مقترحات للتغلب على عدم إلتزام الموظف الحكومي بالدوام الرسمي
الجمعه 24 ذي الحجة 1425هـ - 4 فبراير2005 م- العدد 13374

د. أحمد عبدالله العبيد

إن الحديث عن ظاهرة تسيب الموظف الحكومي وعدم التزامه بمواعيد الحضور والانصراف من الدوام الرسمي حديث ذو شجون، فكيف برزت هذه الظاهرة التي هي من الحقيقة بعيدة كل البعد عن تعاليم ديننا الإسلامي وقيمنا وتقاليدنا؟ لماذا اصبحت هذه الظاهرة وكأنها سمة من سمات تركيبتنا الاجتماعية؟ ما هي الحلول الكفيلة بالقضاء عليها؟
مما لاشك فيه بأن هذه الظاهرة اضحت هاجس المسؤولين لما تخلفه وراءها من سلبيات اجتماعية واقتصادية على انتاجية العمل، فأوجدت هيئة مستقلة بذاتها والتي احدى مهامها الوظيفية مراقبة حضور وانصراف موظفي الدوائر الحكومية عن طريق عمل الزيارات الدورية المفاجئة، هذا ناهيك عن وجود كشف حضور وانصراف في كل دائرة للتوقيع عليه يومياً من قبل الموظف.. ولكن كل هذه الطرق لم تؤد الغرض منها على اكمل وجه.. فلماذا لم تجد كل هذه الطرق؟ هذا هو صلب موضوعنا هنا، وانني أجد هذا الموضوع ثقيل الطرح والمناقشة لحساسيته لدى البعض ولكن المصلحة والواجب الوطني يحتم علينا ذلك شاء بعضنا أو أبى.
الحقيقة ان مشكلة عدم التزام شريحة كبيرة من الموظفين بدوام العمل في القطاع الحكومي يكمن وراءه سبب رئيسي هام وهو قصر وعدم كفاءة وجدارة بعض المديرين والرؤساء الجالسين في قمة الهرم الوظيفي، فإذا كان ذلك المسؤول (!) هو آخر موظف يحضر للدوام واول موظف ينصرف منه، وقد منح نفسه صلاحية عدم التوقيع على كشف الحضور والانصراف بدون حساب او رقيب من قبل رؤسائه، فهل نتوقع ان نجد موظفا يحرص على الالتزام بوقت الدوام وتطبيق النظام.
إننا ومهما عملنا ووضعنا من نظم ولوائح تلزم الموظف بقوانين العمل فإنها جميعاً لن تجدي نفعاً لاننا - وبكل اسف - دائماً وأبداً بطريقة او بأخرى نعفي من هذه اللوائح والنظم من هو على رأس الهرم الوظيفي لمخافته هذه الانظمة، ففقد الموظف المثل الأعلى ومصداقية هذه الانظمة، ولذلك تبقى كثير من هذه اللوائح والنظم مجرد حبر على ورق وجهود ضائعة، ورحم الله ذلك الشاعر القائل:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك اذا فعلت عظيم
ولنأخذ شركة الزيت السعودية (أرامكو) كنموذج وطني لنرى مدى انضباط واحترام الموظف للوائح ونظم العمل، فما ان تدق الساعة السابعة الا وجميع موظفي هذه الشركة على مكاتبهم منهمكين في أداء مهام عملهم المنوط بهم، بالرغم من عدم وجود كشوف لحضور وانصراف الموظف.
إن موظفي هذه المؤسسة الحكومية هم جزء من شعب هذا الوطن الشامخ وهذا النموذج من الموظفين يؤكد لنا بأننا شعب يحترم ويقدس العمل وهذا الاحترام هو جزء من هويتنا الإسلامية وتركيبتنا الاجتماعية، والسؤال البديهي هنا هو: لماذا لا يوجد في مؤسساتنا الاهلية انضباط في العمل ولا يوجد في اغلب مؤسساتنا الحكومية بالرغم من حرصها الكبير على ذلك؟ الاجابة وباختصار شديد هو وضعهم الشخص المناسب في المكان المناسب، مسؤول الإدارة عندهم (كبيرهم قبل صغيرهم) ضربوا المثل الاعلى في احترام وتطبيق اللوائح والنظم على انفسهم قبل ان يطبقوها على موظفيهم، فهم اول من يحضر للدوام وآخر موظف ينصرف منه، هذا ناهيك عن الممارسات الإدارية الايجابية الاخرى التي تعكس مدى فعالية وايجابية الإدارة الواعية والكفاءة العالية للمسؤول وهذا يدعونا للمناداة وبأعلى صوتنا: لماذا لا نستفيد من تجربة أرامكو التي أثبتت جدواها ووضعت هذه الشركة العملاقة في مصاف الشركات العالمية الرائدة فأصبحت عالمياً ومحلياً مضرب مثل في حسن الإدارة وفعالية وجودة الانتاجية.
بالأمس طبقت وزارة الصحة نظام «بصمة اليد» كحل بديل جذري ومثالي لضبط عملية حضور وانصراف موظفيها في مبنى الوزارة، بغض النظر عن الهرج والمرج الذي حدث في اول يوم تم فيه تطبيق هذا النظام وذلك لقلة عدد الأجهزة التي تم وضع (5 أجهزة فقط) مقارنة بعدد الموظفين الذين يربون عن الألفي موظف، فكان خروجهم من الدوام في وقت واحد سبب تزاحم وتأخر الموظفين عن أسرهم إلى الساعة الثالثة مساء مما جلب تذمرهم وغضبهم، وهم على حق في ذلك، وعلى كل حال هذه مشكلة يمكن معالجتها بزيادة عدد الأجهزة ولكن ليس هذا موضوعي، إنني لست ضد فكرة تطبيق «بصمة اليد» في دوائرنا الحكومية إذا كانت هذه الوسيلة سوف تعالج وتضبط الموظف في عمله بل العكس هو الصحيح فإنني أدعو لتطبيقها في جميع مؤسساتنا الحكومية.
ولكنني أعود مرة أخرى لمنبع وأساس وصلب مشكلة عدم احترام الموظف الحكومي للدوام الرسمي وأتساءل هل هذا النظام سوف يطبق أيضاً على المديرين والرؤساء؟ أم أنهم وكالنظام السابق سوف يعفون (وبعبارة أصح سوف يتجاوز عنهم) لنعود من حيث أتينا من نقطة الصفر وتبقى «بصمة اليد» مجرد فكرة لن تؤدي الهدف الحقيقي المرجو منها ولن نجني منها إلا جهدا ضائعا ووقتا ومالا مهدورا.. وأمل وأمنية وحلما لم يتحقق.
وأرجو أن لا يفهم من حديثي بأنه مسألة تحامل على هذا المسؤول أو ذاك، طبعاً هذا غير وارد ولم ولن يكون القصد، ولكن انتقادي نابع من منطلق الحب والحرص على مصلحة الوطن والمواطن وليس الكره، ذلك المسؤول هو بالتالي مواطن يمثل النظام والقانون.. أنيطت بيده مصلحة الوطن والمواطن.. منحت له الثقة وحمل الأمانة.. شخص من المفترض منه أن يكون قدوة حسنة لموظفيه، فإذا أخل بالنظام وتهاون بتطبيق اللوائح المعمول بها فالكل سوف يحذو حذوه ويكون الوضع كما يصفه ذلك الشاعر:
إذا كان رب البيت بالدف ضارباً
فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
نعم إن الموضوع أبعد وأشمل من مجرد حديث عن شخص خاف أو تهاون في عمله، بل يعني لنا جميعاً الكثير على أمن واستقرار واقتصاد الوطن والمواطن على المدى القصير والبعيد.. تصور نفسك أيها الموظف - وما أكثر الأمثلة - أن مديرك يلقنك ويذكرك ويحذرك - وبصورة يومية - بتعاميم وقرارات نظام العمل والعقوبات التي تنص على مخالفتها، ويحاسبك على أي مخالفة لهذا النظام صدرت منك مرة سواء بقصد أو بغير قصد وفي نفس الوقت هو نفسه يمارس هذه المخالفة وبصورة يومية، فما هي ردة فعلك في هذه الحالة لا شك بأن هذا التصرف سوف يؤثر سلباً على مستوى كفاءتك الإنتاجية للعمل الذي تؤديه، بالإضافة إلى الأثر السيئ الذي سوف يتركه على نفسيتك في تعاملك، في حياتك الأسرية والاجتماعية.
هذا ما أردت طرحه للمناقشة والدراسة من قبل ولاة أمرنا حفظهم الله ورعاهم وسدد خطاهم.. وأختم حديثي بمقولتي الخاصة «أعطني مسؤولا كفؤاً أعطيك نظاماً محكماً وعملاً متقناً».

المصدر : http://www.alriyadh.com/2007/12/12/article36248.html