استعرض الموضوع التالياذهب الى الأسفلاستعرض الموضوع السابق

ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

avatar
karmes
موظف درجة 12
ذكر

الاقامة : عنابة

المشاركات : 9268

نقاط : 13578

تاريخ التسجيل : 25/06/2011

تمت المشاركة الإثنين 12 ديسمبر 2011, 16:01
لسم الله الرحمن الرحيم.
إسمحوا لي زملائي الكرام في هذا المنتدى بأن أطرح للنقاش موضوعا أعرف مسبقا أن وجهة نظري ستلقى إعتراضا من طرف الكثير منكم، و ذلك هو الغرض تحديدا من إثارتي لهذا النقاش و تناوله من زاوية تجديدية قد لا تلقى إجماعا و لكنها ستدفع بالتأكيد قسما كبيرا منا إلى إعمال التفكير في المسألة و ربما اعادة بعض الحسابات و مراجعة بعض القناعات.

و لقد عرفتموني إخواني في هذا المنتدى غير متعصب لرأيي و لا ناكرا على الآخرين حقهم في إبداء الرأي المخالف لرأيي فأنا لا أدعي علما و لكنني أثير بعض التساؤلات و قد يكون جوابي عنها غير صائب في كليته و لكنه قد يكون كذلك في بعض جزئياته.

جميعنا يعرف أن الإسلام دين يخاطب العقل و يؤسس خطابه على الدليل العلمي و الحجة المنطقية .. فلا نستطيع مخاطبة غير المسلم بغير الدليل و المنطق والعلم .. فإن قيل لي و انا المسلم أن الله قد حرم الخمر تجدني أسلم بذلك لأنني أؤمن بأن القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ... و لكنك لن تستطيع إقناع ملحد أو مشرك أو كافر إلا إذا أقمت الدليل العلمي على ما تقول.

من هذا المنطلق، إرتأيت أن أطرح اليوم للنقاش مسألة في غاية الدقة و الحساسية، و هي المتعلقة بما يعرف عموما بالتداوي بالقرآن الكريم .. مدى صحتها و معناها الصحيح على ضوء القرآن و السنة و كيفيات التداوي بالقرآن الكريم.

هناك رأي يذهب إلى القول بحقيقة التداوي بالقرآن و يعتبرونه أمرا ثابتا في الشريعة , لايمكن إنكاره لأنه أصبح معلوماً من الدين بالضرورة , ولا يحدث إلا بإذن الله تبارك وتعالى , فمن أنكر معلوماً من القرآن فقد خرج من ملة الإسلام والعياذ بالله ، مستندين إلى بعض آيات القرآن الكريم :
( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء )
( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا )
والقرآن أعظم دواء بحسب رأيهم مستدلين بقوله عليه الصلاة والسلام ( خير الدواء القرآن )، و ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ساق البشرى لمن تمسك بهذا القرآن وعمل بمقتضاه بأنه لن يهلك ولن يضل ابداً، و منه قوله عليه الصلاة والسلام ( أبشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله , وطرفه الآخر بأيديكم فتمسكوا به , ولن تهلكوا , ولن تضلوا بعده ابدا )
كما يستدلون بقول الامام ابن القيم : " فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية , وأدواء الدنيا والآخرة , وما كل أحد يؤهل ولا يوفق إلا للإستشفاء به فإذا أحسن العليل العليل التداوي به , ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام , واعتقاد جازم واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبدا .
و حسبهم دوما ما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحماية منه , لمن رزقه الله فهما في كتابه فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله , ومن لم يكفه فلا كفاه الله .

و لكنني رجعت إلى مختلف التفاسير فوجدتها تتفق على أمر لا يدعم زعم هؤلاء، فالآيتان الكريمتان :
( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء )
( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا )
قد جاءتا في غير سياق هذا الزعم المطلق، فالآية الأولى ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) قد جاءت في سياق كامل وجبت قراءته من بداية الآية ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد .... ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب )
و تفسير الآية أنه لما ذكر تعالى القرآن وفصاحته وبلاغته ، وإحكامه في لفظه ومعناه ، ومع هذا لم يؤمن به المشركون ، نبه على أن كفرهم به كفر عناد وتعنت ، كما قال : ( ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين ) . وكذلك لو أنزل القرآن كله بلغة العجم ، لقالوا على وجه التعنت والعناد : ( لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) أي : لقالوا : هلا أنزل مفصلا بلغة العرب ، ولأنكروا ذلك وقالوا : أعجمي وعربي ؟ أي : كيف ينزل كلام أعجمي على مخاطب عربي لا يفهمه .
هكذا روي هذا المعنى عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والسدي ، وغيرهم .
وقيل : المراد بقولهم : ( لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) أي : هلا أنزل بعضها بالأعجمي ، وبعضها بالعربي .
هذا قول الحسن البصري ، وكان يقرؤها كذلك بلا استفهام في قوله ( أعجمي ) وهو رواية عن سعيد بن جبير وهو في [ التعنت و ] العناد أبلغ .
ثم قال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) أي : قل يا محمد : هذا القرآن لمن آمن به هدى لقلبه وشفاء لما في الصدور من الشكوك والريب ، ( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ) أي : لا يفهمون ما فيه ، ( وهو عليهم عمى ) أي : لا يهتدون إلى ما فيه من البيان كما قال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) .
( أولئك ينادون من مكان بعيد ) قال مجاهد : يعني بعيدا من قلوبهم .
قال ابن جرير : معناه : كأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد ، لا يفهمون ما يقول .
قلت : وهذا كقوله تعالى : ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) .
وقال الضحاك : ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم .
وقال السدي : كان عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] جالسا عند رجل من المسلمين يقضي ، إذ قال : يا لبيكاه . فقال عمر : لم تلبي ؟ هل رأيت أحدا ، أو دعاك أحد ؟ قال : دعاني داع من وراء البحر . فقال عمر : أولئك ينادون من مكان بعيد . رواه ابن أبي حاتم .
وقوله : ( ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ) أي : كذب وأوذي ، ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) ، ( ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى ) بتأخير الحساب إلى يوم المعاد ، ( لقضي بينهم ) أي : لعجل لهم العذاب ، بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ( وإنهم لفي شك منه مريب ) أي : وما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا ، بل كانوا شاكين فيما قالوا ، غير محققين لشيء كانوا فيه.

و يزيد بعض المفسرين بالقول :

" هذا جواب تضمنه قوله ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ، أي ما يقال من الطعن في القرآن ، فجوابه : أن ذلك الذكر أو الكتاب للذين آمنوا هدى وشفاء ، أي أن تلك الخصال العظيمة للقرآن حرمهم كفرهم الانتفاع بها وانتفع بها المؤمنون فكان لهم هديا وشفاء . وهذا ناظر إلى ما حكاه عنهم من قولهم قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ، فهو إلزام لهم بحكم على أنفسهم .
وحقيقة الشفاء : زوال المرض وهو مستعار هنا للبصارة بالحقائق وانكشاف الالتباس من النفس كما يزول المرض عند حصول الشفاء ، يقال : شفيت نفسه ، إذا زال حرجه ، قال قيس بن زهير :
شفيت النفس من حمل بن بدر وسيفي من حذيفة قد شفاني ....
ونظيره قولهم : شفي غليله ، وبرد غليله ، فإن الكفر كالداء في النفس لأنه يوقع في العذاب ويبعث على السيئات .
وجملة والذين لا يؤمنون إلخ معطوفة على جملة هو للذين آمنوا هدى فهي مستأنفة استئنافا ابتدائيا ، أي وأما الذين لا يؤمنون فلا تتخلل آياته نفوسهم ؛ لأنهم كمن في آذانهم وقر دون سماعه ، وهو ما تقدم في حكاية قولهم وفي آذاننا وقر ، ولهذا الاعتبار كان معنى الجملة متعلقا بأحوال القرآن مع الفريق غير المؤمن من غير تكلف لتقدير جعل الجملة خبرا عن القرآن .
ويجوز أن تكون الجملة خبرا ثانيا عن ضمير الذكر ، أي القرآن ، فتكون من مقول القول وكذلك جملة وهو عليهم عمى ، والإخبار عنه بـ ( وقر ، وعمى ) تشبيه بليغ ووجه الشبه هو عدم الانتفاع به مع سماع ألفاظه ، والوقر : داء فمقابلته بالشفاء من محسن الطباق .
وضمير وهو عليهم عمى يتبادر أنه عائد إلى الذكر أو الكتاب كما عاد ضمير هو للذين آمنوا هدى ، والعمى : عدم البصر ، وهو مستعار هنا لضد الاهتداء فمقابلته بالهدى فيها محسن الطباق .
والإسناد إلى القرآن على هذا الوجه في معاد الضمير بأنه عليهم عمى من الإسناد المجازي ؛ لأن عنادهم في قبوله كان سببا لضلالهم فكان القرآن سبب سبب ، كقوله تعالى وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم .
ويجوز أن يكون ضمير ( وهو ) ضمير شأن تنبيها على فظاعة ضلالهم .
وجملة عليهم عمى خبر ضمير الشأن ، أي وأعظم من الوقر أن عليهم عمى ، أي على أبصارهم عمى كقوله وعلى أبصارهم غشاوة .
وإنما علق العمى بالكون على ذواتهم ؛ لأنه لما كان عمى مجازيا تعين أن مصيبته على أنفسهم كلها لا على أبصارهم خاصة فإن عمى البصائر أشد ضرا من عمى الأبصار كقوله تعالى فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .
وجملة أولئك ينادون من مكان بعيد خبر ثالث عن الذين لا يؤمنون ، والكلام تمثيل لحال إعراضهم عن الدعوة عند سماعها بحال من ينادى من مكان بعيد لا يبلغ إليه في مثله صوت المنادي على نحو قوله تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع كما تقدم في سورة البقرة . وتقول العرب لمن لا يفهم : أنت تنادى من مكان بعيد .
والإشارة بـ ( أولئك ) إلى الذين لا يؤمنون لقصد التنبيه على أن المشار إليهم بعد تلك الأوصاف أحرياء بما سيذكر بعدها من الحكم من أجلها نظير أولئك على هدى من ربهم .
ويتعلق من مكان بعيد بـ ( ينادون ) ، وإذا كان النداء من مكان بعيد كان المنادى بالفتح في مكان بعيد لا محالة كما تقدم في تعلق من الأرض بقوله ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض أي دعاكم من مكانكم في الأرض ، وبذلك يجوز أن يكون من مكان بعيد ظرفا مستقرا في موضع الحال من ضمير ( ينادون ) وذلك غير متأت في قوله إذا دعاكم دعوة من الأرض "

و من هنا يتضح لنا أن المقصود ليس الشفاء من الأمراض العضوية بل المقصود شفاء النفس من الأمراض المعيبة للخلق و الإستقامة و الهداية و الصلاح
و من امراض الرياء و الكبر و الضلال و الجهل.

غير أن السائل يتساءل عن حقيقة الرقية الشرعية و ضوابطها و هي الأمور التي أجمع عليها علماء الأمة و لكنها لا يجب أن تصب في خانة الإستغناء عن دور الطبيب و ما توصل إليه الإنسان من أدوية أو من طرائق للعلاج الطبيعي و كذا ما تعلق بالتداوي بالأعشاب على أيدي مختصين ... و قبل اللجوء إلى الرقية تجب مراجعة الطبيب حتى لا تكون الرقية في غير محلها فيقع الضرر.









ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

العاصمية
العاصمية
موظف درجة 4
انثى

الاقامة : الجزائر

المشاركات : 302

نقاط : 362

تاريخ التسجيل : 01/03/2012

العمل : موظفة بالبلدية
تمت المشاركة الأربعاء 25 ديسمبر 2013, 18:54
بداية أشكر الأستاذ كرمس، صاحب المواضيع الهادفة والراقية والماتعة، طرحَه الشيّق خصوصا المقدمة,, و مهما تكن من هفوة أو عثرة في البحث و النقاش، فليس ينقص ذلك من قدر الكاتب، إذ لا يكاد يخلو عمل من خلل و نقص, و لكل عالم هفوة أو كبوة. و قد عرفنا الكاتب من خلال مواضيعه التي ترجمت عن عقله الواسع و فكره الثاقب وشخصه اللبيب، ليس بالمتعصب أو المعاند، صاحب الدليل و الحجة، رجّاع إلى الحق إذا عرفه.. وحسبك من شخص هذه خصاله!

  لا شك أنّ مسألة التداوي أو الاستشفاء بالقرآن تهمنا كلنا، فما منا إلا و مصاب في بدنه، و ما من أحد إلا و هو حريص و باحث عن سبيل للشفاء، و تعنيه أيّ وسيلة إنْ علِمها ثابتةً صحيحةً، فكيف إذا كان التداوي بكلام رب العالمين!؟  

  ..حضرني و أنا أقرأ الموضوع حوار لسيدتَين في سيارة أجرة، حيث كانت تشكو إحداهما أوجاعا شتى في جسمها بعد بلوغها سن الخمسين، وظهرت معاناتها شديدة حتى قالت لمحدّثتها: "لقد نصحوني بقراءة القرآن و الاستشفاء به"، فقاطعتها الأخرى قائلة: « oh, non, ca n’a pas de relation du tout » (كلا، لا علاقة للقرآن بالمرض، أوجاعك أمرٌ طبيعي في سنك، و هي أعراض عادية),,سألتُ نفسي حينها: لماذا هذا النفور من الاستشفاء بالقرآن؟ فإنه وإنْ لم يُفـد في شيء لا يضر أبدا، ثم وجدتُ أن للطرف الآخر دوره في التنفير من هذا الأمر، و أعني به أولئك المغالين في التداوي بالقرآن، الذين أساؤوا كثيرا إلى الرقية حيث شوّهوا صورتها و لم ينضبطوا بضوابطها الشرعية.

 و كلي رجاء و أمل في إبراز الحقيقة و الإتيان بالأجوبة الشافية الكافية لهذه المسألة الحساسة و الدقيقة، التي لها تداعياتها على القارئ، أو "ستدفع بالتأكيد قسما كبيرا منا إلى إعمال التفكير في المسألة و ربما إعادة بعض الحسابات و مراجعة بعض القناعات" كما قال الأستاذ الفاضل. و ما كنتُ لأعقب على هذا الموضوع الذي أراه يحتاج إلى تأصيل علمي، فبضاعتي فيه قليلة جدا، لولا بعض الثغرات و الفجوات في تناول الموضوع تتطلب التوجيه و التعقيب.

  أثار الموضوع بعض التساؤلات حول "التداوي بالقرآن": مدى صحتها؟ ومعناها الصحيح على ضوء القرآن والسنة؟ و كيفيات التداوي بالقرآن الكريم؟؟، و انطلق من الحجة المنطقية و العقل والدليل العلمي في الاستدلال للمسألة.
بدأ بطرح سؤال (عنوان الموضوع) ما حقيقة التداوي بالقرآن؟ و انتهى بنفيها، مدللا للنتيجة بدحض حجة القائلين بالتداوي بالرجوع الى تفسير آيات الشفاء. ثم التنبيه في آخر الموضوع على أمر "الرقية" و التحذير من أضرارها وأخذ الحيطة بالرجوع إلى الطبيب.

موضع الإشكال:
أول شيء نختلف فيه مع الكاتب منهجه و طريقته في تناول المسألة. فالمنطلق أساسا غير صحيح في تصوري, و منه كانت الهفوات، فصحة النتائج مرهونة بصحة البدايات. إذ لا يصحّ الاستناد إلى الحجة المنطقية و الدليل العلمي أو الخطاب العقلي في مثل هذه المواضيع. لماذا؟ لأن الحجة المنطقية نفسها تأبى مثل هذه الدراسات و البحوث، و  ليس مجالها كما هو معلوم منطقيا! فالمنطق يعلمنا أسلوب التفكير الصحيح و طرق الاستدلال السليم في البحث، وقد تعلمنا أنّ البحث العلمي-الذي تفرع من المنطق- يعتمد منهجا معينا، فهو متعدد بتعدد مواضيع البحث(1)..فهل يسعنا أن نرد حقيقة التداوي بالقرآن بالحجة المنطقية؟ ثم ليس ثمة عرض ولا بسط للحجة المنطقية في الموضوع، و لا أي دليل علمي لرد مسألة التداوي بالقرآن,, هذا، و إذا سلّمنا للحجة المنطقية في إثبات المسألة، فإنّ المنطق يثبتها و لا ينفيها!,فنحن نتحدث عن العلاج بكلام رب العالمين، أليس يُعقل منطقيا صحة ذلك؟ بلى, فهو الربّ!، قاهر كل خلقه، فكلامه تبع لعظمته و جلاله وجبروته، فكيف لا يؤثّر في جسد هذا المخلوق الحقير الضعيف؟..إذا كانت الموسيقى تؤثر في الشخص المصاب كما تحاول بعض الدراسات الغربية إثبات ذلك، فكيف لا يُؤثِّر كلام رب العرش العظيم؟؟..

 فما هي المعطيات التي عرضها الموضوع؟ و ما هي النتائج؟ المعطيات هي: تفسير آيات الشفاء التي يستند إليها القائلون بالتداوي بالقرآن. و النتيجة: (ومن هنا يتضح لنا أن المقصود ليس الشفاء من الأمراض العضوية بل المقصود شفاء النفس من الأمراض المعيبة للخلق و الاستقامة و الهداية و الصلاح و من أمراض الرياء و الكبر والضلال و الجهل.),,.. فهل دحض هذه الحجة كافٍ لنفي هذه المسألة؟ في تصوري غير كاف إطلاقا، فالنقاش يجب أن يستوعب أطراف الموضوع! و قد تناوله من جزئية و حيثية واحدة و هي آيات الشفاء، و أخشى أن ينتقض الدليل أصلا لأنه في خاتمة الموضوع نبّه إلى الرقية الشرعية (غير أنّ السائل يتساءل عن حقيقة الرقية الشرعية و ضوابطها و هي الأمور التي أجمع عليها علماء الأمة، و لكنها لا يجب أن تصب في خانة الاستغناء عن دور الطبيب),, و الرقية الشرعية دليلٌ قائم بنفسه على ثبوت حقيقة التداوي بالقرآن. فلا  تستقيم حجة النفي مع ثبوت دليل من السّنة صحيح!؟

الشفـاء المذكور في الآيات:؟
قال القرطبي في تفسير الآية: (وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا : اختلف العلماء في كونه شفاء على قولين: أحدهما: أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب، ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله تعالى. الثاني : شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقى والتعوذ ونحوه)
و قال السعدي في تفسيره: (.. فالشفاء الذي تضمّنه القرآن عام لشفاء القلوب، من الشبه، والجهالة، والآراء الفاسدة، والانحراف السيئ، والقصود السيئة فإنه مشتمل على العلم اليقيني، الذي تزول به كل شبهة وجهالة، والوعظ والتذكير، الذي يزول به كل شهوة تخالف أمر الله، ولشفاء الأبدان من آلامها وأسقامها.)
,,لكن في الآيتين جعل الشفاء خاصا بالمؤمنين، في حين أن شفاء آخر جعله لعامة لناس في قوله تعالى في سورة النحل :(يخرج من بطونها شرابٌ مختلف ألوانه فيه شفاءٌ للناس) .
فإذا لم نقطع بتفسير الشفاء من الأمراض العضوية الجسدية، و أن الشفاء المقصود في الآيات بحسب السياق إنما هو شفاء القلوب و النفوس، فثمة ما يُستدل به في كتاب الله على كونه شفاء من الأمراض النفسية و الجسدية ، و هي مجمل أحكامه و توجيهاته و تشريعاته و هديه (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقومُ)، أقوم في كل شيء: في العقائد و التصورات و السلوكيات التي تحفظ له عقله وروحه وبدنه و راحته في جميع مناحي الحياة البشرية!,, و كذا أمره تعالى باتّباع النبي صلى الله عليه وسلم و اقتفاء أثره و طاعته (و ما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا) دليلٌ أيضا، فقول النبي وحيٌ، و سنّته عليه الصلاة و السلام شرعٌ  لأمّتِه و لا يُستغنى بالقرآن وحده في فهم نصوص الشريعة و أحكامها، و قد صحّ عنه عليه الصلاة والسلام قوله في بيان منزلة السّنة ( ألا إنِّي أوتيتُ القرآنَ ومثلَهُ معه) فثبوت الرقية في السنة الصحيحة حجّة قطعية، و رحم الله الإمام البخاري إذ بوّبَ لأحاديث الرقية و الاستشفاء وسمّاه (باب الطب).و سيأتي بعد قليل حديث عائشة الذي صحّ و قول النبي لها:"عالجيها بكتاب الله"، فسماه علاج!

الشفاء من الله :
قوله تعالى في سورة الشعراء على لسان ابراهيم عليه السلام (و إذا مرضتُ فهو يشفين)، و قوله تعالى(و إن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فلا كاشِفَ له إلا هو)، فالشافي هو الله كما أخبر النبي عليه الصلاة و السلام (اشف أنت الشافي),,لكن أُمِرْنا بالأخذ بالاسباب المشروعة، و الرقية سببٌ و وسيلة من  الوسائل المتعددة كالتداوي بالعلاج الكيميائي أو الطبيعي كالأعشاب و العسل و الحبة السوداء و الحجامة و السعوط و ألبان الإبل... فالرقية لا تستقل بالشفاء، إنما هي سبب، و معنى لفظ "أعوذ" في الرقى: ألوذ و ألجأ و أحتمي و أعتصم، فسرّ مسألة الرقية هو "عمل القلب"، إذ لا معنى لترديد تلك الادعية أو الآيات و التعويذات و القلب لاه غافل عن معناها، و لهذا قال ربنا(أمّن يُجيب المضطر إذا دعاه)، فالمضطر قلبه أخشع ما يكون. و هذا ما يريده الله منا، عودة القلب و رجوعه إلى ربه و إنابته إليه و تضرعه بين يديه، و إن لم يكن في جدوى الرقية و منفعتها إلا رجوع القلب لكفى بها منفعة !

أمر الشريعة بعموم التداوي و الاستشفاء:

في السلسلة الصحيحة، عن أبي الدرداء : ( إنَّ اللهَ خلق الداءَ و الدواءَ ، فتداوُوا ، و لا تتداوُوا بحرامٍ )

في السلسلة الصحيحة، عن أبي سعيد الخدري: ( إنَّ اللهَ لمْ يُنْزِلْ دَاءً أوْ لمْ يَخْلُقْ دَاءً إلا أنْزَلَ أوْ خلقَ لهُ دَوَاءً ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ ، و جَهِلهُ مَنْ جَهِلهُ، إلا السَّامَ ، قالوا : يا رسولَ اللهِ و ما السَّامُ ؟ قال : المَوْتُ )

في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس :( الشِّفاءُ في ثلاثةٍ : في شَرطَةِ مِحجَمٍ ، أو شَربةِ عسلٍ ، أو كيَّةٍ بنارٍ ، وأنا أنهى أمَّتي عنِ الكيِّ ).

في صحيح ابن حبان عن أبي محذورة : (عليكم بالحَبَّةِ السَّوداءِ فإنَّ فيها شِفاءً مِن كلِّ شيءٍ إلا السَّـام )




عدل سابقا من قبل العاصمية في الخميس 26 ديسمبر 2013, 16:06 عدل 1 مرات

ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

العاصمية
العاصمية
موظف درجة 4
انثى

الاقامة : الجزائر

المشاركات : 302

نقاط : 362

تاريخ التسجيل : 01/03/2012

العمل : موظفة بالبلدية
تمت المشاركة الأربعاء 25 ديسمبر 2013, 19:10
الاستشفاء بالقرآن في ضوء السّنة و بعض كيفياته:

في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري أنَّ ناسًا من أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أتوا على حيٍّ من أحياءِ العربِ فلم يُقْرُوهم ، فبينما همْ كذلِك ، إذْ لُدِغَ سيدُ أولئكَ، فقَالوا : هلْ معَكُمْ من دَوَاءٍ أوْ راقٍ ؟ فقالوا: إنكُمْ لمْ تُقْرُونَا، ولا نفعلُ حتى تجعَلوا لنَا جُعْلا ، فجَعلوا لهم قطيعًا من الشاءِ، فجعلَ يقرأُ بأمِّ القرآنِ، ويجمعُ بزَاقَهُ و يَتْفُلُ ، فبَرَأَ فأتَوا بالشَّاِء، فقالوا : لا نأْخُذُهُ حتى نسألَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فسأَلوهُ فضَحِكَ وقالَ (:ومَا أدراكَ أنها رُقيةٌ ، خذُوهَا واضرِبوا لي بِسَهْمٍ).

في صحيح الجامع، عن عثمان بن أبي العاص : ضع يدَك على الذي تألَّم من جسدِك، و قُلْ : "بسم اللهِ" ثلاثًا و قلْ سبعَ مراتٍ
( أعوذُ باللهِ و قُدرتِه من شرِّ ما أَجِدُ و أُحاذِرُ )

و في الصحيحين عن عائشة: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوِّذاتِ وينفُثُ، فلما اشتدَّ وجعُه كنتُ أقرأ عليه، وأمسح بيده رجاءَ بركتِها)

و في السلسلة الصحيحة عن عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دخلَ عليها وامرأة تعالجُها أو ترقِيها، فقال:(عالجِـيها بكتابِ الله)

في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله : أرْخَص النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في رُقيةِ الحيَّةِ لبني عَمرو . قال أبو الزبيرِ : وسمعتُ جابرَ بنِ عبدِا للهِ يقول: لدَغتْ رجلا منا عقربٌ. ونحن جلوسٌ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال رجلٌ : يا رسولَ اللهِ ! أَرْقي ؟ قال:" من استطاع منكم أن ينفعَ أخاه فلْيفعَلْ."
   
في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري: أنَّ جبريلَ أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : يا محمدُ  اشتكيتَ ؟ فقال: "نعم", قال : باسمِ اللهِ أرقيكَ . من كلِّ شيٍء يُؤذيكَ . من شرِّ كل نفسٍ أو عينِ حاسدٍ اللهُ يشفيكَ . باسمِ اللهِ أَرْقِيكَ .

في صحيح مسلم عن أم سلمة هند بنت أبي أمية ، أنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لجاريةٍ ، في بيتِ أمِّ سلمةَ ، زوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، رأى بوجهِها سَفْعَةً فقال: "بها نظرةٌ  فاستَرْقوا لها" يعني بوجهِها صُفْرةٌ .

في صحيح مسلم، عن عائشة: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يأمُرُني أن أسترْقِي من العينِ .

في صحيح ابن حبان، عن عائشة: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعوِّذُ حسَنًا وحسينًا:( أُعيذُكما بكلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن كلِّ شيطانٍ وهامَّةٍ ومِن كلِّ عينٍ لامَّةٍ ) وكان يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( كان أبوكما يُعوِّذُ بهما إسماعيلَ وإسحاقَ )

في صحيح الترمذي، عن ابي سعيد الخدري: ( كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يتعوَّذُ من الجانِّ وعينِ الإنسانِ حتَّى نزَلتِ المعوِّذتانِ فلمَّا نزلَتا أخذَ بِهِما وترَكَ ما سواهما.)

في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن مسعود: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا أوى إلى فراشِه جمَع كفَّيْهِ ثمَّ نفَث فيهما وقرَأ فيهما بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثمَّ يمسَحُ بهما ما استطاع مِن جسدِه يفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ.

في صحيح البخاري ، عن عائشة: أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كان إذا أتَى مريضًا أو أُتي بهِ، قال: ( أذهبِ البأسَ ربَّ الناسِ، اشفِ وأنت الشَّافي، لا شِفاءَ إلا شِفاؤكَ، شِفاءً لا يُغادرُ سَقمًا)

فالرقية تكون بقراءة آيات و تعويذات أو أدعية كما جاء أعلاه..فهي واضحة سهلة لا تعقيد فيها ولا خزعبلات!

و قد بيّنتِ الأحاديث السابقة حرصَ النبي عليه الصلاة و السلام و مواظبته على التعويذات و الأذكار و الأدعية، فيا ترى لِمَ كل ذلك؟ لماذا يسمح بعد القراءة على سائر جسده عند نومه عليه السلام؟ لماذا أمر الله نبيّه بالاستعاذة من شر الحاسد و النفاثات في العقد(الساحرات)؟ لماذا الاستعاذة من الشيطان و الهامة و العين...؟ أيّ حفظٍ عناه النبيُّ بقوله لمن يقرأ "آية الكرسي" عند النوم (لا يزال عليك من الله حافظ)؟ فالشيطان و ذريته تؤذي ابن آدم كما أخبرت النصوص بذلك، و هي تتشكل في صورة بعض الحيوانات، فعداوتها لبني آدم ظاهرة، و يكفينا حديث: (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهِلّ صارخاً من مَسِّ الشيطان إياه) (2)، و "العينُ" تؤذي غاية الأذى حتى قال النبي عنها( لو كان شيئا سابق القدر لسبقته العين)..فكل هذه الأذية تظهر في شكل أمراض عضوية جسدية لا يمكن إنكارها.

حكم التداوي أو الاستشفاء بالقرآن:

الصحيح عند أهل العلم أنه جائز و مشروع، لقوله صلى الله عليه وسلم :" من استطاع منكم أن ينفعَ أخاه فلْيفعَلْ."،، و قوله أيضا:
(اعرِضوا عليَّ رُقاكُم، لا بأسَ بالرُّقى ما لَم تَكُن شِركًا ).
قال النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم:( الرقى بآياتِ القرآن وبالأذكار المعروفة لا نهي فيه ، بل هو سنّة ... وقد نقلوا الإجماعَ على جواز الرقى بالآيات وأذكار الله تعالى"

ضوابط التداوي بالقرآن أو الرقية :

قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري10-206: " وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي، أو بما يُعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل هي سبب والله تعالى هو الشافي."
وقال القرافي رحمه الله: (..وهذه الألفاظ منها ما هو مشروع كالفاتحة والمعوذتين ، ومنها ما هو غير مشروع كرقى الجاهلية والهند وغيرهم ، وربما كان كفرا، ولذلك نهى مالك وغيره عن الرقى بالعجمية لاحتمال أن يكون فيه محرم ) ( الفروق-4/147 )

تأثير الأمراض النفسية العصبية في الجسد :
صار معلوما في عصرنا هذا و في السنوات الأخيرة تأثير الأمراض النفسية و العصبية في الجسم، حيث أكّد العلم الحديث ذلك، و تخصصت العيادات في علاج الحالات النفسية، حتى صار في الدول المتقدة تخصص للمريض طبيبا نفسيا يواسيه في مرضه..و عندنا أيضا، كثيرا ما يسألك الطبيب عن حالتك النفسية و ظروفك الشخصية والاجتماعية، و أنت تشكو آلاما عضوية، في حين الطبيب يسألك عن الأوجاع النفسية!..فكلما كانت الإصابة بالتوتر و القلق و الاضطراب كبيرة كلما كانت أعراض المرض العضوي أكبر، فالتوتر النفسي شديد على الجسد، إذ يكفي أن تسوء نفسية المرء وينقلب مزاجه لتسوء حالته الجسدية!! فالجسد و النفس يتداخلان تداخلا عجيبا لا ينفكان أبدا، و قد تظهر أمراض عضوية خطيرة و هي في حقيقتها أعراض لأمراض نفسية عصبية كما هو معلوم اليوم في الطب الحديث.. فما علاج المرض النفسي؟ لا شك أن للدواء الكيميائي أثره في الاستشفاء، و كذا الجلسات العلاجية قد تنفع..لكن علاجها يتفاوت من شخص لآخر..و قد أثبت القرآن تأثيره في معالجة المرض النفسي، بمعالجة العقول و القلوب أولا بتوجيهاته الربانية التي تشفي النفس من أمراضها القاتلة، مع ما للتلاوة وسماع القرآن من تأثير على النفس، و ثانيا بالرقية و التعويذات التي تقي و تشفي من شتى الأمراض, فالقرآن هو الطب الروحي النفسي إن صح التعبير.

علاج الرقية لبعض الأمراض المستعصية :
مهما وصل إليه الطب الحديث من التطور العجيب في معالجة المرض، إلا أنه ما يزال عاجزا أمام حالات كثيرة من الأمراض المستعصية، و هذا معلوم، حيث نراه عاجزا أصلا عن تشخيص بعض الأمراض فضلا عن علاجها,, و رأينا و سمعنا عن علاج أمراض مستعصية بالرقية, و لن أنقل هنا حالات لكثير من الناس حدث معهم ذلك، و نُشر ذلك عنهم، فقد لا يُصدّق ذلك، لكني أنقل عن حالات لأقاربي و معارفي، دام معهم المرض سنوات ولم يشفوا إلا بإقبالهم على الرقية بقلب خالص راجع إلى ربه, و تطلب الأمر أشهرا، لكنهم شفوا,,و ليس أمر الرقية بغريب، و ما أحسن ما قاله ابن القيم عنها في زاد المعاد: (..وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلامَ رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها؟!!), و قال عنه ربنا في سورة الرعد: (ولو أنّ قرآنا سُيِّرتْ به الجبالُ أو قطِعت به الأرضُ أو كُلِّم به الموتى) أي: لكان هذا القرآن.. وقال في سورة الحشر: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله).

في القرآن و السنّة سبيل الحماية من العلل و الأمراض النفسية و الجسمية :
صدق ابن القيم حين قال: (فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه)، رحمه الله، لم يَغْلُ في قوله و لم يجانب الحق,, أو ليس في القرآن الأمر بالاقتصاد في كل شيء و التوسط في الأمور حتى في العبادات، و ألا يجهد الإنسان نفسه فيهلكها (و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، و قد جاءت الشريعة السمحة بالتيسير و رفع الحرج وحفظ الصحة، فهناك التيمم، و إباحة الحرام في حال الاضطرار (إلا ما اضطررتم إليه) و الصلاة قعودا في حال المرض، و وجوب الأكل في رمضان عند المرض وفي السفر ، و التحذير من الإسراف في الأكل والشراب: (وكلوا و اشربوا و لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)، و في الحديث الصحيح،: (ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنِه، بحسْبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلبَه، فإن كان لا محالةَ، فثُلُثٌ لطعامِه، و ثُلُثٌ لشرابِه، وثُلُثٌ لنفَسِه). و معروفة هي الأمراض التي تنجم عن الإكثار من الطعام, هذا مع ما للصيام من فوائد صحية أثبتها الطب الحديث،، و في القرآن التحذير من الزنا و ما شابه، و في السنة أيضا ففي صحيح ابن ماجة عن عبد الله بن عمر: (..لم تَظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعلِنوا بِها إلا فَشا فيهمُ الطَّاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُن مَضت في أسلافِهِمُ الذين مَضوا...) و حرّمت الخمر ببيان أضراره و و آفاته التي تنتج عنها أمراض وخيمة معروفة في عصرنا, و حرّمت الشريعة كل ضرر على العباد، و جاءت بتحليل الطيبات و تحريم الخبائث.. و جاءت السنة المطهرة بآداب ليس لأمة أخرى ذلك، و هي الآداب التي يعرفها الصغير قبل الكبير: آداب الأكل و الشرب و النوم والاستيقاظ و الخروج و الدخول و الخلاء و التعري و آداب الوضوء و الغسل....إلخ, و هي كلها حمايةٌ للصحة بصفة عجيبة منقطعة النظير!.و حسبك توجيه النبي في الحديث الآتي: ففي صحيح مسلم (غطُّوا الإناءَ، و أوكوا السِّقاء، فإنَّ في السَّنةِ ليلةً ينزلُ فيها وباءٌ، لا يمرُّ بإناءٍ ليسَ عليهِ غطاءٌ، أو سقاءٍ ليس عليهِ وِكاءٌ ، إلا نزلَ فيهِ من ذلك الوباءِ . وفي روايةٍ : فإنَّ في السَّنةِ يومًا ينزلُ فيهِ وباءٌ). .إنها شريعة رب العالمين، أي خالق هذا العبد الخبير بمصالحه و مضاره, .


ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

العاصمية
العاصمية
موظف درجة 4
انثى

الاقامة : الجزائر

المشاركات : 302

نقاط : 362

تاريخ التسجيل : 01/03/2012

العمل : موظفة بالبلدية
تمت المشاركة الأربعاء 25 ديسمبر 2013, 19:19
ختاما: هل تضرّ الرقية؟ :

لا شك أننا رأينا حالات ضرر حدثت مع الرقية بل حالات موت,, لكن هل يلصق بالرقية الشرعية؟ نعرف جواب ذلك إذا عرفنا مقاصد الشريعة التي جاءت بحفظ النفس و حرم إتلافها أ إلحاق الضرر بها، فكيف تأتي الشريعة بالرقية و يوصي النبي بها، ثم هي تحمل ضررا؟؟؟ إلا إذا كان من يرقي قد لا يحسن الرقية، فالكثير من الرقاة يتجاوزون في رقاهم و يغالون بل و خرجوا كليا عن هدي النبي عليه الصلاة و السلام في الرقية، حيث ضرب المصاب و ترويعه و استعمال وسائل غريبة في الرقية، بل و صرنا نسمع عن الرقية من بعد (و الله من المضحكات المبكيات)، حيث حدثتني زميلتي عن راقي يرقي من بعيد، تعطيه اسم اخيك و كفى، ثم هو يأتيك بأخباره و مرضه و علاجه ! فمن أين له يا ترى أن يعرف أحواله ومرضه دون أن يراه اصلا !؟ أليس هذا الصنف من الناس قد أساؤا الى الرقية الشرعية و نفّروا الناس منها.؟

فالرقية الشرعية لا تضر بل الدواء الكيميائي يضر و له أعراض جانبية يُحذّر منها..و منذ متى كان كلام الله ضارا؟؟؟؟؟؟, فلا تجب مراجعة الطبيب قبل اللجوء للرقية، لأن قراءة آيات كالمعوذتين و الفاتحة أو الدعاء، إنْ لم تُـجـْدِ فإنها لا تضر..
قال القرافي رحمه الله: ( والرّقى ألفاظ خاصة يحدث عندها الشفاء من الأسقام والأدواء والأسباب المهلكة، ولا يُقال لفظ "الرقى" على ما يُحْدِثُ ضررا، بل ذلك يقال له السحر)
هذا و تبقى حقائق بعض المسائل و التوجيهات تخفى على العقل و لا يدرك سرها، لهذا كان من معاني الإسلام: الاستسلام، "ولا تثبت قدمُ الإسلام إلا على ظهر التسليم و الاستسلام" كما قال الطحاوي رحمه الله في بيان عقيدة السلف.
و إلا فما معنى توجيه النبي في الحديث الصحيح (داوُوا مرضاكم بالصدقةِ)؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ما دخل الصدقة بعلاج المرض؟


-----------------
(1) لا يعني أن العقل و الدين ضدان، بل إن أحكام الشريعة لا تعارض صريح العقل، و لكنه لا يستعمل لرد حقائق شرعية، و قد بيّن ذلك ابن تيمية رحمه الله بجلاء في كتابه "درء تعارض العقل و النقل". و مما قاله عن حجية العقل ( بل العقل شرط في معرفة العلوم و كمال  و صلاح الأعمال و به يكتمل العلم و العمل لكنه ليس مستقلا بذلك لكونه غريزة في النفس، و قوة فيها بمنزلة قوة البصر التي في العين، فإذا اتصل به نور الإيمان و القرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس و النار، و إن انفرد بنفسه لم يبصر الأنوار التي يعجز وحده عن إدراكها و إن عُزل بالكلية كانت الأقوال و الأفعال مع عدمه أمور حيوانية قد يكون فيها محبة دو حد و ذوق كما يحصل للبهيمة، فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة و الأقوال المخالفة للعقل باطلة والرسل جاءت بما يعجز العقل عن إدراكِه و لم تأتِ بما يعلم العقل امتناعه" (مجموع الفتاوى 3)

و لتتمة القول في المنهج، أنقل قول شاكر رحمه الله في مقدمة "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" فإنه نفيس:(فهذا الذي يُسمى "منهجاً" ينقسم إلى شطرَين: شطرٍ في تناول المادة، و شطرٍ في معالجة التطبيق.
فشطر المادة يتطلب قبل كل شيء جمعها من مظانِّها على وجه الاستيعاب المتيسّر، ثم تصنيف هذا المجموع، ثم تمحيص مفرداته تمحيصاً دقيقا، و ذلك بتحليل أجزائها بدقة متناهيةٍ، و بمهارةٍ و حِذقٍ و حذرٍ، حتى يتيسَّرَ للدارسِ أن يرى ما هو زيفٌ جلياً واضحا، و ما هو صحيح مستبينا ظاهرا، بلا غفلة و بلا هوى، و بلا تسرّع.

أما شطرُ التطبيق، فيقتضي ترتيبَ المادة بعد نفيِ زيفِها و تمحيصِ جيِّدها، باستيعابٍ أيضا لكل احتمالٍ للخطأ أو الهوى أو التسرّع.ثم على الدارس أن يتحرّى لكل حقيقةٍ من الحقائق موضعاً حو حقُّ موضعِها ، لأنّ أخفة إساءة في وضعِ إحدى الحقائق في غير موضعها، خليق أن يُشوِّهَ عمودَ الصورة تشويهاً بالغَ القُبح و الشناعة".
و أزيدُك الآن: أنّ "شطر التطبيق" هو الميدان الفسيح الذي تصطرع فيه العقولُ، و تتناصَى الحُجَجُ، (أي أن تأخذ الحُجَّة بناصية الحجّة كفِعل المتصارعين)، و الذي تسمع فيه صليلَ الألسنة جهرةً أو خُفية، و في حَوْمته تتصادم الأفكارُ بالرّفقِ مرة و بالعنف أخرى،و تختلف فيه الأنظار اختلافاً ساطعاً تارة، و خابياً تارة أخرى، و تفترق فيه الدروبُ و الطُّرق أو تتشابكُ أو تلتقي . هذه طبيعة هذا الميدان، و طبيعةُ النازليه من العلماءِ و الأدباءِ و المفكّرين. و عندئذٍ يمكنُ أن يَنشأَ ما يُسمّى "المناهج و "المذاهب.

و لكي لا تقعَ في الوهم و الضلال، و لكي لا يُغرّر بك أحدٌ من المتشدقين من أهل زماننا هذا بالثرثرة، فاعلَمْ أنّ حديثي هنا هو عن الذي يُسمى "المنهج الأدبي" على وجهِ التحديد، أي: عن المنهج الذي يتناول الشعرَ و الأدبَ بجميع أنواعه، و التاريخَ، و علمَ الدين بفروعه المختلفة، و الفلسفة بمذاهبها المتضاربة، و كلَّ ما هو صادرٌ عن الإنسان إبانةً عن نفسه و عن جماعته = أي يتناول ثقافتَه المتكاملة المتحدِّرَة إليه في تيّار القرون المتطاولة و الأجيال المتعاقبة .و وِعَاءُ ذلك كلِّه و مستقَرُّه هو اللغة و اللسانُ لا غيرُ. فإيّاك إياك أن تنسى ذلك، و اجعَلْهُ منك على ذُكْرٍ أبدا. و اذكُرْ أيضا أنّ هذا الذي أقوله لك ههنا عن "المنهج"، إنما هو أصلٌ أصيلٌ في كل أمة، و في كل لسانٍ، و في كل ثقافةٍ حازها البشرُ على اختلافِ ألسنتهم و ألوانهم و مِللهم و مواطنهم.)

(2) قال ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن :( فإن قيل : فما السبب في بكاء الصبي حالة خروجه إلى هذه الدار؟ قيل : ههنا سببان : سبب باطن أخبر به الصادق المصدوق لا يعرفه الأطباء وسبب ظاهر، فأما السبب الباطن فإن الله سبحانه اقتضت حكمته أن وكل بكل واحد من ولد آدم شيطانا، فشيطان المولود قد خنس ينتظر خروجه ليقارنه ويتوكل به، فإذا انفصل استقبله الشيطان وطعنه في خاصرته تحرقا عليه وتغيظا واستقبالا له بالعداوة التي كانت بين الأبوين قديما فيبكي المولود من تلك الطعنة، ولو آمن زنادقة الأطباء والطبائعيين بالله ورسوله لم يجدوا عندهم ما يبطل ذلك ولا يرده، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صياح المولود حين يقع نزعة من الشيطان. وفي الصحيحين من حديثه أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه . وفي لفظ آخر : كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولادته إلا مريم وابنها . وفي لفظ البخاري : كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه بأصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب . والسبب الظاهر الذي لا تخبر الرسل بأمثاله لرخصه عند الناس ومعرفتهم له من غيرهم هو مفارقته المألوف والعادة التي كان فيها إلى أمر غريب فإنه ينتقل من جسم حار إلى هواء بارد ومكان لم يألفه فيستوحش من مفارقته وطنه و مألفه)


ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

أمال مينو
أمال مينو
موظف مرسم
انثى

الاقامة : عنابة

المشاركات : 13

نقاط : 17

تاريخ التسجيل : 09/11/2012

العمل : موظفة
المزاج المزاج : طيبة

تمت المشاركة الأربعاء 25 ديسمبر 2013, 19:27
أرى أن الأخت العاصمية تحاول إثبات المسلم به الذي لم ينكره صاحب الموضوع، بينما تتحاشى إثارة الإشكالية التي أشار إليها الأخ كرمس، فهو لم ينكر ما تقولين و تنقلين، فهي بالنسبة إليه وجهة نظر، و إنما تقابلها وجهة نظر اخرى لا أشك في أنك قد تنكرينها، فكم من المصائب و من البدع و المحدثات التي صرنا في ظلها نواجه جيوشا من التجار و الفجار تحت غطاء الرقية الشرعية التي كثيرا ما ادت إلى تفاقم الأمراض و إستعصائها على الطب، فالقرآن الكريم شفاء و لكنه ليس صيدلية، و لو كان كذلك لأستغنى إبن سيناء عن الطب و التطبيب و لأشتغل بالرقية وحدها.

آمل أختي أن تستوعبي الإشكالية المطروحة، فالظواهر الغريبة و الخطيرة التي تفشت في مجتمعنا تقتضي منا بعد النظر أكثر مما تتطلب محاولة إثبات وجهة النظر.


ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

amroune
amroune
موظف درجة 3
ذكر

الاقامة : الجزائر

المشاركات : 217

نقاط : 246

تاريخ التسجيل : 07/10/2013

العمل : موظف
تمت المشاركة الأربعاء 25 ديسمبر 2013, 19:41
لقد إطلعت على مساهمة الستاذ كرمس والأخت العاصمية حول موضوع التداوي بالقرآن لكن وجهة نظري تقترب إلى الأخت ..لأن القرآن الكريم عندما يخاطب
العقل ويتفهم معانيه ..نفس الإنسان ترتاح لهذا الأمر وعندما يستقيم الإنسان بسلوكاته نتيجة إتباع منهج القرآن في حياته ..وأمام الراحة النفسية العالية التي يتمتع بها تقيه من كل الأمراض العضوية..فكل الأمراض التي تصيب الإنسان نتيجة القلق فتتحول إلى أمراض عضوية..والقرآن هو المعالج لهذه الأعراض التي كل أسببها أزمات نفسية وفقكم الله إلى هذا المسعى الطيب


ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

أمال مينو
أمال مينو
موظف مرسم
انثى

الاقامة : عنابة

المشاركات : 13

نقاط : 17

تاريخ التسجيل : 09/11/2012

العمل : موظفة
المزاج المزاج : طيبة

تمت المشاركة الخميس 26 ديسمبر 2013, 05:36
أستاذي عمرون، على العكس تماما مما تقول أجدك أكثر قربا من رأي الأخ كرمس، حين تقول أن لأغلب الأمراض العضوية منشأ نفسيا، و أن القرآن كفيل بمداواة هذه الأمراض الناجمة عن القلق و الضغط و الإفتقار إلى الراحة النفسية، و أعتفد أن المسألة هنا لا تتعلق بعلاج المرض العضوي بقدر ما تتعلق بالوقاية منه من خلال منع مسبباته و العوامل المساعدة على تفشيه و تفاقمه.

أعتقد أن علينا تفادي التطرف في هذه المسألة، فلا نطلق أحكاما مطلقة على مسائل نسبية، و لانقول بالتالي أن هذا الرأي هو الحقيقة المطلقة و غيره باطل، ففي كل رأي جانب كبير من الصواب إذا تعرفنا بوضوح و إستوعبنا بشكل سليم زاوية النظر التي ينطلق منها.

نحن المسلمون مع الأسف نخلط ما بين مقتضيات الإيمان و التسليم و بين واجب العلم و البحث و النظر و التأمل، و الواقع أن سبب هذا الخلط لا يغود إلى الدين في حد ذاته بل إلى فهمنا الساذج للدين، فالإيمان و التسليم يقتضيان الإمتثال لأمر المولى عز وجل بطلب العلم و طلب العلم لن يؤدي إلا إلى مزيد من الإيمان و التسليم.

حين يخرج علينا من يحاول تصويب المفاهيم التي شابها مع الوقت بعض اللبس بسبب الجهل أو سوء تفسير النصوص أو القصور في فهمها أو المحدث و المدسوس فالواجب الديني يدعونا إلى عرض وجهة النظر هذه على أصول الدين نفسه و أحكامه و مقاصده حتى نميز الغث من السمين، و الموضوع الذي نحن بصدده لم ينكر حقيقة أن في القرآن شفاء، فهذه من الحقائق التي لا يستقيم إيمان المرء إلا بالتسليم بها تسليم يقين، و لكن أي شفاء يقصده الموالى عز و جل، هل هو الشفاء من الزيغ و الضلالة و الغي أم أنه شفاء من السرطان و الإيدز و حمى المستنقعات و السل و الكوليرا و داء الكلب و الطاعون و ما إلى ذلك من أمراض.

ثم ألم يحن الوقت لننزل قرآننا المنزلة التي يستحق فلا نحوله إلى تماتم بينما يغزونا الآخرون بتقنياتهم و أدويتهم و علومهم في شتى المجالات، فينحصر دور المسلمين عند كل إكتشاف جديد في الصراخ و القول أن هذا موجود في القرآن و مذكور في الآية كذا و كذا، حتى أن كل حالات الإعجاز العلمي في القرآن إكتشفها علماء من غير المسلمين، بينما كان الأولون من هذه الأمة و هم أكثر منا إيمانا و تسليما رواد علم و أصحاب فضل في كثير من الإكتشافات و الإختراعات العلمية التي قامت عليها الحضارة الإنسانية كلها.

يقال لنا أن الرسول محمد عايه الصلاة و السلام قد وضع يده الشريفة على صدر فلان من المسلمين فكتب له الله الشفاء، هذا ليس دليلا في حد ذاته، فالرسول هو الرسول و يده الشريفة ليست كأيدينا و صلته بالسماء غير صلتنا و منزلته عند الله غير منزلتنا و دعاءه غير أدعيتنا، و هذا الرسول نفسه حث الناس على طلب العلم و دلنا على كثير من الأعشاب و أصناف الطعام التي تقي المرض أو تداويه، فلماذا نترك بعض ما أمر به لأجل بعضه الآخر و لماذا نتخير ما يوافق تصوراتنا على حساب ما يوافق ديننا و لماذا لا يسأل الواحد نفسه أهذا هو الدين حقا أم أنه تصورنا و فهمنا للدين.

أعتقد أن ما إنتشر في مجتمعنا هو إبتعاد عن المنهج الإسلامي الصحيح، و علينا أن نعود إلى القرآن لنستنير بهديه في عملية إستنهاض الأمة و بث قيم الفعالية في قلب ركام العطالة التي ساهمت في تحنيط القرآن حين تم إختزاله في بعض تلك الممارسات.


و لكن، هل يعلم زملاؤنا  أن الإنجيليين أيضا يتداوون بالإنجيل و كثيرا ما تأتي النتائج مبهرة، فهل يعود الفضل في رأيكم إلى آيات الإنجيل المحرفة أم أن الأمر كله لا يعدو أن يكون إستعدادا نفسيا لدى المريض؟

أذكر في هذا المقام قصة طريفة عن رجل إعتاد لسنوات طويلة أن لا ينام إلا بعد أن يتناول قرصا منوما، إلى أن حدثت معه حادثة غريبة أقلع بعدها عن تناول الأقراص المنومة، فقد سقط من ثيابه زر حين كان يهم بأن يأوي إلى فراشه فألتقط الزر و وضعه على الطاولة إلى جانب القرص المنوم، ثم أطفأ النور و مد يده و تناول القرص ثم نام، و حين إستيقظ في الصباح إكتشف أنه قد إبتلع الزر لأن القرص المنوم ما زال في مكانه، و من يومها إقتنع بأن إعتقاده الخاطيء هو ما يمنع النوم عنه، و أن النوم لا يأتيه بسبب القرص المنوم بل بسبب إعتقاده بذلك فقط لا غير.


و لكن لو عدنا إلى الموضوع لوجدنا الإشكالية المطروحة بعيدة كل البعد عن مسار النقاش الذي تلى طرحها، ذلك النقاش الذي إنبرى لإثبات وجهة النظر الأخرى أكثر مما إشتغل على بيان حقيقة المفاسد المترتبة عن هذه الممارسات غير السوية، كما أنه نقاش غير مركز يجعل المتابع يشعر بالضياع و التيه لأنه لا يعتمد على منهج و لا يقدم دليلا و لا يستند إلى حجة، و هو من حيث لا يدري يقع في خلط كبير و سوء فهم لإشكالية الموضوع.


ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

العاصمية
العاصمية
موظف درجة 4
انثى

الاقامة : الجزائر

المشاركات : 302

نقاط : 362

تاريخ التسجيل : 01/03/2012

العمل : موظفة بالبلدية
تمت المشاركة الخميس 26 ديسمبر 2013, 15:42
-  أحب أن أذكّر أنّ نقاشي ليس منصبا على شخص الأستاذ كرمس، إنما على فكره، لذلك تعمدتُ عدم مخاطبته في نقاشي و جعلتُ ردي منصبا على الموضوع,,  و إلا فإني أكثر من يحترم الأستاذ كرمس و يجلّه و يعرف له قدره و شخصه الكريم لذلك صدرت بمقدمتي تلك.

- وأتأسف للأخت آمال مينو لشعورها بالضياع و التيه في متابعة نقاشي الذي لا تركيز فيه ولا منهج و لا دليل و لا حجة، بل قد وقع لسوء حظي في خلط كبير لأني تحاشيت إثارةَ الإشكالية التي أشار إليها الموضوع المطروح للنقاش.

ثم أقول لها: لا داعي لهذا التحامل في النقاش,, فأنا لم أنتصر لنفسي أو لرأيي لأنه أصلا لم يكن رأيا أو وجهة نظر كما تقول، بل هو اعتقاد راسخ رأيتُ من الواجب بيانه و ايضاحه و بسطه على الوجه الذي تتضح فيه صورة الرقية الشرعية الناصعة, فجل ما فعلتُه هو (تصويب المفاهيم التي شابها مع الوقت بعض اللبس بسبب الجهل أو سوء تفسير النصوص أو القصور في فهمها أو المحدث و المدسوس فالواجب الديني يدعونا إلى عرض وجهة النظر هذه على أصول الدين نفسه و أحكامه و مقاصده حتى نميز الغث من السمين) كما ذكرت الأخت، ذاك ما فعلتُه، و لستُ أدعي الكمال أو العصمة، فكما قلتُ: لا يخلو عمل من نقص و خلل.. هذا، فإن اعوج نقاشي و زاغ و كان خبط عشواء، فلتعذرني، لأني لم أقدر أن أصل إلى ما وصلتْ إليه من فهم لتلك الإشارات في الموضوع، فلم يبلغ فهمي للسان العرب إلى تجاوز الاسطر و قراءة الإشارات بدقة متناهية،، و إن كنتُ أُدعي أني استوعبتُ الإشكالية التي تراها الأخت، حيث نبّهتُ إليها في ردي كم كذا مرة، لكني أرفض الاعتماد عليها و الانطلاق منها لرد حقيقة التداوي بالقرآن,, إنما السبيل الصحيح هو الإتيان بأجوبة الاسئلة المطروحة في الموضوع، إذ ببيان حقيقة الرقية و ايضاح صورتها الناصعة الصحيحة النقية في ضوء السنة و بيان ضوابطها...بنكشف اللبس و يزول الغموض و الجهل في هذه القضية التي اساء إليها أولئك التجار الذين وجب محاربتهم,, وعن جعل القرآن صيدلية، فذاك قولك، فالذي بينتُه في نقاشي أنه لا يُستغى بالرقية عن الدواء الطبيعي، و أن الرقية سبب من الأسباب كالعلاج الكيميائي و غيرها من الأدوية، و أنه لا يمكن للرقي الشرعية المنضبطة بضوابط الشرع أن تضر ابدا، و لهذا قلتُ: و هل تضر المعوذتان أو الفاتحة؟؟؟

 الإشكالية التي تظنين أني أتحاشاها، لا أراها هي صلب الموضوع، فاللغة بيانٌ كما تعلمين، و السياق معين للكشف عن المعاني فهو قرينة للفهم، فلا داعي لتحميل الكلام أكثر مما يحتمله، و إلباسه لباسا وفق تصورك و وجهة نظرك،، إذ السؤال المطروح في العنوان يُعني بالبحث عن حقيقة الشيء، و خلُص البحث إلى أنّ حقيقته لا تتعدى شفاءَ القلوب و العقول، لولا أن ثمة إشكال وهو: ثبوت الرقية الشرعية التي كان من المفروض أن تحسم التساؤل المطروح،

والمقدمة التي قدم بها أستاذنا جلية واضحة لا تحتمل اللبس، فقد تصور و ظن صدقا : أن يلقَى موضوعه اعتراضا كبيرا..بل و قدّر و أقر مسبقا بأن أجوبته لن تكون صحيحة إلا في جزئية منها. و قد كان..

و لن أردّ على ما جاء في تعقيب الأخت بشأن جعل القرآن تمائم و ما تعلق بالإعجاز العلمي و مكانة العلم، و وضع يد الرشول عليه الصلاة و السلام على صدر المريض..لأنه صادر عن خلفية في الذهن ترى أو تتهم فكري ب"التطرف" و أنا منه براء.

آسفة لكون الأخت لم تستوعب نقاشي، و إلا فلو كان ذلك(من المقدمة إلى قراءة الحواشي)، لعلمتْ يقينا أن مجمل ما جاء في ردها قد تضمّنه نقاشي و حواه، و لتجنّبت الخوضَ في بعض النقاط التي لم يحالفها فيها الصواب,, فثمة سوء فهم لنقاشي الذي أقرتْ به الأخت.




عدل سابقا من قبل العاصمية في الخميس 26 ديسمبر 2013, 18:43 عدل 6 مرات

ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

روءى
روءى
موظف درجة 8
انثى

الاقامة : الجزائر

المشاركات : 637

نقاط : 1145

تاريخ التسجيل : 25/11/2013

العمل : مهندسة معمارية
المزاج المزاج : الحمد لله

تمت المشاركة الخميس 26 ديسمبر 2013, 16:11
شكرًا على الموضوع اخى وأستاذى كرمس انا حسب رأى الشخصي اجد ان القران يداوي بعض الأمراض بما نسميها ألما ورائيات والنفسية مثل القلق السحر والعين ووو وليس كل الأمراض فهناك أمراض تحتاج لطبيب ومعالجات انا لا قول ان القران خال من الدواء فحتى الرسول تداوى بالأعشاب لم يستغنى عنها او استعمل القران فقط بل استعمل كليهما لكى لاتكون مشقة لا فى اتجاه القران ولا في اتجاه التطبيب والطب منهما الاثنين نستفيد


ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty

avatar
karmes
موظف درجة 12
ذكر

الاقامة : عنابة

المشاركات : 9268

نقاط : 13578

تاريخ التسجيل : 25/06/2011

تمت المشاركة الجمعة 27 ديسمبر 2013, 03:11
شكرا لكل من تفاعل مع هذا الموضوع الهام و الحساس الذي حاولت فيه أن أعرض وجهتي نظر تلتقيان في أمور و تبتعدان في أخرى دون أن يكون طرحي لهذا الموضوع في سياق بحث أكاديمي أحرص فيه على المنهج و على ضوابط البحث العلمي ... فهو موضوع كغيره من الموضوعات التي تطرح في المنتدى لا يعدو أن يكون مجرد فكرة أو وجهة نظر مطروحة أصلا للنقاش في منتدى تفاعلي.

يصعب الإتفاق في مواضيع كهذه ... كحال غالبية الأمور التي يخضع النظر إليها إلى عوامل ذاتية و أخرى موضوعية .. لكن الذاتية في مثل هذه الموضوعات أكثر حسما في تحديد مواقف الناس و آرائهم.

و بعيدا عن الخوض في صلب الموضوع أضيف أن المسألة لا تتعلق برأي شخصي أدعي براءة إختراعه ... هذه مواقف كثير من العلماء و المفسرين و الدارسين و الباحثين ... فأنا في نهاية المطاف لا أبحث في المسألة و لكنني أنقل الفكرة التي تكونت لدي من خلال إطلاعي على كثير من البحوث و المقالات التي لا تفتقر إلى المنهجية العلمية و لا إلى الحجة و الدليل.

إن مسألة التداوي بالقرآن الكريم ليست محل إجماع ما بين علماء الأمة ... قد أكون أكثر ميلا لرأي هذا العالم و يكون غيري أكثر ميلا لرأي عالم آخر ... و نحن في ذلك نرث خلاف العلماء في نقاشنا و لكننا لا نرث علمهم و سعة أفقهم ... و جميعنا هنا لا ينكر أن الآراء قد إختلفت ما بين علماء الأمة في هذا الشأن ...

و لكن لي ملاحظة بسيطة أتمنى أن يتسع لها صدر الأخت العاصمية ... المنتدى أختي الكريمة أشبه بهاتف نقال يمنحك القدرة على إرسال رسالة نصية قصيرة .. و لا يتيح لك أن تحملي الرسالة النصية أكثر مما هو ممكن ... كذلك هو المنتدى فضاء حر للنقاش .. قد يطرح الواحد منا موضوعا كما يفعل مع محيطه الضيق بكثير من العفوية و الأريحية .. و لا يكون همه الأساسي هو أن يجعل من موضوعه أطروحة دكتوراه يحرص فيها على ضوابط البحث العلمي و المنهجية ... و لو حاسبنا الناس في المنتدى على المنهجية و ضوابط البحث العلمي فسينتهي الأمر بالمنتدى إلى الفراغ فلن تجدي جينها من يكتب شيئا أو يرد على شيء... و لو كان لي الوقت و القدرة على مراعاة كل الضوابط التي كشفت مشكورة عن إفتقار موضوعي إليها لكانت لي في السوق مؤلفات أفيد و أستفيد بها ... إنما أنا هنا في هذا الفضاء الإفتراضي أطرح أفكارا ليست بالضرورة من إنتاجي و أحاول أن أستطلع رأي الآخرين فيها ... فإن توافقنا لم أسعد و إن إختلفنا لم أغضب .. لأن الهدف أسمى من مجرد توافق أو إختلاف .. الهدف هو الوصول إلى المعرفة و إلى أقرب نقطة من الحقيقة.

إنني لم أنكر نكرانا مطلقا حقيقة التداوي بالقرآن الكريم .. فليس لي من العلم ما يؤهلني لإنكار الأمر و لا لإثباته ... و لكنني أنقل آراء عبر عنها علماء كبار مشهود لهم بالعلم ... منهم الإمام الغزالي و الشيخ القرضاوي على سبيل المثال ... و هم لم ينكروا الأمر بل أعادوه إلى حجمه الطبيعي ... و ذلك تحديدا ما كنت أقصده من طرحي للموضوع و هو ما يتجلى في الفقرة الأخيرة من موضوعي الأصلي ... فأنا لم أنكر الرقية الشرعية و إنما دعوت أن لا نجعلها ملاذنا الأول .. فربما نخسر من الوقت الكثير .. و لا نلجأ إلى الطبيب إلا بعد فوات الأوان ...

و مع ذلك علينا أولا أن نتفق أن الرقية الشرعية أمر يستطيع المسلم أن يفعلها بنفسه و لنفسه .. فما مبرر عيادات العلاج بالقرآن الكريم التي تسرق من المسلم ماله و وقته و تفوت عليه فرص الدواء الذي مكننا الله منه على أيادي الأطباء ... كم مريضا ظل يتردد على المرقين لأعوام طويلة بسبب إحساسه بالوهن و أقنعوه بأن به مس من الشيطان أو أنه مسحور و لم تزد حالته إلا سوء ليكتشف بعد عرض نفسه على الأطباء أنه مصاب بالسرطان و أن مرضه قد وصل المرحلة الأخيرة .. فلم يجد مالا يعالج به نفسه بعد أن سرق ّ المرقون ّ مدخراته كلها.

الهدف من الموضوع أختي العاصمية ليس إنكار فضل القرآن الكريم ... بل العمل به و بتعاليمه .. و هو كتاب يدعو الناس إلى التوكل مع الأخذ بالأسباب.

لو حاولنا كشف حجم الإنحرافات في مسألة الرقية الشرعية لذهلنا ... فلقد إتخذ بعض الناس التداوي بالقرآن مهنة و حرفة و هو ما لم يفعله السلف و لا الخلف الصالح ... حتى ساد الإعتقاد في مجتمعنا أن الرقية مرتبط بأشخاص معينين و أدى ذلك إلى تعطيل سنة رقية الإنسان لنفسه، و أعتقد بعض الناس أن لبعض القارئين خصوصية فطغت أهمية القاريء على أهمية المقروء و هو كلام الله المنزل و صارت الرحال تشد من أصقاع الدنيا إلى بيت هذا الراقي أو ذاك فأرتبطت المعالجة بشخص المعالج و ليس بتلاوة القرآن... و إستبدلنا مجالس العلم بجلسات العلاج التي لا تقدم علما شرعيا لمرتاديها مما يشكل مضيعة للوقت في غير طاعة ... فالقرآن للتدبر و الفهم و التلاوة و الشرح و التفسير و ذلك هو العلاج الحقيقي.

هناك من الراقين من يدعي أن الجن قد " سكن " فلان .. ثم يقوم بدعوته إلى الإسلام و يتبجح بأن الجني قد أسلم على يديه و ينتشر الخبر بين الناس فيتقاطرون على بيته طلبا للشفاء و البركة ... ثم أن هؤلاء الرقاة قد قسموا القرآن إلى آيات للصداع و آيات للمس و السحر و آيات لإخراج الجني و آيات للعين و الحسد ... و المعلوم غير ذلك ... فكل القرآن ينفع للرقية و لا دليل شرعي على صحة هذه التصنيفات.

إن مفهومنا للرقية أختي الكريمة مخالف لحقيقتها .. فما ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم و ما يمارس في أيامنا هذه أمران مختلفان جملة و تفصيلا .. و أعتقد أننا نناقش أمرين مختلفين ... فالرقية التي أوصانا بها النبي الأكرم هي ما تفعلينه أنت في بيتك و أفعله أنا في بيتي ... أما الرقية في مفهوم مجتمعنا فهي تلك المرتبطة بأخص معين يحج إليه الناس معتقدين أن القرآن الذي يتلوه غير القرآن الذي نتلوه و أن كلام الله لا ينفع إلا إذا قريء من طرف هذا الشيخ تحديدا .. و هكذا يفقد القرآن في ذهن الناس قدرته على الشفاء و تنتقل هذه القدرة من المقروء إلى القاريء .. أي من القرآن إلى الراقي .. فلولا الراقي ما نفع القرآن ... هذا هو الفهم السائد في مجتمعنا.

و حين نأتي نحن " المثقفون " و نزيد هذا الفهم رسوخا في أذهان الناس من خلال تقصيرنا في الغوص بعيدا في الموضوع فلا أعتقد أننا بذلك نخدم ديننا أكثر مما نزيد من إتساع دائرة الوهم و الخرافة .. و في الوقت نفسه لا يعني مناقشة الموضوع أننا نشكك في حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ... نحن فقط نحاول فهم معنى التداوي .. و هو لفظ حمال أوجه ...

و لكم مني جميعا جزيل لشكر و فائق التقدير.


ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

العاصمية
العاصمية
موظف درجة 4
انثى

الاقامة : الجزائر

المشاركات : 302

نقاط : 362

تاريخ التسجيل : 01/03/2012

العمل : موظفة بالبلدية
تمت المشاركة الجمعة 27 ديسمبر 2013, 17:44
أرجو حقا من الاستاذ كرمس أن يعذر تقصيري في الغوص بعيدا في الموضوع، و أؤكّد له أني لم أعجل بالرد، فقد قرأته مرارا و تكرارا محاولة أن أجد منفذا لفهم النظرة البعيدة التي أرادها الكاتب، لشكي في حقيقة إنكاره للرقية الشرعية!,, إلا أنّ دلالة السياق و الألفاظ التي هي حمالة أوجه، أبت عليّ هذا الغوص البعيد، وقيّدتني بظاهر النص و ما احتمله من إشارت و دلالات.. فلا أفضل من مخاطبة جميع الأعضاء بحسب عقولهم المتفاوتة في الفهم و الإدراك و الفطنة، و لا أحسن من طريق الكلام المباشر.. لأنّ تلك الانحرافات في ممارسة الرقية الشرعية لا تعدو أن تكون ظاهرة مرضية، كالمريض الذي وُصِف له الدواء، فحدث أن خلط في الدواء وأفرط في تناوله فازدادت حالته سوءا، علاجه لا يكون بالبحث عن حقيقة الدواء و لكن بتعديل وضبط جرعاته,, كذا الحال مع تلك الانحرافات في شأن الرقية، يتم علاجها بالتعريف بحقيقتها الشرعية، و ليس ما شأنه أن يعيد الحسابات و القناعات الفكرية، لأته بسبب تلك الممارسات البدعية و الانحرافات و المبالغة في المعالجة بالرقية بفتح العيادات، قد أدى  بالكثيرين خصوصا الطبقة المثقفة أو الأطباء، إلى إنكار الرقية و رفضها جملة بعقولهم و أقيستهم,،، و العلاج أستاذي الكريم، لا يكون بتحجيم دور الرقية الشرعية، و لكن بتسليط الضوء على حقيقتها الشرعية الثابتة في السنة النبوية كما قلتُ سابقا.
و لا تغرّنّك أستاذي الفاضل آراء بعض العلماء، ناهيك عما يُنشر في بعض البحوث و المقالات التي لا تفتقر إلى المنهجية و الحجة، بقدر ما تفتقر إلى قوة الدليل الذي غالبا ما يتبع المنهج في قوة الاستدلال به و الإقناع و التأثير..

   لا شك أن الاختلاف و التنازع لا ينتهي، فالبشر مختلفون، لذلك قد نختلف و نتناقش أنا و أنت في ميادين مختلفة، لكن إذا اختلفنا و تنازعنا في مجال عقدي جاءت به الشريعة، وهو موضوعنا التداوي بالقرآن، فما عسانا نفعل أستاذي؟ الجواب تفضلتم به مشكورين  في موضوع لكم مثبت في قسم الاسلاميات باسم "القواعد الذهبية في أدب الخلاف".
آراء الرجال و أقوالهم نستند إليها و نستشهد بها أكيد، لكنها ليست هي الدليل!.. لذلك ما أجمل مقولة مالك رحمه الله (كلٌّ يؤخذ من قوله و يرد إلا صاحب هذا القبر- مشيرا الى قبر النبي) ، فالخطأ وارد، لكن أُمِرنا بردّ هذا الخطأ و الزيغ إلى الوحي و لا يعني هذا أبدا إهمال العقل، لكن الشرع أضبطه، و رحم الله ابن تيمية صاحب العقل الراجح، فقد استخدم عقله في خدمة الدين و أتى بعجائب، و كتابه (درء تعارض العقل و النقل) ردّ على الذين أنكروا مسلمات من الدين حتى أنكروا بعض صفات الرب باسم العقل..فالغزالي رحمه الله أنكر بعض المسائل الغيبية معروفة عنه,,لن أتحدث عنها فقد أفضى إلى ربه.

   قد بسطتُ النقاش في أمر التداوي بالرقية، و عرضتُ المسألة على الوجه الذي رأيته حقيقا به، لم أغفل الأسباب المادية و لم أهمل أمر التداوي الطبي بل قلتُ أن الرقية سببٌ من الأسباب، و أن كيفيتها سهلة ميسورة ما يعني أنه بإمكان أي واحد ان يأتيها، و أن حكمها: الجواز، أي هي ليست واجبة إلا  في حالات تتطلب تدخل الراقي مثلا، و هذا جائز و لا مانع منه بدليل جواب النبي لمن طلب منه أي يرقي غيره؟: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل), فهي ليست واجبة,, أما عن حقيقتها، فهي علاج رباني ودواء بدليل قول النبي لعائشة (عالجيها بكتاب الله), و قول النبي لأحدهم اشتكى ألما: (ضعْ يدك حيث يؤلمك و قل.. الحديث) سواء كان المرض بسبب ايذاء من الدواب أو مس أو حسد أو عضويا كان أو نفسي، و ما أجمل لو يجتمعان: أعني الدواء المادي و الروحي ، و حقيقة الرقية و لبها هو اخلاص القلب و توكله على ربه في طلب الشفاء.

فالمسألة عندي وسط بين الإفراط والتفريط، بين من ينكر حقيقة التداوي بالقرآن و من يغالي فيه  بإعراضه و تركه العلاج عند الطبيب، و حجم الرقية الطبيعي ليس بجعلها في ذيل رتب العلاج، بل الأفضل أن تكون هي الملاذ الأول استاذي الكريم، لأنه ليس تضرك أبدا تلك الدعوات و الاذكار وقراءة الآيات!، بل قد يكون بسببها النجاة، حين تضطر الى الطبيب و الدواء الطبيعي، فلا أنجى من التضرع و الافتقار الى الرب في حال الشدائد.


ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

العاصمية
العاصمية
موظف درجة 4
انثى

الاقامة : الجزائر

المشاركات : 302

نقاط : 362

تاريخ التسجيل : 01/03/2012

العمل : موظفة بالبلدية
تمت المشاركة الجمعة 27 ديسمبر 2013, 18:03
أحب أن أنقل فقرة للدكتور وائل أبو هندي مقتبسة من مقال: (الاستشفاء بالقرآن في الطب النفسي المعاصر)،  :

  "..وأما إذا أردنا تأمل الدليل المستمد من التجارب الإنسانية والخبرات التاريخية والمتوارثة والذي هو ثاني ما يستند إليه المسلم في اعتقاده بأن في القرآن شفاءً للقلوب والعقول فإننا نجد الخبرات الشخصية والنصوص التاريخية المتوارثة أكثر جدا مما نجد التجربة أو الدراسة العملية، فلا أحد تقريبا كتب لنا عن تجربة علمية قصد بها التجريب لهذا الأمر غالبا لأنهم لم يفكروا في إثبات ما يؤمنون به، ولذلك فإننا لا نجد ما نستطيع اعتباره تجربة أو دراسة علمية تثبت مثلا فائدة قراءة القرآن أو آية معينة أو مجموعة آيات مباركة في إحداث الأثر الفلاني في الشخص المسلم، وهذا هو المنهج أو التفكير العلمي المطلوب للدراسة العلمية الحديثة ولا يسمحُ إلا بمثل هذا النوع من الدراسات، وتأخذُ الدراسةُ وضعها وأهميتها كلما كانت نتائجها قابلةً للتكرار.)

هي حجة أصحاب النزعة العقلانية..و هذا في الشفاء الذي نتفق عليه جميعا: الشفاء المعنوي، فلا مجال ههنا أكيد للشفاء العضوي.


ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

العاصمية
العاصمية
موظف درجة 4
انثى

الاقامة : الجزائر

المشاركات : 302

نقاط : 362

تاريخ التسجيل : 01/03/2012

العمل : موظفة بالبلدية
تمت المشاركة الجمعة 27 ديسمبر 2013, 18:17

ختاما:
(و لكن لي ملاحظة بسيطة أتمنى أن يتسع لها صدر الأخت العاصمية ... المنتدى أختي الكريمة أشبه بهاتف نقال يمنحك القدرة على إرسال رسالة نصية قصيرة .. و لا يتيح لك أن تحملي الرسالة النصية أكثر مما هو ممكن ... كذلك هو المنتدى فضاء حر للنقاش .. قد يطرح الواحد منا موضوعا كما يفعل مع محيطه الضيق بكثير من العفوية و الأريحية ..و لو حاسبنا الناس في المنتدى على المنهجية و ضوابط البحث العلمي فسينتهي الأمر بالمنتدى إلى الفراغ)

أخي و استاذي كرمس، صدقني لستُ من المغالين، إنما كان حرصي تبعا لخطورة الموضوع، و قد كان ردا على عبارتك (من هذا المنطلق ارتايت أن أطرح اليوم للنقاش),,و إلا فإني أنا نفسي أحب أن أتناول الأمور و أناقشها بأريحية و عفوية، بدليل أني تركتُ بعض المواقع التي كنت أكتب فيها أحيانا بسبب ضيق الافق فيها و التشديد على الاعضاء في طريقة تناول المسائل، حتى وصِفتُ بأني متفتحة أكثر من اللازم و أني و أني,, هناك أوصف بالمتفتحة و في هذا المنتدى أوصف بضيق الافق و قصر النظر



ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

avatar
karmes
موظف درجة 12
ذكر

الاقامة : عنابة

المشاركات : 9268

نقاط : 13578

تاريخ التسجيل : 25/06/2011

تمت المشاركة الجمعة 27 ديسمبر 2013, 19:03
ليس مهما ما يقال عنا بل المهم ما نحن عليه فعلا ... سعداء بالنقاش و تبادل الرأي .. و يجب أن لا ننتظر من محاورينا إلا إنتقادا ... فمن يوافقنا الرأي غالبا ما لا يجد ف نفسه حاجة لرد على ما نكتب ...

ما ينقص منتدانا هو هذا النقاش المعمق و إن أحندم النقاش أحيانا ... و أتمنى أن يستمر الحال على ما هو عليه الآن ... فذلك ثراء و غنى لسنا في غنى عته و لن نكون.

غير أنني لم أتهمك بالقصور أختي الكريمة ... كان حديثي عن قصور نظرتنا بمن فيهم أنا .. و الواقع أن كل وجهة نظرة تبقى قاصرة .. فلا تتحسسي كثيرا مما يقال في سياق كلام طويل يتناول موضوعا عاما و ليس أمرا شخصيا ... و الواقع أيضا أن على المتحاورين أن يتجاوزوا بعض الجزئيات و أن لا يتوقفوا عند بعض الكلمات التي تحول النقاش من الجوهر إلى ما يشبه مرافعات المحامين .. فتجدين نفسك في موقف دفاع و أجد نفسي في موقف تبرير ... و لعلك لاحظت أنني لم أتوقف عند أي كلمة من كلماتك كلها التي و إن لم تقصدي منها شيئا إلا أنني أستطيع أيضا التوقف عندها و مؤاخذتك عليها ...

أعترف أختي الكريمة بأنك من بين الأشخاص القلائل الذين يستهويني نقاشهم ... و ذلك لكوني لمست فيك شيئا أقدره كثيرا و هو الإهتمام بالجوهر بدل القشور ... و بصراحة لا أريد أن يفقد نقاشنا ميزته هذه.


ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

avatar
karmes
موظف درجة 12
ذكر

الاقامة : عنابة

المشاركات : 9268

نقاط : 13578

تاريخ التسجيل : 25/06/2011

تمت المشاركة الجمعة 27 ديسمبر 2013, 20:06
تتمة للرد:

أقتبس هذه الجملة من كلامك :

" و لا تغرّنّك أستاذي الفاضل آراء بعض العلماء، ناهيك عما يُنشر في بعض البحوث و المقالات التي لا تفتقر إلى المنهجية و الحجة، بقدر ما تفتقر إلى قوة الدليل الذي غالبا ما يتبع المنهج في قوة الاستدلال به و الإقناع و التأثير.."

بداية ما يقال لي يصلح أيضا ليقال لك ... فلا يغرنك سيدتي الفاضلة آراء بعض العلماء، ناهيك عما ينشر في بعض البحوث ...... إلخ الفقرة أعلاه "

غير أنني لي ملاحظة في هذا الخصوص ... إختلاف العلماء مؤشر على عدم حسم الأمر ... فلو حصل الإجماع ما كان لنا من كلام بعد إجماعهم و إلا لكان ذلك مخالفا للأصول ... و حيث لم يحصل إجماع .. و حيث أن لفريق من العلماء رأي مختلف عن الفريق الآخر ... فما هو مبرر الأخذ برأي هذا العالم و إسقاط رأي غيره.

المهم في كل هذا هو ما جاء في نهاية مداخلتك ما قبل الأخيرة عن أصحاب العقلانية ... و الذين أعتبر نفسي منهم و مختلفا بعض الشيء عنهم ... فأنا من الفئة التي ترى وجوب إعمال العقل فيما تركه الله سبحانه و تعالى للعقل مما هو قابل للإدراك و الفهم ... مع التسليم بما هو فوق الإدارك و الفهم البشري ... فلن يقنعني أحد بأن علي التسليم بحرمة تناول الخمر دون أن يحق لي التساؤل عن الأسباب و الوصول بإستعمال العقل إلى علة التحريم ... و لكنني في الوقت نفسه لا أقبل أن يدعوني أحدهم لإعمال العقل في الغيبيات التي تتطلب منا التسليم بها كما أمرنا ... فالعقلانية ليست عيبا متى كانت متزنة لا تقترح نفسها أساسا واحدا وحيدا التعامل مع الدين ... كما أن التسليم ليس فضيلة إذا تم إقتراحه كأساس واحد و حيد للتعامل مع الدين.

نبحث عن أرضية وفاق .. نعترف فيها بأن للتسليم مجاله و للعقل مجاله .. أسلم بالنص و إن عجز عقلي عن فهمه و إدراكه ... و أجتهد في ما ليس فيه نص أو فيما إختلف المفسرون في أمره .. طبعا لا انسب الإجتهاد لنفسي .. إنما هو تعبير مجازي لتقريب الفكرة.

إن سألني أحدهم لماذا كتب الله علينا الصلاة خمس مرات في اليوم ... فلن أتعب عقلي في التفكير ... و سأرد على سائلي إن كان مسلما بوجوب التسليم بما جاء به النبي محمد صلى الله عليه و سلم... فهي خمس صلوات .. ليست أربع و ليست ست ... و سأرد على سائلي إن كان من غير المسلمين بالبحث عن الحكمة من ذلك و ليس بالبحث عن سبب ذلك ... و لن أرد على غير المسلم بوجوب التسليم .. فهو أصلا غير مؤمن بديني هذا ...

و بالمقابل إن سألني أحدهم مسلما كان أو غير ذلك لماذا حرم الله علينا الربا و المكذب و شهادة الزور و أكل مال اليتيم و مال الناس بالباطل و لحم الخنزير  و غير ذلك، فسأعمل عقلي في إيجاد آلاف الأسباب التي فصلها علماء الأمة ... فهذه أمور يستطيع العقل إداركها.

هذه العقلانية نفسها التي أناقش بها مسألة الرقية الشرعية ... فهي مسألة قابلة للإدراك .. إن لم يكن للسبب فللحكمة منها ... و أنت تلاحظين أنني لم أنكر أن الرسول قد حثنا عليها ... و لكنه حثنا أيضا على الدواء و قد أرسل عليه الصلاة و السلام بعض المرضى إلى طبيب يهودي و لم يقم عليه السلام برقيتهم ... فما الحكمة من ذلك ؟
هل عجز عليه الصلاة و السلام على مداواة ذلك المريض بالرقية الشرعية ؟ أم أنه أراد أن يقول لنا شيئا معينا ... ثم ماذا لو قرأ عليه الرسول بعض الآيات و لم يكتب الله له الشفاء ... ألن يصبح ذلك دليلا عند مرضى القلوب للتشكيك في كون القرآن شفاء للمؤمنين ... بل ربما أستعمل هذه الواقعة التي لم تقع لدعم رأيي هنا ...
الرسول عليه الصلاة و السلام أمر المسلم بأن يرقي نفسه و بأن يرقي أخيه ... نحن لا نختلف في هذا .. فالأحاديث صحيحة و إنكارها أمر خطير ... و لكن نقطة الخلاف تبقى هي هي .. لماذا يتخذ البعض الرقية تجارة و حرفة و مهنة حتى غابت سنة الرقية الذاتية ... ما الذي يمنعنا من إحياء هذه السنة و إقناع الناس بأن الرقية ليست من الكرامات ... بل هي أمر يستطيع كل مسلم على وجه الأرض أن يفعلها بنفسه و لنفسه .. فلماذا إذن نحصر الرقية في شكلها الحالي المنتشر و السائد في مجتمعنا ... هنا تأتي العقلانية لتجيب عن سؤال لا علاقة له بالرقية في حد ذاتها .. بل علاقته بممارسات مسيئة للإسلام تسقي الخرافة و ترعى الوهم.

صحيح قراءة القرآن لا تؤذي أحدا ... فلنقرأ القرآن على سبيل الرقية دون حاجة إلى وسيط ... ثم نقصد طبيبا مختصا  يفحصنا بعلمه و معرفته و تقنياته و تجهيزاته ... أمرنا الرسول بالرقية و أمرنا بالتداوي ... فلا نترك أمرا لأمر .. و لا نطيعه هنا و نخالفه هناك ...

و ختاما .. يجب أن ندرك أن الله في كتابه العزيز قد أمرنا بالتدبر .. و التدبر هو مرادف لإعمال العقل ... و أنا أفضل هذا اللفظ على مصطلح العقلانية ... و بالتالي حين نتحدث عن إعمال العقل لا يكون ذلك عيبا بقدر ما هو إمتثال لأوامر الله تعالى.


ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

العاصمية
العاصمية
موظف درجة 4
انثى

الاقامة : الجزائر

المشاركات : 302

نقاط : 362

تاريخ التسجيل : 01/03/2012

العمل : موظفة بالبلدية
تمت المشاركة الأحد 29 ديسمبر 2013, 20:48
(غير أنني لي ملاحظة في هذا الخصوص ... إختلاف العلماء مؤشر على عدم حسم الأمر ... فلو حصل الإجماع ما كان لنا من كلام بعد إجماعهم و إلا لكان ذلك مخالفا للأصول ... و حيث لم يحصل إجماع .. و حيث أن لفريق من العلماء رأي مختلف عن الفريق الآخر ... فما هو مبرر الأخذ برأي هذا العالم و إسقاط رأي غيره.)

اختتلاف العلماء لا يعني عدم الحسم في كل الأحوال، بل هو مؤشر أحيانا على التخبط في الفكر و في إعمال العقل بسبب تقديمه و ترجيحه على نصوص الشريعة في كثير من المسائل المحسومة شرعا. و ليس بخفي عنكم أمر الفِرق التي اختلفت في أصول الدين قبل فروعه.. فالاختلاف لا يعني بالضرورة عدم تبيّن الحق و الصواب، أو أن الحجة و الدليل ظنيان غير قطعيان، كلا ثمة حجة قوية ظاهرة يُعرض عنها هذا العالم أو ذاك لأنه لم يرضَ لنفسه و لعقله بهذا الدليل الشرعي القطعي الذي رآه غير مقنع، فأبى إلا تحكيم العقل، طبعا عن حسن نية، فأنا لا أتحدث عن النيات.. و في هذه الحال عموما (حال الخلاف بسبب غياب نص أو لاختلاف في تفسيره)، يكون مسوغي في الأخذ برأي هذا العالم دون غيره هي قوة الحجة, تماما كما يفعل المريض في بحثه عن الطبيب الحاذق الماهر، فإذا كان هذا شأننا في حفظ البدن، لماذا لا يكون الشأن نفسه في حفظ ديننا؟ الطبيب العارف الحاذق بإزاء العالم الحاذق صاحب الحجة القوية الدامغة,,قد تسألني ما معيار قوة الحجة؟ جوابه تعرفونه: (و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله)، و قوله (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول)، فثمة حجة قطعية في نصوص الوحي (الكتاب والسنة) و إلا ما أُمِرنا بالرجوع إليهما في حال الخلاف,, و أمر الرقية الشرعية، أعتقد أن إجماع العلماء عليها حاصل كما ذكرتم في موضوعكم.  

(و لكن نقطة الخلاف تبقى هي هي .. لماذا يتخذ البعض الرقية تجارة و حرفة و مهنة حتى غابت سنة الرقية الذاتية ... ما الذي يمنعنا من إحياء هذه السنة و إقناع الناس بأن الرقية ليست من الكرامات ... بل هي أمر يستطيع كل مسلم على وجه الأرض أن يفعلها بنفسه و لنفسه .. فلماذا إذن نحصر الرقية في شكلها الحالي المنتشر و السائد في مجتمعنا ... هنا تأتي العقلانية لتجيب عن سؤال لا علاقة له بالرقية في حد ذاتها .. بل علاقته بممارسات مسيئة للإسلام تسقي الخرافة و ترعى الوهم.)

أذكّر  مرة أخرى بأنّ هذا الكلام لو تمت صياغته منذ البداية وفق هذا الشكل ما جرى هذا الخلاف الذي نشأ عن سوء تقديري لحقيقة الاشكالية التي أردتم طرحها,, فأنتم تتحدثون هنا عن الممارسات المنحرفة التي لا نختلف حولها و في طريقة إنكارها، و أنا قد رددتُ في نقاشي الأول على إشكالية إنكار حقيقة التداوي بالرقية الشرعية,,

ما يتحدث عنه الأستاذ من ممارسات مسيئة للإسلام، ينطبق حكمه و يجري على ممارسات عديدة في ميادين كثيرة في المجتمع,, و إعمال العقل في التصدي لهذه الممارسات لا يُنكره أحد بل هو مطلوب و محمود و مشروع،،و هو منهجنا في تذكير الناس، كثيرا ما أسأل من أعرفهم يقصدون الرقاة و يترددون على عياداتهم :(لماذا تشقَيْنَ بالذهاب الى الراقي؟ لماذا تحكين له سرك؟ ألا يمكنك أن تقرئي آيات  تدعي لنفسك بما تعلمينه من أمرك؟), لكن سرعان ما يأتيك الجواب: (ايماني ليس كإيمانه أو قراءته ليست كقراءتي)،، و أعتقد أن ما ينطبق على الرقية ينطبق على سائر الممارسات المسيئة للاسلام و التي تسقي الخرافة و ترعى الوهم، فمسألة الوسيط و التعلق بالأشخاص في تحصيل المنفعة و دفع المضرة هو نفسه عند زوّار الأضرحة في مجتمعنا، و عند الشيعة و الصوفية،،و مسألة الرقية هنا كمسألة الدعاء الذي علقه الكثيرون بأشخاص يقصدونهم بالتضرع و الاستغاثة و الافتقار.
فالعقل نور و حجة، والأقوال والأفعال المخالفة للعقل باطلة، و لكن هذا العقل كثيرا ما يُغيّب و يُحجب بتكرار الممارسات الخاطئة، و رحِمَ الله شاكرا إذ قال: ( إِلْفُ القبيح متلفة للإحساس و العقل)، و لا بد من عمل كبير في هذا الميدان بتصحيح المفاهيم و توعية الناس و تعليمهم و توجيههم المستمر, هذا عن عموم الجماهير و فيهم المثقفون و المتعلمون كالأطباء الذين يقصدون تلك العيادات بل و العرافين,,و عندما لا يُجدي سلطان العقل ثمة سلطان أشد إن صح التعبير، للتصدي لتلك الممارسات المنحرفة، إنه سلطان الردع، و كما قيل:إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن!

( فلن يقنعني أحد بأن عليّ التسليم بحرمة تناول الخمر دون أن يحق لي التساؤل عن الأسباب و الوصول بإستعمال العقل إلى علة التحريم ... و لكنني في الوقت نفسه لا أقبل أن يدعوني أحدهم لإعمال العقل في الغيبيات التي تتطلب منا التسليم بها كما أمرنا ... فالعقلانية ليست عيبا متى كانت متزنة لا تقترح نفسها أساسا واحدا وحيدا التعامل مع الدين ...)

عندما يكون سلطان العقل هو السلطان المطلق و الشرع تبع له، حيث ينقاد الشرع للعقل، فما وافقه و أدركه حَكَمَ به و قبله و ما لم يوافقه ردّه و لم يُسلّم به، حينها تكون العقلانية عيبا بل و خطرا، فأنا أُسَلِّم و إنْ لم أدرك العلة، لأن هناك من يشكك إذا لم يسعفه الدليل العلمي في استيعابه للمسألة..  و بسبب هذه العقلانية المفرطة تم ردّ و إنكار و رفض الكثير من المسائل الشرعية الثابتة.. فالتدبر ليس عيبا أبدا إذا كان بضوابطه، لأن أناس تدبروا و تفكروا فزاغوا و أزاغوا,, والتدبر أنفع ما يكون بآلاته و قواعده حتى ينفع، و طبعا هو يتفاوت من شخص لآخر بتفاوت القدرات و المؤهلات ،فإذا كان  لا يُسمح بالتفكير القاصر غير المنضبط فيما تعلق بمصالح الناس الدنيوية  فكيف يُسمح به في مسائل الشرع؟

بخصوص التسليم: فكلنا ذاك الإنسان الذي يُلح عليه عقله في كثير من المسائل الشخصية و العامة أو في الإيمان و الغيبيات أو في المحسوسات و في كثير من المسائل الشرعية الثابتة، كلنا ذاك العبد الذي تقلقه الحيرة و يزعجه الريب و الشك أحيانا: لماذا هذا و ليس ذاك؟ لماذا ربنا خلق هذا؟ ما الحكمة من هذا الأمر؟؟ ما علة تخصيص هذا الحكم بالرجل و منعه على المرأة؟ لماذا هذا بالذات للمرأة؟ لماذا بعد الموت كذا؟ ما علة هذا الأمر في هذه الآية أو الحديث؟ ما علة اباحة هذا و كراهة ذاك؟ لماذا لا يستقيم أصلا إيمان المرء إلا بالتسليم؟ ..أحكي ههنا عن شخصي و فكري الذي كثيرا ما يبحث عن حقائق الأمور و يتطلع الى الحكمة و التعليل،، عانيتُ زمنا من هذه الأسئلة المقلقة حتى شككتُ في صحة إيماني,, يصعب حقا تطبيق بعض أحكام الشريعة في ظل هذه التساؤلات و الحيرة و الظنون.. أحيانا تجِدْ الأجوبة و أحيانا كثيرة تنعدم. ولا تهدأ النفس و يسكن القلب إلا بالتسليم و الاستسلام الذي هو فعلا لبّ الإيمان.

و التسليم ليس مطلوبا فقط في الغيبيات بل في كل أمور الشريعة، فالنفس البشرية تأبى بطبعها الانصياع و الانقياد للأوامر، و معلوم سبب نزول آية (و ما كان لمؤمن و مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)، و لما كانت النفس تأبى الأمر إما لمخالفتها لهوى أو لاعتراض العقل عليها (أي لشهوة أو لشبهة)، هنا يأتي شفاء القرآن للعقول والقلوب، فقد أخبرنا و لله الحمد أن التحريم و التحليل يدور و مصلحة العباد، و أن التحريم مثلا يختص بالخبائث كما هو الشأن مع الخمر التي هي أم الخبائث والذي لا يحتاج الى إعمال عقل كبير، لأن أضرارها واضحة حتى لغير المسلم,,, فالمسلم عندما يستضيء بنور الشريعة و يعلم بمقاصدها التي جاءت بالمصلحة و التيسير ورفع الحرج و الضرر ,,حينئذ ينفعه التدبر لأنه عن بصيرة، و إلا فالتدبر وحده لا يكفي إذا كان العقل مستقلا بنفسه و له القيادة في البحث و التفكير كما هو الشأن عند الغرب، و نحن للاسف ورثنا عنهم طريقتهم في البحث دون عرضها على أصول ديننا.

أخيرا:
و أحب أن أنبِّه أن حديثي عن التسليم في نقاشي الأول كان على وجه العموم و في سياق الرد كما ذكرتُ آنفا على نفي حقيقة الرقية، و إلا فإن مسألة الرقية أشبّهها بمسألة التعدد التي يسيء الكثير فهمها و تطبيقها، فحكم الرقية الجواز و الاباحة و ليست بالواجبة، كانت موجودة في الجاهلية وأتى الشرع بضبطها و ربطها بالتوحيد، فيها فوائد و منافع جمة (تحصين ووقاية)، و كذا التعدد حكمه الاباحة، قد كان في الجاهلية و أتى الإسلام فضبطه، له من الفوائد و المنافع العديدة (تحصين و وقاية)، بشرط عدم الجور و الظلم،، لكن أمر التعدد يختلط على بعض الناس حين يربطه بوجوب الانقياد لأوامر الشريعة و أن الله قضى و أمر به و يستدل بآية (و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)، و أن في إيمان المرأة الرافضة للتعدد خلل و نقص، في حين أنه لا علاقة لدين المرأة بالتعدد، و الإسلام لا يقضي على الفطرة، لم يوجب على المرأة الانقياد لأمر التعدد لأنه ما من امرأة تقبل بأن يُعدد عليها الرجل الزواج، لكن للرجل أن يعدّد طبعا، و أمر التعدد كان معروفا حتى في الديانات السابقة و الشريعة جاءت باعتبار العرف، فالإسلام لم يشرع التعدد ابتداء بل كان موجودا و ضبطه., لا أدري إن صح ما يمكن تسميته إعمال العقل، قد اجدني مخطئة، لكنها نظرتي للمسألة.


ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

avatar
karmes
موظف درجة 12
ذكر

الاقامة : عنابة

المشاركات : 9268

نقاط : 13578

تاريخ التسجيل : 25/06/2011

تمت المشاركة الإثنين 30 ديسمبر 2013, 00:32
في نقاش آخر سبق لي  أختي الكريمة أن قلت ردا على أحد الزملاء : " حين يعجز عقلي عن فهم النص يكون العيب و القصور في عقلي و ليس في النص " ..... لا أجد أكثر من هذه الجملة لأعبر لك عن حدود سلطان العقل العقل عندي ... و عن معنى التسليم و مداه ... و هذه العبارة وحدها تنهي الجدل ... فليس بعدها مجال للبس .. فأنا أحتكم إلى النصوص و لكنني لا أنكر على عقلي حق بحثها و درسها لتعميق إيماني بها ... فالمؤمن مطالب بالتسليم ... لن نختلف في هذا ... لكن هذا منطق من يحاور نفسه .... لأن منطقا هذا لن يفيد الدعوة إلى دين الله حين نتوجه بالدعوة إلى أقوام لا نستطيع مطالبتهم بالتسليم ... فكيف ننكر على المؤمن عقله و نعترف لغير المؤمن به .. أليس المؤمن جديرا أيضا بمخاطبة عقله ؟

أختي الكريمة ... أساء الناس لصورة الإسلام كثيرا .. فطغت الخرافة و الوهم على العقيدة و الحق، و تداخلت العادات و التقاليد مع تعاليم الدين ... و أتخذ الناس لأنفسهم أوثانا و أصناما ... و إنتشرت في الأمة أفكارا أساءت أكثر مما أحسنت و أضرت أكثر مما نفعت و أضلت أكثر مما هدت ... و صار كل متحدث إماما و كل خطيب عالما فصارت تنميق الكلام بديلا عن الحجة و التهريج عوضا عن المنطق .. و ظهر فينا رجال منا إحترفوا لي عنق النصوص و إجتزاء ما يوافق الهوى مما يوافق في كليته شرع الله الذي إرتضاه لعباده ... و جالوا و صالوا في مدافن التاريخ بحثا عن مكامن الخلاف و الفرقة فأوقدوا من جمرها لهبا يحرق الأمة و يبدد جهدها و يشتت جمعها ... 

صرنا إلى زمن صار المكلف فيه يتجول ما بين المذاهب و آراء العلماء فأينما وجد ما يقترب من هواه أخذ به ... و لقد نشأنا على مقولة ألزمتنا بالتقيد بالمذهب الذي نحن من أتباعه .. فإن أفتى مالك في أمر لم يكن لنا أن نتبع رأيا يعارض فتواه و إن كانت لسادتنا الشافعي و أبي حنيفة و ابن حنبل ... و نحن في الجزائر مالكية و تهمنا آراء علماء المالكية وحدهم دون سواهم ... و مصيبتنا اليوم أننا لم نعد مالكية ... نحن قليل من كل شيء ... ما عاد لنا مذهب و لا إمام.

نحتاج في زمننا هذا إلى كثير من العقل في مواجهة هذا الزخم الهائل من الفتاوى و الآراء و الكتب و البحوث و المقالات و الفضائيات التي نقصف بها على مدار اليوم و الساعة ... و حتى التسليم أختي الكريمة لا يطرح مشكلا حين يتعلق الأمر بالنصوص ... و لكن المشكلة في من يفسر تلك النصوص و يعمل على تأويلها ... فأنا و أنت كملكفين بسطاء قليلي علم محدودي فهم نحتاج إلى من يشرح لنا النصوص و يستنبط منها الأحكام ... فالتسليم بالنص لا يكون إلا على الوجه الذي يفسره لنا هذا العالم أو ذاك ... فنعمل عقولنا في وجه التفسير و التأويل و ليس في النص ذاته ... لن نختلف في آية أو حديث صحيح .. إنما نختلف في تفسيره و تأويله ..

ثم إن هذا العالم أو ذاك حتى تمكن من تفسير النص كان في حاجة إلى إعمال عقله و هو أصلا مسلم بالنص ... فلو أعمل عقله بغير تسليم لأنكره ... و لو وجد تعارضا بين التسليم بالنص و بين إعمال العقل فيه ما ظهرت علوم الشريعة كلها ... و لو كان التسليم مانعا للبحث و التفكير ما ضعف العلماء حديثا و لما إستحسنوا آخر  و لما أعتبروا كثيرا منها موضوعا ...

العقل عندنا أختي الكريمة غير العقل عند الملاحدة ... فهو العقل المؤمن بالله المدرك لحدوده الواقف عندها ... و لكننا لن نبارك الدعوات القائمة على إنكار العقل و تقزيمه لأنها دعوات تدخل من هذا الباب لتعطيل إمكانية فضح زيفها و خوائها... فهي تدرك أنها لن تنتشر و لن تسود إلا بمطالبة الناس بالتسليم و ترهيبهم من إستعمال عقولهم ...

كما تعيبين أنت على دعاة العقلانية غلوهم ... أعيب أنا على رافعي لواء التسليم إنكارهم للعقل و سعيهم الدؤوب إلى تعطيله ... كلا الفريقين وقع ضحية الغلو ... و ليس قدرا محتوما أن ننتمي إلى إحدى الطائفين ... نحن قوم وسط و أمة وسط ... التسليم عندنا و العقل لا يتعارضان و ليسا متضادين ... و العقل عندنا لا يصل إلى الجحود و الكفر و الإنكار ... لأنه لا يبحث في صوابية النص أو خطئه ... بل يسعى إلى إقامة الحجة على صحة النص ... و منه فهو ينطلق من قناعة و إقتناع بصحة النص ليزداد إيمانا و تسليما ...

و تأملي معي أختي الكريمة قوله تعالي :

" وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا"

و ما زادهم إلا إيمانا و تسليما ... لما رأي المؤمنون ما إجتمع عليهم من حشود ... رأوا رأي العين وعد الله و رسوله ... هل عاتبهم الله لأنهم لم يقولوا ما قالوه قبل أن ترى عيونهم ما رأت ... كلا ... بل شهد الله سبحانه و تعالى أنهم كانوا مؤمنين مسلمين و إزدادوا بما رأوا إيمانا على إيمان و تسليما على تسليم ... و ما تراه العين مثله مثل ما يصل إليه العقل ... حقيقة يحتاجها المرء ليزداد قناعة بما يعتقد ... " أو لم تؤمن " ... " بلى و لكن ليطمئن قلبي " ... قلب من ؟ قلب خليل الله أبو الأنبياء جميعا سيدنا إبراهيم عليه الصلاة الذي سمانا المسلمين ... هل كان في قلبه شك في قدرة الله اللامحدودة و اللامتناهية حتى يسأل ربه مثل هذا السؤال ؟ .. فهل أنكر عليه الله سبحانه و تعالى هذا السؤال .. أم أنه أنعم على خليله بعرض مشهد الخلق أمام عينيه .. حتى يطمئن قلبه.

فما الذي يحول بيننا و بين أن نتحرى ما تطمئن به قلوبنا في أمور هي أدنى بكثير جدا مما طلب الخليل إلى ربه .. لماذا يطلب منا حتى يكتمل إيماننا أن نعطل ملكة التفكير عندنا ... لماذا لا نعترف بأن ما ترك للعقل في الإسلام أكثر مما وجب فيه التسليم .. و لماذا لا نفرق ما بين التسليم بالنص و بين التسليم بقراءة هذا أو ذاك للنص ...

عموما نحن هنا ننتقل تدريجيا إلى موضوع آخر يتعلق بالنقل و العقل .. و هو موضوع ينقصني فيه الزاد اللازم و سيرهقني السفر بلا زاد .. فالطريق فيه طويل.


و بالعودة إلى موضوعنا .. أعتقد أننا لم ننطلق من خلاف .. بل الحوار هو الذي أنتج خلافا ... فقد عرضت على الزملاء قولا و قول ... وجدت نفسي أقرب إلى أحدهما و وجدت نفسك أقرب إلى الآخر ... و بعد كل هذا الأخذ و الرد ما زلت عند موقفي .. و أعلم أنك ما زلت عند موقفك .. و لكننا إتفقنا على الأقل على أمر أساس : الرقية حقيقة ... و الدواء حقيقة.

و لكن الأولى محبذة و الثاني واجب ... و يجب أن لا نترك الواجب من أجل المحبذ ...

في مجتمعنا يفعلون العكس ... ينفقون الوقت و المال على أبواب الرقاة .. و يؤجلون الدواء إلى زمن يقل فيه المال و يكاد الوقت فيه أن ينتهي... ألا تستحق هذه الظاهرة تنبيها .. أو كما يقال .. ألم يحن الوقت لأحدهم ليقرع الجرس.

أردت قرع الجرس ... ليس إلا.


ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟ Empty رد: ما حقيقة التداوي بالقرآن الكريم ؟

العاصمية
العاصمية
موظف درجة 4
انثى

الاقامة : الجزائر

المشاركات : 302

نقاط : 362

تاريخ التسجيل : 01/03/2012

العمل : موظفة بالبلدية
تمت المشاركة الإثنين 30 ديسمبر 2013, 11:57
كلامكم درر أستاذي كرمس، و قد قرأتُه بكثير من الاعجاب
أقتبس منه بعض الفقرات و إلا فمجمله رائع

صرنا إلى زمن صار المكلف فيه يتجول ما بين المذاهب و آراء العلماء فأينما وجد ما يقترب من هواه أخذ به ... و لقد نشأنا على مقولة ألزمتنا بالتقيد بالمذهب الذي نحن من أتباعه .. فإن أفتى مالك في أمر لم يكن لنا أن نتبع رأيا يعارض فتواه و إن كانت لسادتنا الشافعي و أبي حنيفة و ابن حنبل

نحتاج في زمننا هذا إلى كثير من العقل في مواجهة هذا الزخم الهائل من الفتاوى و الآراء و الكتب و البحوث و المقالات و الفضائيات التي نقصف بها على مدار اليوم و الساعة

كما تعيبين أنت على دعاة العقلانية غلوهم ... أعيب أنا على رافعي لواء التسليم إنكارهم للعقل و سعيهم الدؤوب إلى تعطيله ... كلا الفريقين وقع ضحية الغلو ... و ليس قدرا محتوما أن ننتمي إلى إحدى الطائفين ... نحن قوم وسط و أمة وسط ... التسليم عندنا و العقل لا يتعارضان و ليسا متضادين

استاذي كرمس، أؤكد أنْ لا خلاف بيننا في وجوب إعمال العقل عموما، فهي اصلا طريقتي في التعقيب في هذا المنتدى، لا أعلم بصحة حديث أو قول عالم مثلا، و بالنظر و التفكر في المضمون يتبيّن لي أحيانا طبعا صحة المعلومة,,فالنظر و التحليل منهجي، بل ربما أجدني أغالي في إعمال العقل حتى في ابسط المسائل.

أما عن آراء الرجال و التقيد بالمذهب، أؤكّد لكم أنّ المخرج منه هو التقيد بنصوص الوحي، لا اقول هذا تزمتا أو غلوا، كلا بل هو عين العقل و الله، فالواحد منا يعاني و يشقى كثيرا بالاتكال على المذهب الفلاني، و هو عينُ الغلوّ، و آراء الرجال المختلفة كثيرا ما تبعدك عن الطريق الاصوب الميسّر، خذ مثلا قول النبي في سفر المرأة دون محرم، و ما تعلق به كحجِّها، مع عدم وجود محرم، فأنا إذا تقيدت بالمذهب الفلاني، أجده يفصل في المسألة تفصيلات و تفريعات، فهذا يفتي بجواز السفر مع انعدام المحرم بشرط الرفقة الصالحة، و آخر لا يجيزها الا بمسافة كذا،،إلخ..لم كل هذا التخبط؟ االأولى أن أتقيّدَ بالحديث الذي صح و الذي لا يجيز لي السفر بدون محرم؟ لماذا أشقى و ألزم نفسي بالبحث عن الرفقة الصالحة و بكذا و كذا، في حين أنني في حِلّ من وجوب الحج بما أنه لا محرم لي..
الذي أريده قوله، أن المذاهب قد تكون شرا إذا ألزمنا نفسنا بالتقيد بها،، فالخلاف فيها لا يكاد ينتهي، و الكثير من التفريعات و التشعبات التي فيها أراحتنا منها نصوص الوحي.


استعرض الموضوع التاليالرجوع الى أعلى الصفحةاستعرض الموضوع السابق
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى