإجراءات المدنية و الإدارية بالنسبة للمنازعات الإدارية.
وقد استبعد القانون الجديد ،العمل بالغرف الإدارية الجهوية المستحدثة بموجب المرسوم التنفيذي رقم 90-407 (3)، وأبقى المجال مفتوحا لاستبدالها بغرف استئناف فيتحول وقتها مجلس الدولة إلى جهة نقض فقط، ودرجة أولى بالنسبة للقرارات الصادرة عن الإدارة المركزية.
إن الصياغة النهائية لنص المادة 800 من القانون الجديد ، ليست نفس الصياغة الواردة في مشروع القانون المقترح من طرف الحكومة. فقد أدخلت عليها لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات بعض تعديل وأضافت حكما جديدا يمنح الجهات القضائية الإدارية ، الولاية العامة في الفصل في المنازعات الإدارية. كما حذفت العبارة التي تشير إلى أن الاستئناف يتم أمام مجلس الدولة حتى لا يكون استئناف الأحكام الصادرة في أول درجة والتي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها، مرتبطا بمجلس الدولة . إنما يبقى الحكم عاما ومجردا يكمن تطبيقه فيما لو أنشئت جهات قضائية جديدة تختص بالاستئناف دون حاجة إلى اللجوء لتعديل النص الجديد.







1- أنظر الوثيقة المرفقة رقم 1 ( قانون رقم 98-02) في آخر البحث ( الوثائق المرفقة ).
2- أنظر المرسوم التنفيذي رقم 98-356 في الوثيقة رقم 2
3- أنظر المرسوم التنفيذي رقم 90-407 في الوثيقة رقم3






خطة البحث

المبحث الأول: الاختصاص

المطلب الأول :الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية

المطلب الثاني: الاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية


المبحث الثاني: طبيعة الاختصاص و مسائل الاختصاص

المطلب الأول: طبيعة الاختصاص

المطلب الثاني : مسائل الاختصاص


الخاتمة :







المبحث الأول: الاختصاص
يتميز موضوع الاختصاص أمام القضاء الإداري عما هو مقرر بالنسبة للقضاء العادي سواء في شقه النوعي أو الإقليمي لا سيما في ظل النص الجديد.
المطلب الأول :الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية
يتضمن هذا المطلب أهم مسألتين بالنسبة للاختصاص النوعي أمام المحاكم الإدارية وهما:
1-إعمال المعيار العضوي
2-عنصر الصفة
أولا : إعمال المعيار العضوي
كرس المشرع العمل بالمعيار العضوي السائد، عند تحديد الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية. فهذه الجهة مختصة بالفصل في أول درجة ، بحكم قابل للاستئناف في جميع القضايا التي تكون الدولة أو البلدية أو المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها عملا بالمادة 800 من هذا القانون ( ق.إ.م.إ ) والتي تتطابق مع مضمون المادة الأولى من القانون رقم 08/02 المنشئ للمحاكم الإدارية .
تتحدد المنازعة الإدارية حينئذ بناءا على صفة الشخص الإداري المراد مخاصمته . وهو نفس ما جاء في قرار صادر عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ( المحكمة العليا حاليا ) مؤرخ في 23/01/1970 حينما قضت بأن المادة 7 من ق.إ.م ، عوضت المعيار المادي السابق المؤسس على النشاط الإداري المعتبر ، بالمعيار المعيار العضوي الذي لا يأخذ في الحسبان سوى صفة الأشخاص المعنية. فيكفي لكي يكون شخص معنوي إداري في الخصومة مهما كانت طبيعة القضية .
كما أكدت محكمة التنازع هذا التوجه من خلال قرارها المؤرخ في 17/07/2005 بشأن تنازع سلبي في الاختصاص بين الغرفة الإدارية والغرفة المدنية لمجلس قضاء تيزي وزو حيث قضت كل واحدة منهما بعدم اختصاصها في نظر دعوى رفعها مواطن ضد الشركة الجزائرية للكهرباء والغاز ( son algaz ) طالبا فيها إلزام هذه الأخيرة بإزالة عمود كهربائي أقامته في أرضه مما أعاقه من البناء فيها واستغلالها . فقضت المحكمة :"حيث أن المادة 5 من المرسوم الرئاسي رقم 02-195 المؤرخ في 01/06/2002(1) تنص على أنه : تحول المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري ،دون إنشاء كشخصية معنوية جديدة ،إلى شركة أسهم.وبأن تمسك محاسبة على الشكل التجاري.وحيث



1- أنظر المرسوم الرئاسي رقم 02-195 في الوثيقة رقم 4




أنه وبتغليب المعيار العضوي باعتباره المبدأ .فإنه يتعين التصريح باختصاص الجهة القضائية المدنية للفصل في النزاع المعروض عليها وبالنتيجة إبطال قرار عدم الاختصاص الصادر عن مجلس قضاء تيزي وزو الفاصل في القضايا المدنية..وإحالة الدعوى والأطراف أمام هذه الجهة القضائية للفصل في هذه القضية برمتها."
ثم أضافت المادة 801 بأن المحاكم الإدارية تخص كذلك بالفصل في دعاوى إلغاء القرارات الإدارية والدعاوى التفسيرية ودعاوى فحص المشروعية للقرارات الصادرة عن الولاية والمصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية والبلدية والمصالح الإدارية الأخرى للبلدية والمؤسسات العمومية المحلية ذات الصبغة الإدارية ، وكذا دعاوى القضاء الكامل ،والقضايا المخولة لها بموجب نصوص خاصة.
تختص المحاكم الإدارية بدعاوى الإلغاء ودعاوى القضاء الكامل. وترتكز سلطة القاضي في دعاوى الإلغاء على فحص مدى شرعية القرار الإداري المطعون فيه ثم إعدام وإلغاء الآثار القانونية لهذا القرار(1) ،وليس للمحكمة الإدارية أن تعدل القرار المعيب أو أ، تستبدله بقرار جديد أو أن تصدر أوامر للإدارة لأن هذا يتنافى مع مبدأ الفصل بين السلطات.
أما دعوى القضاء الكامل ،فهي الدعوى التي ترمي إلى فحص مدى شرعية تصرف الإدارة والحكم بإلغائه إذا ثبتت عدم شرعيته ثم تتصدى للتعويض المناسب جبرا للضرر الناجم عن هذا العمل غير المشروع والضار(2). كما أن هذه الدعاوى تخاصم وتهاجم السلطات الإدارية التي صدر منها النشاط الإداري غير المشروع والضار ،ولا تنصب على مهاجمة ومخاصمة التصرف الإداري غير المشروع ذاته كما هو الحال مع دعوى الإلغاء التي تنصب وتتركز على مخاصمة ومهاجمة القرار الإداري غير المشروع في ذاته.
فإذا طالب شخص بالتعويض عن ضرر أصابه نتيجة تنفيذ أشغال عامة ، فإن مهمة القضاء الإداري لا تقف عند التدقيق فيما إذا كان قرار الإدارة مطابقا للقانون أو مخالفا له ، ولا عند حد إلغاء القرار المذكور ، بل تتجاوز ولاية المحكمة الإدارية إلى الحكم بالتعويض لصاحب الحق.



1- عمار عوابدي، مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية ، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع الجزائر ، ص 583
2- عمار عوابدي، مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية ، مرجع سابق ، ص 592




نستنتج مما سبق:
1- أن سلطة القاضي الإداري في دعوى الإلغاء تقتصر على مجرد الحكم بإلغاء القرار الإداري غير المشروع وليس أكثر من ذلك.
2- أن دعوى الإلغاء دعوى موضوعية تخاصم القرار الإداري ذاته وليس مخاصمة للإدارة.
3- أن الحكم الصادر في دعوى إلغاء القرار الإداري له حجية مطلقة في مواجهة الكافة، ويجوز التمسك بالإلغاء من كل من له مصلحة في ذلك ولو لم يكن طرفا في الدعوى على عكس الحكم الصادر في دعوى القضاء الكامل الذي ليست له حجية مطلقة إنما حجية نسبية تقتصر على أطراف الدعوى ، الطاعن وجهة الإدارة.ولا يستطيع أن يتمسك بالحكم شخص آخر لم يكن طرفا في هذه الدعوى(1).
إن تأكيد المشرع اختياره المعيار العضوي لتحديد اختصاص الجهات القضائية الإدارية ،لا يمنع من اعتماد المعيار العضوي في بعض الحالات على وجه الاستثناء، كما هو عليه الحال بالنسبة للصفقات العمومية .فالعناية موجهة هنا إلى موضوع التصرف وليس نحو القائم به. فالمادة 2 من المرسوم الرئاسي رقم 02-250(2) المتعلق بالصفقات العمومية المعدل والمتمم ، تجعل من الصفقات التي تبرمها المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري حينما تكلف بانجاز مشاريع استثمارات عمومية بمساهمة نهائية لميزانية الدولة ، خاضعة لقانون الصفقات العمومية مما يجعل الاختصاص النوعي يعود للقضاء الإداري في حالة نزاع حول تنفيذ الصفقة . وهو ما أكدته المحكمة العليا في قرارها رقم 284953 مؤرخ في 25/06/2002.
ثانيا: عنصر الصفة
مقارنة بنص المادة 7 من ق.إ.م، نجد بأن المشرع أضاف ثلاثة مسائل تتضمن اختصاص المحاكم الإدارية بالفصل في الدعاوى المتعلقة ب:
1- بالقرارات الصادرة عن المصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية.
2- بالقرارات الصادرة عن المصالح الإدارية الأخرى للبلدية.
3- بالقضايا المخولة لها بموجب نصوص خاصة.




1- محمد رفعت عبد الوهاب-حسين محمد عثمان ، القضاء الإداري .
2- أنظر المرسوم الرئاسي رقم 02-250 في الوثيقة رقم 5




مضمون المادة 801 أعلاه، وضع حدا لإشكال قانوني وقضائي دام طويلا يتعلق بمسألة الصفة لدى المصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية لاسيما المديريات التنفيذية الولائية عدا تلك المعنية بالمرسوم التنفيذي رقم 91-454.
هذا الموقف ينسجم تماما مع توضيح مجلس الدولة لمفهوم عبارة "القرارات الصادرة عن الولايات " الوارد ذكرها في المادة 7 من ق.إ.م. بموجب قراره المؤرخ في 20/04/2004: " إن مفهوم الولايات معناه جميع القرارات أو المقررات الصادرة عن الهيئات الإدارية المتواجدة على المستوى الولائي وليس القرارات الصادرة عن الوالي لا غير. وحيث أن المديريات التابعة للمجلس التنفيذ بالولاية تعتبر هيئة إدارية في نفس المركز كالولاية ومقررات مديرها تخضع لما نصت عليه المادة 7 في فقرتها الأولى من ف.إ.م".
وفي قرار سابق صادر عن الغرفة الثانية لمجلس الدولة رقم 182149 مؤرخ في 14/02/2000 حول صفة التقاضي لدى مديرية الأشغال العمومية على مستوى الولاية لم يعترف لهذه المديرية بصفة التقاضي على اعتبار أن المديرية تقسيم إداري متخصص داخل الولاية ليس له أية استقلالية وهو تابع للولاية. بالنتيجة فإن مديرية الأشغال العمومية ليس لها شخصية معنوية تسمح بأن تتقاضى وحدها.
نفس الموقف اتخذه مجلس الدولة مع مديرية البريد والمواصلات. إذ بالرغم من وجود مرسوم تنفيذي يفوض بموجبه الوزير، مديرية البريد والمواصلات تمثيل إدارة البريد والمواصلات أمام العدالة عن طريق موظفيها المؤهلون قانونا لهذا الغرض ، إلا أن مجلس الدولة رفض قبول الدعوى من المدير الولائي على أساس أن الأشخاص المعنوية لا يمكن لها رفع دعاوى أمام الجهات القضائية و لا يمكن مقاضاتها أمام نفس الجهات.
كما تختص المحاكم الإدارية بالفصل في المنازعات الناجمة عن القرارات الصادرة عن المصالح الإدارية الأخرى للبلدية، ويقصد بها المرافق الإدارية التي تتبعها تدرجيا لكنها تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي.
أما بالنسبة للقضايا المخول للمحكمة الإدارية النظر فيها بموجب نصوص خاصة، نذكر ما جاءت به المادة 17 من القانون رقم 07-02 المؤرخ في 27 فبراير 2007 المؤسس لإجراء معاينة حق الملكية العقارية وتسليم سندات الملكية عن طريق تحقيق عقاري(2)



1- أنظر قانون رقم 07-02 في الوثيقة 6




كما تدخل الدعوى الجبائية ضمن اختصاص المحاكم الإدارية بموجب نص خاص. إذ ترفع الدعوى بعريضة مستوفية للشروط العامة لرفع الدعاوى إضافة لما هو مقرر في المواد من 82 إلى 91 من قانون الإجراءات الجبائية. لكن المثير للنقاش هو نص المادتين 83/1 و 75 من نفس القانون حيث يتعين في المادة الجبائية، على كل شخص يقدم أو يساند شكوى لحساب الغير أن يستظهر بوكالة قانونية تحرر على ورق مدموغ ومسجل قبل تنفيذ العمل.
إن تسمية الورق المدموغ، تعني في أصلها ، ورقا معينا يتم الحصول عليه من إدارة الضرائب مقابل مبلغ مالي. أما في الوقت الحاضر، فيقصد بها الورق العادي الذي يحمل الطابع الضريبي ( طابع الدمغة ) الخاضع لقانون الطابع. كما أن تسمية الورق المدموغ ، هي ممارسة مورثة عن العهد الاستعماري حيث بدأ العمل بها في فرنسا منذ 1832.
واشتراط الورق المدموغ ، يثير تساؤلا حول مصير الدعوى في غياب هذه الشكلية ، هل يؤدي إلى التصريح التلقائي بعدم قبول العريضة؟ أم يمكن تدارك ذلك أثناء سير الخصومة؟ وهل هناك فعلا ضرورة تستدعي اللجوء إلى الورق المدموغ؟
الاجتهاد القضائي حول الموضوع غير مستقر ، ونكتفي بالموقف الأخير المعبر عنه بموجب القرار رقم 23957 الصادر عن مجلس الدولة الذي يقضي بأن إغفال هذه الشكلية يخول طلب إتمامه.
ومع أن المشرع تصدى من خلال القانون الجدد للإشكال المطروح بشأن إشهار عريضة افتتاح الدعوى المتضمنة المطالبة بإلغاء عقد يتعلق بعقار و/أو حق عيني عقاري مشهر طبقا للقانون. لكنه لم يتطرق لمسألة الورق المدموغ رغم كونها محل جدل ، ونحن لا نرى من وراءها أي جدوى.
المطلب الثاني: الاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية
أولا: القاعدة العامة
تتضمن المادة 803 ق.إ.م.إ إحالة إلى الأحكام المطبقة أمام القضاء العادي. فالاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية يتحدد طبقا للمادتين 37و38 من هذا القانون. إذ يؤول الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه، وإن لم يكن له موطن معروف، فيعود الاختصاص للجهة القضائية التي يقع فيها آخر موطن له، وفي حالة اختيار موطن، يؤول الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية التي يقع فيها الموطن المختار، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. وفي حالة تعدد المدعى عليهم، يؤول الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها موطن أحدهم.

ثانيا : الاستثناء عن القاعدة
لقد فصل المشرع بموجب النص الجديد بين الاستثناءات الواردة في المادتين8 و9 من ق.إ.م. والتي تجمع بين الحالات التي يعود فيها الاختصاص للقضاء العادي واخرى للقضاء الإداري. فالمادة 804 ق.إ.م.إ.،لا تتضمن إلا ما يعود لاختصاص القضاء الإداري.
الجديد في المادة 804 يشمل:
1- الحالة الثالثة : بهدف توسيع مجال الاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية في مادة العقود الإدارية ، بغرض توفير مزيد من الضمانات وتسهيل الإجراءات أمام المتقاضين في هذه المادة، أخذت لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات بعين الاعتبار مكان تنفيذ العقد، فعدلت البند الثالث من المادة 804 المقترح من طرف الحكومة بإضافة عبارة " أو تنفيذه" ليكون اختصاص المحاكم الإدارية في مادة العقود الإدارية حسب مكان إبرام العقد أو مكان تنفيذه على سبيل الاختيار،
2- الحالة الرابعة : المتعلقة بالموظفين أو أعوان الدولة أو غيرهم من الأشخاص العاملين في المؤسسات العمومية الإدارية ،
3- الحالة الثامنة : حول إشكالات تنفيذ الأحكام الصادرة عن الجهات القضائية الإدارية.
أما المادة 805 فقد تضمنت نفس الأحكام الواردة في المادتين 25 و 48 من القانون الجديد بحيث تكون المحكمة الإدارية المختصة إقليميا بالنظر في الطلبات الأصلية، مختصة كذلك في الطلبات الإضافية أو العارضة أو المقابلة التي تدخل في اختصاص المحاكم الإدارية. كما تختص المحكمة الإدارية أيضا بالنظر في الدفوع التي تكون من اختصاص الجهة القضائية الإدارية.
المبحث الثاني: طبيعة الاختصاص و مسائل الاختصاص
المطلب الأول: طبيعة الاختصاص
حسب المادة 807 يعتبر الاختصاص النوعي و الإقليمي للمحاكم الإدارية من النظام العام، وهما بذلك أشبه بالاختصاص أمام القضاء الجزائي. ومتى كانا كذلك يجوز للقاضي إثارته تلقائيا كما للخصوم إثارة الدفع بعدم الاختصاص في أي مرحلة كانت عليها الدعوى.


المطلب الثاني : مسائل الاختصاص
نقصد بمسائل الاختصاص حينما يصطدم موضوع الاختصاص بإشكال يتعلق بأيلولة الجهة المخولة بالفصل في القضية سواء بين محاكم إدارية أو بين محكمة إدارية ومجلس الدولة. هناك ثلاثة مسائل تضمنتها المحاور الآتية:
- تنازع الاختصاص.
- الارتباط.
- تسوية مسائل الاختصاص.
أولا : تنازع الاختصاص
كما هو الحال بالنسبة لتنازع الاختصاص أمام القضاء العادي، فإن التنازع أمام القضاء الإداري يكون وكذلك إما إيجابيا أو سلبيا وفق احتمالين :
1- حينما يثور تنازع في الاختصاص بين محكمتين إداريتين يؤول الفصل في التنازع إلى مجلس الدولة باعتباره الجهة الأعلى المشتركة بينهما.
2- ويؤول الفصل في تنازع الاختصاص بين محكمة إدارية ومجلس الدولة، إلى اختصاص هذا الأخير بكل غرفه المجتمعة.
واختصاص الغرف المجتمعة لمجلس الدولة، بالنظر في تنازع الاختصاص بين محكمة إدارية ومجلس الدولة، كان بناءا على تدخل لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات دعما لاجتهاد القضاء الإداري وإضفاء النوعية على قرارات مجلس الدولة المتعلقة بالفصل في تنازع الاختصاص بينه وبين المحاكم الإدارية.
ثانيا : الارتباط
الارتباط أمام القضاء الإداري لا يحمل نفس المعنى الوارد في المادة 207 من القانون الجديد. فالارتباط في القضايا المطروحة أمام القضاء العادي يؤدي إلى ضم الخصومات عملا بالمادة 207 التي تنص :" إذا وجد ارتباط بين خصومتين أو أكثر، معروضة أمام نفس القاضي، جار له ولحسن سير العدالة، ضمهما من تلقاء نفسه، أو بطلب من الخصوم والفصل فيهما بحكم واحد". أما الارتباط في المادة الإدارية، فهو يؤدي إلى تنازل جهة قضائية إدارية لفائدة جهة أخرى.



أولا/تعلق الارتباط بالاختصاص النوعي:
فإذا ما أخطرت المحكمة الإدارية بطلبات مستقلة في نفس الدعوى لكنها مرتبطة، بعضها بعود إلى اختصاصها والبعض الآخر يعود غلى اختصاص مجلس الدولة ليتم الفصل فيها بموجب قرار واحد، تفاديا لتعدد الدعاوى حول نفس النزاع.
ويطبق نفس الحكم، عندما تخطر المحكمة الإدارية بطلبات بمناسبة النظر في دعوى تدخل في اختصاصها، وتكون في نفس الوقت مرتبطة بطلبات مقدمة في دعوى أخرى مرفوعة أمام مجلس الدولة وتدخل في اختصاصه، يحيل رئيس المحكمة تلك الطلبات أمام مجلس الدولة.
ثانيا/تعلق الارتباط بالاختصاص الإقليمي:
تختص المحاكم الإدارية إقليميا بالفصل في الطلبات التي تعود إلى اختصاصها الإقليمي، وفي الطلبات المرتبطة بها التي يعود الاختصاص الإقليمي فيها إلى محكمة إدارية أخرى. تجاوز الاختصاص الإقليمي هنا، يبرره تفادي تعدد الدعاوى حول قضية واحدة، وضمان حسن سير العدالة. لأن الجهة المختصة بالدعوى الأصلية هي أكثر دراية من غيرها، بالطلبات المرتبطة بها.
عندما تخطر محكمتان إداريتان في آن واحد بطلبات مستقلة أي بمناسبة دعويين قضائيتين لكنهما مرتبطة وتدخل في الاختصاص الإقليمي لكل منهما، يرفع رئيسا المحكمتين تلك الطلبات إلى رئيس مجلس الدولة ويخطر كل منهما الآخر بأمر الإحالة.
يفصل رئيس مجلس الدولة بأمر:
1- في الارتباط إن وجد.
2- ثم يحدد المحكمة أو المحاكم المختصة للفصل في الطلبات.
ويترتب على أوامر الإحالة بسبب الارتباط المنصوص عليها في المادتين 809و811 سواء منها المتعلقة بالاختصاص النوعي أو الإقليمي، إرجاء الفصل في الخصومة وهي غير قابلة لأي طعن.
ثالثا : تسوية الاختصاص
إذا أخطرت إحدى المحاكم الإدارية بطلبات ترى أنها من اختصاص مجلس الدولة، لا يجوز لها التصريح بعدم اختصاصها بموجب حكم، إنما يحول رئيس المحكمة الملف في أقرب الآجال إلى مجلس الدولة، ليفصل هذا الأخير في مسألة الاختصاص ويحدد عند الاقتضاء، المحكمة الإدارية المختصة للفصل في كل الطلبات أو في جزء منها المادة813 ق.إ.م.إ . ولا يجوز للجهة التي أحيل إليها التصريح بعدم اختصاصها المادة 814 ق.إ.م.إ.
الخاتمة :
أملنا أن يلقى القانون الجديد الذي أحدث ثورة إجرائية أعادت النظر بشكل شبه كامل في إجراءات التقاضي والتنفيذ ، صدى طيبا وقت بدئ سريانه ، وأن يسهم فعلا في تحسين أداء مرفق القضاء وأن تتحقق نتائج إيجابية بمناسبة تطبيقه في انتظار ما سيلحقه من إثراء مستقبلا .