" دون الإخلال بالمتابعات الجزائية، كل من يقوم بأفعال أو مناورات ترمي إلى تقديم وعد لعون عمومي بمنح أو تخصيص، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، إما لنفسه أو لكيان آخر، مكافأة أو إمتياز مهما تكت طبيعته، بمناسبة تحضير صفقة أو عقد أو ملحق أو التفاوض بشأن ذلك أو إبرامه أو تنفيذه، من شأنه أن يشكل سببا كافيا لإلغاء الصفقة أو العقد أو الملحق المعني، و من شأنه أيضا أن يكون سببا كافيا لإتخاذ أي تدبير ردعي آخر، يمكن أن يصل حد التسجيل في قائمة المتعاملين الإقتصاديين الممنوعين من تقديم عروض للصفقات العمومية و فسخ الصفقة "
هل قرأتم هذه المادة؟؟؟؟
لنذهب إذن إلى تحليلها ...
و لنبدأ بالقول أنه لا توجد صياغة في كل النصوص القانونية في العالم أكثر سوء و رداءة من هذه المادة ..
فأنت حين تقول " ..... كل من يقوم بأفعال..... " ثم تضع جملا إعتراضية ، فإن المستمع إليك ينتظر أن تكمل الجملة بناء على ما بدأت به الكلام .. لكننا نجد هذه المادة بعد 08 جمل إعتراضية لا تقول شيئا مرتبطا بـ " كل من " .. بل ينسى المشرع من كثرة الكلام الذي لا معني له أن يربط أفكاره ببعضها.
كما يبدأ الكلام في اللغة العربية بالأفعال و ليس بغيرها .. قنقول " يريد الرجل .." و لا نقول " الرجل يريد .. " لكن سبويه الجزائر معتاد على التجديد و الحمد لله.
هذا من الناحية الشكلية ..
أما الطامة الكبرى التي أردت الإشارة إليها هنا .. فتتمثل في نظرة الدولة إلى أعوانها .. حيث ينطلق المشرع في وضع القوانين من تصور رهيب فهو يفترض فساد جميع أعوان الدولة .. و يعتبر أن ذممهم معروضة في سوق الفساد ..
لقد بحثت في جميع النصوص المتعلقة بمحاربة الفساد .. و يؤسفني أن أعترف لكم بأنني لم أجد نصا واحدا يوفر الحماية القانونية لأعوان الدولة من خلال حمايتهم من الضغوط التي تمارس عليهم بمناسبة إبرام الصفقات العمومية .. ألم يكن من اللائق لو خصص المشرع في هذه المادة و لو جملة بسيطة يضيفها لتصبح الصياغة كالتالي :
" " دون الإخلال بالمتابعات الجزائية، كل من يقوم بأفعال أو مناورات ترمي إلى الضغط على عون عمومي أو تقديم وعد لعون عمومي بمنح أو تخصيص، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، إما لنفسه أو لكيان آخر، مكافأة أو إمتياز مهما تكت طبيعته، بمناسبة تحضير صفقة أو عقد أو ملحق أو التفاوض بشأن ذلك أو إبرامه أو تنفيذه، من شأنه أن يشكل سببا كافيا لإلغاء الصفقة أو العقد أو الملحق المعني، و من شأنه أيضا أن يكون سببا كافيا لإتخاذ أي تدبير ردعي آخر، يمكن أن يصل حد التسجيل في قائمة المتعاملين الإقتصاديين الممنوعين من تقديم عروض للصفقات العمومية و فسخ الصفقة "
و الله لو لم تكن في هذا الوطن سوى هذه المادة لكانت كافية لتفضح هشاشة منظومتنا القانونية و الأخلاقية ..