بعد صدور دستور 1989 الذي كرس التوجه الليبرالي وسياسة اقتصاد السوق جاء القانون البلدي 90-08 ليكرس هذا الاتجاه وبالتالي تم إرجاع الجماعات المحلية إلى مهامها التقليدية والمتمثلة في خدمة المرفق العام.
ومن المعروف أن خدمة المرفق العام تتطلب وسائل مالية معتبرة ، مما لا يخفى على الجميع ان الجماعات المحلية تعاني مشاكل مالية حادة.
إن التكريس الفعلي للصلاحيات الجديدة بالنظر إلى كل هيكل إداري يبقى رهن توفر الموارد المالية الكافية ولعل أهم مشكل يعترض الإدارة المحلية بصفة عامة هو مدى وجود إيرادات بالحجم الذي يمكن الجماعات المحلية من أن تتكفل بالشكل اللازم بكل صلاحياتها المخولة لها بمقتضى القوانين.
وعلى هذا الأساس لابد من الإشارة إلى وجود هياكل إدارية محلية ترجع إلى تخلي السلطة المركزية عن العديد من الاختصاصات من منطلق أن الهياكل المحلية هي مؤهلة اكثر من غيرها لإدارة الشؤون المحلية بحكم معرفتها للواقع المعاش وقربها من مصدر القرار.
ولقد اختارت الجزائر في استراتيجيتها التنموية سياسة اللامركزية الإدارية وهذا ما يتضح في جميع المواثيق والنصوص فالميثاق الوطني ألقى على عاتق البلديات والولايات مسؤولة الفصل في القضايا المتعلقة بها وعلى السلطة المركزية مسؤولية البث في المشاكل ذات الأهمية الوطنية.
كما انه ينبغي للامركزية الإدارية أن تخول للبلديات والولايات كامل الصلاحيات للنظر في المشاكل ذات المصلحة المحلية أو الجهوية التي بإمكانها حلها ، ويجب أن تشكل هذه الصلاحيات الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
استناد لقانون البلدية فان الصلاحيات والوظائف المسندة للبلدية هي :
1. التهيئة والتنمية المحلية فالبلدية هي التي تتولى إعداد مخططها لتنموي القصير والمتوسط والطويل المدى ، وتصادق عليه وتسهر على تنفيذه ، كما تشارك البلدية في الإجراءات المتعلقة بعمليات التهيئة العمرانية وتبادر بكل عمل أو إجراء من شانه تطوير الأنشطة الاقتصادية التي تتماشى مع طاقتها ومخططها التنموي ، كما تبادر البلدي بكل إجراء من شانه التكفل بالفئات الاجتماعية المحرومة ومساعدتها لاسيما في مجال الصحة والسكن والشغل.
2. التعمير والهياكل الأساسية والتجهيز
فالبلدية مطالبة بان تتزود بكل وسائل التعمير ، وكما هي مطالبة باحترام تخصيصات الأراضي وقواعد استعمالها كما تسهر على المواكبة الدائمة لمطابقة عمليات البناء للشروط المحددة في القوانين والتنظيمات المعمول بها.
كما تعمل على :
المحافظة على المواقع الطبيعية ، والآثار نظرا لقيمتها التاريخية والجملية
حماية الطابع الجمالي والمعماري
كما تقوم بإعداد الأعمال المتعلقة بأشغال تهيئة الهياكل القاعدية والأجهزة الخاصة بالشيكات التابعة لها.
3. التعليم الأساسي وما قبل المدرسي :
تختص البلدية بإنجاز مؤسسات التعليم الأساسي وصيانتها ، وتشجيع النقل المدرسي
4. أجهزة الاجتماعية والجماعية :
تتكفل البلدية بإنجاز مراكز صحية وقاعات العلاج وصيانتها
تقدم البلدية في حدود إمكانياتها المالية صيانة الهياكل والأجهزة المكلفة بالشبيبة والثقافة.
تعمل على تشجيع وتوسيع القدرات السياحية
تشارك البلدية في صيانة المساجد والمقابر الموجودة في ترابها.
5. السكن : تختص البلدية في مجال السكن بتنظيم التشاور وخلق شروط الترقية العقارية العمومية والخاصة وتنشيطها.
6. حفظ الصحة والنظافة والمحيط : تتكفل البلدية بحفظ الصحة والمحافظة على النظافة العمومية ولاسيما :
توزيع المياه الصالحة للشرب
صرف ومعالجة المياه القذرة والنفايات الصلبة الحضرية
نظافة الأغذية والأماكن والمؤسسات التي تستقبل الجمهور
مكافحة التلوث وحماية البيئة ، وتعمل على إنشاء المساحات الخضراء وصيانتها.
بعد عرض لأهم صلاحيات ومهام البلدية وحتى تتمكن هذه الأخيرة من ممارسة هذه المهام بمختلف أنواعها لابد من تقديرات مالية تتمثل بصفة أساسية في بالميزانية هذه الوثيقة التي عن طريقها يتم تحقيق هذه المهام على ارض الواقع
وانطلاقا من شمولية وأهمية دور الجماعة المحلية فانه من المنطقي أن ينعكس على المستوى المالي بضرورة رصد الموارد اللازمة والتي ليس من السهل دائما توفيرها بما فيه الكفاية.
والسؤال الذي يمكن طرحه في هذا السياق هو :
هل أن الوضعية الحالية من الناحية المالية تعكس أو بالأحرى تمكن من تكريس الخيار اللامركزي حتى تلعب الجماعات المحلية دورها التنموي ؟
وهل لهاته الجماعة الموارد الكافية لتحقيق هذه الخيارات ؟
أو بالأحرى هل أن هذه الجماعة المحلية لا تعاني من العجز المالي عند تحقيقها لهذه الخيارات ؟
وكيف يتسنى لها معالجة هذا العجز ؟