لامركزية التسيير، لكنه فتح أيضا الباب واسعا للتلاعب بأموال البلديات بسبب
الاستقلالية المالية التي ستنتج عن ذلك، كما تم بموجبه دمج عمال البلدية
والولاية وكل المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري في نفس السلك، مع
مراعاة اختلاف المهام والفئات، واستحدث أيضا مهام جديدة دون تغيير في
القيمة الاستدلالية، ما يعني أن الرواتب بصفة عامة لن تعرف زيادات معتبرة.
جاء
مشروع القانون الخاص بمستخدمي الإدارة والجماعات الإقليمية، الذي تحصلت
''الخبر'' على نسخة منه، في 83 مادة موزعة على 19 قسما، تضمنت مهام وحقوق
مختلف فئات سلك مستخدمي البلديات والولايات. وأهم ما يميز النص الجديد محل
النقاش، استحداث سلكين جديدين هما الترجمة والإحصاء، يضافان إلى أسلاك كل
من الإدارة العامة والتوثيق والترجمة والإعلام الآلي، بالإضافة إلى رتب
وفئات جديدة أحدثت خلطا كبيرا في توزيع المهام بعد أن تحولت التسمية إلى
إقليمي.
وبناء على هذه التسمية، تضمن النص أسلاكا غير موجودة في القانون
المعمول به حاليا، فقد تمت إضافة تسمية ''رئيسي'' إلى أغلب الفئات، على
غرار متصرف إقليمي رئيسي ومساعد محاسب رئيسي وعون رئيسي وكاتب رئيسي، وهو
التغيير الذي من المفروض أن يأتي بمناصب جديدة، وبالتالي إمكانيات ترقية
بالنسبة للأسلاك التي استفادت من هذه التسمية، الأمر الذي لم يحدده
المشروع.
ويعتبر مضمون المادة رقم 5 مكسبا كبيرا لعمال البلدية والولاية
والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، باعتباره أهم مطلب يناضل من أجله
هؤلاء، حيث كرست حماية للمستخدمين من كل ضغوطات بسبب آرائهم، ما يعني أن
عمال هذا القطاع ''الإقليمي'' أصبحوا بموجب النص الجديد في مأمن من أية
ضغوطات بسبب نشاطهم النقابي، عكس ما هو حاصل حاليا، حيث تم توقيف العديد من
عمال البلديات بسبب استجابتهم لنداء الإضراب.
من جهتها، أعادت المادة 7
الاعتبار لعائلات مستخدمي الإدارة والجماعات ''الإقليمية'' في حالة وفاة
هؤلاء خلال تأدية مهامهم أو أي نشاط يتعلق بها، حيث ستتم ترقيتهم مباشرة
إلى رتبة أعلى من تلك التي كانوا يعملون في إطارها، مع التكفل بتكاليف
الدفن والنقل. غير أنه وبالمقابل جاءت المادة 14 ''مجحفة'' في حق الموظفين
باعتبارها تلغي جميع الشهادات وتضع جميع المستخدمين الجدد، بمجرد دخول
مشروع النص في حالة المصادقة عليه، حيز التطبيق، في خانة المتربصين.
وبناء
على هذه المادة، فإن كل موظف حامل لشهادة عليا مجبر على اجتياز تربص لمدة
عام كامل في الفئة التي تتوافق والشهادة التي يملكها. وحسب المادة ,15 فإن
''المتربص'' وبعد انتهاء فترة التربص مباشرة يخضع لتقييم ''ولي'' يتم
اختياره من بين المستخدمين، شرط أن يكون يحمل رتبة أعلى، وعلى الأقل في نفس
الفئة محل التربص، ويتم بناء على ذلك إما توظيف ''المتربص'' أو تمديد
لفترة التربص حسب تقدير ''الولي''، أو فصل المتربص دون سابق إنذار أو
تعويض.
وبالنسبة للترقية، لم يأت المشروع بجديد، باعتباره حافظ على نفس
المدة، فالانتقال من سلم إلى آخر لم يتراجع كثيرا، حيث أصبح سنتين وستة
أشهر بدلا عن ثلاث سنوات المعمول بها حاليا، غير أن المشكل المطروح حاليا
هو أن عددا كبيرا من المستخدمين محرومون حاليا من الترقية رغم امتلاكهم
أقدمية تتجاوز عشرين عاما في نفس الفئة، وهو ما يفسر التصعيد الذي انتهجه
ممثلو هؤلاء في البلديات، حيث وضعوا هذا المطلب على رأس اللائحة الموجودة
على مستوى الوصاية.
من جهة أخرى، سيتسبب النص الجديد، في حال المصادقة
عليه، في تراجع الدور الرقابي، بعد تكريس لا مركزية التسيير، وإن كان هذا
الأمر مكسبا حقيقيا لتخفيف الضغط وتجنيب المواطن عناء التنقل، إلا أن
الاستقلالية المالية تفتح الباب أيضا لتلاعبات قد تحدث في حالات تنعدم فيها
المتابعة والمراقبة، باعتبار أن مشروع القانون لم يتحدث صراحة عن استحداث
هيئة توكل لها هذه المهام على مستوى مختلف هذه المؤسسات الإدارية والعمومية
ذات الطابع الإداري.
وفيما يتعلق بتصنيف الرتب، عرفت العديد من الفئات
تراجعا ملحوظا في التصنيف بعد استحداث رتب جديدة فيها، على غرار متصرف
إقليمي ومتصرف رئيسي إقليمي ومتصرف مستشار إقليمي وعون إداري إقليمي وعون
رقن إقليمي وغيرها من التسميات الجديدة التي لا يتم العمل بها حاليا.
المشروع يحدث شرخا في سلك البياطرة ويجعلهم عرضة للمساومة والرشوة
أما
بالنسبة لسلك الأطباء البياطرة، فقد عمل النص الجديد على إحداث شرخ كبير
بين مستخدميه، من خلال فصل بياطرة البلديات عن بياطرة الفلاحة، رغم أنهم
يؤدون نفس المهام ويتمتعون بنفس الصلاحيات والحقوق، وهو ما أثـر سلبا على
الفئة الأولى التي ستفقد بموجب التصنيف الجديد أكثـر من 3 آلاف دينار من
الراتب الشهري، بعد أن تم تصنيف مفتش النظافة الرئيسي في البلديات الذي
يعادله بيطري رئيسي في الفلاحة، في الرتبة 14 بدلا من الرتبة 15 التي
استفادت منها الفئة الثانية بموجب القانون الخاص الذي صدر منذ أشهر.
وبناء
على ذلك، فإن بياطرة البلديات حرموا من التصنيف على غرار زملائهم في قطاع
الفلاحة، بعد تغيير التسمية، بمعنى أن مشروع القانون المعروض للنقاش حرم
بياطرة البلديات من زيادة كان من المفروض أن يستفيدوا منها لو تم إدماجهم
مع بياطرة الفلاحة مثلما كان معمولا به سابقا.
ليس هذا فقط، فالنص
الجديد وضع الطبيب البيطري تحت ''رحمة'' المنتخبين المحليين، كما جعله عرضة
للمساومات والرشوة، لأنه لم يعد وحده من يقرر ما دام يعمل في لجنة تضم
بيولوجيين ومهندسين في البيئة، بمعنى أنه فتح الباب لتداخل الصلاحيات، فكل
موظف من اللجنة سيعمل على تطبيق القانون المسير لقطاعه، وأخطر من ذلك، فإن
بيطري البلدية سيتدخل في مهام وقرارات بيطري الفلاحة، وسيكون له الحق في
الطعن في الشهادات التي يمنحها هذا الأخير ورفضها، وأمر خطير لأنه سيخل
بمهام من الفروض أن تكون نفسها في القطاعين.
وسيحدث القانون الجديد في
حالة ما تمت المصادقة عليه، خللا كبيرا بين البرامج التي تضعها البلدية
وبرامج المفتشيات البيطرية الولائية، مادام الطبيب البيطري تابعا إداريا
للمجلس البلدي وتقنيا للمفتشية الولائية، ما سيؤثـر على التنسيق الموجود
حاليا بين الجهتين ويفتح الباب لتداخل كبير في المهام والبرامج.
وبما أن
بياطرة البلدية تابعون إداريا لرئيس البلدية، فإنهم سيكونون تحت إمرته،
وكل تدخلاتهم يجب أن تكون لصالح البلدية، ما يعني أن البيطري سيصبح عرضة
لضغوطات ومساومات وكذا رشوى لمنح الشهادات والاعتمادات، وبالتالي فإن
البيطري سيفقد مصداقيته وتتراجع مردوديته، بسبب مشروع القانون الذي أفقد
هذا السلك المهام الحقيقية التي جاء من أجلها.