منازعات العمل الفردية وكيفية تسويتها

قد
يشوب التوتر في العلاقة بين أحد العمال والمستخدم حول مضمون العقد نفسه,
أو حول الالتزام أو حق معين يخص أحد الطرفين التي تقوم عليها علاقة العمل.
ولحل
هذه الإشكاليات والمنازعات، وتنظيم عمليات حلها وتسويتها فقد وضع المشرع
الآليات القانونية لذالك من خلال الهيأة المختصة، وكذالك الإجراءات الواجبة

الإتباع ويتجلى ذلك من خلال الإطار الذي حدده المشرع. وهذا مند
السبعينات في إطار تسوية النزاعات الفردية عن طريق قانون العدالة في
العمل[1]، الذي جاء ليحدد
الطبيعة الخاصة بالقضايا ومنازعات العمل،
ويمكن قانون الإجراءات المدنية بأحكام خاصة بهذا النوع ما يتلاءم وطبيعة
هذه المنازعات والتطورات السياسية
والاقتصادية التي عرفتها البلاد
والتي تحددت بتنظيم علاقات العمل[2]، وكذالك كيفية تسوية المنازعات الفردية
في العمل [3]والذي جاء في المادة الثانية لتحديد المنازعات الفردية كما
يلي :
" يعد نزاعا فرديا في العمل بحكم هذا القانون، كل خلاف في العمل
قائم بين عامل أجير ومستخدم بشأن تنفيذ علاقة العمل التي تربط بين الطرفين
إذا لم يتم حله في إطار عمليات تسوية داخل الهيئات المستخدمة "
ومن خلال
هذه المادة والتي من خلالها نحاول ان نلم بموضوع النزاع الفردي من حيث
البحث عن الوسائل والإجراءات الوقائية والتي تعرف بالتسوية الودية لهذه
المنازعات داخل الهيئة المستخدمة و بعدها نتعرض إلى التسوية القضائية لهذه
المنازعات.


المبحث الأول : إجراءات تسوية منازعات العمل الفردية
المطلب الأول : التسوية الودية للمنازعات الفردية

الخاصية
المميزة للمنازعات الفردية في العمل هي وجوب إتباع بعض الإجراءات الأولية
والتي تعتبر شرطا جوهريا لقبول الدعوى قضائيا والتي تتمثل في التسوية
الودية وذلك من اجل الحفاظ على العلاقة الحسنة بين العامل وصاحب العمل التي
كثيرا ما تكون ضرورية لاستمرار علاقة العمل.


الفرع الأول: التسوية الداخلية للنزاع

نلاحظ
أن التشريع الجزائري لم يهمل هذا الجانب حيث خصص له الباب الثاني من
القانون 90/04 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل، والتي يحمل
عنوان" كيفية معالجة النزاعات الفردية في العمل داخل الهيئات المستخدمة،
وبهذا جعل من إمكانية تسوية النزاع بين العامل أو ممثلا له وصاحب العمل
داخل المؤسسة عن طريق إيجاد حلا مشتركا للنزاع وهذا دون تدخل أي جهة أجنبية
في النزاع وذالك أما أن يسحب صاحب العمل قراره المتخذ ضد العامل، أو أن
يعادله حسب درجة الخطأ المهني الذي ارتكبه العامل وهذا استجابة لطلب العامل
وترك المشرع الجزائري الإجراءات الداخلية لمعالجة النزاعات الفردية في
العمل. حيث تنص المادة 03 من قانون تسوية النزاعات الفردية للعمل
" يمكن للمعاهدات والاتفاقيات الجماعية للعمل أن تحدد الإجراءات الداخلية لمعاجلة النزاعات الفردية في العمل داخل الهيئة المستخدمة "
ولكن
في حالة غياب هذه الإجراءات في الاتفاقية الجماعية فان للعامل حق اللجوء
إلى الإجراءات التي ينص عليها القانون وهذا بتقديم العامل أمره إلى رئيسه
مباشرة والذي يجب أن يقدم الرد عليه خلال 08 أيام وهذا ما جاءت به المادة
04 من قانون تسوية النزاعات الفردية للنزاعات في العمل بقولها " في حالة
غياب الإجراءات المنصوص عليها في المادة الثالثة من هذا القانون، يقدم
العامل أمره إلى رئيسه المباشر الذي يتعين عليه تقديم جواب خلال ثمانية
أيام من تاريخ الإخطار في حالة عدم الرد، أو عدم رضى العامل بمضمون الرد
يرفع الأمر إلى الهيئة المكلفة بتسيير المستخدمين حسب الحالة .
يلزم
الهيئة المسيرة أو المستخدم بالرد كتابيا عن أسباب رفض كل أو جزئ من
الموضوع خلال ( 15 )خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ الإخطار " .
ونسجل
في هذا المجال أن التظلم الذي يقوم به العامل لا يخرج عن نطاق المؤسسة
التي يعمل بها وهذا خلافا للتنظيم الإداري الذي يمكن أن يجد قطاع أوسع وهذا
لوجود سلطة هرمية أي رئاسية أو وصاية على الإدارة.
وإذا كان هذا
الأسلوب يعتبر بسيطا في إجراءاته وسرعته إلى انه لا يمكن أن يكون الحل
المناسب لكل النزاعات، خاصة إذا كانت هذه النزاعات معقدة وأثرها جسيما فأنه
في هذه الحالة يجب تمسك المستخدم بقراره أو حتى يمكنه التنازل عنه ولكن
بشروط يحددها هو، وهذا لا يبقي للعامل إلا الإتجاه إلى الوسيلة الثانية
والتي تخرج عن إطار المؤسسة ليتدخل طرف ثالث لحل النزاع بين العامل
والمستخدم حيث يعض النزاع على مفتش العمل أو لجنة المصالحة، وهذا ما جاءت
به المادة 05 من قانون تسوية النزاعات الفردية بينهما " بعد استفادة
إجراءات المعالجة الداخلية لنزاعات العمل الفردية، داخل الهيئة المستخدمة
يمكن للعامل إخطار مفتش العمل للإجراءات التي يحددها هذا القانون".


الفرع الثاني: إخطار مفتش العمل

في
حاة فشل المساعي الودية التي تتم داخل المؤسسة المستخدمة أوفي حالة عدم
قيام العامل بعرض النزاع عليها، يمكن لهذا الأخير إخطار مفتش العمل إذا شاء
مواصلة المطالبة بحقوقه وهذا مانصت عليه المادة 05 من قانون تسوية
النزاعات الفردية بعد استنفاذ إجراءات المعالجة الداخلية لنزاعات العمل
الفردية، داخل الهيئة المستخدمة يمكن للعامل إخطار مفتش العمل للإجراءات
التي يحددها هذا القانون.
والإخطار يتم بواسطة عريضة مكتوبة من طرف
العامل أو بحضوره شخصياً أمام مفتش العمل الذي يقوم بتحرير محضر بتصريحاته
وبعد ذلك يقوم مفتش العمل في ظرف ثلاثة أيام من تلقيه الإخطار سواء كان
بواسطة العريضة المقدمة إليه أو المحضر المحرر من طرفه باستدعاء مكتب
المصالحة للنظر في النزاع المعروض للمصالحة حيث يجتمع مكتب المصالحة بعد
ثلاث أيام على الأقل من تاريخ الاستدعاء إلى جانب حضور الطرفين.


الفرع الثالث: التسوية الخارجية للنزاع ( المصالحة )

دور مكتب المعالجة واختصاصه:
وهو
الإجراء الذي يقوم به طرف ثالث بمحاولة التقريب في وجهات نظر الطرفين
المتنازعين ( العامل والمستخدم) والخروج بحل يرضي الطرفين والحفاظ على
العلاقة الودية بينهما.
وتختلف اجراءات المصلحة والهيئات التي تقوم بها
في القوانين المقارنة حسب اختلاف الأنظمة السياسية والاقتصادية، والتشريع
الجزائري في هذا الإطار عرف تحولاً كبيراً، في التشريع القديم يعطى هذا
الاختصاص إلى مفتش العمل وهذا ما كان معمول به في قانون 1975م.
أما
النظام الجديد فقد أنتزعت هذه المهمة من مفتش العمل بمقتضى قانون 90/04 حيث
أنشأ هذا القانون هيئة مصالحة متساوية الأعضاء نصفها من العمال والنصف
الآخر من أصحاب العمل، وهذا ماتنص عله المادة 06 من نفس القانون السابق
"يتكون مكتب المصالحة من عضوين ممثلين للعمال وعضويين ممثلين ويرأس المكتب
بالتداول ولفترة ستة أشهر عضو من العمال ثم عضو من المستخدمين".
وبهذا
تحولت صلاحية مفتش العمل في إطار هذا القانون مجرد وسيلة اتصال بين العمال
وهذه اللجنة وبالتالي قد أنتزع من مفتش العمل اختصاص يعتبر معترف به في
معظم قوانين المقارنة[4].
وقد جعل القانون الجديد عملية الصلح من
الإجراءات الجوهرية التي لا يمكن الاستغناء عنها ولا يمكن قبول أية دعوى
قضائية لم تتم فيها عملية الصلح[5]حيث تؤكد المادة 19 ف 01 من القانون
السابق الذكر والتي تنص على مايلي:
"يجب أن يكون كل خلاف فردي خاص بالعمل موضوع محاولة للصلح أمام مكتب المصالحة قبل مباشرة أي دعوى قضائية".
ولكن
رغم تلك الاستثناءات على هذا الإجراء بحيث يمكن أن يصبح حيازي إذا كان
المدعى عليه يقيم في الخارج أو في حالة إفلاس أو تسوية قضائية للطرف
المستخدم.

الفرع الرابع: تشكيل مكتب المصالحة واختصاصه

مكاتب
المصالحة عبارة عن لجان متساوية الأعضاء، خاصة بنزاعات العمل الفردية،
وتتكون هذه المجالس من عضوين ممثلين للعمال، وعضوين ممثلين للمستخدمين
وتكون رئاسة المجلس بالتداول لمدة شهرين، وهذ ما جاءت به المادة 06
المذكورة أعلاه، بحيث يتم اختيار الممثلين بعد عملية الإقتراع السري من بين
المرشحين، والتي يجب أن تتوفر فيهم الشروط التي جاءت بها المادة 12 من
قانون تسوية النزاعات الفردية 90/04 حيث جاءت بالشروط العامة وهي:
- التمتع بالجنسية الجزائرية.
- بلوغ سن 25 سنة على الأقل يوم الإنتخاب.
- ممارسة العمل 05 سنوات على الأقل.
- التمتع بالحقوق المدنية والسياسية.
وهذا
بالإضافة إلى بعض الشروط الخاصة، ةالتي جاءت بها المادة 13 من نفس القانون
والتي تمنع أن ينتخب الأشخاص الذين يمكن أن تتوفر فيهم الحالات التالية:
- الأشخاص المحكوم عليهم بارتكاب جناية أو بالحبس بسبب ارتكاب جنحة والذين لم يرد لهم اعتبارهم.
- المقلصون الذين لم يرد إليهم اعتبارهم.
- المستخدمون المحكوم عليهم بسبب العود في ارتكاب مخافة تشريعات العمل خلال فترة نقل عن سنة واحدة.
- العمال المحكوم عليهم منذ فترة تقل عن سنتين (02) بسبب عرقلة حرية العمل.
- قدماء المساعدين أو الأعضاء الذين أسقطت عنهم صفة العضوية.
ويتم
تعيين الأعضاء الذين تم انتخابهم في المكتب بصفة رسمية بأمر من رئيس
المجلس القضائي المختص إقليمياً، وهذا بعد الاطلاع على نتائج الانتخابات
ووفق الترتيب التنازلي في عدد الأصوات المحصل عليها وذلك لمدة ثلاث سنوات.
أما
فيما يتعلق باختصاص مكاتب المصالحة فيمكن التمييز بين الاختصاص النوعي
والذي يتمثل في أنواع القضايا أو المنازعات الفردية التي يختص بها هذا
المكتب.
أما الاختصاص المحلي أو ما يطلق عليه بالنطاق الجغرافي الذي يمتدد إليه اختصاص كل مكتب.
أ-تنظيم
1972م والذي يحكمه الأمر 72/61[6]المتعلق بتسيير المحاكم في المسائل
الاجتماعية، والتي حددت كيفية تنظيم الجلسات في المسائل الاجتماعية بحيث
تكون تشكيلة تتكون من قاضى يساعده، مساعدان من العمال لهما دور استشاري.
ب-
تنظيم 1975م: والذي يحكمه أمر75/32 المتعلق بالعدالة في العمل[7]بحيث أصبح
التنظيم أوسع وأشمل من التنظيم السابق الذكر، بحيث أصبح دور المصالحة
عملية إجرائية سابقة اللجوء إلى القضاء بل جعله إجراء جوهري لا تقبل الدعوى
القضائية ما لم يتم عرض النزاع على مكتب المصالحة ويحصل المدعي على محضر
عدم المصالحة لهذا الإجراء وقد بقي هذا التنظيم على نفس التشكيلة السابقة
المذكورة في التنظيم السالف الذكر ولم يأتي بجديد سوى أن وضع إجراءات خاصة
وكيفيات استدعاء الخصوم وسير الدعوى.
ج- تنظيم 1990م: الذي يحكمه
القانون 90/04 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل[8]حيث أدخل
تعديلاً هيكلياً على تشكيلة المحاكم الفاصلة في المسائل الاجتماعية هذا
بالإضافة إلى كافة الإجراءات المتعلقة بتسوية النزاعات الفردية السالفة
الذكر (الداخلية، الودية والمصالحة).حيث أصبحت التشكيلة تتكون من قاضي
وممثلين للعمال مساعدان ، وممثلين للمستخدمين مساعدان، وبهذا نقول أنه أصبح
عبارة عن لجنة متساوية الأعضاء، ويكون القاضي فيها رئيساً، كما تحول
الطابع الإستشاري لهؤلاء المثلين إلى طابع تداولي. وهذا ما جاءت به المادة
08 ف 05 بقولها:
" للمساعدين من العمال والمستخدمين صوت تداولي، وفي حالة تساوي الأصوات يرجع صوت رئيس المحكمة".


الفرع الخامس: تنفيذ اتفاقية الصلح

لقد
اعتبر المشرع الجزائري محضر المصالحة حجة إثبات [9]بحيث يكون اتفاق تنفيذ
المصالحة وفق الآجال التي يحددونها ولكن في حالة عدم وجود اتفاق في أجل 30
يوم من تاريخ الاتفاق.
وتنفيذ الاتفاق يكون راجعاً إلى رغبة الأطراف
أنفسهم والإلتزام بما تم الإتفاق عليه وصدر فيه محضر من قبل مكتب المصالحة،
ولما كان اتفاق الصلح لا يطرح مشاكل أثناء العمل على التواصل إليه[10]بقدر
ما يطرحها عند تنفيذه، وبهذا فقد حاول المشروع الاحاطة ببعض الضمانات
التنفيذية، والتي تتمثل في غرامة تهديدية والذي يكون بأمر صادر من رئيس
المحكمة الفاصلة في المسائل الاجتماعية، والملتمس بعريضة من أجل التنفيذ
وتحديد هذه الغرامة التهديدية إلا أن نجاعة وفعالية هذه الغرامة التهديدية
لم تظهر بعد في الحياة العملية وهذا ربما لحداثة هذا القانون والذي لم يرسخ
بعد عملياً.
ومن خلال ما تقدم يبقى التساؤل المطروح حول نجاعة التسوية
الودية سواء كانت داخل المؤسسة أو خارجية، والتي تتمثل في المصالحة فإننا
نستطيع أن نقول بأن هذه التجربة جاءت مفاجئة وسريعة، وهذا بسبب التحول
السياسي والاقتصادي المفاجئ الذي عرفته البلاد منذ 1988م بعد الأزمة
الاقتصادية التي ضرت الجزائر منذ الثمانينات ولهذا فإنه لكي تقوم مكاتب
المصالحة بدورها الأساسي وعلى أكمل وجه فإنه من الضروري إعادة تنظيم هذه
الهيئة بالشكل الذي يحقق لها النجاح في حل النزاعات العمالية ولا يكون
دورها الأساسي هو تحرير محاضر عدم المصالحة لتقديم النزاع إلى العدالة.
بحيث أن اقتراح إضافة غرفة أو مصلحة أو فرع خاص بنظام المصالحة إلى جانب أو
ضمن الغرفة الاجتماعية الموجودة حالياً في كل محكمة وتأطيرها بكل الجوانب
التنظيمية القانونية والبشرية وهذا لتمكينها القيام بعملها على أكمل وجه
وكذلك
فان بهذه الطريقة يكون أعضاء مكاتب المصالحة يتمتعون بنفس النظام القانوني
للمساعدين القضائيين ،سواء من حيث شرط واجراءات ونظام الآنتخاب أو من حيث
وسائل الحماية الأخرى المقررة في القانون والنظام المعمول به ،في مجال
الأنتخاب لهؤلاءالأعضاء .
كما يجب أن تدعم الوسائل والضعوط اللازمة
القانونية والعقابية لضمان تنفيذ هذه الاتفاقيات الصلح بحيث يصبح تنفيذ
اتفاقيات الصلح بحضر نفس الحماية والضمانات التي يحضى بها الحكم القضائي .
وفي
انتظار التعديلات التي يمكن أن تطرأ على مكاتب المصالحة من الإجراءات
والقوانين التي تنظمها وتسهل لها عملية حل النزاع دون الوصول الى التسوية
القضائية فانه وفي الوقت الحالي تبقى التسوية القضائية هي الإدارة التي
يلجأ إليها الأطراف لحل النزاعات والخلافات بينهم (العامل والمستخدم )


المطلب الثاني .التسوية القضائية.

تعتبر
التسوية القضائية هي الوسيلة الأخيرة لحل نزاعات العمل الفردية وهذا عند
فشل كل محاولات التسوية الودية سواء أكانت تسوية داخلية أو محاولة الصلح .
وهي المرحلة الرسمية الأخيرة التي تلجأ إليها الأطراف عند فشل طرق ومحاولات التسوية الودية في مختلف مراحلها السابقة .


الفرع الأول: تعريف قضاء العمل وبيان طبيعته

يعرف
قضاء العمل بأنه قضاء مهني متساوي التمثيل يختص بتسوية النزاعات التي قد
تحدث بمناسبة تنفيذ أو توقف أو قطع علاقة العمل أو عقد تكوين أو تمهين (م
20 من ق 90/04 ) إن قضاء العمل يتسم بطابعه الاستثنائي، بالمقارنة مع
النظام القضائي العادي وأساس سبب هذه الاستثناء يكمن في ثلاث مظاهر بارزة
يتمثل الأول في تشكيل المحكمة عند النظر في النزاعات العمالية، بينما يتمثل
الثاني في الطابع الاستعجالي لقضاء العمل، في حين يتمثل الثالث في نوعية
وطبيعة الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة لاسيما من حيث قوتها التنفيذية.
أولاً / تشكيل المحكمة الفاصلة في القضايا الاجتماعية:
يتكون
القسم الاجتماعي للمحكمة من ممثلين للعامل وممثلين للمستخدمين إلى جانب
القاضي الذي يعتبر رئيس المحكمة (سابقاً كان صوت تشاوري) تساوي الأصوات
يرجح صوت المحكمة.
ثانياً / الطابع الاستعجالي:
يتمثل هذا الطابع
فيما يتعلق بآجال رفع الدعوى أو الحكم فيها إذ تنص المادة 38 من ق 90/04
بأنه: " تحدد الجلسة الأولى في مدة أقصاها 15 يوم من تاريخ توجيه العريضة
الافتتاحية للدعوى وعلى المحكمة أن تصدر حكمها في أقرب الآجال باستثناء
حالات إصدار أحكام تمهيدية أو تحضيرية " ويرجع سبب الاستعجال هذا إلى ظروف
العامل المادية والمهنية والاجتماعية التي لا تسمح له في أغلب الأحيان
بالانتظار الطويل للنظر في قضيته.
ثالثاً / التنفيذ المعجل للأحكام القضائية:
نظراً
لظروف العامل التي سبق ذكرها يترتب عن ذلك ضرورة التنفيذ المعجل للأحكام
القضائية الخاصة بالعمل، ومن أحكام قوانين العمل المتعلقة بالتنفيذ المعجل
للأحكام رغم ما قد يمارس عليها من أساليب الطعن والمراجعة ونذكر نص المادة
22 من ق 90/04 والتي تقضي بأنه :" تكون الأحكام القضائية المتعلقة بالمسائل
التالية محل تنفيذ مؤقت بقوة القانون:
- تطبيق أو تفسير اتفاقية أو اتفاق مبرم للعمل.
- تطبيق أو تفسير كل اتفاق مبرم في إطار الإجراءات الخاصة بالمصالحة أمام مكتب المصالحة.
- دفع الرواتب والتعويضات الخاصة بالأشهر الستة الأخيرة، كما يمكن للمحكمة أن تأمر بالتنفيذ المؤقت دون كفالة بعد ستة أشهر ".
رابعاً / الإعفاء الجزئي أو الكلي من المصاريف القضائية:
إلى
جانب الخصائص السابقة يمكن إضافة سمة أخرى تتمثل في الإعفاء الجزئي أو
الكلي لقضايا العمل، من المصاريف القضائية سواء بصفة مباشرة وصريحة أو عن
طريق توسيع الاستفادة من المساعدة القضائية لذلك تنص المادة 25 من ق 90/04
على أنه:" فضلاً عن الأحكام المنصوص عليها بموجب الأمر 71/57 المؤرخ في
05/08/1971م والمتعلق بالمساعدة القضائية تمنح الاستفادة منها بكامل الحقوق
لكل عامل ومتدرب يقل مرتبه عن ضعف الأجر الأدنى المضمون".وذلك نظراً
للظروف المادية والاجتماعية للعامل بالدرجة الأولى الذي كثيراً ما يعجز عن
تحمل التكاليف القضائية اللازمة.


الفرع الثاني: اختصاص المحكمة الفاصلة في المسائل الاجتماعية

إن
القانون التأسيسي للمحاكم الفاصلة في المسائل الإجتماعية قد حدد شروط
الاختصاص النوعي لهذه الجهات القضائية حيث أنها الوحيدة المختصة في النظر
والبت في نزاعات العمل الفردية باعتبار تلك النزاعات القائمة بين العامل
والمستخدم حول تنفيذ وتعليق (توقيف) أوانها علاقة العمل التي تربطها فضلاً
عن ذلك يتوسع اختصاص المحكمة إلى الميادين المحددة قانوناً ويمكن الذكر
بالخصوص:
* المنازعات في مجال ض. إ
* المنازعات المتعلقة بانتخاب مندوبي العمل في لجنة المشاركة
* المنازعات المتعلقة بتطبيق وتأويل (تفسير) الاتفاقيات والاتفاقات الجماعية
* استقبال على سبيل الإيداع الأنظمة الداخلية.
وأما فيما يتعلق بجانب الإختصاص الإقليمي فقد وضع ق والقضاء نظاماً متميزاً بشأنه بحيث يمكن إدماجه ضمن قواعد الاختصاص النوعي.
أولاً / الاختصاص الإقليمي:
القاعدة
العامة هو أن الاختصاص الإقليمي ليس من النظام العام ومعنى ذلك أنه بإمكان
الأطراف معالجة هذه المسألة بإدراجها في العقد مثلاً بالتعيين بصفة مسبقة
المحكمة المختصة في حالة نزاع ما، غير أنه في المجال الاجتماعي الأمور غير
واضحة بهذه الكيفية، ويجب معالجة هذا الموضوع على ضوء الثلاثة نصوص
التالية:
م24 من ق 90/04 – م79 ق 90/11 – م8 ق إ م. فانطلاقاً لما جاء
في ق إ م في ف 16 من م 8 فإن نص م24 ق 90/04 قد منح العامل الاختيار لرفع
الدعوى إما أمام المحكمة الواقعة في مكان تنفيذ ع، ع بغض النظر عن مكان
إبرامها، أو أمام المحكمة الواقعة في محل إقامة المدعى عليه.
أما في ما
يخص النزاعات الخاصة بنسخ أو تعليق ع، ع بسبب حوادث ع و الأمراض المهنية،
قيمكن أن ترفع الدعوة أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان إقامة
المدعي (م 24 ف 2 ق 90/04).
أما بالنسبة لتحديد المحكمة المختصة لإيداع
النظام الداخلي، فإن المشرع الجزائري لم يحسم فيها صراحة، فإذا كانت م 24 ق
90/04 قد منحت اختيار للأطراف كما سبق ذكره فإن المادة 79 ف2 ق 90/11 قد
فرضت على المستخدم إيداع هذه الوثيقة لدى كتابة الضبط للمحكمة المختصة
إقليمياً غير أن المحكمة ع اعتبرت بأن إيداع ملفات النظام الداخلي هو من
ضمن مسائل النظام العام، وكذلك الحال بالنسبة لكل الإجراءات المتعلقة بهذا
الإيداع. وبالتالي فإن تحديد المحكمة المختصة لاستقبال إيداع النظام
الداخلي ليس مجرد مسالة إقليمية، بل يكتسي في حد ذاته طابع النظام العام،
بالعامل الذي يرفع الدعوة لايختار المحكمة حسب الإيداع أو عدم إيداع النظام
الداخلي لديها، بل يختار المحكمة التي تساعده ضمن الاختيارات التي سخرتها
له النصوص المذكورة آنفاً. وفي غالبية الحالات إن العامل يرفع الدعوة أمام
محكمة مكان تنفيذ ع، ع. وإذا لم يثبت صاحب العمل لإيداع النظام الداخلي لدى
كتابة ضبط هذه المحكمة، فيضمن للعامل إثارة عدم صحية هذا النظام الداخلي
إزائه، ويترتب عن ذلك عدم الشرعية لإجراء القرار المتخذ ضده من طرف صاحب
العمل لأنه يعتبر قد أتخذ في غياب النظام الداخلي وبالتالي خرق القانون
وذلك مهما كانت مطابقة هذا القرار أو الإجراء لأحكام النظام الداخلي الذي
تم إيداعه لدى جهة قضائية أخرى.
خلاصة القول هو أن كل هذه الشروط قد أدت
بالإجتهاد القضائي إلى إلزام كل مستخدم والذي له عدة محلات ثابتة موزعة عل
دائرة الاختصاص عدة محاكم بإيداع نظام داخلي لدى كتابة ضبط المحكمة
المختصة للبث في النزاعات المحتملة والتي قد يواجهها صاحب العمل ضد عماله.
ثانياً / الإختصاص النوعي وطرق الطعن ضد الأحكام الصادرة عن المحاكم الفاصلة في المسائل الاجتماعية:
تنص المادة20 من ق 90/04 على أنه مع مراعاة أحكام المادة 07 من ق إ.م، تنظر المحاكم الفاصلة في المسائل الاجتماعية في ما يلي:
1.الخلافات الفردية للعمل والناجمة عن تنفيذ أو توقيف أو قطع علاقة العمل أو عقد تكوين أو تمهين
2.كافة القضايا الأخرى التي يخولها القانون صراحة:
أ) طبيعة الأحكام الابتدائية وكيفية تنفذها:
أ-1)
الأحكام الابتدائية والنهائية: حدد المشرع الجزائري على سبيل الحصر
القضايا والمنازعات التي تكون الأحكام فيها ابتدائية ونهائية وقد نصت على
هذا النوع من الأحكام كل من المادتين التاليتين:
*المادة 73مكرر - 4 من ق 90/11 المعدل والمتمم بموجب ق 91/29 الصادر في 21/12/1991م والأمر 96/21 الصادر في 09/07/1996م
*المادة 21 من ق 90/04 .
فالمادة
73-04 تنص على الأحكام التي تتعلق بإلغاء قرارات التسريح التأديبي التي لا
تراعى فيها الإجراءات القانونية –أو الاتفاقيات الملموسة – وكذلك الحال
بالنسبة للتسريح التأديبي الذي يعتبر تعسفياً لكونه اتخذ خرقاً للمادة 73.
أما
المادة 21 من ق 90/04 فإنها تنص على الأحكام التي تتعلق كذلك بإلغاء
العقوبات التأديبية التي لا تراعى فيها الإجراءات التأديبية وكذلك تنص على
الدعاوى الخاصة بتسليم شهادات العمل وكشوفات المرتبات ومختلف وثائق إثبات
علاقة العمل.
هذا يعني أن الأحكام الصادرة في القضايا السابقة غير قابلة
للطعن فيها بالاستئناف بحكم القانون وهي بذلك تنفذ بمجرد تبليغها إلى
المعنيين والهدف من ذلك هو تفادي التأخير نظراً لحساسية وأهمية الأضرار
التي تلحق بالعمال من جراء مثل هذه القضايا ولكونها تتعلق بحقوق مكرسة
قانوناً الأمر الذي لا يترك أي مجال للشك في هذه الأحكام وبالتالي الطعن
فيها بالاستئناف لكونها ليست سوى استرجاع لحقوق يحميها القانون وليست
تطبيقاً لنصوص غامضة قابلة للتأويل، كما تهدف هذه الأحكام إلى التقليل من
اللجوء إلى المحاكم العليا في مثل هذه القضايا الواضحة والبسيطة.
أ-2)
الأحكام الابتدائية القابلة للتنفيذ المؤقت (المعجل): يوجد إلى جانب
الأحكام السابقة نوع آخر من الأحكام التي يمكن تنفيذها بصفة معجلة، إما
بحكم القانون أو بأمر من القاضي رغم قابليتها للطعن مثل الأحكام المتعلقة
بتطبيق أو تفسير اتفاقية أو اتفاق جماعي للعمل أو تلك المتعلقة بتطبيق أو
تفسير كل اتفاق مبرم في إطار الإجراءات الخاصة بالمصالحة أمام مكتب
المصالحة أو المتعلق بدفع الرواتب و التعويضات الخاصة بالأشهر 06 الأخيرة.
كما يمكن للقاضي أن ينطق بالتنفيذ المؤقت دون كفالة فيما بعد 06 أشهر.
إلا
أن التنفيذ المعجل المقرر قانوناً أو بحكم القاضي لا يمنع استئناف هذه
الأحكام فقد نص القانون على إمكانية التنفيذ المعجل المقرر للحكم بالرغم من
قابليته للاستئناف مثلما تنص المادتين 22 و 34 ق 90/04.
أ-3) الأحكام
الابتدائية العادية :وهي الأحكام الأخرى القابلة للمراجعة العادية وغير
العادية والتي لايمكن تنفيذها إلا بعد استكمال واستنفاذ كافة اللإجراءات
والضمانات المقررة صراحة وقانوناً للمتقاضين أي بعد حصول الحكم على حجية
الشيء المقضي فيه.
ب) طرق الطعن ضد الأحكام الصادرة عن المحاكم الفاصلة في المسائل الاجتماعية:
منذ إصدار المادة 73-04 نستطيع التفريق بين حالتين:
1 - حالة التسريح (التأديبي وغير التأديبي).
2 – العقوبات التأديبية الأخرى.
بالنسبة
للتسريح الذي تنص عليه المادة 21 من ق 90/04 فيمكن للعامل أن يرفع بشأنه
دعوى إلغاء وعلى المحكمة أن تبث فيها ابتدائياً ونهائياً عندما يعتبر
العامل أن هذا التسريح قد اتخذ خرقاً للإجراءات التأديبية الملزمة.
أما
في حالات التسريح الأخرى كانت المحكمة تبت فيها ابتدائياً وحكمها يكون بذلك
قابل للاستئناف غير أنه بعد إصدار المادة 73-04، عندما العامل يرفع دعوى
إلغاء قرار التسريح مهما كان تأسيسه فتبت المحكمة فيها حكماً ابتدائياً
ونهائياً وذلك بغض النظر عن السبب الحقيقي للتسريح.
المادة 73-04 أكثر
شمولية من المادة 21 من ق 90/04، فيما يتعلق بالتسريح ويحدد على أساسها
اختصاص المحكمة ابتدائياً ونهائياً وذلك بغض النظر عن تأسيس الدعوى.
بالنسبة
لطرق الطعن ضد الأحكام الصادرة عن المحاكم الفاصلة في المسائل الاجتماعية
فإن عدة أطراف تكتفي بقراءة منطوق الحكم لتحديد طبيعته (ابتدائي أو نهائي)
وذلك من أجل ممارسة طرق الطعن المناسبة (الاستئناف أو النقض) ، بينما كان
يجب عليهم الاهتمام بطبيعة النزاع وبالأخص طبيعة الطلب الأصلي وذلك لأن وصف
الحكم من طرف المحكمة أو المجلس لا يقيد قانوناً الخصوم والجهات القضائية
العليا.
فالطلب الأصلي هو الذي يحدد الاختصاص (ابتدائي أو نهائي) وذلك
بغض النظر عن تأسيسه أو عدم تأسيسه وبغض النظر عن الحكم الذي فصل تأسيسه أو
عدمه.
كما أن دائرة الاختصاص على مستوى الدرجة الأولى والثانية هي
مسألة من النظام العام لأنها متعلقة بالاختصاص النوعي ويمكن للقاضي أن
يثيرها تلقائياً.
لا يمكن للخصوم الاحتجاج بالخطأ في تكييف الأحكام من
طرف المحكمة لتبرير طعنهم بالاستئناف وذلك لأن الخطأ في التكييف لطبيعة
الحكم من طرف المحكمة لا يرخص للأطراف ممارسة طرق الطعن المسخرة لهم
قانوناً على أساس الطبيعة الحقيقة للحكم. كما لا يمكن تجزئة مستوى دائرة
الاختصاص في المادة الاجتماعية، وبالتالي تلحق الطلبات المقابلة أو الفرعية
في مجال الطعون بالطلب الأصلي الذي تبنى عليه (المادة 23 من ق 90/04).


المبحث الثاني: مضمون نزاعات العمل الفردية :

إن
الاجتهاد القضائي في مجال علاقة العمل الفردية يكتسي في المرحلة الراهنة
أهمية بالغة، وذلك نظراً للنقائص التي ظهرت على المستوى التشريعي إثر صدور
وتطبيق قوانين 1990م الخاصة بالعمل.
فقد وضع القضاء بهذا الشأن عدة
قواعد وذلك عن طريق سن بعض المبادئ والحلول المتصلة ببعض الحالات الغامضة
أو التي يتضمنها صراحة أو بصفة مباشرة التشريع، بالإضافة إلى هذا المشكل
فمفهوم وأسس النصوص الجديدة تندرج ضمن الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف
أساساً إلى استبدال النظام الاقتصادي الموجه بنظام اقتصادي ليبرالي، لذلك
تستوجب هذه الإصلاحات تكريس حرية المبادرة التي يترتب عنها الاعتراف بدور
أساسي لإرادة الأطراف وبالتالي بعقد العمل.
في ميدان علاقة العمل تهدف الإصلاحات إلى نتيجتين أساسيتين:
- تدعيم وترقية العمل وتراجع دور الدولة وحصره في مسائل النظام العام الاجتماعي.
-
تدعيم سلطات المستخدم وتمكينه من أخذ مبادرات أكثر في كل ما يتعلق بتحسين
مردودية المؤسسة وفعاليتها وفي هدا الصدد يبدو، وأن المادتين 11و73 ق 90/11
جاءت لكي تكرس هذين المبدأين من خلال دراسته بعض الاختصاصات القضائية
النموذجية المتعلقة سواء بإنشاء تنفيذ علاقة العمل أو بتوقيفها وانتهائها.


المطلب الأول: النزاعات المتعلقة بإنشاء وتنفيذ علاقة العمل الفردية:

1)
إثبات علاقة العمل ونوعيتها: لقد نصت المادة 08 من ق 90/11 على أن علاقة
العمل تنشأ بعقد كتابي أو غير كتابي، وتقوم هذه العلاقة على أية حال بمجرد
العمل لحساب مستخدم ما، كما نصت المادة 10من ق 90/11 على أنه يمكن إثبات
عقد العمل أو علاقة العمل بأية وسيلة كانت من خلال نص المادتين السالفتين
الذكر، نستخلص أن المشرع قد حاول تبسيط الإجراءات، ولم يشترط الكتابة
لإثبات عقد العمل، بل أجاز إثبات ذلك بجميع الطرق الممكنة قانوناً لأن عبء
الإثبات يقع على العامل، وفي هذا الصدد نذكر على سبيل المثال أن المحكمة
العليا أيدت حكماً لمحكمة الجزائر العاصمة والتي أجازت بطاقة الانخراط في
النقابة كوسيلة إثبات وجود علاقة العمل (قضية رقم 135433 جلسة
04/06/1996م).
ونلاحظ على هذا المثال أنه في ظل التشريع القديم كان يجب
على العامل إثبات وجود ونوعية عقد العمل أو علاقة العمل في آن واحد، بمعنى
آخر هذه العلاقة محددة المدة أو غير محددة المدة ؟
بينما وفي ظل القانون
رقم 90/11 من المادة 11 يفترض أن تكون العلاقة قائمة لمدة غير محددة وذلك
في حالة انعدام عقد عمل مكتوب وبالتالي فإنه وبموجب القانون لا يستطيع صاحب
العمل إثبات العكس، مما يجعله إذاً مرتبطاً بعلاقة العمل غير المحدودة.
ملاحظة: يكون التشريع قانوني في عقد العمل غير المحددة، إلا في حالة الأسباب التأديبية والاقتصادية وفي غير ذلك يكون تعسفياً.
أما
فيما يتعلق بتحديد عقد العمل محدد المدة لأكثر من مرة، فالتشريع الحالي لا
يشير لهذه الحالة، بينما في ظل التشريع القديم، من شأنه أن يحول علاقة
العمل محدد المدة إلى عقد عمل غير محدد المدة، وهنا يبقى السؤال مطروحاً
حول إمكانية هذا التحول في ظل النصوص الجديدة وبالأخص ق 90/11.
فالمادة
12 منه تنص على أنه يمكن إبرام عقد العمل لمدة محدودة بالتوفيق الكامل أو
الجزئي في بعض الحالات المنصوص عليها صراحة، فمن طبيعة هذه الحالات أنها
تقتضي عقود محددة المدة، وبالتالي لا يحتاج صاحب العمل إلى تجديد العقود
بشأنها.
2) فترة التجريب وإمكانية تجديدها:حسب المادة 18 من ق 90/11
يمكن أن تخضع العامل الجديد لتوظيفه لمدة تجريبية لا تتعدى 06 أشهر كما
يمكن أن ترفع هذه المدة إلى 12 شهراً، بينما عدة مؤسسات تتجاوز أحياناً هذه
المدة القصوى القانونية، وذلك عن طريق تجديد هذه الفترة لعدة مرات
متتالية، وعلى سبيل المثال إذا كانت فتر ة التجريب محددة بـ 09 أشهر فإن
تجديدها بنفس المدة سوف يرفعها إلى 18 شهراً لذلك يعتبر تعسفي التسريح الذي
يطرأ بعد الفترة القصوى القانونية، وبالتالي فإن عدم مراعاة المدة القصوى
لفترة التجريب يعتبر بمثابة انحراف عن القانون الذي يحددها. (قضية رقم
135901 المحكمة العليا –غ الاجتماعية-).
3) تعديل علاقة لعمل:إن التعديل
قد ينصب إما على عقد العمل ذاته الذي يمكن تعديله لفائدة العامل إذا كان
القانون أو التنظيم أو الاتفاقيات أو الاتفاقات الجماعية تملي قواعد أكثر
فعالية ونفعاً من التي نص عليها عقد العمل، وقد ينصب التعديل على الشروط
التي يتضمنها عقد العمل أو طبيعته وذلك بناءاً على اتفاق الطرفين ( العامل
والمستخدم ) نتيجة لذلك فإن السلطة الإدارية لا تمكن صاحب العمل من تعديل
العناصر الأساسية لعقد العمل بإيراداته المفردة خاصة إذا كان ذلك يمس
المنصب والمكان الذي وظف العامل من أجله، وبالتالي لا تمكن لصاحب العمل أن
يحول عاملاً إلى وظيفة أخرى في مدينة أخرى دون رضا هذا الأخير.
ويجب على
صاحب العمل أن يثبت بأنه يحوز هذه السلطة بموجب عقد العمل أو النظام
الداخلي (لقضية رقم 136021 – المحكمة العليا- الغرفة الاجتماعية، جلسة
24/09/1996م).

المطلب الثاني: النزاعات الناتجة عن ممارسة السلطة التأديبية:

1)
تحديد الأخطاء الجسيمة: تنص المادة 37 ق 90/11 قبل تعديلها على أن يتم
العزل أو التصريح في حالة ارتكاب العامل أخطاء جسيمة، وذلك حسب الشروط
المحددة في النظام الداخلي، أما بعد التعديل فإن التسريح التأديبي يتم في
حالة
ارتكاب العامل أخطاء جسيمة، ولكن قد حدد في هذا الشأن المشرع على
الخصوص سلسلة من سبع أخطاء جسيمة يحتمل أن ينجر عنها التسريح دون مهلة
إخطار وبدون تعويض وذلك علاوة على الأخطاء الجسيمة التي يعاقب عليها
جزائياً والتي ترتكب أثناء العمل. إن تفسير هذه المادة المعدلة قد أثار
جدلاً في ما إذا كانت هذه الأخطاء الجسيمة مذكورة على سبيل المثال أم على
سبيل الحصر، والسبب في ذلك حسب المحكمة ع يرجع إلى مقاصد المشرع من خلال
التعديل فإن كلمة " على الخصوص " لا تعني حسب رأي المحكمة ع على سبيل
المثال، وبالتالي لا يمكن لصاحب العمل أن يدرج في النظام الداخلي وأخطاء
أخرى من نفس الدرجة، بمعنى آخر ينبغي ألا تؤخذ بعين الاعتبار كلمة "على
الخصوص"، بل يجب استخلافها بكلمة دون سواها، في الحقيقة يراد من خلال هدا
التفسير نزع عن صلاحيات صاحب العمل سلطته في تحديد الأخطاء الجسيمة التي
تؤدي إلى عزل العامل دون تعويض وأصبح يقتصر مجال ممارسة هذه السلطة
التأديبية إلا في تحديد الأخطاء من الدرجة 1و2 فقط.
والتي لا يترتب عنها تسريح العامل (من الإنذار الشفوي إلى توقيف العامل لمدة محددة).
فحسب
المحكمة العليا ،فان المشرع أراد تقييد سلطات صاحب ع في المجال التأديبي ،
عير انه قد وضع نفسه في مأزق عندما استعمل كلمة "على الخصوص" لذلك يجب أن
لا نتقيد بها.
بطبيعة الحال فإن هذا التأويل من شانه عرقلة نشاط
المؤسسات حيث أنها تصبح مقيدة بمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني
بينما النشاط الاقتصادي يقتضي أن يكون صاحب العمل هو أدرى من غيره في تقدير
جسامه ومدى الأضرار التي تلحق المؤسسة من جراء الأخطاء التي ترتكب أثناء
العمل فيمكنه اتخاذ كل ما يراه مناسبا لهذا الشأن تحت رقابة القاضي مع
العلم انه ملزم بإثبات عدم تعسفه في استعمال حقه في التسريح وذالك طبقا
للمادة 73 ف 03 ق 90/11 غير أن المحكمة العليا قد فرضت على أن يتضمن لزوماً
كل قرار للتصريح أحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 73 لذلك يجب أن يكيف
كل خطأ وفعل تبعاً لهذه الأسباب زيادة على ذلك يجب على المستخدم أن يأخذ
بعين الإعتبار الظروف المخففة أو المشددة عند تحديد وصف الخطأ الجسيم الذي
يرتكبه العامل طبقاً للمادة 73 ف 01 التي تنص على أنه يجب أن يراعي
المستخدم على الخصوص، عند تحديد ووصف الخطأ الجسيم الذي يرتكبه العامل
الظروف التي ارتكب فيها الخطأ ومدى اتساعه ودرجة خطورته والضرر الذي لحقه
وكذلك السيرة التي كان يسلكها العامل على تاريخ ارتكابه لخطأ نحو عمله ونحو
ممتلكات هيئة المستخدم.
2)الإجراءات التأديبية: إن أول إجراء يجب على
صاحب العمل مراعاته هو طبيعة الحال وضع النظام الداخلي إذ كانت المؤسسة
المستخدمة تحتوي على 20 عامل فأكثر وفي هذا الصدد فإن القضاء قد أعتبر
تعسفياً كل قرار تأديبي متخذ في غياب النظام الداخلي وذلك بغض النظر حقيقة
وخطورة الأفعال المادية المكونة للخطأ ( المحكمة ع ،الغرفة إ، قضية رقم
141656 جلسة 02/07/1996م زيادة على ذلك تستلزم كل عقوبة تأديبية إتباع
إجراءات مسبقة تتضمن مراحل مختلفة .


المطلب الثالث: النزاعات الناتجة عن توقيف علاقة العمل.

قد
تطرأ بعض النزاعات خلال تنفيذ علاقة العمل وذلك في بعض الحالات الخاصة
التي من شأنها أن توقف ع. العمل بحكم القانون وهذه الحالات تتمثل في
الإضراب والمرض .

الفرع الأول : الإضراب والعقوبات التأديبية

إن
الإضراب هو نزاع جماعي لا يخضع لحكم القانون لاختصاص المحكمة الفاصلة في
المسائل الاجتماعية غير أن الإضراب بصفته نزاع جماعي قد يخضع للرقابة
القضائية وذلك بمناسبة نزاع فردي يتعلق مثلاً بتسريح عامل الإضراب المعتبر
غير قانوني ومن جهة نظر صاحب العمل ففي هذه الحالة تقدر المحكمة مشروعيته
أو قانونية الإضراب وشروط ممارسته وفي هذا الصدد قد حدد الاجتهاد القضائي
مبدأين:
الأول : يتمثل في ضرورة التقدير القضائي لقانونية الإضراب قبل
توقيع أي عقوبة تأديبية من طرف صاحب العمل والطابع غير القانوني للإضراب قد
يكون ناتجاً عن تحقيق أهداف غير مهنية أو متمثلاً في خرق الإجراءات
القانونية من طرف المضربين، ولكن رغم وضوح قانونيته، لأن القضاء لا يمنح
صاحب العمل رخصة تقديرها للمستخدم الذي لا يحق له تسريح العمال استناداً
لها لأن صلاحية تكييفها ووضعها يرجع للجان القضائية المختصة، وعلى إثر ذلك
يمكن استخلاص النتيجتين التاليتين :
· الأولى تتمثل في وجوب إثبات الطابع غير القانوني للإضراب من طف المستخدم.
·
تتمثل في إلزام المستخدم باللجوء للقضاء من أجل استصدار حكم بالمشروعية أو
عدمها.وفي هذا الصدد يمكن للمستخدم انتهاج إحدى الطريقتين التاليتين.
- رفع دعوى قضائية مباشرة بشأن عدم قانونية مشاركة العامل في الإضراب.
- رفع دعوى الفسخ القضائي لعقد العمل بعد إعذاره.
الثاني:
تحديد الجهة القضائية المختصة يكون حسب الوجه الذي تأسس عليه عدم قانونية
الإضراب وهنا التقدير يوجه إلى قاضي الاستعجال أو إلى قاضي الموضوع حسب
الحالة، فإذا كانت عدم القانونية ناتجة عن عيب واضح في الشكل لا يحتاج إلى
أي فحص أو تأويل يعود الاختصاص إلى قاضي الاستعجال للبحث والبث في صلاحية
الشروط المتبعة في ممارسته أما إذا كانت ناتجة عن الانحراف عن الهدف المعني
أو في حالة ما إذا أعتبر صاحب العمل أن استعمال هذا الحق الدستوري كان
بصفة تعسفية ولو أنه شرع فيه بصفة نظامية على أساس نظرية التعسف في الحق،
فيكون التقدير هنا لقضاء الموضوع للمحكمة الفاصلة في المسائل المدنية
والاجتماعية.


الفرع الثاني: المرض وممارسة السلطة التأديبية

على
غرار للإضراب فإن المرض يوقف علاقة العمل ويعلق ممارسة صاحب العمل لسلطته
التأديبية وبالتالي لا يمكنه خلال عطلة العامل المرضية باستدعائه لسبب
تأديبي أو بإعذاره أو معاقبته وكل فعل من شأنه أن يمس بحقوق العامل والمتخذ
فرقاً لهذه القاعدة القانونية يعتبر تعسفياً، أما في ما يتعلق بإثبات حالة
المرض فقد يتم يتقديم شهادة طبية وهذا لا يمكن صاحب العمل أن يدعي بأنها
سلمت للعامل على أساس المحاباة إلا بإثبات العكس عن طريق الخبرة الطبية
المضادة غير أن تقدير حالة المرض من اختصاص الطبيب المستشار لدى هيئة
الضمان الاجتماعي، وبالتالي فإن قرارها يقيد صاحب العمل متى كان التقدير
إيجابياً وعند عدم قبولها للشهادة لسبب صحي محض يمكن لصاحب العمل إلزام
العامل بالإلتحاق بمنصب عمله ابتداءاً من تاريخ تبليغه بقرار الرفض، ومن
ذلك الحين يسترجع المستخدم سلطته التأديبية.


المطلب الرابع: النزاعات الناتجة عن انتهاء علاقة العمل

إن
المادة66 قد نصت على سبيل الحصر الحالات التي تنهي علاقة العمل غير أننا
نكتفي بالحالات التي قد تثير نزاعات بين أطراف علاقة العمل، وعلى وجه
الخصوص التسريح، وفي هذا الصدد يمكن القول بأنه ما عدا حالتي التسريح
التأديبي والجماعي عن طريق تقليص عدد العمال لأسباب اقتصادية فإن المشرع
الجزائري لم يفترض أو بالأحرى لم ينظم التسريح بالإرادة المنفردة لصاحب
العمل وذلك لأسباب أخرى غير الأسباب المذكورة آنفاً ففي الحالة (حالة) نزاع
ما حول هذا النوع من التسريح كيف يمكن تحديد محتوى ومدى رقابة القاضي في
هذا الشأن ؟
في ظل التسريح القديم كان ينحصر دون القضاء في حماية العامل
والحرص على إبقائه في منصب عمله، لكن كيف يكون موقفه في ظل مفهوم وروح
القوانين الصادرة في سنة 1990، وفي غياب نص قانوني واضح يجب على القاضي أن
يعد القاعدة التي يمكن تطبيقها في هذا المجال، غير أنه وفي هذا الصدد قد
يفتقر القاضي الجزائري إلى الحلول القانونية ما عدا اللجوء إلى نظرية
التعسف في الحق التي غالباً ما يصعب تطبيقها استناداً للشروط المنصوص عليها
في المادة 41 ق م بينما وفي القانون المقارن فقد وجدت عدة حلول تشريعية من
شأنها الحد من أعمال صاحب العمل التقديرية ففي القانون الفرنسي يعتمد
القاضي على السبب الحقيقي والجدي كشرط مسبق لأي تسريح من العمل أما في
إسبانيا وإيطاليا فإن الاجتهاد القضائي يسمح بالرقابة القضائية للتسريح على
أساس مبدأ أو شرط حسن النية لاكتشاف ما إذا كانت هناك أسباب غير مشروعة قد
جعلت التسريح معيباً. استناداً لهذه الحلول المأخوذة من القانون المقارن
هل بإمكان القاضي الجزائري إلزام صاحب العمل على تقديم سبب حقيقي وجدي كلما
قام هذا الأخير بالتسريح؟ أو هل يمكن للقاضي اللجوء إلى مبدأ حسن النية
وذلك لرفض مشروعية تصرفات صاحب العمل المعتبرة تعسفية ؟ كيف يمكن للقاضي
الجزائي التأكد من حقيقة وجدية تعليل سبب التسريح وهل عبء إثبات عدم التعسف
يكون على عاتق صاحب العمل، وما هو الحال بالنسبة للتسريح التأديبي طبقاً
للمادة 73 ف03 من ق90/11 التي تنص على أنه كل تصريح فردي يتم خرقاً لأحكام
هذا القانون يعتبر تعسفاً وعلى المستخدم أن يثبت العكس، في الحقيقة حسب
التشريع الساري المفعول حالياً في الجزائر ، يعتبر تعسفياً كل تسريح ناتجاً
عن الإرادة المنفردة للمستخدم دون ارتكاب العامل خطأ جسيماً ما عدا
التسريح الناجم عن تقليص عدد العمال وذلك مهما كانت جدية وحقيقة السبب الذي
أسس عليه صاحب العمل قراره.
غير أن القضاء قد اعتمد إنهاء علاقة العمل
عن طريق إرادة الطرفين أو بما يسمى الذهاب الإرادي مع أن هذه الحالة أو
الممارسة لا ينص عليها صراحة تشريع العمل الجزائري (م66 ق 90/11) مما
يتبادر إلى الذهن السؤال عن مدى قانونية أو مشروعية هذا الأسلوب الجديد
لإنهاء علاقة العمل ؟ .
وفي الواقع أن الذهاب الإرادي لا يعتبر في حد
ذاته كأسلوب قانوني لإنهاء ع العمل بل يعني فقط حالة فسخها الذي يتم على
إثر مبادرة من طرف صاحب العمل ويقوم العامل بعد ذلك بإبداء قبوله على أن
ينقض عقد عمله أما الأسلوب القانوني الذي يؤسس عليه الذهاب الإرادي لإنهاء ع
العمل فإنه يتمثل في اتفاق الطرفين الذي بموجبه يتفق طرفا العقد على فسخه
وحسب هذا المفهوم يعتبر الذهاب الإرادي ذهاباً تفاوضياً بمعنى أنه بمقابل
موافقته على إنهاء ع العمل يتقاضى العامل تعويضا من طرف صاحب العمل فاللجوء
من طرف المؤسسات إلى أسلوب الاستقالة (التفاوضية) أو التسريح (التفاوضي )
هو في الواقع يعتبر إجراء غير لائق قانونا في كلتا الحالتين مادام أن أسلوب
اتفاق الطرفين يكفي في حد ذاته لإنهاء أو فسخ عقد العمل وذلك طبقا
للمادة106 ق م التي تنص على أن " العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا
تعديله إلا بإرادة الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون" .