لسم الله الرحمن الرحيم.
إسمحوا لي زملائي الكرام في هذا المنتدى بأن أطرح للنقاش موضوعا أعرف مسبقا أن وجهة نظري ستلقى إعتراضا من طرف الكثير منكم، و ذلك هو الغرض تحديدا من إثارتي لهذا النقاش و تناوله من زاوية تجديدية قد لا تلقى إجماعا و لكنها ستدفع بالتأكيد قسما كبيرا منا إلى إعمال التفكير في المسألة و ربما اعادة بعض الحسابات و مراجعة بعض القناعات.
و لقد عرفتموني إخواني في هذا المنتدى غير متعصب لرأيي و لا ناكرا على الآخرين حقهم في إبداء الرأي المخالف لرأيي فأنا لا أدعي علما و لكنني أثير بعض التساؤلات و قد يكون جوابي عنها غير صائب في كليته و لكنه قد يكون كذلك في بعض جزئياته.
جميعنا يعرف أن الإسلام دين يخاطب العقل و يؤسس خطابه على الدليل العلمي و الحجة المنطقية .. فلا نستطيع مخاطبة غير المسلم بغير الدليل و المنطق والعلم .. فإن قيل لي و انا المسلم أن الله قد حرم الخمر تجدني أسلم بذلك لأنني أؤمن بأن القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ... و لكنك لن تستطيع إقناع ملحد أو مشرك أو كافر إلا إذا أقمت الدليل العلمي على ما تقول.
من هذا المنطلق، إرتأيت أن أطرح اليوم للنقاش مسألة في غاية الدقة و الحساسية، و هي المتعلقة بما يعرف عموما بالتداوي بالقرآن الكريم .. مدى صحتها و معناها الصحيح على ضوء القرآن و السنة و كيفيات التداوي بالقرآن الكريم.
هناك رأي يذهب إلى القول بحقيقة التداوي بالقرآن و يعتبرونه أمرا ثابتا في الشريعة , لايمكن إنكاره لأنه أصبح معلوماً من الدين بالضرورة , ولا يحدث إلا بإذن الله تبارك وتعالى , فمن أنكر معلوماً من القرآن فقد خرج من ملة الإسلام والعياذ بالله ، مستندين إلى بعض آيات القرآن الكريم :
( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء )
( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا )
والقرآن أعظم دواء بحسب رأيهم مستدلين بقوله عليه الصلاة والسلام ( خير الدواء القرآن )، و ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ساق البشرى لمن تمسك بهذا القرآن وعمل بمقتضاه بأنه لن يهلك ولن يضل ابداً، و منه قوله عليه الصلاة والسلام ( أبشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله , وطرفه الآخر بأيديكم فتمسكوا به , ولن تهلكوا , ولن تضلوا بعده ابدا )
كما يستدلون بقول الامام ابن القيم : " فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية , وأدواء الدنيا والآخرة , وما كل أحد يؤهل ولا يوفق إلا للإستشفاء به فإذا أحسن العليل العليل التداوي به , ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام , واعتقاد جازم واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبدا .
و حسبهم دوما ما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحماية منه , لمن رزقه الله فهما في كتابه فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله , ومن لم يكفه فلا كفاه الله .
و لكنني رجعت إلى مختلف التفاسير فوجدتها تتفق على أمر لا يدعم زعم هؤلاء، فالآيتان الكريمتان :
( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء )
( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا )
قد جاءتا في غير سياق هذا الزعم المطلق، فالآية الأولى ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) قد جاءت في سياق كامل وجبت قراءته من بداية الآية ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد .... ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب )
و تفسير الآية أنه لما ذكر تعالى القرآن وفصاحته وبلاغته ، وإحكامه في لفظه ومعناه ، ومع هذا لم يؤمن به المشركون ، نبه على أن كفرهم به كفر عناد وتعنت ، كما قال : ( ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين ) . وكذلك لو أنزل القرآن كله بلغة العجم ، لقالوا على وجه التعنت والعناد : ( لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) أي : لقالوا : هلا أنزل مفصلا بلغة العرب ، ولأنكروا ذلك وقالوا : أعجمي وعربي ؟ أي : كيف ينزل كلام أعجمي على مخاطب عربي لا يفهمه .
هكذا روي هذا المعنى عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والسدي ، وغيرهم .
وقيل : المراد بقولهم : ( لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) أي : هلا أنزل بعضها بالأعجمي ، وبعضها بالعربي .
هذا قول الحسن البصري ، وكان يقرؤها كذلك بلا استفهام في قوله ( أعجمي ) وهو رواية عن سعيد بن جبير وهو في [ التعنت و ] العناد أبلغ .
ثم قال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) أي : قل يا محمد : هذا القرآن لمن آمن به هدى لقلبه وشفاء لما في الصدور من الشكوك والريب ، ( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ) أي : لا يفهمون ما فيه ، ( وهو عليهم عمى ) أي : لا يهتدون إلى ما فيه من البيان كما قال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) .
( أولئك ينادون من مكان بعيد ) قال مجاهد : يعني بعيدا من قلوبهم .
قال ابن جرير : معناه : كأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد ، لا يفهمون ما يقول .
قلت : وهذا كقوله تعالى : ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) .
وقال الضحاك : ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم .
وقال السدي : كان عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] جالسا عند رجل من المسلمين يقضي ، إذ قال : يا لبيكاه . فقال عمر : لم تلبي ؟ هل رأيت أحدا ، أو دعاك أحد ؟ قال : دعاني داع من وراء البحر . فقال عمر : أولئك ينادون من مكان بعيد . رواه ابن أبي حاتم .
وقوله : ( ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ) أي : كذب وأوذي ، ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) ، ( ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى ) بتأخير الحساب إلى يوم المعاد ، ( لقضي بينهم ) أي : لعجل لهم العذاب ، بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ( وإنهم لفي شك منه مريب ) أي : وما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا ، بل كانوا شاكين فيما قالوا ، غير محققين لشيء كانوا فيه.
و يزيد بعض المفسرين بالقول :
" هذا جواب تضمنه قوله ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ، أي ما يقال من الطعن في القرآن ، فجوابه : أن ذلك الذكر أو الكتاب للذين آمنوا هدى وشفاء ، أي أن تلك الخصال العظيمة للقرآن حرمهم كفرهم الانتفاع بها وانتفع بها المؤمنون فكان لهم هديا وشفاء . وهذا ناظر إلى ما حكاه عنهم من قولهم قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ، فهو إلزام لهم بحكم على أنفسهم .
وحقيقة الشفاء : زوال المرض وهو مستعار هنا للبصارة بالحقائق وانكشاف الالتباس من النفس كما يزول المرض عند حصول الشفاء ، يقال : شفيت نفسه ، إذا زال حرجه ، قال قيس بن زهير :
شفيت النفس من حمل بن بدر وسيفي من حذيفة قد شفاني ....
ونظيره قولهم : شفي غليله ، وبرد غليله ، فإن الكفر كالداء في النفس لأنه يوقع في العذاب ويبعث على السيئات .
وجملة والذين لا يؤمنون إلخ معطوفة على جملة هو للذين آمنوا هدى فهي مستأنفة استئنافا ابتدائيا ، أي وأما الذين لا يؤمنون فلا تتخلل آياته نفوسهم ؛ لأنهم كمن في آذانهم وقر دون سماعه ، وهو ما تقدم في حكاية قولهم وفي آذاننا وقر ، ولهذا الاعتبار كان معنى الجملة متعلقا بأحوال القرآن مع الفريق غير المؤمن من غير تكلف لتقدير جعل الجملة خبرا عن القرآن .
ويجوز أن تكون الجملة خبرا ثانيا عن ضمير الذكر ، أي القرآن ، فتكون من مقول القول وكذلك جملة وهو عليهم عمى ، والإخبار عنه بـ ( وقر ، وعمى ) تشبيه بليغ ووجه الشبه هو عدم الانتفاع به مع سماع ألفاظه ، والوقر : داء فمقابلته بالشفاء من محسن الطباق .
وضمير وهو عليهم عمى يتبادر أنه عائد إلى الذكر أو الكتاب كما عاد ضمير هو للذين آمنوا هدى ، والعمى : عدم البصر ، وهو مستعار هنا لضد الاهتداء فمقابلته بالهدى فيها محسن الطباق .
والإسناد إلى القرآن على هذا الوجه في معاد الضمير بأنه عليهم عمى من الإسناد المجازي ؛ لأن عنادهم في قبوله كان سببا لضلالهم فكان القرآن سبب سبب ، كقوله تعالى وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم .
ويجوز أن يكون ضمير ( وهو ) ضمير شأن تنبيها على فظاعة ضلالهم .
وجملة عليهم عمى خبر ضمير الشأن ، أي وأعظم من الوقر أن عليهم عمى ، أي على أبصارهم عمى كقوله وعلى أبصارهم غشاوة .
وإنما علق العمى بالكون على ذواتهم ؛ لأنه لما كان عمى مجازيا تعين أن مصيبته على أنفسهم كلها لا على أبصارهم خاصة فإن عمى البصائر أشد ضرا من عمى الأبصار كقوله تعالى فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .
وجملة أولئك ينادون من مكان بعيد خبر ثالث عن الذين لا يؤمنون ، والكلام تمثيل لحال إعراضهم عن الدعوة عند سماعها بحال من ينادى من مكان بعيد لا يبلغ إليه في مثله صوت المنادي على نحو قوله تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع كما تقدم في سورة البقرة . وتقول العرب لمن لا يفهم : أنت تنادى من مكان بعيد .
والإشارة بـ ( أولئك ) إلى الذين لا يؤمنون لقصد التنبيه على أن المشار إليهم بعد تلك الأوصاف أحرياء بما سيذكر بعدها من الحكم من أجلها نظير أولئك على هدى من ربهم .
ويتعلق من مكان بعيد بـ ( ينادون ) ، وإذا كان النداء من مكان بعيد كان المنادى بالفتح في مكان بعيد لا محالة كما تقدم في تعلق من الأرض بقوله ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض أي دعاكم من مكانكم في الأرض ، وبذلك يجوز أن يكون من مكان بعيد ظرفا مستقرا في موضع الحال من ضمير ( ينادون ) وذلك غير متأت في قوله إذا دعاكم دعوة من الأرض "
و من هنا يتضح لنا أن المقصود ليس الشفاء من الأمراض العضوية بل المقصود شفاء النفس من الأمراض المعيبة للخلق و الإستقامة و الهداية و الصلاح
و من امراض الرياء و الكبر و الضلال و الجهل.
غير أن السائل يتساءل عن حقيقة الرقية الشرعية و ضوابطها و هي الأمور التي أجمع عليها علماء الأمة و لكنها لا يجب أن تصب في خانة الإستغناء عن دور الطبيب و ما توصل إليه الإنسان من أدوية أو من طرائق للعلاج الطبيعي و كذا ما تعلق بالتداوي بالأعشاب على أيدي مختصين ... و قبل اللجوء إلى الرقية تجب مراجعة الطبيب حتى لا تكون الرقية في غير محلها فيقع الضرر.
إسمحوا لي زملائي الكرام في هذا المنتدى بأن أطرح للنقاش موضوعا أعرف مسبقا أن وجهة نظري ستلقى إعتراضا من طرف الكثير منكم، و ذلك هو الغرض تحديدا من إثارتي لهذا النقاش و تناوله من زاوية تجديدية قد لا تلقى إجماعا و لكنها ستدفع بالتأكيد قسما كبيرا منا إلى إعمال التفكير في المسألة و ربما اعادة بعض الحسابات و مراجعة بعض القناعات.
و لقد عرفتموني إخواني في هذا المنتدى غير متعصب لرأيي و لا ناكرا على الآخرين حقهم في إبداء الرأي المخالف لرأيي فأنا لا أدعي علما و لكنني أثير بعض التساؤلات و قد يكون جوابي عنها غير صائب في كليته و لكنه قد يكون كذلك في بعض جزئياته.
جميعنا يعرف أن الإسلام دين يخاطب العقل و يؤسس خطابه على الدليل العلمي و الحجة المنطقية .. فلا نستطيع مخاطبة غير المسلم بغير الدليل و المنطق والعلم .. فإن قيل لي و انا المسلم أن الله قد حرم الخمر تجدني أسلم بذلك لأنني أؤمن بأن القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ... و لكنك لن تستطيع إقناع ملحد أو مشرك أو كافر إلا إذا أقمت الدليل العلمي على ما تقول.
من هذا المنطلق، إرتأيت أن أطرح اليوم للنقاش مسألة في غاية الدقة و الحساسية، و هي المتعلقة بما يعرف عموما بالتداوي بالقرآن الكريم .. مدى صحتها و معناها الصحيح على ضوء القرآن و السنة و كيفيات التداوي بالقرآن الكريم.
هناك رأي يذهب إلى القول بحقيقة التداوي بالقرآن و يعتبرونه أمرا ثابتا في الشريعة , لايمكن إنكاره لأنه أصبح معلوماً من الدين بالضرورة , ولا يحدث إلا بإذن الله تبارك وتعالى , فمن أنكر معلوماً من القرآن فقد خرج من ملة الإسلام والعياذ بالله ، مستندين إلى بعض آيات القرآن الكريم :
( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء )
( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا )
والقرآن أعظم دواء بحسب رأيهم مستدلين بقوله عليه الصلاة والسلام ( خير الدواء القرآن )، و ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ساق البشرى لمن تمسك بهذا القرآن وعمل بمقتضاه بأنه لن يهلك ولن يضل ابداً، و منه قوله عليه الصلاة والسلام ( أبشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله , وطرفه الآخر بأيديكم فتمسكوا به , ولن تهلكوا , ولن تضلوا بعده ابدا )
كما يستدلون بقول الامام ابن القيم : " فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية , وأدواء الدنيا والآخرة , وما كل أحد يؤهل ولا يوفق إلا للإستشفاء به فإذا أحسن العليل العليل التداوي به , ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام , واعتقاد جازم واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبدا .
و حسبهم دوما ما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحماية منه , لمن رزقه الله فهما في كتابه فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله , ومن لم يكفه فلا كفاه الله .
و لكنني رجعت إلى مختلف التفاسير فوجدتها تتفق على أمر لا يدعم زعم هؤلاء، فالآيتان الكريمتان :
( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء )
( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا )
قد جاءتا في غير سياق هذا الزعم المطلق، فالآية الأولى ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) قد جاءت في سياق كامل وجبت قراءته من بداية الآية ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد .... ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب )
و تفسير الآية أنه لما ذكر تعالى القرآن وفصاحته وبلاغته ، وإحكامه في لفظه ومعناه ، ومع هذا لم يؤمن به المشركون ، نبه على أن كفرهم به كفر عناد وتعنت ، كما قال : ( ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين ) . وكذلك لو أنزل القرآن كله بلغة العجم ، لقالوا على وجه التعنت والعناد : ( لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) أي : لقالوا : هلا أنزل مفصلا بلغة العرب ، ولأنكروا ذلك وقالوا : أعجمي وعربي ؟ أي : كيف ينزل كلام أعجمي على مخاطب عربي لا يفهمه .
هكذا روي هذا المعنى عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والسدي ، وغيرهم .
وقيل : المراد بقولهم : ( لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) أي : هلا أنزل بعضها بالأعجمي ، وبعضها بالعربي .
هذا قول الحسن البصري ، وكان يقرؤها كذلك بلا استفهام في قوله ( أعجمي ) وهو رواية عن سعيد بن جبير وهو في [ التعنت و ] العناد أبلغ .
ثم قال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) أي : قل يا محمد : هذا القرآن لمن آمن به هدى لقلبه وشفاء لما في الصدور من الشكوك والريب ، ( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ) أي : لا يفهمون ما فيه ، ( وهو عليهم عمى ) أي : لا يهتدون إلى ما فيه من البيان كما قال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) .
( أولئك ينادون من مكان بعيد ) قال مجاهد : يعني بعيدا من قلوبهم .
قال ابن جرير : معناه : كأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد ، لا يفهمون ما يقول .
قلت : وهذا كقوله تعالى : ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) .
وقال الضحاك : ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم .
وقال السدي : كان عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] جالسا عند رجل من المسلمين يقضي ، إذ قال : يا لبيكاه . فقال عمر : لم تلبي ؟ هل رأيت أحدا ، أو دعاك أحد ؟ قال : دعاني داع من وراء البحر . فقال عمر : أولئك ينادون من مكان بعيد . رواه ابن أبي حاتم .
وقوله : ( ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ) أي : كذب وأوذي ، ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) ، ( ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى ) بتأخير الحساب إلى يوم المعاد ، ( لقضي بينهم ) أي : لعجل لهم العذاب ، بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ( وإنهم لفي شك منه مريب ) أي : وما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا ، بل كانوا شاكين فيما قالوا ، غير محققين لشيء كانوا فيه.
و يزيد بعض المفسرين بالقول :
" هذا جواب تضمنه قوله ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ، أي ما يقال من الطعن في القرآن ، فجوابه : أن ذلك الذكر أو الكتاب للذين آمنوا هدى وشفاء ، أي أن تلك الخصال العظيمة للقرآن حرمهم كفرهم الانتفاع بها وانتفع بها المؤمنون فكان لهم هديا وشفاء . وهذا ناظر إلى ما حكاه عنهم من قولهم قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ، فهو إلزام لهم بحكم على أنفسهم .
وحقيقة الشفاء : زوال المرض وهو مستعار هنا للبصارة بالحقائق وانكشاف الالتباس من النفس كما يزول المرض عند حصول الشفاء ، يقال : شفيت نفسه ، إذا زال حرجه ، قال قيس بن زهير :
شفيت النفس من حمل بن بدر وسيفي من حذيفة قد شفاني ....
ونظيره قولهم : شفي غليله ، وبرد غليله ، فإن الكفر كالداء في النفس لأنه يوقع في العذاب ويبعث على السيئات .
وجملة والذين لا يؤمنون إلخ معطوفة على جملة هو للذين آمنوا هدى فهي مستأنفة استئنافا ابتدائيا ، أي وأما الذين لا يؤمنون فلا تتخلل آياته نفوسهم ؛ لأنهم كمن في آذانهم وقر دون سماعه ، وهو ما تقدم في حكاية قولهم وفي آذاننا وقر ، ولهذا الاعتبار كان معنى الجملة متعلقا بأحوال القرآن مع الفريق غير المؤمن من غير تكلف لتقدير جعل الجملة خبرا عن القرآن .
ويجوز أن تكون الجملة خبرا ثانيا عن ضمير الذكر ، أي القرآن ، فتكون من مقول القول وكذلك جملة وهو عليهم عمى ، والإخبار عنه بـ ( وقر ، وعمى ) تشبيه بليغ ووجه الشبه هو عدم الانتفاع به مع سماع ألفاظه ، والوقر : داء فمقابلته بالشفاء من محسن الطباق .
وضمير وهو عليهم عمى يتبادر أنه عائد إلى الذكر أو الكتاب كما عاد ضمير هو للذين آمنوا هدى ، والعمى : عدم البصر ، وهو مستعار هنا لضد الاهتداء فمقابلته بالهدى فيها محسن الطباق .
والإسناد إلى القرآن على هذا الوجه في معاد الضمير بأنه عليهم عمى من الإسناد المجازي ؛ لأن عنادهم في قبوله كان سببا لضلالهم فكان القرآن سبب سبب ، كقوله تعالى وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم .
ويجوز أن يكون ضمير ( وهو ) ضمير شأن تنبيها على فظاعة ضلالهم .
وجملة عليهم عمى خبر ضمير الشأن ، أي وأعظم من الوقر أن عليهم عمى ، أي على أبصارهم عمى كقوله وعلى أبصارهم غشاوة .
وإنما علق العمى بالكون على ذواتهم ؛ لأنه لما كان عمى مجازيا تعين أن مصيبته على أنفسهم كلها لا على أبصارهم خاصة فإن عمى البصائر أشد ضرا من عمى الأبصار كقوله تعالى فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .
وجملة أولئك ينادون من مكان بعيد خبر ثالث عن الذين لا يؤمنون ، والكلام تمثيل لحال إعراضهم عن الدعوة عند سماعها بحال من ينادى من مكان بعيد لا يبلغ إليه في مثله صوت المنادي على نحو قوله تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع كما تقدم في سورة البقرة . وتقول العرب لمن لا يفهم : أنت تنادى من مكان بعيد .
والإشارة بـ ( أولئك ) إلى الذين لا يؤمنون لقصد التنبيه على أن المشار إليهم بعد تلك الأوصاف أحرياء بما سيذكر بعدها من الحكم من أجلها نظير أولئك على هدى من ربهم .
ويتعلق من مكان بعيد بـ ( ينادون ) ، وإذا كان النداء من مكان بعيد كان المنادى بالفتح في مكان بعيد لا محالة كما تقدم في تعلق من الأرض بقوله ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض أي دعاكم من مكانكم في الأرض ، وبذلك يجوز أن يكون من مكان بعيد ظرفا مستقرا في موضع الحال من ضمير ( ينادون ) وذلك غير متأت في قوله إذا دعاكم دعوة من الأرض "
و من هنا يتضح لنا أن المقصود ليس الشفاء من الأمراض العضوية بل المقصود شفاء النفس من الأمراض المعيبة للخلق و الإستقامة و الهداية و الصلاح
و من امراض الرياء و الكبر و الضلال و الجهل.
غير أن السائل يتساءل عن حقيقة الرقية الشرعية و ضوابطها و هي الأمور التي أجمع عليها علماء الأمة و لكنها لا يجب أن تصب في خانة الإستغناء عن دور الطبيب و ما توصل إليه الإنسان من أدوية أو من طرائق للعلاج الطبيعي و كذا ما تعلق بالتداوي بالأعشاب على أيدي مختصين ... و قبل اللجوء إلى الرقية تجب مراجعة الطبيب حتى لا تكون الرقية في غير محلها فيقع الضرر.