أولا. إثبات النسب بالطرق الشرعية
إذا كان نسب الولد من أمه ثابت في كل حالات الولادة شرعية أو غير شرعية و إذا ثبت النسب منها كان لازما و لا يمكن نفيه، فإنّ نسب الولد من أبيه، نظّم المشرع ثبوته بناءا على وجود الزوجية
1. إثبات النسب بالزواج الصحيح و ما يلحقه
فإن الولد ينسب إلى والده متى كان الزواج صحيحا و توافرت الشروط المعتبرة في هذه الحالة، كما يثبت النسب أيضا بما ألحق الفراش الصحيح أي الزواج الفاسد و الوطء بشبهة.
أ. إثبات النسب بالزواج الصحيح
ينسب الولد إلى والده متى كان الزواج صحيحا من الناحية القانونية، و لكي ينشئ عقد الزواج صحيحا يجب أن تتوفر فيه الأركان و الشروط المتطلبة حتى تترتب عليه الآثار الشرعية و القانونية التي نص عليها المشرّع الجزائري في المادتين: 09 و 09 مكرّر من الأمر رقم: 05/02 المعدّل لقانون الأسرة.
أما إذا وقعت الفرقة بين الزوجين لأي سبب كان بطلاق أو وفاة فإن النسب لا يثبت إلاّ إذا ولدت الأم في مدة مخصوصة تبعا لنوع الفرقة التي يترتب عليها الانفصال و تبعا لوجوب العدة على المرأة بعد الفرقة و عدم وجوبها.
ب. إثبات النسب بالزواج الفاسد و نكاح الشبهة
ما يعاب على نص المادة 40 من قانون الأسرة أن المشرع أقرّ بثبوت النسب بنكاح الشبهة و بكل نكاح فاسد، و بالتالي المعنى الظاهر أن نكاح الشبهة شيء و النكاح الفاسد شيء آخر وهذا المعنى فاسد و غير صحيح لأن النكاح الفاسد ما هو إلا نوع من أنواع نكاح الشبهة.
2. إثبات النسب بالإقرار
إذا كان الفراش في المرتبة الأولى لإثبات النسب على نحو ما سبق بيانه، فيأتي بعد الفراش في المرتبة الثانية إقرار الشخص بثبوت النسب إليه وفقا لنص المادة 40 من قانون الأسرة التي تنص: "يثبت النسب بالزواج الصحيح أو بالإقرار ...." و يعدّ الإقرار أحد الطرق الغير مباشرة أو الكاشفة للنسب لأنّ المقر يخبر بالحق لغيره و لا ينشئ ذلك الحق و معنى الإقرار بالنسب إخبار الشخص بوجود القرابة بينه و بين شخص آخر.
3. إثبات النسب بالشهادة
هي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين عند أبي حنيفة، وشهادة رجلين فقط عند المالكية وجميع الورثة عند الشافعية والحنابلة، والشهادة تكون بمعاينة المشهود به أو سماعه، وقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على جواز إثبات النسب بشهادة السماع.
وقد ورد النص على إثبات النسب عن طريق البينة في المادة 40، وعليه فإذا ادعت امرأة أنها حملت من زوجها وولدت في غيابه مثلا أو في حضوره فأنكر الزوج واقعة الولادة في ذاتها ، أو اعترف بالولادة كواقعة مادية و أنكر أن يكون الولد الذي بين يديها هو نفسه الذي ولدته ، ففي هذه الحالة يحق للزوجة أن تثبت بالشهود ما ينكره الزوج ، والإثبات هنا ليس إثبات نسب لأن النسب يثبت بالفراش ولكن النزاع الحقيقي قائم على حصول الولادة.
فبالإمكان شرعا وقانونا إثبات واقعة الولادة عن طريق شهادة النساء اللاتي حضرن عملية الولادة أو الأطباء أو الممرضات أو القابلات إذا وضعت حملها في المستشفى وكذلك إلى إثبات الولد نفسه.
ثانيا. إثبات النسب بالطرق العلمية
1. نظام تحليل الدم
إن كل إنسان يرث صفاته من أبيه و أمه مناصفة سواء كان دم الأبوين من فصيلة واحدة أو من فصيلتين مختلفين، ففي حالة توافق الفصائل بين الطفل و مدّعيه، فإن هذا ليس قطعيا في إثبات نسبه لأن الفصيلة الواحدة قد يشترك فيها أناس كثيرون يحتمل أن يكون أبو الطفل واحد منهم.
2. نظام البصمة الوراثية
تعتبر مسالة البصمة الوراثية من القضايا المستجدّة التي اختلف فيها فقهاء العصر و تنازعوا في المجالات التي يستفاد منها، و تعتبر فيها حجة يعتمد عليها كليا أو جزئيا و قد شاع استعمال البصمة الوراثية في الدول الغربية، و قبلت بها عدد من المحاكم الأوربية و بدأ الاعتماد عليها مؤخرا في البلاد الإسلامية.
و لإثبات أو نفي بنّوة طفل إلى أب معين أو إلى أم معينة يدّعي أحدهما أو كلاهما نفي أو إثبات نسب الطفل إليه، نأخذ عيّنات من adn لكل من الأب المزعوم و الأم المزعومة و الطفل لإجراء المطابقة، فإذا كان أحد الوالدين المزعومين أبا لهذا الطفل فإن نصف adn للطفل سيطابق مع adn الأب و بهذا يتم إثبات النسب بوجه علمي دقيق، و نفس الأمر بالنسبة للأم، أما عندما يختلف الـ adn للطّفل مع adn الأبوين فإنهما بالقطع ليسا والدي لهذا الطفل، و بهذا يمكن نفي نسب الطفل لهذين الأبوين.
و بناء على ما تقدّم فقد أصبح الاعتماد على الشفرة الوراثية في مجال إثبات النسب و نفيه يعتمد على أساس متين لا يتطرق إليه الشّك و حتى تكون كذلك فلا بد أن تتوافر فيها الشروط و الضوابط العلمية المعتبرة محليا و عالميا في هذا المجال.
ثالثا. دعوى إثبات النسب
نعلم أن دعوى إثبات النسب أو إلحاق نسب شخص إلى آخر هي في الأساس دعوى مثل غيرها من الدعاوى المدنية العادية التي ترفع أمام المحاكم للفصل فيها لكن كيف يلجأ المدعين إلى القضاء لإثبات النسب ؟
بما أن الزواج العرفي هو زواج صحيح قائم بكل أركانه ينقصه فقط التسجيل لدى الحالة المدنية وهذا التسجيل يمكن الزوجين من استخراج وثائق تثبت صفتهما، بالتالي فالمرأة المتزوجة عرفيا لما تتقدم إلى المستشفى من أجل الولادة ، تطلب منها وثيقة تثبت الـزواج كالعقد أو الدفتر العائلي وبما أن زواجها غير مسجل فهي بالضرورة لا تملك ما يثبت زواجها، فلما يولد المولود سوف يقيد على اسم والدته وهنا لما تستخرج شهادة ميلادهذا الولد نجدها باسم أمه ولأب مجهول هذا رغم إقرار الأب و تصريحه بأن الولد منه لكن لا يقبل منه ذلك، وما نعيبه في هذه الإجراءات -سواء على مستوى المستشفيات أو لدى ضابط الحالة المدنية بالبلدية- أن المشرع لم يضع نصوص تحد من هذه الطريقة، لأننا إذا سجلنا الولد باسم أمه ناتج عن علاقة زواج شرعية فإننا نعرض سمعته و سمعة والدته للأقاويل، إضافة للعراقيل التي تعترضه أمام أية جهة إدارية لذلك من المستحسن جعل الأصل هو تثبيت النسب ولكل ذي مصلحة في إسقاطه أن يسقطه، لأن استخراج شهادة ميلاد لأب مجهول مساس بشرف الابن و عائلته وسوف يصححها بعد ذلك بحكم قضائي مما يجعله يبقى مدى الحياة يتحمل نتيجة عمل خارج عن إرادته.
و لو لاحظنا قانون الحالة المدنية في المادة 62 نجد أن المشرع نص على قبول التصريح سواء من الأب أو الأم أو من له مصلحة، لكن على مستوى البلديات لا يقبلون سوى تصريح الأب.
و لاحظنا عمليا أن المعني بشهادة الميلاد لأب مجهول يتجه عادة بطلب إلى وكيل الجمهورية من أجل تصحيح لقبه، وهذا طبعا بعد أن يكون قد أثبت الزواج العرفي بين والديه.
و هناك اختلاف بين القضاة أنفسهم في قسم الأحوال الشخصية عند ورود مثل هذه القضايا إليهم، إذ أن بعض القضاة يؤكدون على عدم وجود نزاع فيفصلون بعدم الاختصاص، أما البعض الآخر فيفصل بإثبات النسب بحكم، ويكون المنطوق يتضمن اللقب وأمر ضابط الحالة المدنية بقيده في سجلات الميلاد.
وبما أننا أكدنا أن دعوى إثبات النسب لا يمكن أن تكون إلا بإثبات الزواج فهل يمكن الجمع بين دعوى إثبات الزواج و دعوى إثبات النسب وإن كان الأمر كذلك فكيف يكون الحكم فيها ؟
نقول أن دعوى إثبات النسب قد تكون دعوى أصلية منفردة، تهدف أساسا إلى إثبات النسب ذاته ، فهنا تكون الدعوى بوضع عريضة عادية لدى كتابة ضبط المحكمة مع إرفاق الدعوى بعقد زواج رسمي سجل لدى مصالح الحالة المدنية، وهذا لإثبات صفة المدعي وعدم تعرض الدعوى لعدم القبول لانعدام الصفة.
و قد تكون دعوى النسب دعوى تبعية لدعوى أخرى فإذا كانت تابعة لدعوى إثبات الزواج فهنا القاضي يفصل في إثبات الزواج، ويرفض الطلب المتعلق بإثبات النسب لعدم ارتباط الطلبات.