م. طلال القشقري
ماذا يفعل جُلُّ موظّفينا الحكوميّين في آخر ساعة من دوامهم؟ (أقلْ) لكم من غير (زعل)؟ حسناً، إنهم إمّا يتصفّحون الإنترنت، وإمّا يقرؤون الجرائد، وإمّا يتبادلون الأحاديث، وإمّا يتّصلون بزوجاتهم، طبعاً من هواتف جهاتهم، لا من جوّالاتهم، توفيراً لتكلفة الاتصال ولتدوين قائمة مقاضيهم، مُتربّصين لحظة (الصرْفة) غير بعيدٍ من نظام إثبات دوامهم، سواء كان ورقة توقيع أو ماكينة (كروت) أو بطاقات مُُمغنطة!.
إنها ساعة عمل أصابتها سكتة دماغية وجلطة قلبية، فتسبّبتا في ضياع ملايين من ساعات العمل الحكومي، فكيف نعالجها منهما لتستعيد عافيتها؟ لن (أتـفلسف) عليكم إنما أنقل لكم تجربة جهة يابانية فيها، إذ وجّهت موظّفيها ألّا يعملوا خلالها، وأن يُسخـّروا نصفها للتحضير لأعمال الغد، فيُنظّمون مواقع أعمالهم ويرتّبون موادّها، بحيث يـبدؤون في الغد من حيث انتهوا لا من حيث بدؤوا، أمّا نصفها الآخر فيُخصّصونه لتأدية تمارين الاسترخاء الجسدي والنفسي تحت إشراف مُدرِّبين محترفين!.
هل في عقول اليابانيين لوْثة ليفعلوا هكذا؟ كلّا ثمّ كلّا، فبفِعْلتهم هذه زاد إنتاج الجهة بنسبة (6%)، دون إضافة قشّة واحدة على ظهر العمل، بل على العكس بتقليله، لكن مع تنظيمه وتحسين أجساد ونفوس موظّفيها قبل ذهابهم لبيوتهم، ليعودوا في الغد لأعمالهم (رائقين) ومُتحفّزين للإنتاج والإبداع!.
أنا لستُ ببّغاءً لأطلب تقليد اليابانيين في جهاتنا الحكومية، ولستُ أفلاطونياً يعيش في عالم من الخيال، وأعلمُ أنّ اليابان غير، وأنّ هناك ساعات كثيرة لا آخرها فـقط، تضيع بالجُمْلة والمُفرّق من دوامنا الحكومي، ولكن هذا يؤكّد أننا نحتاج لضخّ أفكارٍ جديدة وبرامج مُثمِرة لتحسين البيئة العملية في جهاتنا الحكومية، لأنها ببساطة تتخلّف كثيراً شكلاً وفاعلية عن بيئات عمل نظيراتها في الدول المتقدّمة، وما لم نفعل ذلك فحوْسبوا وحوْقلوا واسترجعوا، فإنّ عدّاد الساعات الضائعة لعملنا الحكومي ماضٍ في العدّ، وهو من سعته الكبيرة أصبح كعدّاد سعة بريد الشيخ قوقل الإلكتروني، لا يفتر عن العدّ ولا يخمد! .