قانون الصفقات لم يأت ليضع جوابا على كل تساؤل و حلا لكل حالة .. بل وضع مباديء عامة يجري اسقاطها على ما قد يعترضنا من اشكالات عملية.
فهو حين أقر العمل بالملحق فقد أقر امكانية ادخال تعديلات على تركيبة الأشغال أو الخدمات أو اللوازم بزيادة كميتها أو انقاصها أو إلغاء بعضها و إدخال البعض الآخر .. و تلك من أوجه المرونة الضرورية لتلبية الطلب العمومي على النحو الأمثل و استجابة لمقتضيات لم يكن من الممكن توقعها أو لمقتضيات تفرزها ظروف التنفيذ أو الشتراطات التقنية أو تغير القوانين و المعايير و المواصفات أو ظهور حاجيات جديدة مرتبطة بالمشروع نفسه.
و لكنه بالمقابل وضع مبدأ آخر يقيد الملحق بوجوب عدم تغيير موضوع العقد تغييرا جوهريا .. فلا تتحول عملية الترميم مثلا إلى عملية انجاز و لا تصبح عملية الانجاز عملية ترميم .. و لا يصبح تزفيت الطريق عملية شق طريق جديد .. و هكذا.
كما وضع مبدأ آخر يمنع أن يمس الملحق بالتوازن الإقتصادي للعقد .. إضافة إلى مبدأ ثالث يتعلق بإمكانية أن يشكل الملحق مساسا بشروط المنافسة كأن يعطي للمتعامل المتعاقد أفضلية لم يتحصل عليها بموجب عرضه الأصلي .. و لذلك كله أخضع الملحق الذي يتجاوز مبلغه نسبة 20 بالمئة من القيمة الأصلية للصفقة إلى رقابة لجنة صفقات المصلحة المتعاقدة .. و هو بذلك يعتبر أن تجاوز هذه القيمة (20 بالمئة) يعتبر مؤشرا على إحتمال عدم احترام المباديء المذكورة أعلاه.
و كما تلاحظون فكل تلك المباديء خاضعة للتقدير و ليست خاضعة لنص قانوني واضح و محدد يتضمن اجابة بنعم و لا .. يجوز و لا يجوز .. يمكن و لا يمكن .. بل يتطلب الأمر دراسة محتوى الملحق و مبرراته للوقوف على مدى مطابقتها للقانون.
و لكن أن تصل الأشغال التكميلية (خارج الإتفاقية) إلى نسبة 80 بالمئة يجعلنا نطرح الكثير من التساؤلات عن طبيعة الأشغال الأصلية و عن طبيعة الأشغال التكميلية .. و هو أمر غير منطقي أن نحذف من العقد الأصلي كل هذه الأشغال التي تجعلنا ربما أمام عملية جديدة كليا .. و من المحتمل أيضا أن يكون لهذا التغيير تأثير على شروط المنافسة نفسها .. ربما لو كانت هذه الأشغال التكميلية مدرجة في دفتر الشروط لكان الإقبال على المشاركة أكبر و لتغيرت نتائج المنافسة.
ثم لاحظي أننا في هذه الحالة سنقوم بالتفاوض مع المتعامل المتعاقد حول الأسعار .. أي أن الأسعار سيتم تحديدها خارج الأطر التي حددها القانون للمنافسة .. و هي أسعار جديدة تماما لما قيمته 80 بالمئة من العقد الأصلي .. و قد يكون ذلك من قبيل الممارسة التحايلية على قانون الصفقات يفضي إلى منح امتيازات للمتعامل المتعاقد على حساب غيره من المتعاملين الذين شاركوا في الاستشارة.
كما تكشف هذه الحالة عن سوء التحكم في برمجة العمليات التنموية المختلفة .. فإذا كنا لا نستطيع التعرف إلى ما تتطلبه عملية ترميم بسيطة فكيف يمكننا أن نخطط للتنمية بوجه عام ؟
ان المبدأ المعمول به في قبول الأشغال التكميلية هو " عدم قابليتها للتوقع " إضافة إلى تلك الأشغال الموصى بها بموجب الخبرات التقنية لهيئات الرقابة التقنية للبناء أو الري أو غيرها .. أو ما يقتضيه التدخل لحماية المنشأة من ضرر ما لحق بها بسبب تنفيذ الأشغال المتعاقد عليها دون أن يكون المتعامل المتعاقد السبب في ذلك الضرر.
لذلك أرى شخصيا أن حالات كهذه تتطلب عدم اللجوء إلى ابرام ملحق .. فهي مما يوجب إعمال مبدأ المنافسة من جديد.
و الله و الراسخون في العلم أعلم.