العمل بمصلحة الحالة المدنية بالبلديات لم تعد عقوبة تسلّط على كل عون تمرّد على مسؤولية، أو ارتكب خطأ لا يغتفر كلّفه الإحالة على المجلس التأديبي للفصل في مصيره بشكل نهائي. هذه النظرة تم إزالتها نهائيا من «أجندة» مسؤولي البلديات، على أن العون الذي يطلب منه مواجهة «الجمهور» يوميا، عليه أن يكون متحليا بصفات حميدة، منها الأخلاق السامية والإحترام والإستماع إلى الآخر، والصبر والتعقل والكفاءة وحسن التدبير في المواقف الصعبة.
مثل هذه القيم، قد تكون عملة نادرة عندنا نظرا لعدة اعتبارات، لكنها موجودة في وجدان الجزائريو إلا أنه عندما يقيسها بحيثيات القانون يتجرّد منهاو ويعطي الأولوية للقانون على حساب هذه القيم الإنسانية التي يتطلّب الأمر أن تكون سيدة الموقف في الإدارة، لكن هيهات بين ما هو نظري والواقع المعيش في مصالح الحالة المدنية.
والتخوف كل التخوف، هو أن عون مكتب الحالة المدنية تنزع عنه «مسؤولية التجريم» التي رفعت عن مسيّري القطاع الإقتصادي، لكنها ما تزال سارية المفعول في العمل الإداري، والقلة القليلة من مسؤولي الحالة المدنية من يتمتّع بتفويض رسمي من رئيس البلدية الذي أعطاه القانون صفة ضابط الحالة المدنية. ففي كثير من الأحيان لا نفهم كيف يتشدّد البعض في منح بطاقة الإقامة لمواطنين يقيمون منذ عشرات السنين في حي معين بالبلدية، حتى يؤتي بأبيه الطاعن في السن، والذي لا يستطيع السير أو مطالبته ببطاقة تعريفه الوطنية. لا نستسغي مثل هذا الفعل المنفّر للعلاقة التكاملية بين المواطن وبلديته، إلى درجة فقد الثقة فيها كون هذا الفضاء المحلي لم يكن في مستوى تطلعاته وخدماته السريعة. هنا تكمن كل أشكال التباعد، ويتحول الموقف في كثير من الأوقات إلى ملاسنات بين أعوان الحالة المدنية والمواطن، وصلت إلى درجة المشادات اليدوية الحادة انتهت عند مخفر الشرطة والعدالة في حالتي الشتم أو التعدي الجسدي.
يجب أن تختفي هذه العلاقة التشنجية إلى الأبد، انطلاقا من قاعدة أساسية وهي أن المنتخب لم يأت من العدم، بل هو نتاج ثقة هؤلاء الناس الذين يترددون على بلديته يوميا، وعليه أن لا ينساهم في رمشة عين، لذلك من الضروري الحرص الأكيد والعناية المتواصلة بالحالة المدنية على أن تكون في خدمة المواطن وفق ما ينص عليه القانون.
ونتفهم الضغط القائم في هذه المصلحة، لكن على مسؤولي البلديات إيجاد الحلول الإستعجالية التي لا تنتظر مثل تدعيم لكل الشبابيك بمزيد من العمال، والتصرف في التوقيت. هذا ما تعمل البعض من هذه الفضاءات التي لا تجد العون في مكتبه، أو تسمع عبارة «راح يشرب قهوة» في فترة العمل ذات الذروة، أي من الـ ١٠ صباحا فما فوق. ويمكن لمسؤولي البلدية منع خروج الموظفين في تلك الفترة، شريطة توفير لهم كل ما يرغبون بداخل البلدية.