نشأة وتطور قانون العمل : إن فكرة العمل نشأت وتطورت مع تطور الإنسان , لكن نظرة الإنسان لهذه الفكرة أخذت عدة صور وأشكال خاصة من حيث قيمة العمل ونطاقه.
1-مفهوم قانون العمل في الحضارات القديمة : إن الحضارات القديمة والتي لا تزال بعض شواهدها قائمة إلى يومنا هذا لم تقم من العدم وإنما نتيجة عمل مضني قام به الإنسان منذ القدم فمثلا: الحضارة المصرية.. , واستنادا إلى الدراسات المتخصصة في هذا المجال أكدت أن الحضارة الرسمية قامت على العمل سواء بالنسبة للفلاحة التي كانت سهلة الممارسة والصناعة كذلك وخاصة صناعة : البرونز والآجر , الاسمنت , الزجاج والخشب .
أما حضارة بابل ( بلاد الرافدين ) فاهتمت بالصيد وهذه الأخيرة من الحضارات القليلة القديمة التي تم تحديدي لأجر من قبل الدولة وكذلك تحديدي أسعار المنتجات .
لكن الأكيد أن مفهوم العمل لم يكن محددا ولا مقدرا حق قدره بالرغم من قيام كل الحضارات على العمل وجهد العمل.
وتجدر الإشارة أن قيمة العمل الحقيقية لم تعرف إلا بعد مجيء الديانات السماوية.
2-مفهوم العمل في العصور الوسطى : لم يحدث أي تغيير لوجود نظام إقطاعي في الزراعة والصناعة وقيام فئات في مجال الزراعة بالاستبداد على مهن معينة وتم توظيف أشخاص في بعض الحرف دون مراعاة ما يتلاءم وحاجيات هؤلاء العمال سواء بالنسبة للأجرة أو بساعات العمل أو الراحة مما أثر سلبا على الحياة الاجتماعية لهذه الطبقة.
3- مفهوم العمل خلال مرحلة الثورة الفرنسية : جاءت هذه الأخيرة بمجموعة مبادئ كالحرية والمساواة حيث نصت من المادة الأولى من إعلان الثورة : (( الناس يولدون ويعيشون أحرار ويتساوون في الحقوق )).
وأكدت في المادة 04 على مفهوم الحرية : (( الحرية هي القدرة على القيام بكل ما لا يضر الآخرين )).
من هذا المفهوم برزت فكرة حرية العمل وترتب عن ذلك أهم إجراء أولي اتخذته الثورة الفرنسية وهو إلغاء نظام الطوائف وتأسيس حرية العمل بمقتضى مرسوم صدر في 1791 : (( كل شخص حر في ممارسة الوظيفة أو المهنة التي يراها مناسبة له )).
-بتطور الثورة الصناعية وانتشار الآلات الميكانيكية ترتبت البطالة الجماعية وفي ظل مبدأ الحرية المطلقة وتحت ضغط الحاجة الاقتصادية والاجتماعية يتعين الإذعان للشروط التعسفية التي يضعها أصحاب المصانع الذين يتوارثون السلطة لتحقيق مصالحهم وزيادة ثرواتهم على حساب العمال.
-ترتب عن ذلك انخفاض الأجور والضمانات المالية والاجتماعية.
-ضعف استقرار العلاقات العمالية المهنية.
-نتيجة لهذه الأوضاع المتردية التي أصبح يعيشها العمال وبسبب تحسن المستوى الثقافي لهم ونضوج وعيهم السياسي وفهمهم لسوء حالتهم أخذوا يجتمعون في شكل سرية وعالمية للمطالبة بتحسين أحوالهم المادية والاجتماعية والعمل بكل الوسائل من أجل انتزاع حقوقهم عن طريق الإضرابات الشاملة للعنف والتخريب.
4-مفهوم العمل في الفكر الاقتصادي الحديث : نتيجة لما سبق بدأت روح المبادرة تنشأ بين العمال بانتشار التعليم وانتشار المذاهب الاشتراكية حيث نجد أن الفكر الاقتصادي سواء كان رأسمالي أو اشتراكي يتفق على فكرة أن العمل هو العنصر الأساسي للإنتاج و هو المصدر الرئيسي لكل الثروات التي ينتفع بها الإنسان
و لكن رغم اعترافه بقيمة العمل لكنه لا ينصف العامل الذي يبذل الجهد في هذا العمل و لم يمنحه نصف القيمة التي منحها للعمل وهذا ما يفسر التركيبة الاجتماعية للمجتمع الرأسمالي حيث يتكون من طبقتين : كادحة و مالكة .
-الفكر الاشتراكي يعطي نفس القيمة للعمل لكن يختلف عن الفكر الرأسمالي في توزيع القيمة المضافة الحاصلة عن العمل حيث يرى ضرورة استفادة العامل منها بصفة كاملة على اعتبار أن العامل هو العنصر الوحيد للإنتاج وما يمارس في النظام الرأسمالي من أساليب التوزيع هو سرقة لجهد العمال.
هذا المذهب من الناحية العملية يطرح صعوبات من حيث قياس نوعية العمل وكذلك استفادة جميع العمال بطريقة متساوية من حاصل العمل وتطبيق هذا المبدأ يؤدي إلى إجحاف في حق بعض العمال ذوي المهارات والإنتاجية العالية بسبب تطبيق المساواة الشكلية.
-مكانة العمل في الشريعة الإسلامية: العمل في الشريعة الإسلامية يحتل صدارة بدليل أن مصطلح العمل ورد في حوالي 360 آية قرآنية.
والسبب في ذلك هو اقتران العمل بفكرة الإيمان والعمل هنا هو دنيوي وأخروي.
مثلا في القرآن : الآية 10 من سورة الجمعة , الآية 14 من سورة النحل.
وكذلك على سبيل المثال في السنة النبوية وكقاعدة عامة فكل أفعال وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم هي ترجمة لمعاني نصوص القرآن.
وقد أشاد صلى الله عليه وسلم قولا وعملا لقيمة العمل ومن أمثلة ذلك قوله: (( ما أكل من أحد قط خير من يأكل من عمل يديه )).
وقوله كذلك ( أفضل الأعمال الكسب الحلال )).
تطور قانون العمل بالنسبة للجزائر :
قانون العمل في الجزائر من القوانين الحديثة بالرغم من أهميته وضرورته القصوى ويمكن تقسيم تطور قانون العمل إلى مرحلتين:
1-مرحلة ما قبل الاستقلال ( الاستعمار الفرنسي 1830-1962 ): هي الفترة التي نشأ فيها وتطور قانون العمل في فرنسا حيث أغلب القوانين الفرنسية التي وضعت لتنظيم علاقات العمل في فرنسا تطبق في الجزائر على أساس أن الجزائر تابعة لفرنسا لكن بنظرة استعمارية.
القانون الذي صدر في 1947 دعم هذا الاتجاه القوانين الفرنسية في الجزائر ونتيجة لذلك لا يمكن الحديث عن قانون العمل الخاص بالجزائر خلال هذه الفترة.
2-مرحل ما بعد الاستقلال : وهي بدورها تنقسم إلى ثلاثة مراحل :
• المرحلة الأولى من ( 1962-1971 ) : الجزائر خلال السنوات الأولى بعد الاستقلال تعاني فراغ قانوني في جميع المجالات بما فيها علاقات العمل.
وتفاديا لتعطيل وتجميد الحياة الاقتصادية والاجتماعية وفي انتظار وضع قوانين وتنظيمات وطنية قامت الدولة بإصدار قانون يقضي بتمديد القوانين الفرنسية إلى ما تعارض مع السيادة الوطنية.
في سنة 1966 صدر قانون الولاية والبلدية والوظيفة العامة.
أما علاقات العمل فبقيت كذلك , في سنة 1971 صدر القانون المتضمن التسيير الاشتراكي للمؤسسات بموجب الأمر 74-71 المؤرخ في 16 نوفمبر 1971.
نص هذا القانون في المادة 08 منه على : (( تمنح صفة العامل لكل شخص يعيش من حاصل عمله ولا يستخدم لمصلحته عمالا آخرين في نشاطه المهني )).
والغاية من إصدار هذا القانون لم تكن إقامة نظام قانوني خاص بتنظيم علاقات العمل بل كان الهدف تكريس مبدأ نظام مشاركة العمال في تسيير المؤسسات الاقتصادية بدليل تذكره مادة في هذا القانون بقولها ( عمال المؤسسة الاشتراكية هم منتجون يتحملون مسؤولية تسيير المؤسسة هذا الهدف هو الدافع من وراء إصدار القانون المتعلق بالعلاقات الجماعية للعمل في القطاع الخاص )) .
المرحلة الثانية من ( 1971-1977 ) : سنة 1975 هي سنة الانطلاق لسن القوانين والنظم الخاصة بعلاقات العمل , حيث صدر قانون أمر 75-31 يحدد الشروط العامة لعلاقات العمل في القطاع الخاص.
وكذلك الأمر 75-32 يتعلق بالعدالة في العمل.
وكذلك الأمر 75-30 يتعلق بالمدة القانونية للعمل.
وكذلك الأمر 75-33 يتعلق باختصاصات مفتشية العمل (تحديد).
ملاحظة: إن هذه النصوص وظفت أساسا لتطبيق القطاع الخاص مع إمكانية تطبيقها في القطاع العام.
نتيجة لذلك أن علاقات العمل وخاصة في القطاع العام الذي يشغل عددا أكبر من العمال اتسم بعدم التجانس والانسجام فيما يتعلق بالقوانين وسبب ذلك هو :
1-المؤسسات العمومية التي تتوحد في نظرتها وتطبيقها للقوانين الفرنسية المعمول بها في مجال تنظيم علاقات العمل.
ترتب عن ذلك تعرض علاقات العمل في كثير من الأحيان إلى الفسخ مما يترتب عنه انتهاك حقوق العمال في غياب هياكل نقابية لديها وزنها يمكنها الوقوف في وجهة هذه المؤسسات .
2-غياب النصوص والقوانين الخاصة بتنظيم علاقات العمل في المؤسسات ذلت القطاع العام مما يدفع بالمؤسسات إلى تطبيق الأحكام المتعلقة بالمؤسسات الخاصة في القطاع العام .
هذه الفوضى وعدم الاستقرار هي الدافع وراء إصدار القانون الأساسي للعامل سنة 1975 لتنظيم علاقات العمل في القطاعين العام والخاص.
القانون الأساسي للعامل صدر بموجب الأمر 57-12 المؤرخ في 05 أوت 1975 .
القانون الأساسي العام للعامل جاء انطلاقا من المبادئ والأحكام التي حققها الميثاق الوطني ودستور 1976 .
هذه المبادئ هي ذات طابع سياسي واجتماعي خاصة فيما يتعلق الحقوق والالتزامات .
هدفه وضع الأسس والقوانين العامة التي يقوم عليها عالم الشغل بمعنى الدستور الذي تخضع له كافة علاقات العمل في البلاد وفي مختلف قطاعات النشاط أي يحكم الفئات العمالية باختلاف أصنافها ودرجاتها والوظائف التي تمارسها أو المهن أو القطاعات التي تنتمي إليها.
بما في ذلك قطاع الوظيفة العامة وهو ما أكدته المادة 02 من القانون 75-12 .
التطبيق العملي لهذا القانون ترتب عنه إصدار العديد من النصوص القانونية والتنظيمية في مختلف المجالات حيث بلغت أكثر من 20 نص تشريعي ( قانوني ) وأكثر من 100 نص تنظيمي (مراسيم ) .
ومن بين المسائل التي تناولتها : ( المدة القانونية للعمل , العطل , تشغيل الأجانب , تنظيم الأجور والمرتبات , الضمان الاجتماعي والتكوين المهني ...الخ.
القانون الأساسي العام للعامل سعى إلى وضع الأسس والقواعد التي يقوم عليها عالم الشغل .محاولة منه توحيد النظام القانوني الذي يحكم جميع العاملين بغض النظر عن القطاع عام أو خاص , إداري أو اقتصادي .
الواضح أن هذا القانون وحّد النظام القانوني المطبق على كافة علاقات العمل مهما كان نوع القطاع أو صفة العامل حيث نص على : (( كل شخص يعيش من ناتج عمله اليدوي أو الفكري ولا يستخدم لمصلحته الخاصة غيره من العمال أثناء ممارسة نشاطه المهني )) .هذا هو المفهوم الذي حدده القانون الأساسي العام للعامل مع استثناء الأشخاص الذين يشتغلون لحسابهم الخاص .
-ابتداءا من نهاية 1986 هي المرحلة التي بدأ فيها التحضير لمرحلة استقلالية المؤسسات وتقررت بصفة واضحة ورسمية من خلال ندوة تم عقدها يومي 21 و 22 /12/1986 , ألقي فيها أكثر من 26 تطبيق حول مختلف جوانب التنمية الوطنية وكان الهدف من هذه الندوة :
1-ضرورة إثراء وتحسين ق.أ.ع.ع والمراسيم التطبيقية له وذلك من خلال مخطط يهدف إلى تطوير الأجور وتنظيم المرتبات والحوافز المناسبة لتحسين فعالية المؤسسات وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة المختصة في تقديم تقرير حول نجاعة القانون الأساسي العام للعامل جاء فيها بصفة عامة : أن هذا الأخير لن يحقق الأهداف المرجوة منه التي وضع من أجلها وعليه يتعين اتخاذ إصلاحات بخصوص هذا القانون وتكييف قواعده مع الأحكام المرتبطة بالمحيط الاقتصادي الجديد
2-تم تكييف لجنتين من أجل تقييم هذا القانون وتقديم الاقتراحات العملية بقصد تعديله أو إلغاءه
واللجنتين اللتين وكّلتا بتقييم هذا القانون نشرت دراستين :
-الأولى: في جانفي 1988 بعنوان: القانون الأساسي العام للعامل في إطار استقلالية المؤسسات .
-الثانية : في فيفري 1988 : تعديلات القانون الأساسي العام للعامل .
-أهم السلبيات التي تقدمت بها هذه المجموعات ( اللجنتين ) :
1-فشل هذا القانون في وضع ميكانيزمات فعالة لإقامة علاقات عمل مستقرة وعادلة .
2-ثقل الإجراءات وجمود القوانين بسبب فرض المساواة الشكلية .
3-ضعف الحوافز .
نتيجة لهذه السلبيات تقدمت مجموعات العمل باقتراحات لتكييف هذا العمل وتعديله في خطة عمل يتم تطبيقها وفق ثلاثة 3 مراحل :
-المرحلة الأولى ( 1988-1989 ): تحرير المؤسسات من القيود التي فرضها القانون الأساسي العام للعامل والتحضير للتعديل الشامل لهذا القانون أو إلغائه .
-المرحلة الثانية ( 1990 ): هي مرحلة إصدار التعديلات الخاصة بسن قانون جديد .
-المرحلة الثالثة ( 1990-1994 ): متابعة إصدار كافة القوانين والتعديلات الخاصة بقطاع العمل .
-أهم المبادئ التي ركزت عليها :
1-مبدأ التعاقدية : ضرورة وضع مبدأ تعاقد بين العامل وصاحب العمل سواء بالنسبة للعلاقات الفردية أو الجماعية .
2-وضع أجهزة جديدة لتنظيم علاقات العمل : أساسها العمل التفاوضي المشترك بين العمال وأصحاب العمل في كافة الجوانب بكل حرية واستقلالية .
3-دور الدولة ينحصر في ضمان تطبيق القوانين والنظم المعمول بها في مجال علاقات العمل .
4- ضرورة إعادة النظر في المسائل الهامة التي تهم العمال وأصحاب العمل مثل : ( الأجور وربطها بالإنتاج - المردودية والكفاءة ) .