علم المالية العامة :
هو ذلك العلم الذي يدرس القواعد المنظمة للنشاط العام الذي تبذله الأشخاص المعنوية للحصول على الموارد الضرورية اللازمة من أجل الحصول على الحاجات العامة للمجتمع .
مراحل علم المالية العامة :
فن المالية :
هو الذي يهتم بالقواعد الفنية التي تتبعها الدولة في ميزانيتها وإيراداتها .
اقتصاد المالية العامة :
يبحث في المشكلات الاقتصادية بمختلف مباحث المالية العامة .
المالية العامة :
يبحث استخدام مختلف عناصر المالية العامة لتحقيق أهداف غير مالية.
القانون المالي :
هو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن ماهية الأشخاص العامة الدولة الجماعات المحلية هياكل تجارية من حيث مصادر إيراداتها وأوجه إنفاقها .
قانون الميزانية العامة :
هو الذي يحدد مواصفات وثيقة الميزانية وإيرادات الدولة ونفقاتها خلال السنة المالية وكذلك كيفية إعدادها وتنفيذها .
النفقات العامة
النفقة العامة هي مبلغ نقدي يقوم بإنفاقه شخص عام بقصد تحقيق نفع عام, ويتبين من هذا التعريف أن النفقة العامة تشتمل علي عناصر ثلاثة وهي.
1) النفقة العامة مبلغ نقدي: تقوم الدولة وغيرها من الأشخاص العامة بإنفاق مبالغ نقدية لجلب ما تحتاجه من سلع وخدمات, لازمة لتسيير المرافق العامة, وتمني لرؤوس الأموال الإنتاجية التي تحتاجها للقيام بالمشروعات الاستثمارية التي تتولاها, وأخيرا لمنح المساعدات المختلفة من اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها.
2) النفقة العامة يقوم بها شخص عام (أي صدور النفقة عن هيئة عامة)
و يدخل في عداد النفقات العامة تلك النفقات التي يقوم بها الأشخاص المعنوية العامة (و هم أشخاص القانون العام) و تتمثل في الدولة على اختلاف أنظمتها: جمهورية أو ملكية أو رئاسية و من استبدادية إلى ديمقراطية و الحكومات المركزية و المحلية بما في ذلك الهيئات و المؤسسات العامة الداخلة في الاقتصاد العام ذات الشخصية المعنوية، و على هذا فإن المبالغ التي ينفقها الأشخاص الخاصة الطبيعية والاعتبارية لا تعتبر نفقة عامة حتى و لو كانت تهدف إلى تحقيق خدمات عامة، كتبرع أحد هؤلاء الأشخاص بالمبالغ اللازمة لبناء مدرسة أو مستشفى أو مسجد مثلا، و يدخل ذلك في إطار الإنفاق الخاص.
3) النفقة العامة يقصد بها تحقيق نفع عام:
ينبغي أن تصدر النفقات العامة مستهدفة الأساس إشباع الحاجات العامة، و تحقيق الصالح العام، فالنفقات التي لا تشبع حاجة عامة و لا تعود بالنفع العام على الأفراد لا يمكن اعتبارها نفقات عامة،
تقسيمات النفقات العامة:
العنصر الأول: التقسيمات الاقتصادية أو العلمية للنفقات العامة:
أولا: تقسيم النفقات العامة حسب الوظائف الأساسية التي تقوم بها الدولة:
1 – النفقات الإدارية: و هي النفقات المتعلقة بسير المرافق العامة و اللازمة لقيام الدولة و هي تشتمل على نفقات الإدارة العامة و الدفاع و الأمن و العدالة و التمثيل السياسي، و أهم بنود هذا النوع من النفقات هي نفقات الدفاع الوطني.
2 – النفقات الاجتماعية: و هي التي تتصرف إلى تحقيق آثار اجتماعية معينة بين الأفراد و ذلك عن طريق تحقيق قدر من الثقافة و التعليم و الرعاية الصحية للأفراد.
3 – النفقات الاقتصادية: و هي النفقات التي تتعلق بقيام الدولة بخدمات عامة تحقيقا لأهداف كالاستثمارات الهادفة إلى تزويد الاقتصاد القومي بخدمات أساسية كالنقل والمواصلات، و محطات توليد القوى الكهربائي، و الري والصرف، إلى جانب تقديم الإعانات الاقتصادية للمشروعات العامة و الخاصة.
ثانيا: النفقات الحقيقية و النفقات التحويلية:
1 – النفقات الحقيقية أو الفعلية: و يقصد بها تلك النفقات التي تصرفها الدولة في مقابل الحصول على سلع و خدمات أو رؤوس أموال إنتاجية كالمرتبات و أثمان التوريدات و المهمات اللازمة لسير المرافق العامة، سواء التقليدية أو الحديثة التي اقتضاها تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والنفقات الاستثمارية أو الرأسمالية.
2 – النفقات التحويلية أو الناقلة: فيقصد بها تلك النفقات التي لا يترتب عليها حصول الدولة على سلع و خدمات و رؤوس أموال، إنما تمثل تحويل لجزء من الدخل القومي عن طريق الدولة من بعض الفئات الاجتماعية كبيرة الدخل إلى بعض الفئات الأخرى محدودة الدخل.
ثالثا: النفقات العادية والنفقات غير العادية:
النفقات العادية يقصد بها لكل النفقات التي تتكرر كل سنة بصفة منتظمة في ميزانية الدولة كمرتبات الموظفين, وتكاليف صيانة المباني والأجهزة العامة ونفقات التعليم والصحة العامة
النفقات غير العادية فهي تلك النفقات التي لا تتكرر كل سنة بصفة منتظمة في الميزانية. بل تدعو الحاجة إليها في فترات مساعدة تزيد عن السنة أي تأني بصفة استثنائية لمواجهة ظروف اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية معنية في وقت محدد وكمثال علي ذلك النفقات الحربية, ونفقات إصلاح الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات ونفقات إنشاء السدود والخزانات ومد خطوط السكك الحديدية وتعبيد الطرق وتأسيس الأساطيل التجارية وغيرها.
رابعا: النفقات القومية والنفقات المحلية:إن تقسيم النفقات العامة إلي نفقات قومية ونفقات محلية يعتمد علي معيار نطاق سريان النفقات العامة ومدي استفادة أفراد المجتمع كافة أو سكان إقليم معين داخل الدولة من النفقة العامة: تكوي النفقة قومية أو مركزية إذا وردت في ميزانية الدولة وتتولي الحكومة المركزية القيام بها مثل نفقة الدفاع والعدالة والأمن._ أما النفقات المحلية أو الإقليمية وهي النفقات التي تقوم بها الولايات أو ما يسمي بمجالس الحكم المحلي كمجالس الولايات والمدن والقرى و التي ترد في ميزانيات هذه الهيئات, وتخدم بالأساس احتياجات هيئة محلية معينة مثل الأنفاق علي توصيل مياه الشرب والكهرباء للإقليم.
ضوابط النفقات العام إن سلامة مالية الدولة تقتضي التزام مختلف الوحدات المكونة للاقتصاد العام عند قيامها بالإنفاق العام باحترام بعض المبادئ أو الضوابط.
1) ضابط المنفعة: (أي تحقيق أكبر قدر من المنفعة للمجتمع) إن تحقيق أكبر قدر من المنفعة يعني بالدرجة الأولي ألا توجه النفقة العامة لتحقيق المصالح الخاصة لبعض الأفراد أو لبعض فئات المجتمع دون البعض الآخر نظرا لما يتمتعون به من نفوذ سياسي أو اجتماعي, ويمارس هذا النفوذ عادة في هيئة ما يسمي بجماعات الضغط وما تحدث هذه الجماعات من آثار ضارة بسبب الأساليب والضغوط المختلف التي تمارسها في المجتمع.
2) ضابط الاقتصاد في الإنفاق: من البديهي أن المنفعة الجماعية القصوى الناجمة علي النفقة لا تتصور إلا إذا كان تحققها ناتجا من استخدام أقل نفقة ممكنة, وعليه يتعين علي سائر الهيئات والمشروعات العامة في الدولة مراعاة الاقتصاد في إنفاقها وتتجنب التبذير ومن مظاهر التبذير الحكومي متعددة ويمكن أن تحدث في شتي مجالات الإنفاق العام, وعلي الأخص في الدول النامية ومن أمثلتها ما يلي: - استخدام عدد كبير من الموظفين أو العمال في القرارات والمصالح الحكومية يزيد عن الحد اللازم تماما لحسن سير تلك المرافق. الاهتمام بتشييد المباني الضخمة والتأثيث الفاخر لدور الحكومة والمرافق العامة استئجار المباني و السيارات بدلا من شرائها. إسراف وتبذير في الاستهلاك العام مثل: مصروفات الإضاءة والمياه والتليفونات التي تدفعها الدولة دون استخدامها.
3) تقنين النشاط المالي والإنفاقي للدولة: وأحكام الرقابة علي النفقات العامة ففيما يتعلق بتقنين القواعد الإجرائية للإنفاق العام, فإن القوانين المالية في الدولة تنظم كل ما يتعلق بصرف النفقات العامة أو إجراءها, فتحدد السلطة التي تأذن بالإنفاق وتوضح خطوات الصرف والإجراءات اللازمة بالنسبة لكل منها حتى تؤدي النفقة العامة في موضعها وينجم عنها فعلا النفع العام الذي تستهدفه.
الرقابة علي الإنفاق العام:
1- رقابة إدارية: وهي رقابة تقوم بها في العادة وزارة المالية (أو الخزائن) عن طريق موظفيها العاملين في مختلف الوزارات والهيئات العامة ومهمتهم الأساسية هي عدم السماح بصرف أي مبلغ إلا إذا كان في وجه وارد في الميزانية وفي حدودالإعتماد المقرر له, وهذه رقابة سابقة علي الإنفاق.
2-رقابة محاسبية مستقلة:
ومهمتها التأكد من أن جميع عمليات الإنفاق قد تمت علي الوجه القانوني وفي حدود قانون الميزانية والقواعد المالية السارية, وهذا النوع من الرقابة قد تكون سابقة للصرف أو مقر عليه.
3-رقابة برلمانية: وتتولاها السلطة التشريعية بمالها من حق السؤال والاستجواب والتحقيق البرلماني وسحب الثقة من الوزير أو من الوزارة كلها, وتظهر هذه الرقابة بصورة واضحة عند اعتماد الميزانية وعند اعتماد الحساب الختامي أمام البرلمان.
حدود النفقات العامة.فالنفقات العامة عبارة عن مبالغ نقدية تقطعها الدولة من الدخل القومي لتقوم هي بإنفاقها قصد إشباع الحاجات العامة, والسؤال المطروح هنا بدور حول ما إذا كانت هناك نسبة معينة من الدخل القومي لا يحق للدولة تجاوزها وهي بصدد تحديد النفقات العامة أو بمعني آخر: هل للنفقات العامة حدودا لا يصح للدولة تعديها أو حجما لا يجوز أن تزيد عليه. وقد حدد بعض الاقتصاديين والماليين التقليديين نسبا معينة من الدخل القومي تتراوح مابين 10% و 15% ولو أنه لا يصح للدولة تجاوز هذه النسب, إلا أن ما يؤخذ علي هذا المنطق جمود النسبة التي يحددها وتجاهله للظروف الاقتصادية والمالية التي تميز الاقتصاد القومي عن غيره من الاقتصاديات القومية والتي تختلف من فترة لأخرى في نفس الدولة.وفي الواقع أن تحديد حجم الإنفاق العام أو حدوده في مكان وزمان معينين إنما يتوقف علي مجموعة من العوامل أهمها: العوامل المذهبية والاقتصادية والمالية.
1- العوامل المذهبية:إن تحديد ما يعتبر حاجة عامة, وقيام الدولة بإشباعها عن طريق للإنفاق العام, يخضع للفلسفة المذهبية أو الأيديولوجية السائدة في الدولة: فردية أو تدخلي أو جماعية.
أ- ففي ظل الإيديولوجية الفردية: فالفلسفة السائدة هي ترك الأفراد أحرار في إقامة وتنظيم علاقات الإنتاج والتوزيع فيما بينهم وهي الوسيلة المثلي لتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي حيث يقتصر دور الدولة علي القيام بمهام الدولة الحارسة أي الوظائف التقليدية بالإضافة إلي القيام ببعض الأنشطة الاقتصادية التي لا يقدم عليها النشاط الخاص إما لضخامة نفقاتها كالسدود والخزانات, أو لعدم ربحتها كالطرق والخدمات التعليمية........الخ, ويتحدد حجم النفقات العامة بالنسبة إلي الدخل القومي في ظل هذه الأيديولوجية بالقدر الضروري للقيام بتلك الوظائف مما يترتب عليه أن يقل حجم النفقات العامة ونسبتها إلى الدخل القومي من جهة, وأن تقل أنواعها من جهة أخرى,
ب-أما في ظل الأيديولوجية التدخلية, فالفلسفة السائدة هي ضرورة تدخل الدولة في بعض ميادين النشاط الاقتصادي والاجتماعية شركة الأفراد أحرارا في ممارسة البعض الآخر, فإن دور النفقات العامة يزداد أهمية عن ذي قبل. فبالإضافة إلي وظائف الدولة التقليدية, فهي تقوم بوظائف اقتصادية تتمثل في استغلالها لبعض المشروعات الإنتاجية, ومحاربة الآثار الضارة للدورات الاقتصادية, والعمل علي ثبات قيمة النقود وتنمية الاقتصادي القومي وتقديم الخدمات المجانية أو ذات الأثمان الزهيدة للطلبات ذات الدخول المحدودة وغيرها من الإجراءات الهادفة إلي تقليص الفوارق بين الطبقات.
وفي ظل الأيديولوجية الجماعية أو الدولة المنتجة حيث تمثلك الجماعة كل أو معظم أدوات الإنتاج, وتقوم الدولة نيابة عنها القيام بكافة وجوه النشاط الإنتاجي إلي جانب قيامها بالوظائف التقليدية, فإن دون النفقات العامة تزداد أهمية إلى أقصى حد, فالاقتصاد هنا ليس حرا وإنما تسيطر عليه الدولة وهي التي تقوم بعمليات الإنتاج والتوزيع كلها أو معظمها وتعتبر كافة النفقات الاقتصادية علي اختلاف أنواعها والخاصة بالوحدات الإنتاجية نفقات عامة, زيادة علي النفقات الاجتماعية التي تهدف الدولة من ورائها توفير بعض الحاجات الأساسية لكافة المواطنين بأسعار تقل كثير عن ككلفتها الحقيقية.
2-العوامل الاقتصادية: يتأثر حجم النفقات العامة وحدودها بالظروف الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد القومي وخاصة في فترات الرخاء والكساد التي تتعاقب علي الاقتصاديات الرأسمالية, وتحت تأثير الأفكار الكيترية تليها الدول إلي زيادة نفقاتها العامة في أوقات الكساد لإحداث زيادة في الطلب الكلي الفعلي والوصول بالاقتصاد القومي إلي مستوى التشغيل الكامل, و يحدث العكس في أوقات الرخاء لتفادي الارتفاع التضخمي وتدهور قيمة النقود نظرا لوصول الاقتصاد القومي إلي حالة التشغيل الكامل.
3-العوامل المالية: أي قدرة الاقتصاد القومي (أي الدخل القومي) على تحمل الأعباء العامة بمختلف أشكالها وصورها من: الضرائب, والقروض, والإصدار النقدي الجديد دون الإضرار بمستوى معيشة الأفراد أو بالمقدرة الإنتاجية القومية. وتمثل الطاقة الضريبية أهم عناصر المقدرة القومية, ويقصد بالطاقة الضريبية القومية أو ما يعرف بالمقدرة التكليفية القومية أي قدرة الدخل القومي على تحمل الأعباء الضريبية أو بمعنى آخر تمويل تيارات عن طريق الضرائب.
ظاهرة تزايد النفقات العامةإن ظاهرة اتجاه النفقات العامة إلى الزيادة والتنوع عاما بعد عام أصبحت من الظواهر المعروفة بالنسبة لمالية الدولة و بمختلف الدول وذلك نتيجة تطور دور الدولة وازدياد درجة تدخلها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وقد خلص الاقتصاديون اعتمادا على استقراء الإحصاءات في مختلف الدول إلى أن جعلوا هذه الظاهرة قانونا عاما من قوانين التطور الاقتصادي والاجتماعي.
أولا: أسباب التزايد الحقيقي للنفقات العامة:إن الزيادة الحقيقية للنفقات العامة في شتى الدول في السنوات الماضية يشير إلى الزيادة المطردة في حجم هذه النفقات والتي ترجع إلى أسباب متعددة تختلف باختلاف مستوى التطور في كل دولة من الدول وهي: أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية و إدارية ومالية بالإضافة إلى أسباب حربية.
1- الأسباب الاقتصادية:إن من أهم الأسباب الاقتصادية المفسرة لظاهرة التزايد في النفقات العامة زيادة الدخل القومي والتوسع في المشروعات العامة وعلاج التقلبات التي تطرأ على النشاط الاقتصادي (خاصة في حالة الكساد).
فزيادة الدخل القومي تسمح للدولة في العصر الحديث من الزيادة في مقدار ما تقتطعه منه في صورة تكاليف أو أعباء عامة من ضرائب ورسوم وغيرها, حتى ولو لم تراد أنواع الضرائب المقررة أو يرتفع سعرها وعادة ما تحقر هذه الموارد المتاحة الدولة على زيادة إنفاقها على مختلف الوجوه.وأخيرا فالتنافس الاقتصادي الدولي مهما كانت أسبابه فهو يؤدي إلى زيادة النفقات العامة, سواء في صورة إعانات اقتصادية للمشروعات الوطنية لتشجيعها على التصدير ومنافسة المشروعات الأجنبية في الأسواق الدولية, أو في صورة إعانات للإنتاج لتمكين المشروعات الوطنية من الصمود والوقوف في وجه المنافسة الأجنبية في الأسواق الوطنية.
2- الأسباب الاجتماعية:ويرجع ذلك إلى أن متطلبات وحاجات سكان المدن أكبر وأعقد من حاجات سكان الريف كما هو معلوم, كما أدى انتشار التعليم إلى تعزيز فكره الوعي الاجتماعي فأصبح الأفراد يتطلبون من الدولة القيام بوظائف لم تعرفها في العصور السابقة, كتامين الأفراد ضد البطالة والفقر والمرض والعجز والشيخوخة وغيرها من أسباب عدم القدرة على الكسب, وقد نتج عن منح الدولة هذه الإعانات وتقديم للعديد من الخدمات الاجتماعية إلى زيادة النفقات العامة وبصفة خاصة النفقات التحويلية.
3-الأسباب السياسية:إن انتشار المبادئ الديمقراطية ترتب عنها اهتمام الدولة بحالة الطبقات محدودة الدخل, والقيام بالكثير من الخدمات الضرورية لها, وكثيرا ما يدفع النظام الحزب الحاكم إلى الإكثار من المشروعات الاجتماعية قصد إرضاء الناخبين و إلى الإفراط في تعيين الموظفين مكافأة لأنصاره وينجح عن هذا كله بطبيعة الحال تزايد في النفقات العامة.
4-الأسباب الإدارية: مما لا شك فيه أن سواء التنظيم الإداري وعدم مواكبته لتطور المجتمع الاقتصادي والاجتماعي والعلمي, والإسراف في عدد الموظفين وزيادتهم عن حاجة العمل والإسراف في ملحقات الوظائف العامة من سعاة وأثاث وسيارات.......... الخ, يؤدي إلى زيادة الإنفاق الحكومي, وهذه الزيادة في النفقات العامة حقيقية لأنها تؤدي إلى زيادة عبء التكاليف العامة على المواطنين, وإن كانت تمثل زيادة غير منتجة إنتاجا مباشرا لأنه لا يترتب عليها زيادة في القيمة الحقيقية للنفع العام, وهي في حقيقتها أقرب ما تكون إلى النفقات التحويلية منها إلى النفقات الفعلية (الحقيقية).
5- الأسباب المالية:إن سهولة الاقتراض في الوقت الحاضر أدى بالدولة إلى كثرة الالتجاء إلى عقد قروض عامة للحصول على موارد للخزانة العامة مما يسهم للحكومة بزيادة الإنفاق وخاصة على الشؤون الحربية, وهذا خضلا عما يترتب على خدمة الدين من دفع لإقساطه وفوائده, من الزيادة في النفقات العامة.وفي حالة وجود فائض في الإيرادات أو مال, احتياطي غير مخصص لهدف معين فإن ذلك يؤدي إلى إغراء الحكومة بإنفاقه في أوجه غير ضرورية, وبذلك تزداد النفقات العامة, وتبدو خطورة هذه السياسة في ا|لأوقات التي تحتم فيها السياسة السليمة على الحكومة العمل على خفض نفقاتها, وذلك لما هو معروف من صعوبة خفض كثير من بنود الإنفاق العام.
6- الأسباب الحربية: وهي لا تقل أهمية عن الأسباب السابقة الذكر, إن لم تكن أهمها جميعا في وقتنا الحاضر بالنظر إلى اتساع نطاق الحروب والاستعداد لها وما يترتب عن ذلك من تزايد الإنفاق العسكري في الدولة, ولا يقتصر الأمر في أوقات الحروب فقط, بل يزداد هذا الإنفاق حتى في فترات السلم, وهو ما تؤكده الظروف الراهنة الناجمة عن التوتر العالمي في كافة دول العالم, وتتفاوت الزيادة في النفقات العامة اللازمة للحرب بين مختلف الدول حسب ظروف كل دولة ومركزها السياسي والاقتصادي وسط جوانب الصراع الدولي, ومن جهة أخرى تزداد النفقات العامة على وجوه معينة بعد انتهاء الحرب كدفع تعويضات وإعانات ومعاشات لضحايا الحرب من قدماء المحاربين وأسر الشهداء بالإضافة إلى نفقات إعادة البناء وتعمير ما دمرته الحرب في الجهاز الإنتاجي للاقتصاد القومي إلى جانب دفع أقساط وفوائد الديون التي عقدتها الدولة أثناء الحرب لتمويل نفقاتها الحربية.
ثانيا: أسباب التزايد الظاهري للنفقات العامة:ترجع الأسباب المؤدية إلى زيادة النفقات العامة بهذا المعنى إلى تدهور قيمة النقود وطريقة إعداد الميزانية والحسابات العامة وتغير مساحة إقليم الدولة وزيادة عدد سكانها في بعض الأحيان.
1- تدهور قيمة النقود: ويعني تدهور قيمة النقود أن الزيارة في النفقات العامة تكون ظاهرية في جزء منها, أي لا ينتج عنها زيادة في القيمة الحقيقية للنفع المحقق من هذه النفقات أو بمعنى آخر أن الزيادة في النفقات العامة قد تعود إلى ارتفاع الأسعار لا إلى الزيادة كمية السلم والخدمات التي اشترتها أو أنتجتها النفقات العامة.
وبعد تدهور قيمة النقود هو السبب الرئيسي في الزيادة الظاهرية في النفقات العامة في العصر الحديث.
2- اختلاف الفن المالي:وهو يتعلق بإعداد الميزانية والحسابات العامة, فقد ترجع الزيادة في النفقات العامة إلى الاختلاف في الفن المالي وإلى اختلاف طرق قيد الحسابات المالية, فمن المبادئ الفنية المعروفة في إعداد الميزانية العامة للدولة, الأخذ بفكره الميزانية الصافية أو الإجمالية, وتقوم فكرة الميزانية الصافية على ظاهرة تخصيص الإيرادات العامة, ومؤدي ذلك أن يسمح لبعض الهيئات و المؤسسات العامة مثلا أن تجرى مقاصة بين إيراداتها ونفقاتها, بحيث تكون لها سلطة طرح نفقاتها من الإيرادات التي تقوم بتحصيلها, وبالتالي فإنه لا يظهر في الميزانية العامة للدولة إلا فائض الإيرادات على النفقات, وفكرة الميزانية الصافية كانت تتبع في الماضي.
3-زيادة مساحة الدولة:إذا كان الإنفاق العام يتزايد لمجرد مواجهة التوسع في مساحة الدولة أو بزيادة عدد سكانها دون أن يمس الإقليم الأصلي أو السكان الأصليين فإن الزيادة في الإنفاق تكون مجرد زيادة ظاهرة، واتجاه النفقات العامة إلى التزايد في هذه الحالات يكون راجعا إلى التوسع في الخدمات العامة التي كانت تحققها الدولة من قبل، وإنما بسبب اتساع نطاق الحاجة إلى نفس أنواع الخدمات في المساحات الجديدة التي أضيفت لإقليم الدولة، أو لمواجهة حاجات السكان المتزايدون من تلك الخدمات والمنافع العامة، مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق العام.
الآثار الاقتصادية للنفقات العامة
I – الآثار المباشرة للنفقات العامة على الإنتاج والاستهلاك القوميين: تقوم الدول في العصر الحديث بنوعين رئيسيين من الوظائف في المجتمع: وظيفتها كدولة خدمات عامة للمواطنين، ووظيفتها كمنظم تأخذ على عاتقها بعض أوجد النشاط الاقتصادي(أي الإنفاق الاستثمار) التي كانت من اختصاص الأفراد (الاقتصاد الخاص)، وعليه فالاقتصاد العام يمكن أن ينظر إليه بنظرتين: قطاع عام بالمعنى الضيق وهو ذو طابع تنظيمي وسيادي، وقطاع عام بالمعنى الواسع وهو ذو طابع تنظيمي وسيادي، وقطاع عام بالمعنى الواسع وهو ذو طابع إنتاجي واقتصادي، ولاشك أن لكل نوع من أنواع الإنفاق العام في هذين المجالين آثار الاقتصادية المباشرة التي يتعين على المسئولين عن السياسة المالية أخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ قراراتهم بشأنها.
II – الآثار المباشرة للنفقات العامة في الإنتاج القومي:
لا شك أن النفقات العامة تؤثر على الإنتاج والعمالة من خلال تأثيرها في حجم الطلب الكلي الفعلي، إذ تشكل هذه النفقات جزءا هاما من هذا الطلب تزداد أهميته بزيادة تدخل الدولة في حياة الأفراد، وعلاقة النفقات العامة بحجم الطلب وأثرها عليه يتوقف على حجم النفقة ونوعها، فالنفقات الحقيقية تمثل طلبا على السلم والخدمات، أما النفقات التحويلية فأثرها يتوقف على طريقة تصرف المستفيدين بهذه النفقات.
2- آثار النفقات الاجتماعية: هذه النفقات سواء اتخذت شكل تحولات نقدية في صورة تحولات نقدية معينة أو شكل تحولات عينة في صورة سلم وخدمات فهي تؤثر على الإنتاج القومي، وتهدف التحولات النقدية إلى تحويل جزء من القوة الشرائية لصالح الفئات الفقيرة أو لذوي الدخل المحدود كإعانات البطالة ومختلف مساعدات التضامن الاجتماعي، وإنفاق هذه الفئات المستفيدة من التحولات النقدية على السلم والخدمات الاستهلاكية الضرورية سيؤدي إلى زيادة الطلب الفعلي وهذا بدورة يؤدي إلى زيادة الإنتاج.
3- أثر النفقات العسكرية أو الحربية: تمثل النفقات العسكرية عبئا كبيرا في ميزانيات معظم الدول الحديثة والبحث عن آثارها يثير العديد من الصعوبات الناتجة عن خروج هذه النفقات في كثير من الأحيان عن النطاق الاقتصادي إلى المجال السياسي والاستراتيجي البحث.وبشكل عام فإن النفقات العسكرية تؤثر في الأوضاع الاقتصادية السائدة في الدولة وتتأثر بها، فمن جهة تعوق التوسع في الإنتاج وتستخدم في شراء الأسلحة والمعدات الحربية من الخارج مما يسجل عجزا في ميزان المدفوعات أما إذا كانت النفقات العسكرية تصرف في سبيل إنشاء صناعات في الداخل فإنها تعمل على زيادة حجم الدخل القومي.
ب- الآثار المباشرة للنفقات العامة في الاستهلاك القومي:تؤثر النفقات العامة في الاستهلاك القومي بطريق مباشر، وذلك عن طريق الزيادة الأولية في الطلب على أموال الاستهلاك نتيجة للإنفاق العام ويمكن تتبع هذا النوع من الآثار من خلال نفقات الاستهلاك نتيجة للإنفاق العام ويمكن تتبع هذا النوع من الآثار من خلال نفقات الاستهلاك الحكومي أو العام ومن خلال النفقات التي توزعها الدولة على الأفراد في شكل مرتبات أو أجور تخصص نسبة كبيرة منها لإشباع الحاجات الاستهلاكية من السلم والخدمات.
فبالنسبة لنفقات الاستهلاك الحكومي أو العام: يبدو أثرها على زيادة الاستهلاك من خلال ما تقوم به الدولة في سبيل إشباع الحاجات العامة من إنفاق، وقد يتخذ الاستهلاك الحكومي صورة شراء سلم أو مهمات تتعلق بأداء الوظيفة العامة أو تلزم الموظفين العموميين أو لأعمال المرافق والمشروعات العامة.
نفقات الاستهلاك الخاصة بالدخول الموزعة على الأفراد: تبدأ آثار هذه النفقات عندما تقوم الدولة بتخصيص جزء من النفقات العامة لدفع مرتبات وأجور ومعاشات لموظفيها وعمالها الحاليين والسابقين، ويخصص الجزء الأكبر من هذه الدخول الموزعة على الأفراد لإشباع الحاجات الاستهلاكية الخاصة من السلم والخدمات، وتعتبر نفقات الدولة في هذه الحالة مقابل ما يؤديه عمالها من أعمال أو خدمات، ولذلك فهي تعتبر من قبيل النفقات العامة المنتجة، حيث تؤدي مباشرة إلى زيادة الإنتاج الكلي.
II- الآثار غير المباشرة للنفقات العامة على الإنتاج والاستهلاك
بحث أثر المضاعف والمعجل عادة ما تحدث النفقات العامة آثارا غير مباشرة على الاستهلاك وعلى الإنتاج من خلال الأثر الخاص بعاملي المضاعف والمعجل، فالنفقات لا تؤثر فقط على الاستهلاك يتأثر عامل المضاعف، ولكنها تعود فتؤثر على الإنتاج كنتيجة غير مباشرة لعمل المضاعف نفسه، وكذلك القول بالنسبة لأثر عامل المعجل أنه لا يؤثر على الإنتاج فقط ولكنه يعود فينتج أثره غير المباشر على الاستهلاك أيضا.لفهم فكرتي المضاعف والمعجل يستوجب على الطالب الإلمام بالمواضيع التالية: دالة الاستهلاك، ودالة الادخار، ودالة الاستثمار أولا ثم يعد ذلك يمكن القيام بالتحليل للموضوع المذكور أعلاه.
دور النفقات العامة في تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية:
1) النفقات العامة و النمو الاقتصادي:كثيرا ما تساهم النفقات العامة إلى جانب الأدوات المالية الأخرى (الضرائب القروض العامة، الائتمان الحكومي......الخ) في تحقيق معدل مرتفع من النمو الاقتصادي ويتم دلك من خلال تخصيص جزء معتبر من النفقات العامة لتحقيق معدل مرتفع من التراكم الرأسمالي، ويتم ذلك عن طريق زيادة استثماراتها. تخصيص جزء من الإنفاق العام لتكوين راس المال الإنساني ورفع كفاءته. تخصيص جزء من الإنفاق العام لأغراض البحوث الهادفة إلى تحقيق التقدم التكنولوجي في مجالي الإنتاج التوزيع.
2) النفقات العامة والاستقرار الاقتصادي:
على خلاف اعتقاد النظرية التقليدية بوجود قوى تلقائية في السوق تضمن التوازن التلقائي، غير أن تجربة البلدان الرأسمالية أثبتت خطأ تلك النظرية، ودعي كينز الذي ظهرت أفكاره بعد أزمة الكساد الكبير بتدخل الدولة من أجل ضمان التوازن الاقتصادي العام، ويرجع إلى كل من كينز وهانسن ولرنر الفضل في تبيان أهمية استخدام المالية العامة كأداة لتحقيق أهداف السياسة المالية، و تتخلص نظرية المالية الوظيفية في اعتبار أن والنفقات العامة والدين العام على أنها أدوات الدولة في الإشراف على مستوى الإنفاق القومي وذلك بهدف تحقيق التشغيل الكامل واستقرار الأسعار.
3) النفقات العامة وإعادة توزيع الدخل القومي:
تؤثر الدولة في توزيع الدخل القومي على مرحلتين: فهي تتدخل أولا في توزيع الدخل القومي بين الذين شاركوا في إنتاجه أي بين المنتجين، وهو ما يعرف بالتوزيع الأولي، ثم تتدخل ثانيا بإدخال ما براه مناسبا من التعديلات من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية على التوزيع الأول وهو ما يعرف بإعادة توزيع الدخل القومي.
3-1- دور الدولة في التوزيع الأول للدخل: تؤثر الدولة في التوزيع الأول للدخل من خلال: دفع دخول جديدة الأفراد الذين يقدمون إليها سلعا أو خدمات معينة تؤدي إلى زيادة الإنتاج القومي، فالدولة تحدد مكافآت عوامل الإنتاج المتمثلة في الأجور أو المرتبات أو الفوائد أو الريم أو الأرباح، كما تحدد أيضا أثمان المنتجات ويعني ذلك التأثير على الأرباح وبالتالي في توزيع الدخل القومي على العوامل التي شاركت في إنتاجه.
3-2- دور الدولة في إعادة توزيع الدخل القومي: تستطيع الدولة أن تتدخل لإعادة توزيع الدخل القومي بين الأفراد وذلك عن طريق إدخال تعديلات على حالة التوزيع الأولى باستخدام النفقات العامة ويتمنى للدولة القيام بالمهمة من خلال نفقاتها الحقيقية أو نفقاتها التحويلية والسبب في ذلك أن النفقات التحويلية تهدف أساسا إلى إعادة توزيع الدخل لصالح بعض الأفراد للحد من التفاوت بين الطبقات أو لصالح بعض فروع الإنتاج وحتى يحقق الإنفاق العام آثاره المرجوة في إعادة توزيع الدخل القومي بين فئات المجتمع فإنه يشترط أن تكون معظم الإيرادات التي يعتمد عليها تحويل الإنفاق العام مستمدة من الضرائب المباشرة وبصفة تصاعدية لأن نصيب الطبقات الغنية من الدخل أكبر بكثير من نصيب الطبقات الفقيرة.
الإيرادات العامة
تعرضنا في الفصل السابق إلى تحديد حجم النفقات العامة، وتطور هذه النفقات وآثارها، وتتطلب النفقات العامة إلى إيرادات عامة لتغطيتها حتى تتمكن الدولة من القيام بوظيفتها في إشباع الحاجات العامة، وتعمل الجولة على تدبير الموارد اللازمة لتغطية نفقاتها العامة، بإتباع سياسة مالية معينة تأخذ بعين الاعتبار حقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تسودها في فترة معينة من مراحل تطورها، وبالتالي تصبح هي وسيلة الدولة في أداء دورها في التدخل لحقيق الإشباع العام.
الإيرادات الاقتصادية
أولا: إيرادات أملاك الدولة (الدومين):
يطلق لفظ الدومين domaine على ممتلكات الدولة أيا كانت طبيعتها، عقارية أو منقولة، و مهما كان نوع ملكية الدولة لها عامة أم خاصة، و تنقسم ممتلكات الدولة إلى قسمين: ممتلكات أو دومين عام و ممتلكات أو دومين خاص
الدومين العام: و يقصد به ما تملكه الدولة و يكون معد للاستعمال العام، و لخدمة المرافق العامة كالطرق و المطارات و الموانئ و أبنية الوزارات والمصالح العامة والمتاحف و الحدائق العامة والملاعب و الأنهار.
و يتميز الدومين العام بمميزات عدة منها أن ملكية الدولة له هي ملكية عامة تخضع لأحكام القانون الإداري، و بالتالي فهو يجوز بيعه أو التصرف فيه بما أنه مخصص للمنفعة العامة، كما لا يجوز تملكه بالتقادم، و الغاية منه هو تقديم الخدمات العامة و ليس الحصول على أموال للخزانة العامة.
الدومين الخاص: ويقصد به الأموال التي تمتلكها الدولة ملكية خاصة، والتي تخضع بوجه عام لقواعد القانون الخاص، فيمكن التصرف فيه بالبيع وغيره، كما يحوز للأفراد تملك بالتقادم طويل الأجل، ويدر الدومين الخاص على عكس الدومين العام إيرادات للخزانة العامة، وهو وحده الذي يعينه علماء المالية العامة عند الكلام على دخل الدولة من أملاكها، أي الدومين الخاص كمصدر من مصادر الإيرادات العامة.ويشير البحث في إيرادات الدومين الخاص التعريض لمختلف أنواع الإيرادات الناتجة من ملكية الدولة التي تتخذ إحدى صور ثلاث: الدومين العقاري، الدومين الصناعي والتجاري والدومين المالي.
2-1- الدومين العقاري: ويشمل ممتلكات الدولة من الأراضي الزراعية والغابات والمناجم والمحاجر وأضيفت إليه في العصر الحديث الأبنية السكنية. ولقد كان النشاط الزراعي المتعلق باستغلال الأراضي من أهم أنواع الدومين الخاص في العصور الوسطى، ويأتي دخل هذا النوع من الدومين من ثمن بيع المنتجات الزراعية، ومن الأجرة التي يدفعها المستأجرون.كما تعتمد الدولة على أبنية سكنية تملكها لتحقيق جزء من إيراداتها العامة ولاشك أن تدخل الدولة في العصر الحديث تدخلا مباشرا للعمل على تقديم الخدمات الإسكانية قد ساهم في حل أزمة السكن الناشئة عن الميل إلى التركز في المدن والمراكز الصناعية من جهة وإلى زيادة عدد السكان من جهة أخرى.
2-2- إيرادات الدولة من الدومين الصناعي والتجاري:
ويضم هذا الدومين مختلف المشرعات الصناعية والتجارية التي تقدم بها الدولة مثلها في ذلك مثل الأفراد، وتدر أغلبية هذه المشروعات بإيرادات مالية تعتبر مصدرا من مصادر الإيرادات العامة.وقد ازدادت أهمية الدومين الصناعي والتجاري في الدول الرأسمالية تحت تأثير المذهب التدخلي، الذي انتشر بعد الحرب العالمية الأولى (وخاصة بعد أزمة النشاط الرأسمالي في الثلاثينات من القرن الماضي)، والذي اقتضى تدخل الدولة في حياة المجتمع الاقتصادية والاجتماعية بعد أن كانت تحجم عن ذلك من قبل تحت تأثير المذهب الحر. ويرجع اتساع تدخل الدولة أساسا إلى الإيديولوجية السائدة فيها ومدى تحبيذها للنشاط الاقتصادي الفردي، كما يرجع إلى المقارنة بين مزايا الاستغلال الفردي مع فرض الضرائب على أرباحه وبين مزايا الاستغلال الحكومي والحصول على كل أرباحه، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الأخرى بطبيعة الحال.
2-3- إيرادات الدولة من الدومين المالي: وهو أحدث أنواع الدومين الخاص ظهورا، ويقصد بالدومين المالي محفظة الدولة من الأوراق المالية كالأسهم والسندات المملوكة لها والتي تحصل منها على أرباح وفوائد تمثل إيرادا ماليا يدخل ضمن دخل أملاك الدولة، ولقد ازدادت أهمية الدومين المالي في الوقت الحاضر بالإضافة إلى حدوث تطور في مضمونه، فلم يعد قاصرا على الإيرادات الناتجة عن حق الدولة في إصدار النقود، بل أصبح يتضمن أساسا الأسهم التي تمثل مساهمة الدولة في المشروعات ذات الاقتصاد المختلف ( التي تجمع بين الملكية العامة والملكية الخاصة)، كما تسيطر الدولة على بعض المشروعات ذات النفع العام حتى تتمكن من توجيهها إلى ما يحقق الصالح العام.
ثانيا: الثمن العام: يطلق مصطلح الثمن العام على ثمن السلع و الخدمات التي تنتجها و تبيعها المشروعات العامة الصناعية و التجارية، و بذلك يمثل الثمن العام المقابل الذي تحصل عليه الدول نتيجة قيامها بنشاط صناعي أو تجاري و يعد أحد الوسائل التي تمكنها، من تحقيق إيراد عام يتمثل في مقدار الأرباح التي تحققها من ممارسة بيع السلع أو الخدمات للأفراد، سواء في ظل قوانين المنافسة الكاملة أو في ظل الاحتكار الذي تمارسه الدولة بالنسبة لبعض أنواع السلع قصد الاستقلال في تحديد ثمنها بما يمكنها من الحصول على أكبر قدر من الإيرادات للخزانة العامة. والاستقلال في تحديد ثمن السلع أو الخدمات التي تحتكرها، والغرض من احتكار الدولة قد يكون لأحد أمرين: الأول: يتمثل في رغبة الدولة تقديم أنواع معينة من السلم للأفراد على سبيل الاحتكار، باعتبارها ضرورية للاستهلاك، خشية من أن تلجئا المشروعات الخاصة إلى رفع أثمانها واستغلال مدى ضرورتها لاستهلاك الأفراد. الثاني: قد تهدف الدولة من احتكار النشاط الصناعي أو التجاري إلى تحقيق الإيراد المالي، ويطلق على هذه الحالة اصطلاح الاحتكار المالي، إذ عادة ما تحتار الدولة لاحتكارها المالي سلعا واسعة الانتشار ويكون الطلب عليها غير مرن، حتى لا يترتب على ارتفاع ثمنها بنسبة معينة نقص في طلبها الكلي بنسبة أكبر ومن ثم نقص في الإيرادات الكلية وفي الأرباح المحققة، ومن أهم أمثلة الاحتكار المالي هو احتكار الدولة لمنتجات التبغ (الدخان) وتحديد أثمانها بما يحقق لها إيراد مالي ضخم. رأي ثالث يرى أن الدولة لا تلجأ إلى الاحتكار المالي إلا للحصول على مصدر للإيرادات، ومن ثم فإن الزيادة في الثمن، المحدد في هذه الحالة ينفقه إنتاج وحدات السلعة المحتكرة متضمنة ما يمكن اعتباره ربحا عاديا للمشروع، وهذه الزيادة في الواقع هي ضريبة غير مباشرة على استهلك السلعة.
الإيرادات السيادية
الإيرادات السيادية هي تلك الإيرادات التي تحصل عليها الدولة جيرا من الأفراد بما لها من حق السيادة وتشمل الضرائب، والرسوم ومقابل التحسين (الأثاوة) والغرامات المالية، والتعويضات، والقرض الإجباري وسوف نقتصر على دراسة النوعين الأول والثاني:
أولا: الرسوم:تعتبر الرسوم من التي تدخل خزانة الدولة بصفة تكاد تكون دورية ومنتظمة، والتي تستخدم حصيلتها في تمويل النشاط المالي وتحقيق المنافع العامة، وتحصل الدولة على إيراداتها من الرسوم كمقابل للخدمات التي تؤديها مرافقها العامة للأفراد من خلال النشاط العام الذي خلف المرفق العام أصلا من أجل القيام به.
I-تعريف الرسم:الرسم هو عبارة عن مبلغ من النقود يدفعه الفرد جبرا إلى الدولة مقابل انتفاعه بخدمة معينة تؤديها له يترتب عليها نفع خاص له إلى جانب نفع عام.يتضح من هذا التعريف أن الرسم يتميز بأربع خصائص هامة وهي:
- الرسم مبلغ نقدي يدفعه الفرد مقابل الحصول على خدمة خاصة من نشاط إحدى إدارات أو مرافق الدولة، واشتراط الصورة النقدية للرسم جاء ليساير التطور الحديث في مالية الدولة من حيث اتخاذ نفقاتها وإيراداتها الصورة النقدية.
- الرسم يدفع جبرا من الأفراد للدولة: فالرسم يدفع جبرا بواسطة الفرد مقابل الحصول على الخدمة الخاصة التي يتلقاها من جانب إحدى الإدارات والمرافق العامة، وتفرض الرسوم بقواعد قانونية لها صفة الإلزام تجبر الفرد على دفعها.
- عنصر المقابل في دفع الرسم: فالرسم يدفعه الفرد مقابل خدمة خاصة يحصل عليها من جانب الدولة، وقد تكون هذه الخدمة عمل تتولاه إحدى الهيئات العامة لصالح الفرد كالفصل في المنازعات (الرسوم القضائية)أو توثيق العقود وشهرها (رسوم التوثيق)، أو استعمال الفرد لبعض المرافق العامة استعمالا يترتب عليه في الغالب تيسير مباشرة مهنته كاستعمال الموانئ والمطارات (رسوم الموانئ) و بعض الطرق العامة البرية والنهرية (رسوم الطرق).
- تحقيق النفع الخاص إلى جانب النفع العام: ويعني ذلك أن الفرد الذي يدفع الرسم إنما يحصل على نفع خاص به لا يشاركه فيه غيره من الأفراد يتمثل في الخدمة المعينة التي تؤديها له الهيئات العامة في الدولة، كما أنه يعني أن هذه الخدمة تمثل إلى جانب النفع الخاص نفعا عاما يعود على المجتمع ككل أو على الاقتصاد القومي في مجموعه.
II- تقدير الرسم: يمكن إجمال القواعد الرئيسية في ثلاثة قواعد أساسية:
القاعدة الأولى: تأخذ بعين الاعتبار التناسب بين نفقة الخدمة المؤداة وبين الرسم المقابل لها، ولا يستلزم أن يتحقق هذا التناسب بالنسبة إلى كل فرد يستفيد من الخدمة على حدة، بل يكفي أن تتناسب تكاليف المرفق القائم بالخدمة مع حصيلة الرسوم المفروضة على الانتفاع بها.
والقاعدة الثانية: هي جعل مبلغ الرسم أقل من نفقة إنتاج الخدمة المقابلة له وذلك بالنسبة إلى خدمات معينة كالتعليم العام والجامعي والخدمات الصحية، وتستند هذه القاعدة إما إلى أن مثل هذه الخدمات يترتب عليها نفع عام يعود على المجتمع إلى جانب النفع الخاص الذي يعود على دافع الرسم ومن ثم فإن قواعد العدالة تقضي توزيع نفقات المرافق القائمة بأداء هذه الخدمات بين الأفراد المنتفعين بها عن طريق دفع الرسوم وبين المجتمع ككل عن طريق فرض الضرائب بأنواعها المختلفة، وإما الرغبة في تشجيع الأفراد على طلب مثل هذه الخدمات لضرورتها أو لنفعها وذلك عن طريق عدم تحصيل مبالغ كبيرة في صورة رسوم قد تقف عقبة في سبيل طلب الأفراد لها كما هي الحال بالنسبة إلى بعض الخدمات الصحية، وفي بعض الحالات تقرر السلطة العامة عدم تحصيل الرسوم إطلاقا عن الخدمة المؤذاة كما هي الحال بالنسبة إلى التطعيم ضد بعض الأمراض.
و القاعدة الثالثة: و هي التي يكون مبلغ الرسم أكبر من نفقة الخدمة المقابلة له و ذلك بالنسبة إلى خدمات محددة (بعينها)، و تستند هذه القاعدة إما إلى الرغبة في التقليل من إقبال الأفراد على طلب الخدمة موضوع الرسم كما هو الحال بالنسبة إلى رسوم الاستحمام في بعض الشواطئ المعينة، و إما إلى الرغبة في الحصول على إيرادات للخزانة العامة كرسوم التوثيق و الشهر إذا زادت عن نفقة المرفق القائم بأداء هذه الخدمة زيادة ملموسة.
III – أساس فرض الرسم:
يترتب على الطابع الإجباري للرسوم ضرورة وضع أساس تستمد منه الدولة سلطتها في تقرير الرسوم ضمانا لسلامة مالية الدولة والمواطنين، و قد استتبع هذا في الدول ذات الدساتير الديمقراطية وجوب موافقة السلطة التشريعية (البرلمان أو غيره من المجالس النيابية) على فرض الرسوم، ونظرا لتعدد أنواع الرسوم و تنوع القواعد التي تتبع في تقديريها، فإن السلطة التنفيذية تكون هي الأقدر على إجراء هذا التقدير، و من ثم تكفي القرارات الإدراية في فرض الرسوم، لكن يتعين دائما أن تستند هذه القرارات إلى قوانين تخول لها هذا الفرض، وذلك ضمانا لعدم إساءة استعمال الحق والحيلولة دون مغالاة الإدارة، و إلا كانت القرارات باطلة من الناحية الدستورية. و غالبا ما يتضمن القانون الصادر يقرض الرسوم أو بإجازة فرضها بواسطة السلطة التنفيذية إعفاء طوائف معينة من المواطنين، من ذوي الدخول المنخفضة، من دفع هذه الرسوم أو تخفيضها بالنسبة إليهم، و في هذه الحالة يحدد القانون الشروط الواجب توافرها في الشخص حتى يتسع بهذه الميزة.
IV – التفرقة بين الرسم و بعض الأخرى:
الرسم و الثمن العام: يتشابه الرسم مع الثمن العام في أن كلا منهما يدفع في سبيل حصول الفرد على نفع خاص له يتمثل في الخدمة التي يقدمها المرفق العام في حالة الرسم و في الحصول على سلعة أو خدمة معينة من منتجات المشروعات العامة الصناعية و التجارية، كما يتشابهان في أن كلا منهما قد يكون مساويا لتكاليف الخدمة المستهلكة أو أكبر أو أقل منها و أن الاعتبارات التي تدعو الدولة إلى جعل الرسم أكبر أو أقل من نفقة الخدمة المؤذاة هي ذاتها التي تدفعها إلى جعل ثمن منتجات الدومين الصناعي و التجاري أكبر أو أقل من نفقة إنتاجها. و يتشابه الرسم مع الثمن العام أخيرا في أن كلا منهما يتضمن ضريبة مستترة أو مقنعة في حالة زيادة كبيرة عن تكلفة الخدمة أو السلعة المقابلة. أما أوجه الاختلاف بين الثمن العام و الرسم: هنا أوجه متعددة نذكر منها: طبيعة المقابل: فالثمن العام يدفع مقابل النفع الخاص الذي يحصل عليه الفرد من السلعة التي تبيعها له المشروعات العامة الصناعية و التجارية، بينما يدفع الرسم مقابل نفع خاص مقترن بالنفع العام الذي يؤديه المرفق للمجتمع ككل. يتحدد الرسم بناء على القانون أو القرار الإداري، و بالتالي فإن السلطة العامة هي التي تستقل بتحديد قيمة دون تدخل من جانب الأفراد، أما الثمن العام فإنه يتحدد وفقا لقوانين العرض والطلب في ظل قيام المنافسة الكاملة بين مشروعات الدولة و مشروعات الأفراد الصناعية و التجارية، أو طبقا لقوانين الاحتكارات و قواعدها إذا ما تعلق الأمر بوجود حالة من حالات الاحتكار المالي للدولة. يدفع الرسم جبرا عن الأفراد عن الأفراد، بينما يدفع الثمن العام اختيارا بواسطة مشتري السلعة التي ينتجها المشروع الصناعي أو يتجر فيها المشروع التجاري و لا تتمتع الدولة في سبيل اقتضائه بحق امتياز على أموال المشتري تناقص أهمية الرسوم كمصدر للإيرادات العامة، و العكس بالنسبة للثمن العام الذي تتزايد أهميته نظرا للاتجاه الحديث في الدول المختلفة إلى التدخل في الحياة الاقتصادية و إنشاء الكثير من المشروعات الصناعية و التجارية التي كانت من قبل وفقا على النشاط الخاص.
الرسم و مقابل التحسين أو الإتاوة: تعرف الأتاوة بأنها عبارة عن مبلغ من المال تفرضه الدولة جبرا على ملاك العقارات بنسبة المنفعة العامة التي عادت عليهم من وراء قيامها ببعض الأشغال العامة، و من أمثلة هذه الأعمال: شق الطرق و تعبيدها، و توصيل الكهرباء، أو حفر القنوات و المصارف المسهلة لري وصرف الأراضي الزراعية تتشابه الأتاوة إلى حد كبير مع الرسم مما أدى بالبعض إلى النظر إليها على أنها نوع من الرسوم، و مع ذلك فإن الأوجه التي يختلفان فيها كثيرة و على جانب كبير من الأهمية، فدرجة الإجبار تختلف في الأتاوة عنها في الرسم، فقي حالة الإثارة نجد أنه لا مفر للمالك العقاري من دفعها طالما أن عقاره قد استفاد من أشغال عامة، أما في الرسم فإنه يمكن عدم دفع المقابل النقدي فيه بالامتناع عن الاستفادة من الخدمة التي قرر هذا الرسم في مقابلها في الحالات التي لا يتحقق فيها الإكراه القانوني. ومن جهة أخرى فإن الأثاروة تقوم يدفعها فئة معينة من الأشخاص، وهم الملاك العقاريون لعقارات زادت قيمتها نتيجة لأعمال عامة، أما الرسم يدفع مقابلة أي شخص أراد الانتفاع من خدمات معينة. ويقصد بالأثاوة عادة تغطية بعض نفقات المشروعات المترتبة على الأعمال العامة أو ما يتبقى من هذه النفقات، أما صيانة تلك المشروعات وما تحتاجه من نفقات دورية فإنها تغطى من حصيلة الضرائب، ويرجع هذا إلى أن الملاك العقاريين ليسوا المنتفعين بهذه المشروعات السابقة وحدهم . والأثاوة لا تدفع إلا مرة واحدة، أما الرسم فيدفعه المستفيد في كل مرة يحصل فيها على الخدمة.
V- دور الرسوم في المالية العامة الحديثة: كان للرسوم فيما مضى وخاصة في القرون الوسط